لم يتوقف الجدل الذى أثاره العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ حتى بعد مرور «33 عاما» على رحيله.. ومع ذكرى الرحيل فى كل عام يتجدد الحديث عن الفتى الوسيم فى محاولة لفهم السر وراء كل ذلك الصخب الذى خلفه فى حياته وبعد وفاته أيضا. ويبقى مرض العندليب الذى قطف زهرة شبابه مبكرا الجانب الأبرز فى حالة الجدل المثارة، ففى الوقت الذى اتهمه فيه البعض باستغلال مرضه لكسب تعاطف الجمهور، اعتبر آخرون العندليب أبعد ما يكون عن ذلك حيث حاول جاهدا تجنب الحديث عن مرضه لوسائل الإعلام وكان كثيرا ما يتألم فى صمت بعيدا عن أعين المحيطين. بطلات عبدالحليم حافظ يتحدثن ل«الشروق»، فى الذكرى 33 لرحيله، حول سر احتفاظه بعرش الرومانسية فى قلوب الفتيات، ويروين ذكرياتهن مع العندليب، كما يتحدثن عن فترة مرضه ومدى تأثيره على مشواره الفنى. الفنانة نادية لطفى التى شاركت العندليب بطولة أكثر من فيلم، قالت إن حليم حتى خلال فترة مرضه كان دواء للجمهور من متاعب الحياة، وكان أيضا جرحا فى نفس الوقت نتيجة للمأساة التى عاشها فى حياته والتى قطفت زهرة عمره وأدت إلى انتحار بعض الفتيات من أجله. وأوضحت أن المرض كان جزءا من تكوينه ولكن كان فى مصر 5 ملايين مصاب بالبلهارسيا وحليم فقط هو الذى كان مرضه مؤثرا فى الناس، ومعاناته أضافت لحياته رحيقا لديهم دون أن يقصد هو أو حتى يحاول أن يلمح بذلك للناس، وكان مرضه يضعه فى منطقة شفافة لأن الألم يطهر الناس ويرتقى بحواسهم إلى درجة ما بين المادة والروح. وعادت الفنانة الكبيرة لتقول إنه لم يبق شىء نتحدث فيه عن العندليب الأسمر إلا روحه الخاصة والحالة التى تسربت من بين يديه لتملأ الدنيا وتشغل الناس. وحاولت لطفى تفسير حديثها بالقول: لكل مرحلة نجمها الذى يتكرر بصور متعددة وبظروف خاصة فقبل حليم كان عبدالوهاب وقبله الحامولى وهكذا ولكن تنفرد كل حالة بخصوصية عصرها ومفردات الشخصية نفسها، ومن خصوصيات حليم تجد استمراره، فحتى الآن تفاجأ ببنات صغار ونساء يقلن لى إننا نغار جدا عندما كنا نرى حليم يحبك فى الأفلام، وهذا الحديث لا تجد له تفسيرا إلا شيئا من وراء الطبيعة أو ميتافيزيقا. ورأت لطفى أن أى محاولة لتفسير ظاهرة حليم أو أى ظاهرة مماثلة ستكون محاولة لإفسادها وإطفاء وهجها لأنها تحويل للحالة نفسها إلى حالة من التنظير، وحليم لا يخضع للحسيات أو للماديات.. فحليم لمسة إلهية روحانية لا تحصر فى كلمات كأى شىء مادى آخر. وأضافت الفنانة الكبيرة أن حليم كان متميز جدا فى منطقة وهى أنه إلى جانب مجهوده الشخصى ورغبته فى الحفاظ على الموقع الذى وضعه الله فيه كان يتمتع بقدرة الامتصاص.. فكان كالنحلة التى تطوف على جميع الأزهار ثم تفرز العسل بمعنى أنه كان يخالط الجميع ويحافظ على علاقته بشتى البشر، وكان يدخل فى مناقشات ويختلف مع الناس من أجل أن يصل إلى شىء ويرتقى به، حتى يتمكن من كبح جماح الشهوات الوقتية. الفنانة مريم فخر الدين اعتبرت حليم من أكثر الحريصين على الدعاية لنفسه.. «فمن وجهة نظرى لم يكن أفضل المطربين لكن كان بيجرى ورا شغله»، وأضافت «لم يكن أبدا أحسن أبناء جيله ولكن اخترق قلوب الناس وأحبوه لضعفه وغلبه وجمال صوته طبعا». وأضافت: لكن مثلا فريد الأطرش كان لديه أغانٍ كثيرة أجود من حليم.. ولكن مرض حليم خدمه كثيرا فى نجاحه، فضلا عن عدم مرور أى مناسبة وطنية دون أن يدع الفرصة تفلت منه لأداء أغنية لها وكانت أغانى وطنية بحق، وكان يسعى خلف أغنيته فى كل شىء من أصغر تفصيلة لأكبرها. وواصلت مريم: لقد شاركت حليم فيلما واحدا فقط.. وعندما طلبنى فى فيلم آخر اعتذرت، وقلت له هذا الفيلم أقل من فيلمنا «حكاية حب» وسيأخذ من نجاحه، ولكن فى المجمل لا أنكر أن حليم كان قادرا على إنجاح أى فيلم وأجمل ذكرياتى معه أيضا أننى اشتغلت معه فى فيلم «حكاية حب» والذى نلت تكريما عنه قبل أيام من جمعية أصدقاء نجوم الفن السعودية. وأضافت: كرمونى على هذا الفيلم بعد خمسين سنة من عرضه وهذ أشعرنى بالدهشة والسعادة معا فجمعية سعودية من المفترض أن تكرمنى عن فيلم مثل «رد قلبى» أو «طاهرة».. لكن سعادتى كانت بالغة عندما علمت أن التكريم عن «حكاية حب».. فشكرا للعندليب. أما الفنانة لبنى عبدالعزيز فقالت: مؤكد حتى الآن لم يظهر من يسد الفراغ الذى تركه حليم على الشاشة ذلك الروميو الحبيب المظلوم صاحب الوجه الوسيم ذو الحزن الشفاف الذى يلمس القلوب، لم يظهر حتى الآن من يؤدى دور هذا الجان ذو الخصوصية الفريدة بنجاح. وعن أبرز مميزات العندليب الراحل، قالت: حليم كان يتميز بشىء مهم وهو أن الجميع يشعر تجاهه بالعطف وتشعر أنك تريد احتضانه وكأنه أخوك أو ابنك أو شخص من عائلتك، تشعر أنك تريد ضمه لتداوى جرح داخله وهذا كان أحد أسباب جاذبيته للكثيرين. وعادت الفنانة الكبيرة لتقول: إذا نظرت إلى عصر حليم بأكمله ستجد أنه تميز بوجود شخصيات كثيرة تركت أثرا بالغا كشادية وفريد الأطرش ورشدى أباظة وهم الشخصيات التى تركت أثرا ممتدا، ولكن الآن جميع الممثلين يتمتعون بالجمال الشكلى ولكن لا يتركون أثرا لأكثر من 3 سنوات وهذا سحر حليم الذى امتد أثره حتى الآن متفوقا على من خلفوه. الفنانة ميرفت أمين، وهى بطلة العندليب الأسمر فى آخر أفلامه «أبى فوق الشجرة»، والتى غنى لها «ياخلى القلب» حيث تضعها الآن نغمة لهاتفها المحمول، تقول: ظاهرة عبدالحليم حافظ لم تكن مرتبطة أبدا بمرضه ورحلات علاجه التى لم تتوقف إلا بوفاته، وذلك لأن الأجيال الجديدة التى لا تعرفه ولم تعاصره تحب سماع أغنياته وتشترى ألبوماته حتى الآن بإقبال شديد، والسبب هو أن حليم موهبة وظاهره لن تعود، وجمال أغنياته وكلماتها لم أسمع مثلها حتى الآن. وأوضحت أمين: بشكل عام أنا منحازة للأجيال القديمه من المطربين ولا أسمع سواهم، فتجدنى لا أسمع إلا أم كلثوم وحليم وعبدالوهاب، وأرى أن هؤلاء العمالقه يستحقون التكريم كل يوم وليس كل عام. وأنهت الفنانة الكبيرة حديثها بالقول إنها لم تكن تربطها أى علاقة بالعندليب، ولم تلتقه أبدا بعد انتهائهما من تصوير الفيلم الوحيد الذى شاركته بطولته، ورغم ذلك هو يعيش بداخلها من خلال أغانيه التى تواظب على سماعها.