"التنظيم والإدارة" يكشف عدد المتقدمين لمسابقة وظائف معلم مساعد مادة    هل تسقط احتجاجات التضامن مع غزة بايدن عن كرسي الرئاسة؟    بيني جانتس يهدد بالاستقالة من حكومة نتنياهو لهذه الأسباب    رئيسا روسيا وكازاخستان يؤكدان مواصلة تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين    ظهر بعكازين، الخطيب يطمئن على سلامة معلول بعد إصابته ( فيديو)    عماد النحاس: نتيجة مباراة الأهلي والترجي «مقلقة»    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    بن حمودة: أشجع الأهلي دائما إلا ضد الترجي.. والشحات الأفضل في النادي    خاص- تفاصيل إصابة علي معلول في مباراة الأهلي والترجي    الداخلية تكشف حقيقة فيديو الاستعراض في زفاف "صحراوي الإسماعيلية"    نصائح لمواجهة الرهبة والخوف من الامتحانات في نهاية العام الدراسي    بوجه شاحب وصوت يملأه الانهيار. من كانت تقصد بسمة وهبة في البث المباشر عبر صفحتها الشخصية؟    عاجل.. إصابة البلوجر كنزي مدبولي في حادث سير    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    بعد اكتشاف أحفاد "أوميكرون "، تحذير من موجة كورونا صيفية ولقاح جديد قريبا    مع استمرار موجة الحر.. الصحة تنبه من مخاطر الإجهاد الحراري وتحذر هذه الفئات    عيار 21 الآن بالسودان وسعر الذهب اليوم الاحد 19 مايو 2024    «إزاي تختار بطيخة حلوة؟».. نقيب الفلاحين يكشف طريقة اختيار البطيخ الجيد (فيديو)    إيطاليا تصادر سيارات فيات مغربية الصنع، والسبب ملصق    حماية المنافسة: تحديد التجار لأسعار ثابتة يرفع السلعة بنسبة تصل 50%    حزب الله يستهدف عدة مواقع لجيش الاحتلال الإسرائيلي.. ماذا حدث؟    باقي كام يوم على الإجازة؟.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    الأرصاد الجوية تحذر من أعلى درجات حرارة تتعرض لها مصر (فيديو)    شافها في مقطع إباحي.. تفاصيل اتهام سائق لزوجته بالزنا مع عاطل بكرداسة    نشرة منتصف الليل| الحكومة تسعى لخفض التضخم.. وموعد إعلان نتيجة الصف الخامس الابتدائي    محافظ بني سويف: الرئيس السيسي حول المحافظة لمدينة صناعية كبيرة وطاقة نور    مصطفى قمر يشعل حفل زفاف ابنة سامح يسري (صور)    حظك اليوم برج العذراء الأحد 19-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أصل الحكاية.. «مدينة تانيس» مركز الحكم والديانة في مصر القديمة    باسم سمرة يكشف عن صور من كواليس شخصيته في فيلم «اللعب مع العيال»    صاحب متحف مقتنيات الزعيم: بعت سيارتي لجمع أرشيف عادل إمام    بعد الانخفاض الكبير في عز.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد بالمصانع والأسواق    رضا حجازي: التعليم قضية أمن قومي وخط الدفاع الأول عن الوطن    تعزيزات عسكرية مصرية تزامنا مع اجتياح الاحتلال لمدينة رفح    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    "التصنيع الدوائي" تكشف سبب أزمة اختفاء الأدوية في مصر    بعد ارتفاعه.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 19 مايو 2024    وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    رقصة على ضفاف النيل تنتهي بجثة طالب في المياه بالجيزة    جريمة في شارع ربيع الجيزي.. شاب بين الحياة والموت ومتهمين هاربين.. ما القصة؟    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    أخذتُ ابني الصبي معي في الحج فهل يصح حجُّه؟.. الإفتاء تُجيب    صرف 90 % من المقررات التموينية لأصحاب البطاقات خلال مايو    أوكرانيا تُسقط طائرة هجومية روسية من طراز "سوخوى - 25"    مدافع الترجي: حظوظنا قائمة في التتويج بدوري أبطال أفريقيا أمام الأهلي    دييجو إلياس يتوج ببطولة العالم للاسكواش بعد الفوز على مصطفى عسل    بذور للأكل للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    تعرف علي حكم وشروط الأضحية 2024.. تفاصيل    على متنها اثنين مصريين.. غرق سفينة شحن في البحر الأسود    هل يعني قرار محكمة النقض براءة «أبوتريكة» من دعم الإرهاب؟ (فيديو)    وزير روسي: التبادلات السياحية مع كوريا الشمالية تكتسب شعبية أكبر    البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي الأمريكي سيبحث مع ولي العهد السعودي الحرب في غزة    حريق بالمحور المركزي في 6 أكتوبر    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    إطلاق أول صندوق للطوارئ للمصريين بالخارج قريبًا    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة الخبراء الألمان في مصر (الحلقة الرابعة) - رجال وصواريخ وجواسيس

20 خبيرا ألمانيا شاركوا فى إطلاق برنامج تطوير الصواريخ المصرى
مصر استعانت بهايلمار شاخت المستشار الشخصى لهتلر لتدبير التمويل لمشروعاتها العسكرية
تقرير مخابراتى بريطانى يعترف بتطور صناعة السلاح فى مصر عام 1955
نقص العملة الأجنبية كان عقبة رئيسية أمام طموحات مصر فى التصنيع العسكرى
تواصل "الشروق" عرض كتاب «نازيون على النيل.. الخبراء العسكريون الألمان فى مصر من 1949 إلى 1967» الصادر عن دار النشر نوماد بابلشينج وفيه يكشف الكاتب فيفيان كينروس النقاب عن الكثير من الأسرار والمعلومات حول تلك التجربة التى كانت جزءا من سياق عالمى تنافست فيه أغلب الدول على الاستفادة من آلاف العلماء والخبراء والعسكريين الألمان الذين أصبحوا مستعدين لتقديم علمهم وخبرتهم لمن يدفع بعد انهيار ألمانيا النازية وهزيمتها فى الحرب العالمية الثانية.
بدأت مساعى مصر لتطوير صناعة صواريخ وطائرات محلية مع الملك فاروق بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة عندما فتحت حكومته خطوط اتصال مع وسطاء أوروبيين للوصول إلى خبراء ومهندسين ألمان ممن شاركوا فى برامج إنتاج الصواريخ الألمانية أثناء الحرب. وكان فاروق يرى أن الصواريخ والطائرات هى أنظمة التسليح الحديثة التى ستسيطر على المشهد العسكرى وتضمن أن يكون ميزان القوة لصالح مصر فى أى حروب مستقبلية.
وكانت إقامة صناعة أسلحة وذخيرة محلية عنصرا أساسيا فى مشروع فاروق لإقامة جيش قوى بعد نكبة فلسطين 1948، فقرر الاستعانة بالخبرات الألمانية فى هذا المجال، إلى جانب التحرك لشراء الأسلحة والذخائر الحديثة من الدول الأخرى. لكن هذه الاستراتيجية أصبحت مثيرة للجدل، لأن نجاحها ولو جزئيا سيعزز مكانة مصر كدولة مستقلة وفاعلة فى الإقليم، وفى الوقت نفسه يمكن أن يطلق سباقا للتسلح فى الشرق الأوسط، خاصة مع بدايات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى.
وبعد وصول دكتور فوس إلى مصر عام 1951 بدأ عملية توظيف الخبراء والمستشارين الألمان لكل من الجيش والصناعات العسكرية فى مصر. ومع تفويض مهام تحديث الجيش وتدريب القوات شبه العسكرية إلى الجنرال فيلهالم فارمباخر والكولونيل أوسكار ماونزل، ركز فوس جهده على تطوير وإنتاج الأسلحة والذخائر، خاصة بعد قيام ثورة يوليو ووصول الضباط الأحرار إلى السلطة. وكان تخصص فوس الدقيق يرتبط بأبحاث تطوير وإنتاج الأسلحة والذخيرة يمتلك شبكة علاقات واسعة مع أفضل الخبراء والمهندسين الألمان فى مجال الصناعات العسكرية بحكم عمله السابق فى هذا المجال فى ألمانيا. كما ارتبط فوس بعلاقات قوية من كبار القادة السياسيين والعسكريين فى مصر، على الأقل فى أيام عمله الأولى مما منحه سلطة تعزز قدرته على تنفيذ قراراته.
وبحلول مايو 1953 كان فوس قد ضم عددا كبيرا من خبراء الأسلحة والذخيرة إلى مجلس التخطيط المركزى، ومنهم الدكتور جورج رومر المتخصص فى الكيمياء والذى تم تكليفه بإنشاء مصنع للمواد شديدة الانفجار فى القاهرة. كما تعاقد مع دكتور إتش أندريا المتخصص فى تطوير المقذوفات، حيث أمضى سنوات طويلة مع زملائه بوزارة الإنتاج الحربى الألمانية فى تطوير الدبابات ومجموعة من الأسلحة السرية. وتعاقد فوس أيضا مع المهندس هانز توكفير خبير الكيمياء والمتفجرات فى شركة ديناميت إيه. جى الألمانية والمهندس جى تسانكه المتخصص فى إنتاج واختبار الأسلحة الصغيرة، وكورت هانيش عالم الصواريخ، الذى عمل أثناء الحرب فى مركز تطوير الصواريخ الألمانى فى بينمونده وغيرهم، بحسب وثيقة للمخابرات البريطانية بعنوان «المستشارون الألمان فى الجيش المصرى» وتحمل رقم «تى. إن. إيه/ إف. أو 371/113694» فى الأرشيف الوطنى البريطانى.
ضمت مجموعة برنامج تطوير الصواريخ المصرى حوالى 30 من المستشارين العسكريين الذين يمثلون كل المهارات المرتبطة ببرامج إنتاج وتجميع الصواريخ واسعة النطاق. وكان السؤال هو مدى الفاعلية التى يمكن أن تضيفها هذه المجموعة إلى العمل فى تخطيط وإدارة عملية إنتاج السلاح فى مصر، والتى يمكن أن ترضى طموح الحكومة المصرية لتحقيق اكتفاء ذاتى سريع من السلاح. وكان واضحا منذ البداية أن الأموال والموارد اللازمة لتصميم الآلات والمعدات وخطوط الإنتاج لمثل هذا النوع من النشاط التصنيعى، لم تكن متاحة باستمرار، ويمكن أن تحتاج لبعض الوقت لتوفيرها.
واعتبارا من 1952 كان فوس يعمل فى القاهرة وبالتوازى مع شركة سيراف الخاصة التى كان يديرها عالم الصواريخ الدكتور رولف إنجل، الذى كان رئيسا لمركز أبحاث سكودا فى مصنعها للأسلحة بمدينة براغ. وقاد إنجل فريقا من 40 خبيرا فى تطوير الصواريخ ووقود الصواريخ لإقامة مصنع فى مصر. وقاد العالم الألمانى برنامج تطوير الصواريخ المصرى خلال الفترة من 1952 إلى 1957 عندما ترك العمل فى مصر ورحل إلى إيطاليا.
وللتغلب على مشكلة تمويل مشروعاتها العسكرية، استعانت الحكومة المصرية بالاقتصادى هايلمار شاخت عضو الحزب النازى منذ 1932 والمستشار الشخصى للزعيم النازى أدولف هتلر ووزير الاقتصاد لألمانيا فى أوائل الثلاثينيات. وكان شاخت عم زوجة أوتو سكوزينى الكونيسة إليسه فون فينكنشتاين والتى كانت إلى جانب زوجه تتردد على مصر باستمرار. وفى نوفمبر 1953 ذكرت صحيفة ديلى ووركر الأمريكية أن شاخت يساعد مصر فى تمويل مشروعاتها، مضيفة أنه «كان يدير ثلاثة بنوك فى ألمانيا وزار مصر وإيران ودولا أخرى لتقديم المشورة المالية لها».
وإلى جانب خبراء صناعة الأسلحة والذخيرة ضم فوس عددا من تجار ووسطاء تجارة السلاح الألمان إلى مجلس التخطيط المركزى، والذين كان بعضهم قد أسس بالفعل شركات مشتركة فى مصر. وأعدت المخابرات البريطانية قائمة ضمت 9 أسماء ألمانية بارزة فى هذا النشاط وقدمتها إلى نظيرتها الأمريكية فى عام 1955. ومن أبرز هذه الأسماء أوتو سكورزينى نفسه الذى عمل وسيطا بين الحكومة الألمانية الاقتصادى والمصرفى الألمانى هايلمار شاخت. كما ضمت القائمة تجار السلاح الألمان ألبرت جارى وجونتر ياكرينج وهينريش بلوم المساعد السابق للفيلد مارشال روميل والذى أصبح ممثلا للشركة المصرية الألمانية التجارية الصناعية التى عملت بكثافة فى تجارة السلاح. كما ضمت القائمة فالتر ديتر ممثل شركة راينميتال بورسيج الألمانية فى مصر، وفيلهلم بايزنر الضابط السابق فى جهاز الأمن الألمانى الذى أسره الحلفاء فى معركة إيطاليا وأصبح ممثل شركة فابريكا دى آمرى بيترو باراتا لتجارة السلاح فى الشرق الأوسط.
وفى عام 1955 وقبل عام من العدوان الثلاثى اعترفت بريطانيا، بأن مصر حققت تقدما فى برنامج التسليح، رغم الإشارة إلى أنه كان هناك قدر من المبالغة فى تقييم مستويات نجاح هذا البرنامج. وفى يناير 1955 أعدت السفارة البريطانية فى القاهرة، تقريرا عن إقامة مصر مصنعا لإنتاج الأسلحة الصغيرة، تم فيه تجميع عدد من البنادق نصف الآلية، لكنه لم يصل إلى مرحلة الإنتاج الكثيف اللازم لتلبية احتياجات مصر من هذه الأسلحة.
كما ذكرت السفارة أن مصر أكملت جزئيا بناء مصنع فى حلوان لإنتاج الطائرة النفاثة فامباير، والذى بدأ بناءه مهندسو شركة دى هافيلاند البريطانية قبل مغادرتهم مصر فى 1952. ولم يكن تجهيز المصنع قد اكتمل، ودخلت القوات الجوية المصرية فى مفاوضات مع دى هافيلاند للتخلص من أكبر قدر ممكن من المعدات. فى الوقت نفسه قال البريطانيون فى تقاريرهم إن الفنيين الألمان الذين حلوا محل البريطانيين فى محاولة استكمال المصنع كانوا يعملون دون أن يعرفوا بشكل دقيق الهدف الأساسى لهذا المصنع المهم. ومع ذلك أثار التقرير البريطانى المرسل من القاهرة القلق حيث قال «سمعنا أن المصريين يصممون محركا نفاثا ويعتزمون تصنيعه فى ألمانيا. وغالبا ما يمكن لأى مهندس تصميم محرك نفاث اليوم، لكن تصنيعه يحتاج إلى أساليب هندسية دقيقة، وبخاصة ما يتعلق بشفرات التوربينات، وهى مهارات ما زالت بعيدة عن قدرة المصريين».
فى الوقت الذى اختطف الأمريكيون والروس نخبة الخبراء النازيين فى مختلف الصناعات العسكرية على وجه الخصوص، فإن التركة النازية كانت كبيرة بما يكفى لدول أخرى مثل فرنسا والأرجنتين وإسبانيا مصر لتجد ما يكفيها من هؤلاء الخبراء الألمان فى مجالات الصواريخ المتقدمة وتكنولوجيا الدفع النفاث ومصانع الأسلحة. وفى حين واصل الدكتور فوس برنامج توظيف الألمان لصالح مجلس التخطيط المركزى، وصل متخصصون ألمان آخرون من بقايا الرايخ الثالث إلى القاهرة بشكل مستقل، ووقعوا عقودا للعمل فى برامج حكومية أخرى. وطوال الخمسينيات تزايد عدد أفراد الشبكات من المهندسين والخبراء الألمان الذين يعملون فى مشروعات سرية فى مواقع عديدة حول العاصمة المصرية إلى المئات وربما الآلاف.
ومن أبرز الشخصيات فى هذه الموجة المستقلة للخبراء الألمان الدكتور رولف إنجل الذى اشتهر بأنه المتخصص رقم 2 فى صناعة الأسلحة بألمانيا، وكان خبيرا بارزا فى الصواريخ التى تعمل بالوقود الصلب والأقمار الصناعية وأبحاث الفضاء. وانتقل للإقامة فى القاهرة مع زوجته دانيلا عام 1952، ليعمل كسكرتير لشركة سيرفا، وبالتالى لم يكن جزءا من البعثة العسكرية الألمانية الرسمية، لكنه كان يلعب دورا حيويا أيضا. وأصبح مديرا لمصنع سيرفا السرى للصواريخ فى مصر الجديدة. وفى البداية وصل مع فريق مكون من 8 أشخاص إلى مصر بينهما شخصيتان بارزتان وهما الدكتور بول جيوركه والثانى العالم وخبير الصواريخ الذى قال الأمريكيون إنه يو. تى بودفادت.
ومنذ البداية واجهت شركة سيرفا أزمة فى توفير العملة الأجنبية اللازمة لتمويل مشروعاتها، وبالتالى لم تتمكن من إنتاج القواذف الصاروخية عيار 80 مليمترا بسبب عدم توافر الخامات والمكونات والعملة المطلوبة لشرائها. ومنذ البداية رصدت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية هذه الصعوبات حيث قالت فى أحد تقاريرها المصنع الذى أقيم فى ضاحية مصر الجديدة لتصنيع قواذف الصواريخ من عيارى 80 و100 مليمتر، لم يتجاوز مرحلة التصميم، فى حين ألغت الحكومة طلبية لشراء الصواريخ من المصنع. وقال أحد عملاء المخابرات الأمريكية إنه بمجرد أن انتهى رولف إنجل من تطوير نسخة من الصاروخ السويسرى أورليكون، اختلق الجانب المصرى عن عمد مشكلات فى العملة الصعبة للمشروع مما ساهم فى تعثره، بحسب الوثيقة رقم «أنجيل در رولف/ آر. إيه. كيه:/ 13960» من مجموعة المخابرات المركزية الأمريكية فى أرشيف الأمن القومى الأمريكى.
ويبدو أن إنجل قرر أنه لن يقيم فى مصر. وأثناء حضوره للمؤتمر الدولى لخبراء الصواريخ فى مدينة إنسبروك بألمانيا، عقد إنجل لقاءً مغلقًا مطولاً من المحلق الجوى الأمريكى فى مصر وعرض عليه خطط مصر لاستمرار تطوير الصواريخ كما عرض توفير المعلومات المتعلقة بالأنشطة المصرية فى هذا المجال لكل من ألمانيا الغربية والولايات المتحدة. بحسب الوثيقة رقم «أنجيل در رولف/آر. إيه. كيه:/ 13960» من مجموعة المخابرات المركزية الأمريكية فى أرشيف الأمن القومى الأمريكى.
وبسبب خلافاته المتزايدة مع ستيفان كزارنيكى أحد المؤسسين الرئيسيين لشركة سيرفا، بات واضحا بحلول 1954 أن أنجل يستعد لإنهاء عقده فى مصر والالتحاق بحلف الناتو. كما كان حريصا على اصطحاب مكتبته الشخصية عند مغادرته لمصر عندما يقرر ذلك. وكانت مكتبته معروفة بأنها أكبر مكتبة فنية متخصصة فى المقذوفات الصاروخية والصواريخ الموجهة. ولم يكن إنجل يخجل مع تعاونه مع الأمريكيين. وبحلول منتصف 1955 قال إنجل للمحلق الجوى فى السفارة الأمريكية بالقاهرة إنه مستعد لتقديم معلومات مفصلة عن أنشطة جهاز المخابرات الفرنسى فى مصر، والمبالغ المالية الكبيرة التى ينفقها للدفاع عن المصالح الفرنسية فى الشرق الأوسط، على حساب مصالح الدول الغربية الأخرى التى كانت فرنسا تعمل ضدها. وفى فبراير 1956 قدم إنجل سيرته الذاتية المفصلة ومعها سيرتى هكورت هانيش وبودفاديت لإيجاد فرص عمل لهم فى شركات الصناعات الجوية الأمريكية، استعدادا لمغادرة مصر قريبا.
وفى عام 1953 استحوذت مؤسسة سيرفا على مصنع 333 الحربى المعروف باسم «تلت تلاتات» والذى كان يشغل مساحة 4 أميال مربعة وأصبح مقرا لمشروع تطوير الصواريخ ويخضع لحراسة مشددة، ومنع مرور المدنيين من الشوارع المحيطة به. ورغم ذلك نجح الجاسوس الإسرائيلى بول فرانك الذى كان يعمل فى إطار العملية المخابراتية الإسرائيلية المعروفة باسم «عملية سوزانا» ثم أصبحت «فضيحة لافون» بعد فشلها، فى الدخول إلى المصنع والتجول فيه بتصريح من إنجل شخصيا. ففى ربيع 1954 دعا إنجل فرانك للغذاء مسكنه بالفيلا رقم 10 فى منطقة سراى القبة بمصر الجديدة. وبعد ذلك رافق فرانك فى جولة بالمصنع الذى كان يطور الصواريخ، بحسب ما ذكره الكاتب روجر هوارد فى كتابه «عملية دموكليس» الصادر عام 2013.
وبينما كان إنجل يعمل فى برنامج تطوير الصواريخ فى ضاحية مصر الجديدة، كان بول جيوريك يعمل فى منشأة بناها البريطانيون فى وقت سابق وأصبحت تحمل اسم مصنع 36 بحلوان، حيث كان مصمم الطائرات الألمانى فيلى ميسيرشميت يعمل على تصميم أجنحة وجسم طائرة جديدة تماما، فى برنامج تطوير طائرة نفاثة أسرع من الصوت تحت اسم حلوان 300، إلى جانب طائرة التدريب حلوان 200. وتم الكشف عن النموذج الأول لهذه الطائرة أثناء احتفالات عيد ثورة يوليو عام 1960، حيث قادها طيار إسبانى. واعتمدت مصر على تصميمات طائرة إسبانية تم إنتاجها بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، فى تصميم الطائرة حلوان 300 ولكن مصر تخلت عن المشروع بسبب تكلفته العالية صعوبة تنفيذه من الناحية العملية.
وشارك بول جيوركه فى منشأة رئيسية أخرى يستخدمها برنامج الصواريخ خلال فترة وجوده فى القاهرة. وكان الموقع يحمل اسم «الموقع 135» ويوجد فى حلوان أيضا، وكان يعمل فيه مصمم محركات الصواريخ فرديناند براندنر وفريقه من العلماء. وكان هذا الموقع يتكون من حظائر وأنفاق رياح لاختبار المحركات النفاثة ويخضع لحراسة مشددة. وفى هذا الموقع نجح براندنر فى تصنيع المحرك النفاث إى 300 والذى تم استخدامه فى الطائرة النفاثة حلوان 300 والتى استخدمت جسما وأجنحة صممها فيلى ميسرشميت لصالح الحكومة المصرية. لكن مشروع هذه الطائرة مصرية التصميم والتصنيع واجه مشكلات متزايدة، وفى حين استمر العمل فى المشروع فى كل من الهند ومصر، تم التخلى عنه بعد ذلك فى 1969 بعد التأكد من عدم جدواه.
وفى صباح 21 يوليو عام 1962 أصبح أسوأ كابوس للمؤسسات العسكرية فى الغرب حقيقة. فقد أعلنت مصر إطلاق أول أربعة صواريخ أرض أرض مصرية بنجاح. وفى إطار الاحتفال بذكرى ثورة يوليو نظمت مصر عرضا عسكريا ظهر فيهما الصاروخان «الظافر» بطول 17 قدما، و«القاهر» بطول 25 قدما. كان ظهور الصاورخين بعيدى المدى بمثابة تغيير لقواعد اللعبة العسكرية وسباق التسلح الإقليمى. حضر العرض العسكرى حوالى 300 دبلوماسى أجنبى. وكانت النتيجة المباشرة الأولى لهذا العرض تكثيف نشاط المخابرات الإسرائيلية فى تحديد أماكن المهندسين والعلماء الألمان المشاركين فى برنامج تطوير الصواريخ المصرى، وذلك لاستهدافهم بالاغتيال أو بالتهديد لعرقلة البرنامج الصاروخى المصرى.
لكن قدرات هذه الصواريخ وطبيعتها ظل غامضا. وفى تقرير سرى أعده مكتب الاستخبارات العلمية فى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عن «البرنامج الصاروخى للجمهورية العربية المتحدة» بتاريخ فبراير 1963، قال المحللون الأمريكيون إنها صواريخ لأبحاث الفضاء والغلاف الجوى أكثر منها صواريخ حربية، وأن المصريين ما زالوا يحاولون تحويل الصاروخ القاهر إلى صاروخ أرض أرض. كما أكد المحللون الأمريكيون أن الصاروخ الظافر كان نسخة من الصاروخ الفرنسى فيرونيك وكلاهما من تصميم العالم الألمانى فولفجانج بيلتس.
وبحلول منتصف الستينيات كان برنامج تطوير الصواريخ المصرى قد وصل إلى أقصى مدى له عندما اصطدم بمشكلات فنية فى التجميع وشراء المكونات ونقص التمويل والأيدى العاملة المدربة، إلى جانب أنشطة الموساد وبخاصة عمليتى سوزانا وداموكليس. وشملت حملة الإرهاب الإسرائيلية ضد الخبراء الألمان إرسال رسائل مخففة إلى محال إقامتهم وخطابات تهديد وزيارات شخصية مفاجئة ونشر مقالات فى الصحف الغربية تهاجم هؤلاء الخبراء وتتهمهم بمعاداة السامية. ونجحت هذه الحملة فى دفع البعض إلى العودة لألمانيا أو عدم تجديد تعاقدهم فى الحكومة المصرية بعد انتهائه.
وبنشوب حرب يونيو 1967 كانت تجربة مصر فى الاستعانة بالألمان لبناء نهضتها العسكرية قد وصلت إلى نهايتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.