تعليقا على مخطوط «إنجيل يهوذا» الذى ينوى المجلس الأعلى للآثار استرداد جزء منه خلال أيام من الولاياتالمتحدةالأمريكية، قال القمص عبدالمسيح بسيط راعى كنيسة العذراء بمسطرد وأستاذ اللاهوت الدفاعى بالكلية الاكليركية: «يجب توضيح أنه لا يمكن أن يطلق على مخطوط صحراء بنى مزار تعبير إنجيل؛ لأنه لا يحمل أى سمات للإنجيل، فكلمة إنجيل تعنى الخبر المفرح أو البشارة السارة أو بشارة الملكوت». وأوضح بسيط أنه لا توجد أى قيمة دينية لهذا المخطوط، بل هناك قيمة أثرية له باعتباره مخطوطا مصريا يرجع إلى القرن الرابع الميلادى. وأكد بسيط أنه كتاب مزيف يفيد فقط فى دراسة ما نطلق عليه كتب الأبوكريفية أى غير الصحيحة «المحرفة». وحول توقع غضب الكنيسة من قدوم المخطوط إلى مصر قال بسيط: «هل تجبرنى أن أغضب وأقول لماذا يأتون بهذا المخطوط إلى مصر وإثارة الجدل؟، لا لم أقل ذلك»، موضحا أن هذا لا يغضب الكنيسة، التى ردت من قبل على هذا المخطوط ومن اعتمد عليه وبينت زيفه وعدم صحته. وذكر بسيط، الذى أصدر من قبل كتابا حول هذا الإنجيل تحت عنوان «إنجيل يهوذا هل اكتشافه يؤثر على المسيحية؟»، أن العلماء ومن درسوا هذا الكتاب الأبوكريفى المنحول أجمعوا على أن هذا المخطوط لم يكتب قبل سنة 150 ميلادية، أى بعد موت يهوذا بنحو 120 سنة، فقد مات يهوذا بحسب ما ذكرت الأناجيل القانونية الموحى بها فى نفس الليلة التى قُبض فيها على المسيح، أو فى نفس اليوم الذى صلب فيه المسيح، كما يلمح إنجيل يهوذا المنحول نفسه لذلك، حيث يقول: «ولكنك ستحزن كثيرا، لأن آخر سيحل محلك». كما كُتب بعد انتقال جميع تلاميذ المسيح من العالم بعشرات السنين علما بأن الأناجيل الأربعة الموحى بها كتب ثلاثة منها (متى ومرقس ولوقا) فيما بين سنة 50 و62م والرابع (يوحنا) نحو سنة 95م. أما هذا الكتاب المكتشف باللغة القبطية، والذى يرجع لنهاية القرن الثالث الميلادى أو بداية الرابع، فلا يعرف العلماء، ولا يوجد دليل يؤكد، أنه كان هو نفسه الذى تكلم عنه القديس إيريناؤس أم لا، أم أنه نسخة مطولة عنه!! لا يوجد دليل على الإطلاق. فلا توجد له إلا مخطوطة واحدة على عكس الأناجيل القانونية، التى يوجد منها آلاف المخطوطات، سواء الجزئية أو الكاملة. ولخص بسيط رأيه: «فى كل الأحوال فمن المستحيل، كما يجمع العلماء، أن يكون يهوذا هو كاتبه أو أى أحد له صلة به على الإطلاق». وأشار بسيط إلى أن المخطوط نتاج فكر جماعة من جماعات الغنوسية التى انتشرت فيما بين القرن الثانى الميلادى والقرن الخامس واندثرت بعد ذلك بسبب فكرها وعقائدها وصعوبة فهمها!. ومعروف أن الغنوسيين يؤمنون أن جسد يسوع المسيح لم يكن جسدا حقيقيا، ولكنه «بدا» حقيقى، وأن روحه حلت فيه فى وقت المعمودية، ولكنه تركه قبل الصلب. وهذا الإيمان الغنوسى تعتبره الكنيسة هرطقة مخالف بشدة لتعاليمها. وقال بسيط إنه عند قراءة إنجيل يهوذا المنحول يكتشف الدارس، خاصة الدارس للفكر الغنوسى ومكتبة نجع حمادى، بسهولة أنه كتاب هرطوقى غنوسى يخلط بين القليل من الفكر المسيحى والكثير من الفكر الوثنى السابق للمسيحية والمعاصر لها، وهذا الخلط لم يكن له أى وجود قبل منتصف القرن الثانى الميلادى ويتماثل تماما مع ما سبق أن قاله عنهم القديس إيريناؤس سنة 180م ومع ما جاء فى بقية كتب مكتبة نجع حمادى، والتى تضم نحو 52 كتابا، منها خمسة تسمى أناجيل وهى: إنجيل توما (يرجع زمن كتابته لسنة 150م) وإنجيل الحقيقة (يرجع لسنة 150م) وإنجيل المصريين (يرجع لسنة 180) وإنجيل مريم المجدلية (يرجع لسنة 200م) وإنجيل فيلبس (يرجع لسنة 300م)، وبعضها يسمى بأعمال الرسل مثل أعمال يوحنا، وبعضها يسمى رؤيا مثل رؤيا بطرس. وجميعها مترجمة إلى القبطية وترجع إلى ما بين 350 و400م. هذا إلى جانب إنجيل يهوذا. وفى معظمها حسب بسيط تقدم فكرها عن المسيح، خاصة ما بعد الصلب والقيامة، وخلق العوالم الروحية والمادية، من وجهة غنوسية وثنية، ولا تقدم أعمال المسيح أو تعاليمه ومعجزاته، أو لمحات من سيرة حياته، بل تقدم أفكارا وفلسفات وحوارات لا تمت لأسلوب المسيح البسيط السهل بأى صلة، بل هى حوارات فلسفية لاهوتية تقدم فكر كتابها الغنوسيين الوثنى. ولم يكتبها أحد من تلاميذ المسيح أو خلفائهم بل كتبها مفكرو وقادة الهراطقة بعد سنة 150م، أى بعد انتقال رسل المسيح وتلاميذه وخلفائهم من العالم. ورفضتها الكنيسة فى حينها، بل انحصرت داخل دوائر الهراطقة أنفسهم؛ لأنهم اعتبروها كتبا سرية مكتوبة للخاصة فقط وليسن للعامة! وقد اعتمدت أساسا على فكر الأناجيل القانونية الموحى بها ولكنها كانت فى جوهرها غنوسية فلسفية وخليطا بين عدة ديانات وفلسفات مصرية هيلينية ذردشتية وثنية. وأكد القمص بسيط أن هذا الإنجيل يصور آدم أو آداماس كمخلوق ليس من الله بل عن طريق الإله سكالاس وملائكته الذين خلقوا البشرية والعالم. أما نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب فأكد الكلام نفسه قائلا: «فى القرن الثانى الميلادى كتبت مجموعة من «الغنوسيين» (هراطقة هاجموا المسيحية وحاولوا إفسادها)، وكلمة «غنوس» أى «عارف»، ما سمته «أناجيل» مثل إنجيل المجدلية، وإنجيل فيلبس، وإنجيل توما، وإنجيل يهوذا هذا. والغنوسيون آمنوا بتعدد الآلهة بدرجات متفاوتة، مثل مجموعة تدعى القاينيين (نسبة إلى قايين قاتل أخيه)، والتى تعتبر إله اليهود إلها شريرا عاقب أبرارا كثيرين مثل قايين، وسدوم وعمورة، وبنى قرح. ولهذا فقد كتب كل من القديس ايريناوس أسقف ليون (القرن الثانى) والقديس أثناسيوس الرسولى (القرن الرابع)، عن إنجيل يهوذا المزيف، ورفضاه مقررين أنه مزعوم وكله أكاذيب!. وأوضح أنبا موسى من قبل فى مقال له أن القصة إذن حسمها الآباء منذ القرون الأولى. واستمرت المخطوطة مخبأة فى باطن الأرض إلى أن عثر عليها أوائل السبعينيات. ويبدو أن القصة ستخرج مرة أخرى للعلن بعد استرداد هذا المخطوط من أمريكا. من ناحية أخرى، ذكر أحد القساوسة الأرثوذكس رفض ذكر اسمه أن هذا المخطوط سوف يثير الجدل مثل روايات شفرة دافنشى والإغواء الأخير للمسيح وعزازيل. وقال إن احتفاء المجلس الأعلى للآثار بهذا المخطوط ليس له مبرر إطلاقا فى ظل هذا الجو المشحون. وأشار إلى أن القيمة الأثرية للمخطوط لا تنفى أنه إنجيل مزيف يقدم تعاليم مخالفة وخطرة، فلا يجب التهليل له والاحتفاء به كأنه نصرا مجيدا للآثار المصرية. روايات مغايرة لآراء الكنيسة فى مقابل ما يقوله رجال الكنيسة المصرية ذكرت بعض الدراسات إن يهوذا لم يكن بهذا السوء الموصوف فى أناجيل الكنائس، وأن يهوذا كان من جماعة الثوار اليهود الذى كانون يؤمنون بأن السيد المسيح هو ملك أرضى جاء ليخلصهم من الاحتلال الرومانى، ولذلك حاول يهوذا توريط المسيح وتسليمه حتى يعلن عن ملكوته الأرضى ويعلن الحرب على الرومان ويعيد أمجاد اليهود، أى أن يهوذا حاول أن يخلص المسيح من أفكار المثالية الفلسفية، التى تحث على المحبة والتسامح، لا أن يخونه ويسلمه إلى الصلب والموت. وتقول رواية أخرى إن يهوذا برئ من تهمة الخيانة وبأنه إنما قام بفعلته تلك لخدمة سيده المسيح، بل تعتبر قيامه بتسليم يسوع للموت كان لغاية نبيلة وهى تخليص العالم من الخطيئة، لذلك يجب احترام وتقديس يهوذا بل وشكره على مساعدته المسيح، فيهوذا علم بأن يسوع كان خائفا مما هو مقدم عليه فخشى أن يتراجع نهائيا عن فداء البشر لذلك «خانه» أو سلمه لرؤساء الكهنة لكى لا تعاق عملية الخلاص.