نتيجة الصف الرابع الابتدائى الترم الثانى.. موعد وطريقة الحصول عليها    الفيوم تستضيف الجلسة ال26 للجنة قطاع العلوم الأساسية على مستوى الجامعات    شاهد.. انطلاق فعاليات قمة رايز أب لريادة الأعمال بحضور وزيرة التخطيط    إحلال الصالات اليدوية بكباري مشاة ترعتيِّ السويس وبورسعيد بالإسماعيلية    "التعليم" تعقد ورشة عمل بعنوان "الذكاء الاصطناعي مدخلاً لإعادة هندسة منظومة التعليم"    الإعلام الحكومي بغزة ينشر أسماء 100 أكاديمي فلسطيني قتلهم الاحتلال    شريف يشارك في تعادل الخليج مع اتحاد جدة بالدوري السعودي    الشباب والرياضة: مشروع قومي لتطوير مدربي منتخبات كرة القدم    العثور على جثة غريق بمياه البحر في المنشية بالإسكندرية    ضمن مسرح الطفل.. فرقة أحمد بهاء الدين ب أسيوط تقدم عرض «الفنان»    المؤلف نادر صلاح الدين: عادل إمام لا يتدخل في كتابة السيناريو إلا بطريقة احترافية شديدة    أستاذ قانون دولي: يجب على محكمة العدل إصدار قرار بوقف إطلاق النار في غزة    لا عملتها ولا بحبها ولن نقترب من الفكر الديني.. يوسف زيدان يكشف سر رفضه «مناظرة بحيري ورشدي»    توقيع الكشف الطبي على 1161 مواطنا في قافلة لصحة البحيرة    من المطبخ الإيطالي .. طريقة تحضير عجينة البيتزا المطاطية    أعراض ضربة الشمس، وطرق العلاج في البيت والوقاية    خمسة معارض في فعاليات مهرجان ايزيس الدولي لمسرح المرأة (تفاصيل)    قومية المنيا تقدم «دون كيشوت» ضمن عروض الموسم المسرحي ب أسيوط    نتنياهو: معركة رفح "حاسمة" واكتمالها سيقطع بإسرائيل مسافة كبيرة نحو هزيمة "حماس"    حقيقة إيقاف شهادة 23.5 من بنك مصر بعد قرار التعويم الأخير    الناتو: القوات الروسية أثبتت قدرتها على التقدم بمرونة كبيرة    الاتحاد يتأهل إلى نهائي المربع الذهبي لكرة السلة    بعد وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية- كيف يسبب السكري الموت؟    إنطلاق المشروع القومي لتطوير مدربي المنتخبات المصرية لكرة القدم NCE    جامعة بني سويف من أفضل 400 جامعة عالميا.. والرابعة محليا    بالفيديو.. نصيحة هامة من الشيخ خالد الجندي إلى الأباء والأمهات    بالفيديو.. خالد الجندي: أركان الإسلام ليست خمس    مدفيديف يصف زيارة زيلينسكي إلى خاركوف ب«الوداعية»    في غياب ميسي إنتر ميامي يتعثر بتعادل سلبي أمام أورلاندو سيتي في الدوري الأمريكي    وزيرا التعليم والأوقاف يصلان مسجد السيدة نفيسة لتشييع جثمان وزير النقل السابق - صور    أحلام الشباب في اقتناص ثروات الذكاء الاصطناعي تتحطم على صخرة الجامعات الحكومية    نقابة المهن الموسيقية تنعي زوجة المطرب أحمد عدوية    مترو التوفيقية القاهرة.. 5 محطات جديدة تعمل في نقل الركاب    سكاي: فونيسكا الخيار الأول لخلافة بيولي في ميلان    «كارثة متوقعة خلال أيام».. العالم الهولندي يحذر من زلازل بقوة 8 درجات قبل نهاية مايو    لجنة مركزية لمعاينة مسطح فضاء لإنهاء إجراءات بناء فرع جامعة الأزهر الجديد في برج العرب    نائب محافظ الجيزة يتابع ميدانيا مشروعات الرصف وتركيب بلاط الإنترلوك بمدينة العياط    "الصحة" تنظم فاعلية للاحتفال باليوم العالمي لمرض التصلب المتعدد .. صور    "هُتك عرضه".. آخر تطورات واقعة تهديد طفل بمقطع فيديو في الشرقية    15 يوما إجازة رسمية بأجر في شهر يونيو المقبل 2024.. (10 فئات محرومة منها)    إطلاق مبادرة لا للإدمان في أحياء الجيزة    نجم الأهلي مهدد بالاستبعاد من منتخب مصر (تعرف على السبب)    رسميًا.. إشبيلية يُعلن رحيل أسطورة الفريق «خيسوس نافاس»    الخارجية الكورية الجنوبية تعرب عن تمنياتها بالشفاء العاجل لرئيس الوزراء السلوفاكي    هل يجوز الجمع بين الأضحية والعقيقة بنية واحدة؟.. الإفتاء توضح    ببرنامج "نُوَفّي".. مناقشات بين البنك الأوروبي ووزارة التعاون لدعم آفاق الاستثمار الخاص    بمشاركة مصر والسعودية.. 5 صور من التدريب البحري المشترك (الموج الأحمر- 7)    قرار قضائي جديد بشأن سائق أوبر المتهم بالاعتداء على سيدة التجمع    جولة جديدة لأتوبيس الفن الجميل بمتحف الفن الإسلامي    رئيس جامعة المنيا يبحث مع الجانب الإيطالي تطوير معامل ترميم الآثار بالجامعة لخدمة الباحثين    الطاهري يكشف تفاصيل قمة البحرين: بدء الجلسة الرئيسية في الواحدة والنصف ظهرا    محافظ المنوفية يتفقد أعمال التطوير بكورنيش شبين الكوم الجديد وشنوان    «الداخلية»: ضبط 13 ألف قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العجوزة    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    محكمة العدل الدولية تستمع لطلب جنوب إفريقيا بوقف هجوم إسرائيل على رفح    نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني 2024 عبر بوابة التعليم الأساسي (الموعد والرابط المباشر)    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13166 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى المسألة التربوية وأولوية الإصلاح الاجتماعى
نشر في الشروق الجديد يوم 27 - 01 - 2010

تشهد مصر ظواهر ينذر تجمعها بأخطار تفوق فى حجمها واستمرارها ما تعانى منه حاليا. فعلى الجانب الاقتصادى تتوالى سلسلة من الإجراءات أفضت إلى تأخر واضح فى مؤشرات التنمية البشرية، على الصعيد القومى، وتفاوت مقلق على الأصعدة الإقليمية. ومع ذلك يخرج علينا البنك الدولى مبشرا بنجاحات فيما يسميه الإصلاح الاقتصادى، غابت آثارها عن الغالبية الساحقة من المواطنين. ولا ندرى كيف يستقيم ذلك مع التواضع الشديد فى العديد من مقومات سلامة البنيان الاقتصادى ومعايير حسن الأداء، كالتنافسية والشفافية. ويرد فى هذا المقام ما يكاد هناك إجماع عليه من خلل خطير فى المنظومة التعليمية، يستشهد عليه بعجزها عن تلبية احتياجات «السوق»، فى بلد يلهج القائمون على أموره بالتسبيح بحمد السوق، التى يقال إنها التوأم للديمقراطية فى المجال السياسى. ويبدو أن هذا دعا إلى تغيير غير معلن فى اسم الحزب الحاكم من «الوطنى الديمقراطى» إلى «الديمقراطى السوقى»، وهو ما ترتب عليه غلبة السوقية فى مختلف جوانب الحياة، متجاوزة المجال الاقتصادى الذى يشكو من خلل رهيب فى الأسواق، لسنا بصدد بيانه الآن.
أحد مظاهره السوقية يبدو فى التعامل مع الكوارث والنوازل.. وما أكثرها هذه الأيام. والنموذج الصارخ هو كيفية التعامل مع أحداث نجمع حمادى، التى هب الجميع فى محاولة لاحتوائها، ليس فقط استنكارا لها، وإنما خوفا من تداعياتها لما هو أسوأ. هذا هو الأسلوب السلبى فى التعامل مع حدث بعينه، الذى سرعان ما يغيب عن الأذهان، خاصة إذا ابتلعته كارثة أخرى، كالسيول مثلا. المستوى الثانى والأكثر عقلانية يتجاوز تلك السلبية فيسعى إلى تقصى أسباب الحدث وطرح حلول لتفادى تكراره، وفى هذه الحالة بالذات اتضح أن هناك ما يشفى الغليل، فى تقرير ما يسمى لجنة العطيفى (وكنت أشرت للعطيفى رحمه الله فى مقال سابق لاتخاذه موقفا عقلانيا من مشكلة إلغاء الدعم التى فجرت ما سماه السادات انتفاضة الحرامية). والذين يأخذون هذا المنحى من التعامل مع ما يدعى بالفتنة الطائفية، يزعجهم احتمال التعامل الشكلى مع الحدث المستنكر، وينادون مشكورين بالقضاء على مسبباته. وعادة يتكرر هذا السيناريو فى أحداث أخرى، وهو أمر مرجح حدوثه فى المستقبل، فيندد البعض بقصور منهج إطفاء الحرائق بدلا من القضاء على أسباب اشتعالها.
ورغم عقلانية منهج العودة إلى الجذور والعمل على اجتثاثها، فإن الذى ينظر إلى بانوراما المجتمع المصرى نظرة فاحصة متأملة، يرى أن الأحداث وجذورها تمثل أعراضا لظاهرة عامة، هى انهيار دعائم المجتمع، وأن هذا الانهيار هو تعبير صارخ عن افتقاد مقومات التربية السليمة القائمة على قاعدة ثقافية ظلت تحفظ للمجتمع المصرى كيانه المتميز والقادر على مواجهة الصعاب، رغم توالى غزوات المستعمرين وسعيهم إلى فرض ثقافاتهم الدخيلة عن طريق تخريب عناصر ثقافته الذاتية المتماسكة. وقد سيق أن تناولت هذه القضية تحت عنوان «ثقافة الثقافة»، موضحا قصور التعامل مع الثقافة بالتجزئة، ومنددا بالنظرة القاصرة لمهام وزارة الثقافة التى أفضت إلى ما نعانيه حاليا من مشكلات. وصحب ذلك اضمحلال الشق التربوى فى مهام وزارة تحول اسمها من «وزارة المعارف» إلى «وزارة التربية والتعليم»، وتبعه بالضرورة عجز الشق التعليمى عن أداء رسالته للمجتمع. ولا أقصد حصر تلك الرسالة فى عملية توافق مخرجات التعليم مع احتياجات السوق التى ينادى بها أصحاب النظرة الاقتصادية للبشر، بل فى دورها لترجمة الحصيلة التربوية ترجمة علمية لإحكام البنية الاجتماعية التى هى وليس البنية الاقتصادية القاعدة الأساسية للتنمية البشرية، باعتبارها تنمية الناس أولا، بواسطة الناس ثانيا، من أجل الناس ثالثا.
وكما أن إصلاح التعليم يقتضى بالضرورة إصلاح حال المعلمين، فإن إصلاح التربية يتطلب إصلاح المربين. وهنا تكمن المشكلة لأن الأمر لا يرتبط بمؤسسات معينة تتولى أمرها فئة محددة، بل لكونه شأنا عاما ينتشر فى جميع خلايا المجتمع، بدءا بالأسرة كوحدة لا مفر للفرد من الانتماء إليها، ثم تجمّع سكانى تربطه مشاركات فى جوانب مختلفة للحياة، وفصيل معنوى تجمع أفراده وحدة العقيدة، وفئة اقتصادية يحكم واقعها أسلوب تنظيم العمل فى نشاط اقتصادى وهو ما يخضع إلى حد كبير لاختيارات البشر فيما يتجاوز الجوانب المادية لهذا النشاط. وبحكم أن التربية تحكمها البدايات فى ظل الأسرة، فإن مسئوليتها تقع أولا على الآباء وثانيا على البيئة التى تقع فيها الأسرة والتى تتشكل تدريجيا بصور تحددها الأبعاد الأخرى. وهنا تلعب القدوة دورا حاسما، فإذا حسنت صلح حال المجتمع، أما إذا ساءت فسوف يصيبه البوار. أستشهد هنا بموقفين يوضحان المعنى. ذات يوم أخبرتنى حفيدتى أنها قدرت تقديرا كبيرا قيام عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بالانحناء على درج مدخل الكلية ليلتقط ورقة من النفايات التى ألقاها طالب دون اكتراث، ووضعها فى السلة المخصصة لذلك النوع من النفايات بجوار جدار الكلية. كان هذا من أبلغ الدروس التى وعتها، والتى فاقت فى قيمتها العلم الغزير الذى لم يكن يبخل على طلبته به فى مدرجات الكلية. الموقف الثانى هو رد نفس الشخص، بعد أن اندرج فى صفوف الحكام الحاليين، على طالب قائلا: إذا قال لك شخص ألا تعرف من أنا، فرد عليه بقولك إنه ابن كلب. وبغض النظر عن صيغة السب التى ينطوى عليها هذا الرد والتى يعاقب عليها القانون، فإنه ينطوى على عدم اكتراث برد فعل شخص يعتقد أن نسبه يفرض على الآخرين الانحناء أمامه. وتنطبق ظاهرة عدم الاكتراث على علية القوم الذين يتولون شئون التشريع وتنفيذه، فإذا بسب الدين يتردد تحت سقف قبة تظلل مداولات دفعت مصر إلى صفوف الريادة. ما زلت أذكر ملاحظات شخصيات عربية كانت تفخر أمامى بأنها تحفظ عن ظهر قلب عبارات أطلقها لسان فصيح هو لسان مكرم عبيد. ولا يغيب عن ذهنى أياما قضيتها فى داكار كنت أنتظر فيها الثامنة من مساء كل يوم جمعة، لأستمع إلى قطعة أدبية رائعة ينطق بها لسان أفريقى يدعى ليوبولد سنجور، مخاطبا بالفرنسية شعبا تسوده الأمية، خرج لتوه من براثن الاستعمار، مصورا له ما يعنيه بالاشتراكية الأفريقية.
لم أقصد بذلك المثل أن المسئولية عن التربية هى مهمة الحكومة والحاكمين، وإلا أصبحت شريكا للعبث الدائر حول تولى الحكومة بناء الديمقراطية فى تجاهل لكون الديمقراطية هى التى تحدد للحكومة مسئولياتها ودورها، بحكم كونها تعبيرا عن منهج يرتضيه المجتمع بمختلف فئاته. وهى ليست عقدا اجتماعيا بين حاكم ومحكومين، يعطى الحاكم صفة أصيلة توازى الصفة الأصيلة للشعب بمجمله، فهذه الصيغة للعقد الاجتماعى نشأت فى مجتمع يتوارث الهيمنة عليه النبلاء. إن ما قصدته هو أن المسئولية عما نعانيه تقع أساسا على أكتاف من اغتصبوا الحكم باسم الثورة، فأطلقوا العنان لمفاسد الحكم المستبد. وما لم نتفق على معالجة القضية الأساسية وهى إصلاح المجتمع على أساس التنشئة السليمة، فلن تكتب لنا النجاة من استشراء الفساد الذى تعددت أوجهه. ولا يعنى ذلك إصدار التشريعات واتخاذ الإجراءات التى تقضى على منافذ الرشوة وسلوكيات الارتشاء، بل لابد من توافق مجتمعى على إحداث إصلاح اجتماعى قوامه التربية القويمة. ودون هذا لن يستفيد من الإصلاح الاقتصادى سوى حفنة من المستثمرين العرب والأجانب، تاركين المصريين يسبون ويقتلون بعضهم بعضا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.