جزيرة الكافور بشاطئ ميامى.. وشواطئ برديس بأبى قير.. محطات رئيسية لمافيا وعصابات تسفير الشباب إلى بلاد الأحلام.. فعلى الرغم من تكرار حوادث الغرق الجماعية فى أعماق المتوسط فوق قوارب الموت المتهالكة التى تبحر بهم إلى المجهول فى جنح الظلام من شواطئ الإسكندرية فإن إصرار الشباب على الحجز بإرادتهم فى رحلات الموت لا يتوقف.. وعلى الرغم من سقوط الآلاف من الشباب فى قبضة سلطات الدول المختلفة وترحيلهم بشكل مهين مكبلين بالقيود الحديدية فإن الهجرة غير الشرعية لا تزال مستمرة.. فقد كشفت تفاصيل القضية رقم 4314 لسنة 2009 إدارى المنتزه عن تفاصيل يشيب لها الولدان والتى حملت بين طياتها مشاهد مؤلمة أسفرت عن مصرع أربعة شباب فى عمر الزهور وفقدان 5 آخرين ابتلعهم البحر ولم يلفظهم حتى الآن بينما كان القدر رحيما ب26 شابا أنقذتهم قوات خفر السواحل.. الزمان 5 مارس الماضى، المكان أمام شواطئ برديس بأبى قير وعلى بعد 800 متر من الشاطئ وكانت الإسكندرية تتعرض فى ذلك اليوم لمجموعة من النوات المتتالية التى جعلت بوغازها مغلقا، هذه الأجواء العاصفة تعد ميعادا مثاليا لسماسرة الموت الذين كانوا قد أعدوا العدة للبدء فى هجرة غير شرعية إلى إيطاليا. قام بالإعداد لها أحد السماسرة بعد اتفاقه مع 35 شابا على تسفيرهم مقابل دفع الواحد منهم 50 ألف جنيه يدفع منها 5 آلاف كمقدم وبقية المبلغ يتم سداده بمجرد الوصول حيث يجرى اتصال بينهم وبين أهاليهم من مكان احتجازهم فى إيطاليا للتأكيد على وصولهم ومن ثم يتوجب عليهم وقتها الدفع الفورى وإلا يتم إبلاغ السلطات المختصة لتقبض عليهم وإعادتهم مرة أخرى إلى مصر. ولأن سماسرة الهجرة غير الشرعية عبارة عن مافيا تعمل وفق قانون تقسيم العمل كان توزيع الأدوار الذى يتم بشكل لا يعلمه أحد فى شكل اتفاقيات سرية تعمل تحت شعار «سلم واستلم» دون أن يعرف المتهمون هوية بعضهم البعض وكانت إحدى الاتفاقيات تلك مع المجموعة التى ستقوم بنقل الشباب إلى السفينة الموجودة فى عرض البحر وكان الاتفاق وقتها على نقلهم عبر سيارة «ميكروباص» من قريتهم بمركز إيتاى البارود محافظة البحيرة إلى كوبرى ستانلى بمنطقة جليم حيث نقطة الإلتقاء.. لينزل الشباب الذى كان قد أعد العدة لعملية السفر بحمل أكياس تحوى بداخلها خبزا ومعلبات محفوظة وما هى إلا لحظات، وكان الجميع يستعد لركوب مركب الصيد الذى كان ينتظرهم ليقلهم إلى عرض البحر حيث تنتظرهم سفينة مقرر لها أن تقوم بإعطاء إشارات ضوئية مثل الإشارات التى تستخدم فى تجارة المخدرات. وبينما كان الشباب يصعد للمركب فوجئوا بمعاملة قاسية من أصحاب المركب الذين ظهر عليهم الغضب بسبب عدم أخذ كامل مستحقاتهم وهو الأمر الذى جعلهم يأخذون طعام المسافرين ويلقونه فى الخارج من أجل الضغط على السمسار الأصلى بالإسراع فى سداد مستحقاتهم.. وتأتى الطامة الكبرى فى قيامهم بإنزال الشباب البالغ عددهم 35 شابا داخل حجرة صغيرة جدا أسفل السفينة وقاموا بحبسهم بداخلها وإغلاق الباب عليهم بلوح خشبى من الخارج. تحركت السفينة وعلى متنها 35 شابا جميعهم فى العشرينيات من العمر يقبعون داخل صندوق أشبه بعلبة السردين وتأتى المفاجأة فى أن نوة الشمس الصغرى أخذت فى ضرب شواطئ الإسكندرية وهو ما جعل السفينة تصارع الموج لمدة يومين وكان الذهاب إلى الشاطئ بمثابة الطريق إلى الهلاك لذا كان البقاء وسط تلك التيارت المائية مما أدى إلى إصابة جميع هؤلاء الشباب بحالة دوار البحر. كان الوقت يمر وكأنه دهر على هؤلاء الشباب حتى فوجئوا بقيام ربان السفينة بإخراجهم من غرفتهم والتى حبسوا بداخلها على مدار يومين وكان أصحاب السفينة وقتها فى قمة الغضب حيث اتضح لهم عدم قيام السمسار بدفع بقية أتعابهم.. كانت السفينة وقتها على مسافة 800 متر من شاطئ أبوقير وتحديدا أمام الوحدة التابعة لحرس السواحل، ودون سابق إنذار، ووسط الجو القارس والأمواج العاتية أخذ أصحاب السفينة قرارهم الشيطانى وألقوا جميع هؤلاء الشباب فى المياه قائلين لهم تلك هى شواطئ إيطاليا أمامكم ولأن غالبيتهم لا يعرف السباحة فقد رفضوا جميعا النزول إلى المياه وهو الأمر الذى جعل أصحاب السفينة يشهرون مسدساتهم فى وجوه الشباب لتبدأ بعدها مشاهد الهلاك والغرق التى أسفرت عن غرق أربعة شباب فى الحال من بينهم أحمد على أبوصبرة «26 سنة»، من قرية العبور. التابعة لمركز إيتاى البارود فى البحيرة بينما اختفى داخل البحر 5 شباب آخرين لم تخرج جثثهم حتى الأن. وكشفت التحقيقات، التى أشرف عليها المستشار محمد البندارى، المحامى العام لنيابات شرق الإسكندريةعن اتفاق صاحب مركب صيد من محافظة البحيرة مع بعض السماسرة على تحصيل 700 ألف جنيه من 35 شابا يرغبون فى الهجرة إلى إيطاليا، وتم وضعهم فى المركب الذى ألقى بهم فى عرض البحر أمام شواطئ أبوقير. وأثبتت التحريات التى أشرف عليها اللواء يوسف حسن مدير إدارة غرب الدلتا، صحة المعلومات، فتم إعداد فريق لضبط المركب وراغبى الهجرة، وقبض العميد عبدالله خليل، وكيل إدارة مكافحة الأموال العامة فى المحافظة. على 26 شخصا بعد انتشالهم من البحر، بينهم بعض السماسرة وطاقم المركب، وتمت إحالتهم إلى النيابة. وعلمت «الشروق» أن النيابة ستوجه تهمة القتل العمد والشروع فى القتل لمجموعة التشكيل العصابى التى أعطت أوامر لهؤلاء الشباب بإلقاء أنفسهم فى البحر وهم يعلمون أنهم سيهلكون وهو الأمر الذى سيجعل من تلك الواقعة فى الفترة المقبلة قضية رأى عام حيث بات من المرجح أن تصل فيها العقوبات إلى الإعدام.