«لقاء مفتوح مع الجمهور».. الجملة هنا ليست مجازا، بل هى الأدق لوصف هذه الجلسة التى كانت عبارة عن حوار طويل امتد لثلاث ساعات تقريبا بين الكاتب وقرائه، حيث يفضل الأديب علاء الأسوانى هذه الطريقة عن الجلوس بالمنصة وإلقاء الكلمات على الحضور، لأننا فى مصر حسب تعبيره «نعانى من كثرة المنصات، ومن ضعف ما تقدمه، ومن الذين يجلسون عليها ولا يفارقونها إلا بمفارقة أرواحهم لأجسادهم». كانت الأمسية هى الحدث الثقافى الأول لفرع مكتبة الشروق فى داندى مول، وهى المكتبة رقم 10 فى سلسلة مكتبات الشروق، وجاءت ندوة الأسوانى بمثابة الافتتاح الرسمى للمكتبة. الندوة كانت بعنوان لقاء مفتوح مع الجمهور، وتوقيع كتابيه الجديدين «لماذا لا يثور المصريون» و«هل نستحق الديمقراطية»، واللذين صدرت طبعتهما الثانية منذ فترة. الكتابان عبارة عن مجموعة من المقالات نشرها الأسوانى بالصحف، ثم جمعها بعد أن استبعد منها تلك المرتبطة بأحداث معينة، والتى تنتهى أهميتها بمجرد انتهاء الحدث. «لا أكتب فى السياسة بالشكل التقليدى الذى يعتمد التحليل والتعليق على الأحداث، بل أحاول ربطها باليومى فى حياة المواطن، كما أننى أفضل كلمة العمل العام على كلمة العمل بالسياسة». وبدا الأسوانى سعيدا بافتتاح الفرع الجديد لمكتبات الشروق، لأن فتح مكتبة جديدة من وجهة نظره، يعد فتح نافذة ثقافية جديدة، يدخل منها الضوء فى نفق معتم. وتضاعفت سعادته بحضور الدكتور محمد غنيم أحد أهم علماء زراعة الكلى فى العالم، والذى بدا متواضعا وخجولا عندما وصفه الأسوانى بالنموذج الحقيقى لامتزاج الهم الخاص بالهم العام، حيث إنه إلى جانب عمله العلمى «يسعى لاستحضار التغيير الضرورى فى مصر». ذات مرة قال الكاتب جمال الغيطانى: إن تقييم الأديب بنسبة البيع يعد ظاهرة كارثية، فما رأيك بهذه المسألة؟ يجيب الأسوانى على أحد القراء: «أوافق تماما على هذا الكلام، لأن الأعلى مبيعا ليس بالضرورة هو الأفضل، ولكن مع ملاحظة أن قوائم الأفضل مبيعا تضم أحيانا كتابا ليس ذا قيمة، ولكن نفس القوائم تضم أهم كتاب فى العالم مثل جابرييل جارثيا ماركيز، والذى أعده أهم روائيى العالم فى وقتنا الحالى، حيث إن ماركيز أحدث طفرة فى نسب بيع الكتب على المستوى الدولى، ورفعها من 5 ملايين نسخة للكتاب إلى 50 مليون نسخة، لدرجة أن البعض يعتبرون قراءه جمهورية بأكملها، ويتحدثون عن سطوته وتأثيره ككاتب»، كما يعتبر الأسوانى أن كتابة نصوص غامضة يصعب على القراء فهمها هى إحدى نقاط الضعف عند الأديب «لأن أسهل أشكال الكتابة هى الكتابة التى لا يفهمها المتلقى ولا يستوعبها». ثلاث حكايات رواها المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة الشروق عن الأديب علاء الأسوانى، الأولى عن إحدى أهم الناشرات فى ألمانيا، والتى قالت له إنه لا توجد رواية قديمة أو جديدة بل توجد رواية تحيا ورواية تموت، وهى ترى أن أعمال الأسوانى من النوع الأول والذى يعد بالنسبة لها معيار النجاح، كما قال المعلم: إن الأسوانى من الشخصيات الساحرة، وأنه الوحيد الذى من الممكن أن توافق على نشر أى عمل له دون أن تقرأه. الحكاية الثانية حدثت فى معرض لندن للكتاب، أحد أهم المعارض فى العالم، ومن تقاليده أن يتم اختيار نجم للمعرض بشكل يومى، يكمل المعلم «وفوجئنا أثناء دخولنا للمعرض أنهم اختاروا علاء الأسوانى كنجم المعرض لهذا اليوم، ووجدنا مدير معرض لندن للكتاب فى شرف استقباله لتحيته، أما الحكاية الثالثة كانت مع أحد أشهر وكلاء الأدب فى أمريكا، عندما قرأ رواية «شيكاغو» وقابلته مشكلتان حكاهما فيما بعد للمعلم والأسوانى، الأولى هى عدم استطاعته ترك الرواية وقراءتها أكثر من مرة، والثانية أنه ظل يبحث عن وسيلة اتصال بالأسوانى لفترة طويلة حتى يعرض عليه أن يكون وكيله الأدبى. رغم أن كتابات الأسوانى تترجم فى مجموعة كبيرة من الدول الأجنبية، إلا أنه يعتز اعتزازا شديدا باللغة العربية، ويرى أن الله ميزنا باللغة العربية «ولا نستطيع أن نتحدث عن اللغة العربية دون ذكر الله لأنها شئنا أم أبينا هى لغة القرآن الكريم، وتتميز بقدرة مذهلة على التعبير، ولكن علينا أن نبحث عن اللآلئ فى هذا المنجم». يرى د. علاء أن بعض المستشرقين من اللذين يقودون اتجاها للبعد عن اللغة العربية ونشر العامية يعملون على إفساد الثقافة العربية، ويجب علينا الحفاظ عليها والدفاع عنها، حيث إن هناك دولا مثل النرويج تصرف الملايين لكى ينتقل أدبها ولغتها إلى دول العالم، ولكنه فى نفس الوقت غير قلق بشأن العربية، حيث إنها ستظل بخير طالما ظل القرآن الكريم. وكعادة لقاءات الأسوانى فى الفترة الأخيرة، استحوذت الأجواء السياسية على الندوة وتطرق الحديث إلى «الجمعية الوطنية من أجل التغيير»، والتى أسسها الدكتور محمد البرادعى، ويشارك الكاتب علاء الأسوانى فى لجنتها التحضيرية، وتساءل أحد الحضور عن حالة الإرادة الشعبية الواضحة هذه الأيام، وعن الأسباب التى غيرت الرأى العام الآن، يجيب الأسوانى مستعيرا عبارة صديقه الدكتور جورج إسحق «مصر فيها كرامات»، موضحا أن جذور الشجرة المصرية تبدو قوية للغاية حتى وإن فسدت بعض فروعها.