ليست المغامرة الأولي ولن تكون الأخيرة.. وآخر الذين كاد يبتلعهم البحر المتوسط 49 شابا مصريا علي ظهر مركب صيد في الطريق إلي الهجرة غير الشرعية إلي أوروبا وتم انقاذهم علي بعد 071 ميلا بحريا بمنطقة سيدي براني شمال غرب مرسي مطروح بعد ان اشرفوا علي الموت غرقا.. أي مصير مجهول كان ينتظرهم في هذه الرحلة؟ وأي مغامرة خطرة كانوا يذهبون إليها بارادتهم في رحلة بلا عودة؟ إنها مأساة الشباب المصري الذي يعاني البطالة في الريف وفي الصعيد ويلهثون وراء الوهم ويبيعون البيت والبقرة لكي يدفعوا للسماسرة مقابل التسفير - أي الهروب - في رحلة غير شرعية علي مراكب متهالكة.. ولولا القوات البحرية التي تمكنت من انقاذهم لغرقوا في البحر حيث تعطلت ماكينات المركب التي كانوا يستقلونها من أبو قير في طريقهم إلي بنغازي - في ليبيا - ويتوجهون بعد ذلك في رحلة علي مركب أخري إلي سواحل إيطاليا ولكن حدث العطل المفاجيء في عرض البحر.. وكان كل واحد منهم قد دفع للسمسار قرابة 52 ألف جنيه لكي يركبوا أهوال البحر في رحلة الي المجهول وتم انتشال هؤلاء الأربعة والتسعين شابا قبل ان يغرق المركب تماما وكتبت لهم الحياة! ومازال مسلسل الهجرة غير الشرعية مستمرا رغم المخاطر ويدفع الشباب الغلابة الثمن بأرواحهم للبحث عن فرص العمل البراقة التي يسمعون عنها من أقاربهم ومعارفهم الذين سبقوهم وتمكنوا من العمل في إيطاليا وفرنسا وبينما يتعرضون للمطاردة من الشرطة وايداعهم في السجون - حتي في ليبيا - ولكنهم يتحملون الهروب من مكان لآخر بحثا عن هذه الفرصة.. وقد تفاقمت تلك المأساة في السنوات الأخيرة وصارت الهجرة غير الشرعية ظاهرة بسبب البطالة ويقع هؤلاء الشباب - وبالذات في قري الصعيد - في مصيدة عصابات السماسرة والتسفير الذين يقومون بالنصب عليهم واستغلال رغبتهم في الهجرة من أجل فرصة عمل في الدول الأوروبية، ويتم شحنهم علي مراكب الصيد التي غالبا ما تتركهم علي الشواطئ الإيطالية واليونانية بلا عقود عمل وبلا مأوي ويتعرضون للقبض عليهم! وأيضا هناك المسالك البرية التي يستخدمها المهاجرون غير الشرعيين بالتسلل عبر الحدود إلي ليبيا وبعدها يقوم السماسرة بتهريبهم إلي مالطة بالبحر، وكذا عن طريق الأردن حيث يتوجهون في رحلة أخري بالمركب إلي قبرص.. وهناك عصابات دولية لتزوير عقود العمل وتصاريح الاقامة والتسلل عبر المطارات الأوروبية وغالبا ما تكتشفهم أجهزة الأمن وتقوم بترحيلهم.. ولكنه الوهم الذي يسيطر علي هؤلاء الشباب.. رغم ان فرنسا صارت دولة طاردة للمهاجرين غير الشرعيين، وبينما زاد عدد المصريين القادمين عبر إيطاليا وقرر الرئيس ساركوزي ترحيل 52 ألفا من هؤلاء المهاجرين لارتفاع نسبة البطالة في فرنسا! وقد التقيت في باريس بأعداد من الشباب المصريين - ذوي المؤهلات - الذين يعملون في سوق الخضار وفي المطاعم.. وعرفت أنهم يضطرون لتغيير محال اقامتهم للهروب من مطاردة الشرطة الفرنسية لهم لانهم لا يحملون تصاريح الاقامة ويتعرضون للسجن والترحيل.. ويضطر الواحد منهم إلي الزواج من جزائريات - يحملن الجنسية الفرنسية - للحصول علي الإقامة وعلي فرصة العمل.. وغالبيتهم لا يستطعون العودة بعد ما استقرت أوضاعهم وشقوا طريقهم بصعوبة! وأعلم أن عائشة عبدالهادي وزيرة القوي العاملة تبذل جهودا لدي فرنسا لتوفير آلاف فرص العمل للراغبين في الهجرة الشرعية، ولكن ذلك بالتالي يتطلب تأهيل هؤلاء الشباب للاعمال المتاحة لهم في الدول الأوروبية وإجادتهم للغاتها وفي ذات الوقت يجب تحديد الأعمال والمهن التي تحتاج لهم.. ويكون خروجهم بطريقة شرعية عبر المطارات.. ولا تنتهي المغامرة بهم إلي السجون الإيطالية لترحيلهم أو طردهم في حالة وصولهم ونجاتهم من الموت غرقا!