أوضح أداء جو بايدن، أن القوة العظمى الجبارة ما هى إلا تابع إسرائيل. فمنذ اللحظة التى وطأت فيها قدم نائب الرئيس الأمريكى أرض إسرائيل، كان فى وضع الانقياد الكامل فى الواقع. فقد توجه أولا إلى نصب ياد فاشيم التذكارى (لتخليد ذكرى الهولوكست) حيث اعتمر الطاقية اليهودية وأعلن أن إسرائيل «جزء مهم من وجودنا».. ثم واصل قائلا «بالنسبة ليهود العالم اليوم» ومن المفترض أن بينهم خمسة ملايين أمريكى «إسرائيل هى القلب.. إسرائيل هى النور.. إسرائيل هى الأمل». وفى اليوم التالى عندما التقى شيمون بيريز، اعترف أن إسرائيل عندما زارها للمرة الأولى حين كان عمره 29 عاما «أسرت قلبى».. وكتب فى دفتر زوار بيريز «إن العلاقة بين بلدينا لم ولن تتزعزع». ثم قال لبيريز وللعالم «عندما يتعلق الأمر بأمن إسرائيل، فليس هناك أية مسافة مطلقا بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل». وعندما تحدث بيريز، كان بايدن يسجل ملاحظات. وحين أطلق عليه بيريز وصف «صديق»، قال جو بحماس «إنه لأمر جيد أن أكون فى وطنى». ولا بد أن الأمر كان ملجما، حتى فى منظمة إيباك. وعندما اقترب من مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ناداه باسم التدليل «بيبى»، واصفا إياه بأنه «صديق حقيقى»، وقال إن العلاقة الأمريكية مع إسرائيل «كانت، وستظل، محور سياستنا وأولوياتها». ثم جاءت اللطمة حين أعلن وزير الداخلية إيلى يشاى إنشاء 1600 وحدة سكنية جديدة فى القدسالشرقية العربية. وشعر بايدن بالذهول والمهانة البالغة، فأصدر بيانا قال فيه إنه «يدين» القرار. ثم رد على ذلك بالذهاب متأخرا إلى دعوة عشاء فى منزل بيبى!. ثم اعتذر نتنياهو عن توقيت الإعلان، غير أنهم مضوا قدما فى البناء. فما الذى سيفعله الأمريكيون بهذا الشأن؟ فى هذه اللحظة، لا شىء سوى الجعجعة. بل إنه فى اليوم التالى، وفى جامعة تل أبيب، عاود جو بايدن المهان القول «ليس لدى الولاياتالمتحدة صديق أفضل.. من إسرائيل». وعند مغادرته إسرائيل فى طريقه إلى الأردن، ذكرت صحيفة هاآرتس إن إسرائيل تعتزم بناء 500 ألف مسكن جديد فى القدسالشرقية خلال السنوات القليلة المقبلة. وربما يشعر بايدن أنه تم خداعه، وربما يشعر الأمريكيون بالغضب، غير أننا لم ننل سوى ما يستحقه الخاضعون. وإذا كنا نريد فهم السبب فيما يبدو من ازدراء العرب لنا الآن بعدما كانوا يحترموننا من قبل، فلنتخيل رد فعل زوجة تعرضت للطمة على وجهها علنا. ولنتخيل أيضا أهم تصريح لبايدن فى اليوم الأول «سوف يتحقق السلام فى الشرق الأوسط عندما يدرك الجميع أنه ليست هناك مسافة بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل». يقول بايدن إننا نكون قوة أكثر فعالية بالنسبة لسلام الشرق الأوسط فى منطقة يفوق فيها العرب الإسرائيليون عدديا بنسبة خمسين إلى واحد إذا كان الجميع يعلمون أننا نتحدث لغة إسرائيل نفسها وليست لدينا سياسة مستقلة عن السياسة الإسرائيلية.. فكيف إذن يمكن اعتبار أمريكا وسيطا نزيها بين العرب والإسرائيليين، خصوصا إذا «لم تكن هناك مسافة» بين أمريكا وإسرائيل؟. وحتى مع أقرب الحلفاء فى تاريخنا، بريطانيا فى الحرب العالمية الثانية، كانت هناك مسافة بين موقفى ونستون تشرشل وتيودور روزفلت حول مكان الغزو شمال أفريقيا، أم إيطاليا، أم فرنسا، أم البلقان؟ وحول ما إذا كان ينبغى التغلب على ستالين فى برلين، أم براج وفيينا، ومن الذى ينبغى أن يكون القائد الأعلى لقوات التحالف، بل حول ما إذا كان ينبغى أن تستمر الإمبراطورية البريطانية فى البقاء. بينما تضع إسرائيل نصب عينيها أولوية لمصالحها الخاصة، وعندما يتطلب ذلك تصرفات مناوئة للولايات المتحدة، كانت تتصرف هى بصورة منفردة دائما.. ولم يسع ديفيد بن جوريون للحصول على تصريح من دوايت إيزنهاور للهجوم على مصر بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا عام 1956، وهو ما أثار غضب الرئيس الأمريكى. ولم تستشر إسرائيل الرئيس جون كنيدى فيما إذا كانت تستطيع سرقة اليورانيوم المخصب من مفاعل نيوميك فى بنسلفانيا من أجل برنامجها لإنتاج القنبلة النووية. كما لم تستشر البيت الأبيض فيما إذا كان يمكنها مهاجمة السفينة «يو اس اس» ليبرتى فى حرب الأيام الستة فى عام 1967، أو حين قامت بتحريض جوناثان بولارد على نهب أسرارنا الأمنية، أو نقل تكنولوجيا السلاح الخاصة بنا إلى الصين. لقد مضوا قدما، وفعلوها، مدركين أن الأمريكيين سوف يبتلعونها ويقبلونها. ولم يستشر إيهود أولمرت الرئيس المنتخب أوباما قبل شن حرب على غزة، وقتل 1400 فلسطينى. مثلما لم يستشرنا نتنياهو قبل أن يغتال الموساد قيادى حماس فى دبى. فما يريد نتنياهو ويشاى قوله لأوباما عبر قرارهما مواصلة البناء فى الأرض المحتلة هو: «نحن لا أنت من بيده القرار عندما يتعلق الأمر بالقدسالشرقية والضفة الغربية». وإذا كان نتنياهو قد أيقظ جو وغيره من أحلامهم الرومانسية بشأن إسرائيل، فهذا جيد جدا.. فنحن الآن على الأقل صرنا نرى الأمور بشكل واضح. غالبا ما تتواكب المصالح الإسرائيلية والأمريكية، غير أنها لا تتطابق أبدا. فإسرائيل تهتم بالجوار، بينما نحن نهتم بعالم به أكثر من 300 مليون عربى ومليار مسلم. ولا يمكن أن تكون سياساتنا واحدة. فإذا كانت كذلك، فسينتهى بنا المطاف إلى مواجهة جميع أعداء إسرائيل، وهم كثر، ولن يكون لنا سوى أصدقاء إسرائيل، وهم قلة. وإذا كانت سياستا وسياسة إسرائيل واحدة ومتطابقة، سيبقى تصور العرب على ما هو عليه اليوم : إن أمريكا لا تستطيع مواجهة إسرائيل حتى لو تطلبت مصالحها الوطنية ذلك. ولم يسفر أداء جو قبل أن يتلقى اللطمة المهينة على وجهه، إلا عن إبراز فكرة أن القوة العظمى الجبارة ليست سوى تابع لإسرائيل. New York Times Syndication Service