انخفضت فى الأيام الأخيرة وتيرة الحديث عن إمكانية مد سن التقاعد للقضاة وتمديد عهد رؤساء الهيئات القضائية الحاليين، فى ظل ابتعاد الرئيس مبارك عن أرض الوطن، بوصفه صاحب السلطة الوحيدة المختصة بإصدار مثل هذا القرار، ليصبح الحديث عن «المد» موسميا، وتحديدا قبل نهاية كل عام قضائى، الأمر الذى يضعف فرص استمرار المستشار محمد الحسينى رئيسا لمجلس الدولة بعد 30 يونيو المقبل. فالحسينى الذى ترك بصمات قضائية لا تمحى كرئيس لمحكمتى القضاء الإدارى والإدارية العليا، بلغ سن السبعين فى أول مارس الجارى، وإذا لم يصدر قرار بمد السن فسيكون عليه البقاء 100 يوم أخرى على مقعد رئيس مجلس الدولة. وهى فترة ستكون مكتظة بالاستحقاقات الإدارية والقضائية، ويصفها مصدر قضائى رفيع ب«أصعب فترة تمر على رئيس لمجلس الدولة منذ 1946». وحين أحيل سلفه المستشار نبيل ميرهم للتقاعد سأل الإعلاميون الحسينى فى أول مؤتمر له عن طريقة تعامله مع الصحافة، فقال: «ستشبع الصحافة أخبارا عن مجلس الدولة فى عهدى»، ولم يكن أحد الموجودين، وربما الحسينى نفسه يتخيل أن يشهد المجلس على مدى الأشهر الثلاثة الماضية أكبر أزمة فى تاريخه، بل ويمتد تأثيرها لتشمل أجهزة الدولة المختلفة ومنظمات المجتمع المدنى وحقوق الإنسان، وتتحول إلى جدل مجتمعى حول قبول تعيين المرأة قاضية. وأول وأخطر المهام التى تنتظر الحسينى فى آخر 100 يوم فى العام القضائى الحالى، هى إعادة الاستقرار إلى مجلس الدولة، وإيجاد حالة جديدة من الانسجام بينه وبين الأعضاء الذين أعلنوا معارضتهم له بنسبة تقارب الإجماع فى جمعيتين عموميتين، الأولى رفضت تعيين المرأة، والثانية رفضت الاعتداد بقراره باستكمال إجراءات التعيين وتجاهله أغلبية المجلس الخاص الذى يضم أقدم 6 من نوابه، وأغلبية رؤساء المحاكم أيضا. تبدأ المهمة الصعبة بجلسة المجلس الخاص المقررة غدا الاثنين، والمتوقع أن تشهد تصويتا جديدا على استكمال إجراءات تعيين المرأة بعد شهر من الجدل والانقسام، وفى ضوء تفسير المحكمة الدستورية العليا التى أكدت أن التعيين اختصاص معقود للمجلس الخاص دون الجمعية العمومية للمستشارين، وأكدت فى حيثياتها أن قرار الحسينى باستكمال إجراءات التعيين مخالف لما اتفق عليه المجلس الخاص. وفى 22 فبراير الماضى توجهت «الشروق» بسؤال للحسينى عن جلسة الحسم فى المجلس الخاص، فأكد أنه سيلتزم بقرار الأغلبية النهائى، وأن قرار استكمال إجراء التحريات الأمنية والكشف الطبى على المقبولين والمقبولات من دفعتى 2008 و2009 هو إجراء تمهيدى يتطلب العرض من جديد على المجلس الخاص لإصدار قرار نهائى. وتتعلق أنظار قضاة المجلس والمتابعين بالحسينى باعتباره حامل مفتاح حل الأزمة، فالاستجابة لقرار الأغلبية وتطبيقه أيا كان سيدخله دون شك تاريخ القضاء المصرى من أوسع الأبواب، خاصة فى ظل الاتصالات والرسائل التى انهمرت عليه فى الآونة الأخيرة من جهات مختلفة فى الدولة تعبر عن الاستياء من موقف قضاة المجلس الرافض لتعيين المرأة، وتدعوه للثبوت على موقفه المؤيد للتعيين. ورغم ما يظهر للعيان بأن الحسينى مؤيد لتعيين المرأة فى سلك القضاء الإدارى، إلا أنه ربط الموافقة على ذلك فى السنوات القادمة بتعيينها فى النيابة العامة، «على جثتى أن يتم هذا الأمر فى السنوات المقبلة، أو أن يتحول مجلس الدولة إلى هيئة تعين فيها النساء دون وجه حق أو كفاءة» وهو موقف أعلنه بوضوح أمام القضاة والإعلاميين. المسألة الإدارية الثانية التى تنتظر تحرك الحسينى هى الدعوة لعقد جمعية عمومية لإقرار اللائحة الداخلية للمجلس، وهى اللائحة التى كان رئيس اللجنة التى صاغتها فى عهد المستشار عبدالرحمن عزوز، رئيس المجلس الأسبق، ومنذ أكثر من 6 سنوات وهى تراوح مكانها فى أدراج مكاتب أعضاء المجلس الخاص حتى تم الاتفاق على بنودها النهائية أواخر العام القضائى الماضى. وتعهد الحسينى فى يوليو الماضى بإنهاء مشروع اللائحة وحدد للجمعية العمومية يوم 15 مارس للاستفتاء عليها، لكن أزمة تعيين المرأة تسببت فى إرجاء العمومية لأجل غير مسمى، وعدم تحديد موعد بديل لها خلال المائة يوم القادمة يضعف تسجيل إنجاز اللائحة الجديدة للحسينى وينقله لخلفه المستشار محمد عبدالغنى، رئيس الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع، خاصة أن اللائحة العاملة حاليا عمرها أكثر من نصف قرن. ولأن الحسينى قاضٍ بالدرجة الأولى سيتوجب عليه أيضا خلال 100 يوم، حسم العديد من القضايا المهمة والشائكة التى شغلت الرأى العام لفترة طويلة، حيث أكد للمقربين منه عزمه على الفصل فيها جميعا قبل نهاية عهده كرئيس للمحكمة الإدارية العليا، خاصة بعدما تمكن من إنهاء الجدل القانونى حول تصدير الغاز المصرى لإسرائيل بحكم رآه الخصوم متوازنا. وعلى منصة الحسينى 4 قضايا مهمة تنتظر الجهات الحكومية والمواطنون حكمه النهائى فيها، أبرزها قضية الحرس الجامعى التى بدأ نظر جميع الطعون الخاصة بها، وهى المقامة من الحكومة والجامعات ضد حكمى القضاء الإدارى بطرد الحرس الجامعى التابع لوزارة الداخلية واستبداله بوحدات أمن جامعية تابعة لرئيس الجامعة طبقا للائحة التنفيذية لقانون الجامعات. والقضية الثانية هى السماح للمنتقيات بدخول لجان الامتحانات، وهو مطالب الآن بوضع مبدأ قانونى للمرة الأولى فى هذه القضية، خاصة أن أمامه حكمين متعارضين أحدهما من القضاء الإدارى يرفض دخول المنتقيات، والآخر من دائرة فحص الطعون يسمح بدخولهن للجان مادمن يكشفن وجوههن للمراقبات للتأكد من هويتهن. والقضية الثالثة هى الخاصة بدعوى إسقاط الجنسية المصرية عن المتزوجين بإسرائيليات، التى قضت فيها محكمة أول درجة بإلزام وزير الداخلية بعرض طلبات الإسقاط على مجلس الوزراء فطعنت الحكومة وجاء تقرير المفوضين مرجحا قبول الطعن، ومن المنتظر أن تكون الجلسة الأولى للقضية أمام الحسينى مثيرة لأن المحامى نبيه الوحش مقيم الدعوى وعد بتقديم مستندات تثبت خطورة احتفاظ المتزوجين بإسرائيليات بجنسيتهم المصرية على الأمن القومى. والقضية الرابعة هى الخاصة بمنع الحكومة وصول قوافل الإغاثة الإنسانية إلى الحدود المصرية مع غزة، التى صدر فيها حكمان متناقضان أيضا من القضاء الإدارى ودائرة فحص الطعون، وينطق الحسينى بمبدأ فى القضية 27 مارس الجارى.