أميل لفن الرواية أكثر.. والقصة القصيرة فى مصر يغلفها الغموض والغرائبية «امتلكت أدواتها الخاصة، كثفت أعمالها، برعت فى تقديم الأعمال الشيقة» هكذا بدأت الكاتبة والأديبة نورا ناجى رحلة صعودها أخيرا فى عالم الأدب، حيث برعت فى نسج عدة روايات بتناولها القضايا الإنسانية والاجتماعية بأسلوب يتميز بالجمع بين دقة التعبير عن المشاعر والسهولة والبساطة فى استخدام اللغة التى جعلت أعمالها قريبة من قلوب القراء. فى أحدث أعمالها، تقدم لنا نورا ناجى «مثل الأفلام الساذجة»، حيث مجموعة من القصص المتميزة والتى تمكنت خلالها نورا من التفوق على نفسها وتقديم عمل إبداعى متكامل حمل المشاعر الفياضة والتفاصيل الغنية والقصص الإنسانية، ليكون أحدث فصول النجاح الذى سبق وكان له صدى مماثل مع سابق أعمالها، صاحبة «بنات الباشا»، و«أطياف كاميليا»، و«الكاتبات والوحدة»، ليكون ل«الشروق» معها هذا الحوار. ♦ لماذا اخترتِ أن تكون أحدث أعمالك مجموعة قصصية بعد عدة روايات.. وأيهما تفضلين؟ بكل صراحة أنا أميل لفن الرواية أكثر. أحب الرواية وأصنف نفسى روائية، القصص القصيرة كنت أكتبها بالتوازى مع كتابة رواية أطياف كاميليا منذ عام 2019، حيث بدأت الذهاب إلى ورشة أدبية فى مدينة طنطا، ولكنها ورشة ليست بالشكل المتعارف عليه، كان أستاذ عادل عصمت يجتمع معنا كل يوم اثنين من كل أسبوع، كنا أنا ومجموعة من كُتاب طنطا وأصدقائه، حيث أطلق عليها اسم «جلسة صُحاب»، كان يحدثنا عن الكتابة، ويعطى لنا تمرينا أسبوعيا عبارة عن كلمة افتتاحية، هكذا كان النمط السائد فى كل مقابلة كلمات قصيرة على سبيل المثال: «فتح المندل، الصمت، زار» وكان يعتمد على اختيار كلمات غريبة لكى يوسع لنا الخيال. كل أسبوع نكتب نصا يتراوح بين نص قصير ونص طويل وفى بعض المرات كنا نكتب يومياتنا. فى عام جائحة كورونا 2020 توقفت الجلسات، وكانت رواية «أطياف كاميليا» تم نشرها وانشغلت فى «الكاتبات والوحدة» ولكنى وجدت أننى أمتلك ثروة من القصص القصيرة التى أعجبتنى كثيرا على المستوى الشخصى. أردد دائما أن القصة القصيرة فى مصر تميل إلى الغموض والغرائبية أو هذا ما يعجب النُقاد، وفى الحقيقة لا أتمكن من فهمها، ولكن هذا الذوق السائد فى مصر. قصصى لا تنتمى لهذا النوع إطلاقا ولهذا اعتقدت أنها لن تنال إعجاب الآخرين؛ حيث إنها مثل رواياتى قصص إنسانية ولمحات ومشاهد من حياة ناس عادية من الممكن أن نقابلهم فى أى مكان. صممت على تجميع المجموعة رغم انشغالى بكتابة الرواية وعملت عليها كثيرا، وقمت بإعادة تحريرها واستبعدت بعض النصوص وأضفت بعض القصص الاخرى. فى النهاية تحولت لمجموعة «مثل الأفلام الساذجة» أولى تجاربى فى فن القصة القصيرة. ♦ كيف استقبلتِ حالة الاحتفاء بنجاح المجموعة القصصية «مثل الأفلام الساذجة».. وهل توقعتِ ذلك؟ لم أتوقع كل هذا النجاح ورجع الصدى الذى صاحب إصدار المجموعة، استغربت كثيرا أن أغلب المراجعات إيجابية وجميلة للدرجة التى جعلت البعض يدفع بأن المجموعة أجمل من رواياتى. كنت سعيدة عند كتابة هذه المجموعة وشعرت أن هذه السعادة وتلك المشاعر ستصل للآخرين. كل كاتب له عمل يكتبه من أجله فقط لا ينتظر عليه أى رد فعل، لكن رد الفعل جعلنى سعيدة للغاية، وعندما أقرأ المراجعات سواء للقراء أو النقاد أشعر بسعادة كبيرة، بعض الكتاب يرسلون لى رسائل يؤكدون إعجابهم بالمجموعة والبعض الآخر كتب على صفحاتهم الشخصية معبرين عن إعجابهم بها مثل الكاتب الكبير عزت القمحاوى، والكاتب حاتم حافظ، والكاتب علاء فرغلى. ♦ ذكرت سابقا أنه «لا كتابة بدون عزلة».. هل لديك طقوس معينة أثناء الكتابة؟ اكتشفت من خلال رحلتى فى عالم الكتابة، أن كل مشروع له طقوسه الخاصة، هناك روايات كتبتها فى وسط زحمة وصخب شديد وروايات أخرى كتبتها فى المنزل، نفس الشى فى المجموعة، لكن هناك بعض المشاريع الأخرى تتطلب «عزلة تامة». وأنا أصبحت أميل حاليا إلى أن أكتب بأحد الكافيهات شرط أن يكون هادئا. ♦ جاءت أفكار «مجموعة مثل الأفلام الساذجة» مميزة ومتنوعة، حدثينا عن ذلك؟ أولا الورشة التى قمت بحضورها كان لها دور كبير، ثانيا كنت أمتلك فكرة ما أننى أكتب مجموعة قصصية عن المشاعر، كل قصة تعبر عن شعور ما، كنت أريد تسميتها «ذاكرة المشاعر». أنا دائما ألاحظ بشكل جيد كل ما يدور حولى، وأسجل أغلب مشاهداتى اليومية بالشوارع، على سبيل المثال قصة «غرفة فارغة» عندما كنت بمهرجان الجونة انا وزميلة لى، استأجرنا شاليها، من خلال مشاهدتى لصور صاحب الشاليه وطبيعة المكان نسجت القصة. فى اختيار عناوين القصص القصيرة، فى بعض الأحيان من الممكن اختيار اسم القصة ثم بناء التفاصيل، وفى أحيان اخرى بعد الانتهاء من كتابة القصة يتم اختيار العنوان مثل قصة «مثل الأفلام الساذجة»، حيث تكررت الجملة أكثر من مرة فوجدتها تصلح كعنوان. ♦ «الوحدة واعتزال البشر والعزلة والفقدان» كانوا أكثر المعانى والسمات المميزة للمجموعة، ما السبب فى ذلك؟ هذه هى هواجسى، ولذلك هى مستمرة معى وتظهر أيضا فى رواياتى. ويبدو أنها تظهر بشكل لا إرادى وفى الحقيقة يستهوينى ذلك؛ حيث إن «الوحدة والفقد» يستهوينى دائما البحث وراءهما كى أقتل مخاوفى الشخصية من الوحدة والموت والفقد. ♦ قصة «مزيل عرق».. كانت نهايتها مفتوحة، ما رأيك فى هذا النوع من النهايات وهل تميلين له؟ كل قصة حسب سياقها، النهايات المفتوحة من وجهة نظرى كما الحياة، فالحياة نهايتها دائما مفتوحة، ولا يوجد نهاية حاسمة وبما إن القصص انعكاس ما للواقع فلا يصلح أن تكون لها نهاية مغلقة تماما كزواج البطل والبطلة وتأتى النهاية السعيدة الأبدية حتى ذلك غير حقيقى، حيث توجد حياة أخرى ممتدة بها تفاصيل كثيرة، أنا أحب «النهايات المفتوحة» وأشعر انها أكثر منطقية وتسمح للقارئ أن يشعل خياله. * قصة عروس «النبى دانيال».. تتشابه مع حوادث تكررت أخيرا، هل قصدتِ من خلالها إبراز العنف ضد المرأة؟ فى صغرى كانت هذه القصة مشهورة جدا، وكانت الجرائد مهتمة بها اهتماما واسعا، وكان هناك الكثير من التأويلات والتفسيرات لاختفاء هذه العروس، فى اعتقادى أنها هربت. «العنف ضد المرأة» هاجس عندى أيضا، لذلك أدافع عن المرأة دائما وانتصر لها وأكتب عنها. ♦ من وجهة نظرك هل للأدب دور فى رصد الواقع وتغييره؟ طبعا هذه هى القوى الناعمة.. ليس صحيحا أن نقول إننا غير مطالبين بحل المشكلات المجتمعية، المثقف لابد أن يملك موقفا حتى لو غير قادر على تنفيذ أشياء مادية، فعلى الأقل ربنا أعطانا موهبة «الكتابة» مثل الطبيب الذى يعالج، والمهندس الذى يبنى، نحن أيضا لابد أن نعالج هذه المشكلات من خلال «الكتابة»، أما بالنسبة ل هل سيتم المعالجة أم لا، فى الحقيقة لا أعرف ولكن لابد من المحاولة، الكاتبة نوال السعداوى تحدثت كثيرا عن المشكلات المجتمعية لسنوات طويلة، بعضها تغير على مدى السنوات. ♦ هل قصدتِ فى قصة «انعكاس» اللجوء للواقعية السحرية أو تكثيف الخيال بشكل قوى؟ دائما أميل إلى استخدام جزء من الواقعية السحرية، نظرا لأن هناك أشياء فى الواقع من وجهة نظرى لا يمكن تفسيرها، وخلال هذه القصة كنت أحاول توصيل فكرة ما بطريقة مخففة. الواقعية السحرية تعتمد على تخفيف الواقع القاسى بشكل سحرى ما يعطى أملا أو يوحى بالمقاومة، وعندما ألجأ يكون بقصد تخفيف حدث قاسٍ بجزء سحرى يثير الخيال يجعل لتفسير القصة مائة تأويل. ♦ الحكايات الواقعية لها أثر فى أعمالك.. كيف يمكن للمبدع أو الكاتب أن يوظف ملامح من حياته الواقعية؟ اختار فى أغلب الأحيان مدرسة «الكتابة عن الذات»، أن اكتب عن أشياء ومواقف أعرفها جيدا، ليس شرطا ان تكون تجربة شخصية ولكن أن اكتب عن ما أسمعه وما أشاهده وما أقرأه فى صفحات الحوادث، كل ذلك يندرج تحت «الكتابة الذاتية» على سبيل المثال، لو فكرت أكتب رواية عن باريس فلابد أن اكون قد قمت بزيارة باريس أو درستها دراسة شاملة على جوجل. ♦ نسمع دائما صوت وصدى للمرأة فى كتاباتك.. كيف تقيمين وضعها فى عالمنا العربى ومجتمعنا المصرى؟ المرأة مقهورة فى المجتمع العربى، دائما هنا تعريف خاطئ لكلمة «فيمنست»، وهناك انطباع مغلوط يتلخص فى أن الفيمنست «جمعية المرأة المتوحشة» هذا ليس حقيقيا، النسويات الحقيقيات يدافعن عن حقوق الانسان بشكل عام رجل وامرأة. سأظل أدافع عن المرأة وهذه قضيتى، وستظل تأخد مساحة فى الأدب الخاص بى. ♦ تنال أعمالك ترشيحات عديدة لجوائز مرموقة، وحصلت على جائزة يحيى حقى.. فى رأيك ما هى أهمية الجوائز بالنسبة للأدباء والمبدعين؟ الجوائز مهمة جدا، لا أكتب بهدف الحصول على جائزة إطلاقا، لأن الكتابة بهذه الطريقة بالتأكيد ستكون «مصطنعة». عندما يكتب الكاتب عملا أدبيا ويترشح لجائزة هذا تقديرا ودعما ودفعة قوية للأمام، وتشجيعا له على ان هناك مجموعة من الأشخاص اجتمعت على اختيار روايتك ضمن أفضل الروايات. ♦ ما الذى اختلف فى نورا ناجى من تجربتها الأولى ما الفوارق التى طرأت ككاتبة ومبدعة؟ زيادة الوعى بالتأكيد، فالكاتب يظل يتعلم للأبد وأنا لا أتكبر على الكتابة، حريصة على التعلم باستمرار، لأن الأفكار بتنفذ والكتابة لا تعتمد فقط على الموهبة والفطرة، من الممكن استغلال ذلك فى أول أو ثانى عمل لكن لكى يستطيع الكاتب الاستمرار والمواصلة عليه الاستمرار فى الاطلاع والتعلم، وأنا أسعى دائما لذلك، بالثقافة والسمع والملاحظة وبكل ذلك استطعت ان أزداد وعيا ومن الممكن ان ينعكس ذلك فى معرفة الشخصيات والتقمص والأسلوب والأفكار. ♦ فى النهاية، ما هى مشروعاتك الإبداعية المنتظرة فى الفترة المقبلة؟ انتهيت من كتابة رواية أحبها وبذلت بها مجهودا واستغرقت فيها وقتا طويلا لأنى أردت أن تأخذ وقتا كافيا من العمل والكتابة والدراسة والتفكير. أنا سعيدة بنفسى، كل كاتب عند نهاية كتابة رواية يكون سعيدا وأنا اعيش هذه الفترة، عند دخولها فى مرحلة النشر سأبدا العمل على كتاب لدى فكرته وسأبدأ العمل عليه قريبا.