عاجل - "استقرار".. تحديثات أسعار الذهب اليوم الاثنين 9 يونيو 2024    حلو الكلام.. إنَّني أرقص دائمًا    كل ما تريد معرفته عن الفنان عمرو دياب    مستشار الرئيس للصحة يكشف أهمية مشروع الجينوم المصري    وزير إسرائيلي ثالث يعلن استقالته من حكومة الاحتلال    انتحار مديرة مدرسة بحبة حفظ الغلال بالمنوفية    جدول امتحانات الثانوية العامة 2024.. تبدأ بالمواد الغير مضافة    لميس الحديدي تكشف تفاصيل تهديدها بالقتل في عهد الإخوان    شعبة الدواجن: حرارة الجو السبب في ارتفاع أسعارها الأيام الماضية    مفاجأة.. فنان شهير ينشر صورة قديمة لعمرو دياب مع المعجب الذي صفعه بالقلم    بعد وفاة 40 مواطن لارتفاع الحرارة.. نائبة تطالب بوقف تخفيف الأحمال في أسوان    الكويت وقطر تبحثان القضايا الإقليمية والدولية والحرب على غزة    البابا تواضروس الثاني يصلي عشية عيد القديس الأنبا أبرآم بديره بالفيوم    قنصلية فرنسا تطلق مشروع الاقتصاد الدائري بدعم الاتحاد الأوروبي    50 مليون جنيه سنويًا.. حوار بين خالد البلشي وضياء رشوان حول زيادة بدل الصحفيين    نقيب الصحفيين يؤكد ضرورة إصدار قانون حرية تداول المعلومات    كوريا الجنوبية تستأنف البث الدعائي ضد حملة "بالونات القمامة" لكوريا الشمالية    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم وادي الفارعة جنوب طوباس    شبانة: تصريح أحمد سليمان عن الغاء الدوري "هزار".. وهذه نصيحتي ل مصطفى شلبي    تقرير: الخليج يعرض محمد شريف للبيع.. وحقيقة شرط عودته ل الأهلي    رئيس البلدية: منتخب مصر خسر تواجد حسام أشرف    دعبس يوضح موعد تغيير اسم فيوتشر ل مودرن سبورت    محافظ المنوفية يفتتح أعمال تطوير النصب التذكاري بالباحور    "ابدأ": 70% من المشكلات التي تواجه المصنعين تدور حول التراخيص وتقنين الأوضاع    إصابة 14 شخص في انفجار أنبوبة بوتاجاز بالمنيا    مقتل فلاح علي يد ابن عمه بسبب خلافات علي قطعه أرض بالفيوم    مصرع طفل في حريق سوبر ماركت بالفيوم    سياحة الشيوخ توصي بضرورة تفعيل المنتج السياحي "العمرة بلس"    القائم بأعمال سفارة طاجيكستان: مصر لديها خبرة واسعة في استخدام الموارد المائية    عاجل.. صفقة هجومية تتسبب في انقسام داخل الأهلي    مفاجأة.. صورة قديمة تجمع عمرو دياب بالمعجب المثير للجدل    آسر ياسين يروج ل فيلم "ولاد رزق 3 - القاضية"    محمود فوزي: الحوار الوطني ساهم في الإعفاءات عن المحبوسين.. والجهات المعنية لا تتأخر    منتخب إيطاليا يهزم البوسنة والهرسك بهدف نظيف    الأونروا: وصلنا إلى طريق مسدود بسبب إغلاق إسرائيل المعابر أمام المساعدات    رئيس إنبي يكشف حقيقة حقيقة عروض كالوشا وأوفا    اتحاد الكرة: منتخب مصر قادر على تخطي عقبة غينيا بيساو    الأول على الإعدادية الأزهرية بالإسماعيلية: مثلي الأعلى عمي وأتمنى أن أصبح طبيبا للقلب (فيديو)    لميس الحديدى تكشف عن إصابتها بالسرطان.. لماذا أخفت المرض؟ (فيديو)    دعاء وفضل العشر الأوائل من ذي الحجة    دعاء العشر من ذي الحجة مستجاب.. «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي»    العاهل الأردني: صمدنا في مواجهة التحديات بالعزيمة والصبر    الكشف على 1346 مواطنا بقافلة طبية مجانية بقراقص في دمنهور    الطالبات يتصدرن.. «أزهر المنيا» تعلن أسماء أوائل الشهادة الإعدادية 2024    الإفتاء توضح أعمال الحجّ: اليوم التاسع من ذي الحجة "الوقوف بعرفة"    زيادة أكثر من 200 جنيه، ارتفاع سعر دواء شهير لعلاج مرضى الصرع    كم عدد أيام التشريق وحكم صيامها؟.. تبدأ من مبيت الحجاج بمنى    ليلى عبد اللطيف تتوقع انفصال هذا الثنائي من الفنانين    منها مباشرة الزوجة وتسريح الشعر.. 10 محظورات في الحج يوضحها علي جمعة    أسماء أوائل الشهادة الابتدائية بمنطقة أسيوط الأزهرية بعد اعتمادها رسميًا    بشرى سارة بشأن توافر نواقص الأدوية بعد عيد الأضحى.. فيديو    جامعة سوهاج: 1000 طالب وطالبة يؤدون امتحانات نهاية العام بالجامعة الأهلية للتعلم الإلكتروني    المرور: ضبط 28776 مخالفة خلال 24 ساعة    محافظ الشرقية يُفاجئ المنشآت الصحية والخدمية بمركزي أبو حماد والزقازيق    مدرسة غبور للسيارات 2024.. اعرف مجموع القبول والتخصصات المتاحة    اعتدال بسيط في درجات الحرارة بمحافظة بورسعيد ونشاط للرياح.. فيديو وصور    ريان عربي جديد.. إنقاذ طفل سوري وقع داخل بئر بإدلب    البابا فرنسيس يحث حماس وإسرائيل على استئناف المفاوضات ويدعو لإنقاذ شعب غزة المنهك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تم إبداعها بمحرك جبار لمنافسة "الميج" الروسية.. قصة الطائرة "القاهرة 300" أسطورة "الستينات" الحربية
نشر في الأهرام العربي يوم 13 - 12 - 2015

أسباب وقف مشروع «القاهرة 300» بعد هزيمة يونيو 1967

- تفاصيل تجارب تشغيل القاهرة 300.. ومميزاتها مقارنة بمثيلاتها

- التهديدات الإسرائيلية للعلماء والضغوط السوفيتية على القاهرة.. أجهضت مشروع حلم الأسطورة «القاهرة 300»

- قال المذيع فى البرنامج العام 1964فى نشرة الثانية والنصف ظهرا : «تم اليوم بنجاح طيران أول طائرة مقاتلة نفاثة يتم تصميمها وإنتاجها فى مصر»

- نشأة مصنعى الطائرات والمحركات.. ومجهود جبار من المهندسين والفنيين المصريين مع الخبراء الأجانب

- المقاتلة الجديدة كانت أسرع من الصوت وتتميز بالاستقرار وتعد «أسطورة» القوات الجوية من ألمانيا إلى إسبانيا وصولا إلى القاهرة.. رحلة العلماء الأجانب لبدء المشروع

- القاهرة 200.. بداية الطريق واختراق عالم تصنيع الطائرات

- عبد الناصر استطاع بدء مشروع طموح لإنتاج مقاتلة «جبارة» للتفوق على إسرائيل

- المخابرات استطاعت الوصول إلى علماء أجانب وإقناعهم ببدء تصنيع الطائرة فى مصر

فى عيد القوات الجوية فى شهر أكتوبر، وقف الفريق يونس المصري، قائد القوات الجوية، يتحدث بنظرة إلى الغد قائلا: «أتطلع إلى إنتاج طائرة مقاتلة مصرية».. فهل تستطيع مصر وهى دولة نامية، مرهقة بالديون الداخلية والخارجية وتعانى من ويلات عقود من الجمود، أن تنجح فى هذا التحدي، بينما تحتكر الدول المتقدمة أسرار التكنولوجيا؟
للوهلة الأولى ستكون الإجابة: طبعا لا نقدر.. فأى طائرة تحتاج لمئات وربما الآلاف من المكونات، وكلها صناعات متقدمة نحن بعيدون تماما عنها.
لكن لو عرفنا تاريخنا جيدا لتأكدنا من قدرتنا على تحقيق هذا الحلم، حيث استطعنا تحقيقه قديما بعد ثورة يوليو 1952.

ففى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، بعد ثورة يوليو 1952، كانت مصر دولة تحبو على طريق التقدم، وبعدما امتلكت قرارها السياسي، كانت مصر تتطلع إلى بناء جيش قوي، ونهضة صناعية حديثة فى مختلف المجالات، وأدرك قادة الثورة وفى مقدمتهم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، أهمية إنتاج أسلحة حديثة، تجعل الجيش المصرى لا يعتمد على أى دولة خارجية فى تصنيع أسلحته، حتى يكون قراره السياسى والعسكرى حرا وقويا.

فى تلك الحقبة، كانت هناك خطوات سريعة من أجل تحقيق حلم تصنيع الأسلحة الحديثة، وفى مقدمتها الطائرات المقاتلة، برغم ما كانت تعانيه مصر من مشكلات وآثار بسبب عقود التخلف والرجعية فى عهد الملكية، وهى ظروف ربما لا تختلف كثيرا عما نعانيه حاليا، وبرغم ذلك نجحت القيادة السياسية فى تحقيق إنجازات كبيرة، بتصنيع بعض طائرات التدريب، وكانت الخطوة الأكبر هى تصنيع طائرات مصرية مقاتلة.. وربما لا تختلف ظروف مصر الآن كثيرا عن ظروفها بعد ثورة يوليو 1952.

كان العمل يدور فى سرية تامة، وعلى مدار الساعة، من أجل تحقيق ذلك الحلم، الذى نجحت السواعد المصرية فى تحقيقه وتحويله إلى حقيقة، قبل أن تتعرض مصر لعدوان يونيو 1967، الذى أوقف برنامج إنتاج مقاتلة مصرية تنافس مثيلاتها، سواء من الكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفيتي، أم الكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة.. كان الحلم الذى على وشك التحقق هو إنتاج طائرة مقاتلة تستطيع أن تطير فى ثوان معدودة، لتشق السماء وتقوم بأعمال اعتراض أى طائرة معادية، وتستطيع أيضا بما لديها من قدرات تسليحية أن تدمر الطائرات المعادية وتعود سالمة إلى قاعدتها.

فى داخل مصنع الطائرات التابع للهيئة العربية للتصنيع، وفى قلب ضاحية حلوان، تقبع واحدة من صفحات التاريخ السرى المصرى فى عالم صناعة السلاح ودنيا المقاتلات الجوية.. وعلى مدار سنوات سابقة، كانت لى زيارات متقطعة للمصنع للتعرف على منتجاته وخصوصاً الطائرة (K8E) التى أنتجها بالتعاون مع الصين، وتستخدمها القوات الجوية المصرية كطائرة تدريب.

وكنا خلال تلك الزيارات نشاهد ما يعد متحفا صغيرا من الطائرات التى أنتجها المصنع.. من ضمن تلك الطائرات كانت تقف إحدى المقاتلات التى تبدو كأنها أسطورة غامضة.. وكعادة قيادات الهيئة العربية للتصنيع، تلقيت موافقتهم على زيارة مصنع الطائرات فى حلوان، للوقوف على تفاصيل الأسطورة الغامضة، الطائرة المقاتلة: القاهرة 300.

تشرفت بلقاء المهندس محمد زين العابدين حسين، رئيس مجلس إدارة مصنع الطائرات، ومن بعده المهندس محمد عزت رئيس قسم البحوث، والأستاذ بهاء عبد الرؤوف، رئيس إدارة العلاقات العامة، والعديد من قيادات المصنع.. وكانت وجبة دسمة من المعرفة والمعلومات الغزيرة، كشفت أسرار المقاتلة وتفاصيلها وإمكاناتها الكبيرة فى ذلك الوقت، بالمقارنة مع مثيلاتها من الطائرات سواء التى ينتجها الاتحاد السوفيتي، أم الدول الأوروبية والولايات المتحدة.

وبالطبع فإن الملفات السرية للطائرة القاهرة 300، تتضمن الكثير والكثير، قد لا يكون من المناسب الكشف عنها الآن، برغم مضى أكثر من نصف قرن عليها، فإن ما يمكن كشفه من معلومات وأسرار، بناء على معلومات من الدكتور مهندس محمد عبد الله الشامى أحد أبناء مصنع حلوان، ومعه المهندس حسن نور الدين الجبالى مدير ورش الإنتاج لمشروع القاهرة 300، يكشف جهدا خارقا، وعقليات نابغة، وأيادى قوية، وإرادة لا تعرف اليأس، وتعاون وثيق من مختلف المؤسسات من أجل أن يخرج ذلك الحلم إلى النور.

الاختبار الأول
فى الساعة السابعة صباح يوم 7 مارس عام 1964، وعلى مدرج المطار، كانت تقف الطائرة القاهرة 300، وسط خلية نحل فى المصنع الذى يستعد لأول اختبار للطائرة الجديدة، الجميع كان يضع اللمسات الأخيرة ويراجع الحسابات الدقيقة لتجربة الطيران الأول، وبدأ وصول الضيوف الذين سيشهدون التجربة، وفى مقدمتهم الفريق محمد صدقى محمود قائد سلاح الطيران المصرى آنذاك، والعديد من قيادات القوات المسلحة وسلاح الطيران.
كانت السماء صافية والرياح هادئة، بشكل أشاع الأمل فى النجاح وسط الحضور.. وفى نحو الساعة التاسعة صباحا، أدار طيار الاختبار محرك الطائرة، لتتعلق القلوب والعيون بالسماء التى تشق أجواءها الطائرة الوليدة، وتمر أطول 20 دقيقة على الموجودين، حتى انتهت رحلة الاختبار بنجاح، وعادت الطائرة إلى الأرض مجددا لتهبط وسط فرحة الجميع.. وكانت الفرحة تأتى عبر الأثير فى محطة راديو البرنامج العام حين قال المذيع بصوت يملأه الفخر فى نشره الساعة الثانية والنصف: «تم اليوم بنجاح طيران أول طائرة مقاتلة نفاثة يتم تصميمها وإنتاجها فى مصر».

بداية الانطلاقة
وإذا كانت أولى طائرات القاهرة 300 كانت تتهادى على مدرج مطار حلوان التابع لمصنع الطائرات بحلوان، صباح يوم 7 مارس عام 1964، فإن ذلك جاء بعد مشوار طويل، ربما بدأ منذ الخمسينيات بعد ثورة 1952 بسنوات قليلة.

حيث احتل التصنيع الحربى أولوية متقدمة فى مصر بعد ثورة 1952، وكان سلاح الطيران له اهتمام كبير فى هذا الإطار، خصوصا أن مصر كانت قد قطعت خطوات فى هذا المجال، حيث كانت مصر قد أتمت تركيب خط إنتاج أول طائرة تدريب أولى وهى الطائرة الجمهورية، حيث كانت مصر قد أنشأت مصنع حلوان قبل الثورة بقليل وبالتحديد سنة 1950، لتصنيع طائرة القتال الإنجليزية «فامبير» وتم تجهيز المصنع وشراء بعض مكونات الطائرة تمهيدا لتجميعها، إلا أن المشروع توقف بعد الثورة بقليل، وتحديدا عام 1954 مع جلاء القوات البريطانية عن مصر.4

وعت مصر الدرس جيدا، وعرفت أنه لا بد لها من أن تعتمد على سواعد أبنائها حتى تستطيع تحقيق هدفها فى تصنيع طائرات السلاح الجوي، مع الاستعانة بالخبرات الأجنبية والتى كان لا بد من الاعتماد عليها، فى ظل عدم وجود خبرات وكوادر مصرية فى هذا المجال الحديث والمتقدم.

كانت السموات فى ذلك الوقت حافلة بأحدث طرز الطائرات، وهى بالمتيور وفامبير وهما إنتاج بريطاني، والميج 15 والميج 17 السوفيتية، والمستير الفرنسية.. واستمرت مساعى القاهرة من أجل اختيار مشروع تصنيع مقاتلة مصرية، مع خلال الاستعانة بأحد أكبر مصممى الطائرات.

واستمر جهد البحث ومحاولات التطوير من جانب خيرة المهندسين فى القوات المسلحة وفى مصنع الطائرات ، وكذلك قسم هندسة الطيران فى جامعة القاهرة، فى ذلك الوقت استطاعت إسرائيل أن تتسلح بالطائرة الميراج، وبالتالى كان هناك سباق مع الزمن من أجل تحقيق هدف إنتاج طائرة مصرية.

العلماء الألمان.. ودور المخابرات
وعلى الجانب الآخر من العالم، وفى أوروبا.. كان هناك الكثير من العلماء الألمان، الذين هربوا من ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، ونهاية حكم الرايخ، وسقوط ألمانيا فى يد قوات الحلفاء.. ومن ضمن هؤلاء كان هناك واحد من أبرز علماء ألمانيا فى مجال الطيران وتصميم الطائرات، وهو البروفيسور فيلى مسرشميت، الذى كان قد خضع للمحاكمة وتم سجنه لمدة عامين على مساعداته لحكم النازي، فهو مصمم الطائرة مى 108، وتعد واحدة من الطائرات المقاتلة المتفوقة فى العالم آنذاك، وبعد الإفراج عنه اتجه إلى إسبانيا وهناك أجرى تعديلات على تصميم الطائرة وتعاقد مع إحدى الشركات الإسبانية وهى شركة هسبانو- أفياسيون على تصميم طائرة جديدة، تميزت بامتلاكها على زوج من المحركات النفاثة، وكان الهدف من إنتاجها أن تكون طائرة تدريب وعرفت باسم الطائرة (HA-200).
وبينما كانت كل تلك الأحداث تجرى ما بين ألمانيا وإسبانيا، كانت أعين رجال المخابرات المصرية تراقب الأوضاع فى أوروبا، وبخاصة العلماء الألمان، حيث كانت دول العالم تتسابق على اجتذابهم بعد الحرب العالمية الثانية، كى يساعدوها بما يمتلكونه من خبرات وقدرات علمية وتكنولوجية متقدمة، فى مختلف المجالات الحربية.. كان جهاز المخابرات ما زال فى سنواته الأولى، وبرغم ذلك، استطاع أن يحقق نجاحات كبيرة، وأن يكون جهازا واعدا، وانضمت له كوادر وعناصر بارزة، استطاعت أن تحقق بصمات بارزة فى عالم التجسس ومكافحته..
وتقول المعلومات المتوافرة إن أحد قيادات المخابرات وهو اللواء عصام الدين محمود خليل، استطاع تحقيق أولى خطوات الحلم المصرى بإنتاج مقاتلة مصرية، حيث استطاع اللواء عصام الدين الوصول إلى مسرشميت وإقناعه وكذلك الشركة الإسبانية بأن تقوم مصر بشراء تصميم الطائرة وتقوم بإنتاجها فى مصر، إلا أن هناك ستارا حديديا ما زال حتى الآن حول المعلومات عن كيف نجح اللواء عصام الدين والذى لا يوجد توصيف دقيق لمنصبه ما بين مدير مخابرات سلاح الطيران، وبين مدير مشروعات الأسلحة الإستراتيجية، وبين مدير المشروعات الفنية بالقوات المسلحة، لكن المؤكد أن اللواء عصام نجح في الوصول إلى مسرشميت والشركة الإسبانية واستطاع إقناعهم بنقل المشروع من إسبانيا إلى مصر، لكن فى النهاية حقق عصام الدين إنجازا رائعا يحسب له ولأجهزة المخابرات المصرية.

الصفقة المهمة
استطاع اللواء عصام الدين، أن يقنع العالم الألمانى مسرشميت، وكذلك الشركة الإسبانية التى يعمل معها فى مجال تصميم الطائرات بتوقيع عدة عقود مع مصر، تتضمن شراء مصر لتصميم وحق إنتاج الطائرة (HA-200 ) أو (ه.أ 200)، وهى التى عرفت باسم القاهرة 200، بما فى ذلك خط إنتاج كامل ومعونة فنية من الشركة الإسبانية حتى يتم تأهيل كوادر مصرية فى مصنع حلوان لتحصل على الخبرة المطلوبة فى مجال تصنيع وتصميم الطائرات، وبالفعل تم توريد أجزاء الطائرة وتجميع بعضها فى مصنع حلوان، لتنطلق وتزين سماء المحروسة عام 1961 فى احتفال ذكرى ثورة يوليو، والأهم من ذلك أن الطيارين الذين قادوا تلك الطائرة الجديدة كانوا مصريين.

إلا أن الخطوة الأبرز من العقود التى استطاع اللواء عصام الدين ضابط المخابرات المصرى إقناع البروفيسور الألمانى مسرشميت، والشركة الإسبانية بتوقعيها مع مصر، كانت شراء مصر لكل حقوق المشروع الجديد، كان فى طور السرية التامة، لإنتاج طائرة مقاتلة جديدة تكون بميزات فائقة، تمكنها من الطيران أسرع من سرعة الصوت، وهو أمر كان بمثابة الحلم فى ذلك الوقت، وهو المشروع الذى كان يسمى بالطائرة (HA-300 ) أو (ه.أ 300) أو القاهرة 300، وهو الحلم الذى ظلت مصر تحلم به منذ ثورة يوليو 1952، وتتميز تلك الطائرة الجديدة بأنها طائرة مقاتلة تستطيع اعتراض المقاتلات، ومسلحة بصاروخين للمواجهة، بل إن لها القدرة على حمل صاروخ نووى تكنيكي.

السرية التامة
ومع بداية الستينيات كانت العجلة تدور فى مصنع حلوان على أشدها، وكان كل طاقم المصنع يسابق الزمن من أجل إنجاز تلك الصفقة الكبيرة، صفقة طائرتى القاهرة 200، وكذلك بحث تصميم وتجربة الطائرة الجديدة القاهرة 300 ، وفى نفس الوقت، كانت هناك أعمال أخرى تسابق الزمن لكن على الضفة الأخرى من البحر المتوسط، من أجل تكوين طاقم هندسى وفنى من أوروبا للمساعدة فى إنتاج الطائرتين، حيث قامت مصر عبر أحد رجال أعمالها فى بداية الستينيات بتأسيس شركة فى سويسرا باسم «ميكو» كانت مهمتها الحقيقية هى تجنيد أطقم على كفاءة عالية من المهندسين والفنيين للمساعدة فى عملية إنتاج وتصميم الطائرتين، وفى نفس الوقت كانت عجلات الإنتاج الأولى من الطائرة القاهرة 200 تدور على مدرج مطار حلوان، لتحلق فوق سماء المحروسة معلنة ميلاد الطائرة الجديدة لتنضم إلى أسطول طائرات سلاح الجو المصري.

كان الرئيس عبد الناصر حريصا على تقديم كل الدعم للمشروع الجديد، وكذلك وزير الحربية المشير عبد الحكيم عامر، وانتقل الإحساس بمدى الاهتمام بالمشروع إلى كل أعضاء فريق العمل من المصريين وكذلك من نظرائهم الأجانب الذين بدأوا التوافد على مصر من إسبانيا وألمانيا والنمسا وغيرها من الدول الأوروبية.

مشروعات للصواريخ وللمحركات
رأت القيادة المصرية أن مشروع إنتاج مقاتلة مصرية متقدمة، يحتاج إلى صناعات أخرى ضرورية، مثل صناعة المحركات، وكذلك صناعة الصواريخ، وكانت هناك الكثير من التفاصيل الفنية التى تحتاجها تلك الصناعات الثلاث: الجوية والصاروخية والمحركات، واختارت مصر أن تنشئ المجلس الأعلى لصناعات الطيران، ويتبعه الهيئة العامة لصناعات الطيران، وفى نفس الوقت كان هناك إشرافا مستمرا ومتابعة على مدار اليوم، من المشير عبد الحكيم عامر وزير الحربية، ومكتبه للصناعات الحربية الخاصة، الذى يضم القاهرة 200، والقاهرة 300، وكذلك مشروع تطوير محرك نفاث للقاهرة 300، وتطوير صواريخ قصيرة المدى حتى 500 كيلو متر، إضافة إلى صناعات حربية أخرى كان بعضها مرتبطا بهذه المشروعات الحربية، ومن هنا جاءت نشأة الهيئة العامة للإنتاج الحربي.
وتعاقدت مصر قبل أشهر من نهاية الخمسينيات مع البروفيسور مسرشميت باعتباره مستشارا للحكومة المصرية فى تطوير الطائرة القاهرة 300، وكانت السنوات الأولى من حقبة الستينيات تشهد سباقا مع الزمن، حيث إن الرئيس عبد الناصر كان يدرك أن مواجهة جديدة ستأتى لا محالة مع إسرائيل، وبالتالى يجب أن تكون مصر مستعدة بشكل جيد لها، ومن هنا كان اهتمامه بمشروعات الطيران والمحركات والصواريخ.

البروفيسور مسرشميت
وصل البروفيسور مسرشميت إلى مصر، وبدأ توافد الخبراء والمهندسين والفنيين الأجانب، وبالطبع تم ذلك وسط سرية شديدة، وبدأت رحلة السعى لتصميم وإنتاج الطائرة الجديدة القاهرة 300، وبدأت تظهر عقبات عديدة تعترض الحلم المصري، أبرزها عدم وجود محرك نفاث يسمح للطائرة بتحقيق هدفها بأن تكون أسرع من سرعة الصوت، ومن ثم كان التحرك المصرى لحل تلك المشكلة بالبحث عن دول صديقة ذات قدرات فى هذا المجال.

لكن لماذا كانت تريد مصر أن تكون لديها طائرة أسرع من سرعة الصوت؟ الإجابة عن ذلك ربما تكون من خلال رغبة مصر فى امتلاك مقاتلات تحقق لها السيطرة الجوية بالمقارنة مع طائرات إسرائيل آنذاك، وإذا نظرنا لإمكاناتها فنجد أنها كانت تمتلك طائرات من طرز متعددة مثل مستير وميراج3، وفانتوم وسكاى هوك الأمريكية، أما مصر فكان سلاح الجو لديها يمتلك مقاتلات من طرز ميج 15 وميج 17 وميج 19، وبعد عام 1962 استطاعت مصر الحصول على طائرات سوخوى 7، والميج 21، إضافة إلى طائرات النقل والهيلكوبتر.

أما إذا نظرنا إلى الصناعات الجوية فى الاتحاد السوفيتى وأوروبا وأمريكان، فنجد أنهم جميعا كانوا فى صدد امتلاك طائرات أسرع من سرعة الصوت، حيث كانت فرنسا تقوم بتطوير طائرات الميراج، وحشد الأوروبيون وخصوصاً الإنجليز والسويد وإيطاليا جهودهم من أجل إنتاج الطائرات التورنادو وصواريخ إيريان، بينما لجأ السوفيت إلى تطوير طائراتهم من طرز سوخوى وميج.

مصنع المحركات
نعود إلى مشكلة المحرك النفاث، الذى كان مشكلة حقيقية، ليس فقط للطائرة القاهرة 300، بل ظهرت المشكلة مع تصنيع الطائرة القاهرة 200، التى كان يتم تصنيعها أولا فى إسبانيا، وكان يتم شراء محركات فرنسية من شركة «تربوميكا» لها، لكن نظرا للخلافات السياسية بين مصر وفرنسا، فقد كان من المستحيل شراء محركات فرنسية لما تنتجه مصر من الطائرة القاهرة 200، لذا استطاع المهندسون المصريون تطوير محرك لا يقل كفاءة عن المحرك الفرنسي، وتم إنتاج 147 محركا بالفعل، وكانت الطائرة القاهرة 200 هى طائرة التدريب لطلبة الكلية الجوية 1966، وكانت أول طائرة نفاثة تعمل فى القوات الجوية المصرية.
وكانت فكرة الاعتماد على النفس فى صناعة محركات الطائرات هى الحل السحرى الذى لجأت إليه مصر للتغلب على الأسعار المبالغ فيها بشدة، التى قدمتها شركة رولز رويس البريطانية لتطوير محرك نفاث للطائرة القاهرة 300، حيث طلبت نحو أربعة ملايين جنيه استرليني، واعتبر عبد الناصر أن هذا السعر خيالي، وأن الأفضل أن يتم إنفاق المبلغ على إنشاء مصنع مصرى يتولى تطوير المحرك المطلوب للطائرة القاهرة 300، وهو ما كان فعلا بإنشاء مصنع المحركات، قرب مصنع الطائرات فى حلوان، وذلك عام 1960.

وإذا عدنا إلى مشروع المقاتلة القاهرة 300، فقد كانت مشكلة المحرك مشكلة عويصة، وكان ذلك من الأسباب الرئيسية وراء القرار السياسى بافتتاح مصنع للمحركات، وذلك عام 1960، تحت اسم مصنع 135 الحربي، مهمته تصميم وتطوير وإنتاج المحركات التوربينية المستخدمة فى الطائرات الحربية النفاثة، أن الحل كان أيضا من خلال جهود متابعة الخبراء الأجانب والاستعانة بقدراتهم، حيث نجح اللواء عصام الدين فى ضم المهندس النمساوى برانتنر، الذى بدأ على الفور فى رحلة إنتاج المحرك النفاث، الذى أطلق عليه اسم حلوان 300، نسبة إلى مصنع حلوان، وإلى الطائرة القاهرة 300، ونجح مصنع المحركات فى تصنيع جميع أجزاء محركات طائرات الاختبار بالكامل، فى إنجاز يحسب للسواعد والإرادة المصرية.
كان ذلك فى الوقت الذى تبحث فيه الهند عن محرك نفاث لطائراتها المقاتلة الجديدة من طراز «هندوستان»، فتم الاتفاق بين الهند وبين مصر، بفضل العلاقات الجيدة بين نهرو وعبد الناصر، على التعاون المشترك بين البلدين، بحيث تقوم مصر بتصنيع المحرك النفاث، وتحصل على عدد من الطائرات الهندية، مقابل أن تحصل الهند بدورها على المحركات المصرية الجديدة من طراز حلوان 300 لطائراتها المقاتلة.

صعوبات فنية
مع بداية الستينيات، كانت ساعات العمل طويلة وتمتد من الصباح الباكر إلى ساعات متأخرة من المساء، وتجمع بين البروفيسور مسرشميت والمهندسين الألمان، وبين نظرائهم المصريين، حيث بلغ عدد جميع المهندسين من الجانبين نحو 100 مهندس، وكان الهدف الأول هو الانتهاء من تصميم الطائرة القاهرة 300، حيث إن التصميم الذى جاء به مسرشميت كان تصميما أوليا، احتاج إلى نقاشات واستكمال كبير، تم وفق المناقشات والحسابات التى جرت بين المهندسين الألمان والمصريين، فى الوقت الذى كان المصنع يشهد جهدا كثيفا من أجل إنتاج الطائرة القاهرة 200، وعلى بعد خطوات وفى عام 1961 كانت مجموعة أخرى تعمل من أجل الإسراع فى تجهيز المحرك النفاث حلوان 300 ، الذى سيتم تركيبه على الطائرة القاهرة 300.
وبالطبع فإن إنتاج طائرة أسرع من سرعة الصوت وقتها كان أمرا شديد الصعوبة، وإذا حاولنا أن نبسط الأمر فإننا نتحدث عن زيادة مساحة جناح الطائرة ليكون الجناح مثلثا، مما يعطى قدرة أكبر للهواء على رفع الطائرة وزيادة سرعتها، والاستفادة من قوة المحرك النفاث، دون أن يؤدى ذلك إلى أى أضرار بجسم الطائرة عند بلوغ سرعة الصوت، التى قد تؤدى لتدمير الطائرة فى الحال عند الوصول لتلك السرعة، ومن ثم كان على الطاقم الفنى المرور بحسابات شديدة التعقيد والصعوبة، لوضع تصميم الطائرة وهيكلها، بحيث تستطيع أن تخترق سرعة الصوت دون أن يصيبها أى ضرر، علما بأن ذلك كان أمرا مستحيلا فى ذلك الوقت، فالعديد من الدول حاولت تصنيع طائرات ذات سرعات عالية إلى سرعة الصوت وتتجاوزه، ولكن هذه التجارب كانت «مميتة» ومدمرة لجسم الطائرة، ومن ثم كان اختراق سرعة الصوت هدفا يتسابق للجميع للوصول إليه، وهو الفعل ما حققته الطائرة «القاهرة 300».
ويكفى أن نشير إلى أن طائرة إف- 14 الأمريكية كانت تعانى آنذاك من مشكلات فى الاستقرار والتحكم، لدرجة أن البعض أطلق عليها «الكفن الطائر»، وبالتالى كان الإنجاز الكبير هو أن الطائرة القاهرة 300 كانت تتسم بالاستقرار والتحكم بشكل دقيق.

الاختبارات.. والإنتاج
كانت مسيرة العمل فى إنتاج الطائرة القاهرة 200 تسير بشكل مشجع، وتم إنتاج نحو 63 طائرة منها حتى عام 1969 بالتعاون مع شركة هيسبانو الإسبانية، وفى نفس الوقت كان العمل يسر على قدم وساق للانتهاء من المحرك حلوان 300، وفى نفس الوقت تجهيز أول طائرة اختبار من الطائرة القاهرة 300.
وفى الساعة السابعة صباح يوم 7 مارس عام 1964 وعلى مدرج المطار، كانت طائرة الاختبار الأولى تقف شامخة، محل نظر الجميع من الأطقم الجوية، وما إن بدأ محركها فى الدوران الساعة التاسعة حتى ساد الصمت التام إلا من صوت المحرك، لتبدأ فى التهادى على أرض مطار مصنع حلوان، وتنتظر الحصول على الإذن بالإقلاع، لتقلع وتشق السماء فى طريقها إلى سماء المحروسة وتبدأ عملية اختبار الطائرة وقدراتها وقوة انطلاقها وسرعتها القصوى، ومدى توازنها واستقرارها والتحكم فيها.
وما إن عادت طائرة الاختبار الأولى إلى الأرض مجددا، حتى بدأت سلسلة طويلة ومعقدة من الحسابات، للوقوف على قدرات الطائرة الحقيقية، ومحاولة زيادة كفاءتها وقدراتها، سواء من حيث السرعة أم التوازن والاستقرار، ومضت عملية التطوير مستمرة حتى تم ظهور طائرة الاختبار الثانية، وبعدها تم إنتاج طائرة الاختبار الثالثة، واستطاعت الطائرة بالفعل أن تحلق أسرع من سرعة الصوت.

نهاية حزينة
وبقدر ما كانت السعادة طاغية على الجميع فى المشروع بنجاح تجارب التشغيل لطائرة الاختبار فى مشروع الطائرة القاهرة 300، بقدر ما كانت العقبات تتزايد، وتكثر المطبات لمنع استكماله، فتعرض الخبراء الأجانب للتهديدات الإسرائيلية باستهدافهم وعائلاتهم فى حالة استمرارهم فى المشروع، وللأسف كانت هذه التهديدات قوية، لدرجة دفعت أغلب المهندسين والفنيين الأجانب إلى الرحيل عن مصر، ليضطر المهندسون المصريون إلى تحمل العبء بمفردهم ومواجهة أعقد المشكلات الفنية فى تطوير الطائرة والتغلب على الصعوبات الفنية، وبالفعل استطاعوا أن يحققوا نجاحا كبيرا، وكان أبرز دليل على ذلك هو استمرار الجهد والنجاح فى تصنيع طائرتى الاختبار الثانية والثالثة، ويكفى أن نقول إنه قد تم إجراء 42 عملية طيران اختبارى لطائرة الاختبار الثانية من القاهرة 300، واستطاعت أن تخترق سرعة الصوت وكانت سرعتها نحو 1.2 من سرعة الصوت.
إلا أن الرياح تأتى بما لا تشتهى السفن، حيث تعرضت مصر لنكسة يونيو 1967، التى كانت ضربة مؤلمة لكل الأحلام المصرية، ومنها حلم تصنيع مقاتلة مصرية بمواصفات وقدرات عالمية، وبرغم محاولات مضنية من فريق المهندسين والخبراء المصريين لاستكمال مسيرة تصنيع الطائرة القاهرة 300 فإن تكلفة الاستمرار كانت كبيرة، فى وقت كانت مصر تعانى اقتصاديا، بينما تحاول أن تسابق الزمن لتعيد امتلاك ما فقدته من ترسانة عسكرية فى مختلف الأسلحة، لتستطيع أن تقف من جديد وتستعيد أرض سيناء المحتلة، وبالتالى كانت القيادة السياسية والرئيس عبد الناصر بين خيارين أحلاهما مر؛ فإما الاستمرار فى برنامج القاهرة 300، التى كانت ما زالت تحتاج لسنوات بعد 1967 كى تبدأ مصر فى مرحلة الإنتاج الكمي، وهو أمر لا تستطيع القاهرة انتظاره، برغم المردود المادى والمعنوى الكبير الذى كانت ستحصل عليه مصر، سواء من امتلاك مقاتلة متقدمة، أم من بيع الطائرة الوليدة للدول الصديقة والحليفة لمصر، وهو ما كان سيدر أرباحا وفيرة على مصر تعوض ما أنفقته على مشروع القاهرة 300 الذى وصل إلى نحو 135 مليون جنيه مصرى آنذاك، وهو مبلغ ضخم إذا قارناه بأسعار اليوم.. أما الخيار الثانى فكان إنفاق ما لدى مصر من أموال على شراء أحدث المقاتلات السوفيتية وهو أمر لن يستغرق وقتا كبيرا وسيكون بمثابة الحل السريع؟
لكن كان هناك عنصر حاسم وراء اتجاه عبد الناصر إلى اختيار خيار شراء مقاتلات سوفيتية ووقف مشروع الطائرة القاهرة 300، حيث إن موسكو كانت تشترط وقف المشروع لتزويد مصر باحتياجاتها من الأسلحة المختلفة، لأن الطائرة الجديدة كانت ستنافس الطائرات السوفيتية فى مقتل، حيث إنها ستكون البديل الأفضل من المقاتلات السوفيتية، وفى مقدمتها طائرات الميج، فخر الصناعة الجوية السوفيتية آنذاك، التى كانت أضعف بكثير والأقل قدرة على المناورة ومدى التسليح مقارنة بالطائرة القاهرة 300، وبالتالى كانت الطائرة المصرية ستحظى بفرص أفضل من الطائرات السوفيتية فى بيعها للدول الصديقة مع مصر كالهند والجزائر وباقى دول عدم الانحياز والدول العربية، وهى كانت دولا حليفة للاتحاد السوفيتى عندئذ، مما يعنى ضياع أموال ضخمة على الدولة السوفيتية.
وفى شهر مايو 1969 تم إيقاف مشروع القاهرة 300، وتظل الطائرات الثلاث شاهدة على ما استطاعت الإرادة المصرية تحقيقه من إنجاز كبير، بتدشين طائرة مقاتلة بمواصفات متقدمة تنافس وربما تتفوق على مثيلاتها السوفيتية والأمريكية والأوروبية.
وبعد توقف المشروع بسنوات، تم إرسال إحدى طائرات القاهرة 300 إلى ألمانيا لتوضع فى معرض الطائرات، وتبقى منها طائرة وحيدة شاهدة على عظمة الإرادة المصرية التى تسطيع أن تحقق المستحيل وتتفوق على العالم.. فقط بالإرادة والعمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.