«الصحفيين»: قواعد جديدة لانتساب العاملين بالخارج وأساتذة الصحافة والإعلام    رئيس هيئة تنشيط السياحة: تحسن العلاقات يقفز بأرقام السياحة التركية إلى مصر    متحدث الحكومة: وحدة حصر شركات الدولة تجري دراساتها بصورة محايدة    نقابة المهندسين بالإسكندرية: نسعى إلى إطلاع الأعضاء على أحدث تطورات مجال البناء والتشييد    «القاهرة الإخبارية»: توتر العلاقات لن يمنع أمريكا من متابعة حادث مروحية الرئيس الإيراني    اقرأ غدًا في «البوابة».. المأساة مستمرة.. نزوح 800 ألف فلسطينى من رفح    منتخب القليوبية يفوز على القاهرة 1/5 بدور ال 32 لدوري مراكز الشباب    وزير الشباب يكرم عمرو محمد لفوزه بالمركز الثاني عالميا في مجال الطاقة المتجددة    مدينتي تطلق الحدث الرياضي "Fly over Madinaty" لهواة القفز بالمظلات    خطوات التقديم للصف الأول الابتدائي 2024-2025    كيف هنأت مي عمر شقيقة زوجها ريم بعد زفافها ب48 ساعة؟ (صور)    أفلام مهرجان كان استحسان واستهجان.. كوبولا يثير انقسام النقاد في أحدث أعماله    متحف «طه حسين».. تراث عميد الأدب العربي    الخارجية التركية: نتابع بحزن تطورات حادث المروحية في إيران    داعية: القرآن أوضح الكثير من المعاملات ومنها في العلاقات الإنسانية وعمار المنازل    مستشار الرئيس عن متحور كورونا الجديد FLiRT: نتابع الأمر بدقة شديدة    السائق أوقع بهما.. حبس خادمتين بتهمة سرقة ذهب غادة عبد الرازق    بايدن: دعيت إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    الحكومة تحتضن رجال الصناعة    هل يستطيع أبو تريكة العودة لمصر بعد قرار النقض؟ عدلي حسين يجيب    جامعة الأقصر تنظم قافلة طبية ضمن مبادرة حياة كريمة    ختام ملتقى الأقصر الدولي في دورته السابعة بمشاركة 20 فنانًا    حزب الريادة: مصر كانت لها اليد العليا فى دعم أهالي غزة وإدخال المساعدات لهم    بمناسبة مباراة الزمالك ونهضة البركان.. 3 أبراج «متعصبة» كرويًا (تعرف عليهم)    مدير بطولة أفريقيا للساق الواحدة: مصر تقدم بطولة قوية ونستهدف تنظيم كأس العالم    ليفاندوفسكى يقود هجوم برشلونة أمام رايو فاليكانو فى الدوري الإسباني    الرعاية الصحية: 5 ملايين مستفيد من التأمين الصحي الشامل بمحافظات المرحلة الأولى    جامعة حلوان تنظم قوافل طبية توعوية بمناطق الإسكان الاجتماعي بمدينة 15 مايو    «نيويورك تايمز»: هجوم روسيا في منطقة خاركوف وضع أوكرانيا في موقف صعب    رسائل المسرح للجمهور في عرض "حواديتنا" لفرقة قصر ثقافة العريش    أبرزهم «اللبن الرائب».. 4 مشروبات لتبريد الجسم في ظل ارتفاع درجات الحرارة    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    دار الإفتاء توضح ما يقال من الذكر والدعاء في الحرّ الشديد.. تعرف عليه    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    بنك مصر يطرح ودائع جديدة بسعر فائدة يصل إلى 22% | تفاصيل    افتتاح أولى دورات الحاسب الآلي للأطفال بمكتبة مصر العامة بدمنهور.. صور    نهائي الكونفدرالية.. توافد جماهيري على استاد القاهرة لمساندة الزمالك    بايرن ميونيخ يعلن رحيل الثنائي الإفريقي    "أهلًا بالعيد".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 فلكيًا في مصر وموعد وقفة عرفات    مصرع شخص غرقًا في ترعة بالأقصر    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    10 نصائح للطلاب تساعدهم على تحصيل العلم واستثمار الوقت    إصابة 4 أشخاص في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" في زيارة إلى مدينة العلمين الجديدة    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    «الرعاية الصحية»: طفرة غير مسبوقة في منظومة التأمين الطبي الشامل    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    ياسين مرياح: خبرة الترجى تمنحه فرصة خطف لقب أبطال أفريقيا أمام الأهلى    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    سعر السكر اليوم.. الكيلو ب12.60 جنيه في «التموين»    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    عرض تجربة مصر في التطوير.. وزير التعليم يتوجه إلى لندن للمشاركة في المنتدى العالمي للتعليم 2024 -تفاصيل    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبراهيم المعلم يروي: علاقتنا بنجيب محفوظ كانت مباشرة وعنوانها الثقة والتقدير (2-1)
نشر في الشروق الجديد يوم 10 - 12 - 2021

دار الشروق تحرص على إتاحة مؤلفات نجيب محفوظ.. وتعيد فورا طباعة النسخ التى نفدت
هناك الكثير من الأكاذيب تروج للإساءة إلى علاقة دار الشروق بأسرة محفوظ وهو ما لم يحدث أبدا
دخلت عالم محفوظ من «القاهرة الجديدة» وقرأتها خفية لما اعتقدته حينها جرأة فى التناول
التعاون الأول بين دار الشروق ونجيب محفوظ انطلق من منزله بالعجوزة عام 1987
كان محفوظ طوال عمره كاتبًا ملء السمع والبصر.. ونال أهم الجوائز قبل نوبل ومؤلفاته دائمًا الأكثر مبيعًا وتأثيرًا
أقمنا عُرسًا ثقافيًا فى مكتبة الشروق بمناسبة فوزه بنوبل.. والأجانب كانوا الأكثر إقبالًا على مؤلفاته
اصطحبت الأستاذ من منزله إلى مكتبة الشروق لرؤية القراء الذين تجمعوا لمقابلته
العلاقة بين الأديب العالمى نجيب محفوظ ودار الشروق والمهندس إبراهيم المعلم كانت تقوم على الثقة والاحترام والتقدير وتقديم الدار لإبداعات محفوظ بأفضل صورة ممكنة.
والمؤكد أن معظم أعمال محفوظ التى أصدرتها الشروق تمت فى حياته، وبموافقته الكاملة، وبناء على النسخ التى قدمها محفوظ نفسه، وبالتالى فمن غير المنطقى أن يتحدث البعض عن تغيير أو تعديل أو حذف أو إضافة لأعماله خلال حياته، وهو الأمر الذى استمر بعد وفاته.. فى هذا الحوار المطول الذى جرى منذ أكثر من 3 أشهر مع المهندس إبراهيم المعلم يروى فيه علاقته وعلاقة الدار مع الأديب الكبير حتى قبل أن تحصل دار الشروق على حقوق نشر أعمال الأديب الكبير.
معروف أنه على مدار ثلاثة عقود من الزمان، ارتبط فيها اسم الأديب العالمى نجيب محفوظ بدار الشروق، سال الكثير من الحبر حول تلك العلاقة التى شهد كثيرون بتفردها، فيما اختار البعض مهاجمتها بمناسبة أو من دون مناسبة.
العلاقة بين الطرفين يسودها الاحترام المتبادل: مبدع أصيل واستثنائى نال جائزة نوبل عن جدارة واستحقاق، ودار نشر كبرى لها تقاليدها العريقة ومدونة سلوك مهنى لا تحيد عنها.
من هنا، تأتى أهمية شهادة رئيس مجلس إدارة دار الشروق إبراهيم المعلم، عن العلاقة التى جمعت بين الطرفين، حيث يروى سردية ووجهة نظر الناشر عن قصته مع أديبنا الراحل الذى تحين ذكرى ميلاده هذه الأيام.
يقول المعلم: «كنت محظوظا منذ بدأت أقرأ كَفَتَى وأن أعبر لوالدى صديق الأستاذ نجيب محفوظ عن بعض ملحوظات واندهاشات كتلك التى عَنَتْ لى عندما قرأت «ثرثرة فوق النيل».. وعندما نقل والدى هذه الملاحظات للأديب المبير فوجئت به يرسل ردوده إلى قارئه الصغير ابن صديقه القديم«.
إبراهيم المعلم سرد قصة العلاقة مع الأديب الكبير نجيب محفوظ قائلا: «علاقتنا بالأستاذ نجيب محفوظ على كل المستويات الشخصية والثقافية، وفى مجال النشر كانت علاقة نموذجية مغلفة بود واحترام متبادل وتقدير بالغ.. وعلاقتى بالأستاذ محفوظ هى أجمل الحكايات خلال مسيرتى الطويلة فى عالم النشر».
يكفى عندما زرته فى مستشفى الشرطة بعد الحادث الأليم لذى تعرض له، قال مدير المستشفى هناك صعوبة فى الزيارة، ليرد عليه محفوظ: «إزاى إبراهيم المعلم ده حبيبى وابن حبيبى»، مما يعتبره المعلم وساما على صدره أن يستقبله محفوظ خلال ظروفه الصحية بالغة الصعوبة، جالسا معه ويتبادلا الحوار.
«لا شك أننى فخور؛ لأننى عرفته.. واقتربت منه وتعاملت معه.. ووثق بىَّ لدرجة أنه عندما تجرأت عليه بعض الصحف ونشرت رواية «أولاد حارتنا» رغما عن إرادته اتصل بى شاكيا وطالبا منى ان أعيد له حقه، وبالطبع أسعدنى اتصاله وأنه اختارنى، رغم أنه كان يمكن أن يلجأ إلى صحف قومية مؤثرة».
وقتها شعرت بالمسئولية وتدخلت معه فى معركته، وبدأت أوضح للناس معنى حقوق الملكية الفكرية، وأول بنودها حق الإنسان فى نشر ما يكتبه من عدمه، وتوقيت وكيفية نشره، وأنه لا يحق لأحد أن يقول على ما أكتبه أنه ليس من حقى.
تلك الثقة طويلة ومتكررة، منها تكرم نجيب محفوظ بالاتصال بالمعلم فى ربيع 2005 متسائلًا بتواضع وود محفوظى مُحبب: «هل تقبل «دار الشروق» أن تنشر جميع كتبى؟ علمًا بأن بعض الناشرين والنقاد يؤكدون أن كتبى أصبحت لا تبيع ولا يُقبل على قراءتها»! ووقتها ذُهل المعلم من ثلاثة أمور: الأدب الرفيع والتواضع الفريد فى حديث محفوظ معه لدرجة تعجز عن التعامل أو التصديق، والأمر الثانى السعادة بالخبر البديع: نجيب محفوظ يعهد لدار الشروق بنشر كل أعماله وبمبادرة وطلب منه شخصيًّا! ثم ادعاء البعض بانخفاض البيع وانصراف القراء والنقاد.
ويتذكر المعلم: «وقتها قاطعت الأستاذ نجيب مؤكدًا سعادتنا وترحيبنا البالغ الصادق الواعى من جهة، وتأكيدنا أننا نرى أن نجاح كُتبه، وإدراك قيمته، ومعدلات قراءته ونقده.. ستزداد مع الزمن، وسترتفع مع ارتفاع الثقافة واتساع وتحسين التعليم، وزيادة قِيَم العدالة والحرية وحقوق الإنسان، كما كان يحلم ويأمل ويتنبأ».
أيضا الثقة نفسها شهدها المعلم خلال اتصال الكاتب الكبير جمال الغيطانى به لحل مشكلة اكتشاف أن الأستاذ نجيب باع جميع حقوقه الإلكترونية للمجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب فى الإمارات إلى الأبد وبجميع اللغات، بقيمة 65 ألف جنيه مصرى. تلك المشكلة التى انتهت بدفع دار الشروق «المليون جنيه» للأستاذ نجيب لشراء حقوق النشر الإلكترونية.
عن تلك الثقة قال المعلم خلال الحوار: «الثقة التى وضعها فينا الأستاذ نجيب كدار نشر قابلناها بما تستحق من احترام وتقدير بالغ ومن جدية واجتهاد فى العمل، حيث قمنا بعمل طبعات عديدة من كتبه بعد تصحيحها وتدقيقها من الأصول التى أعطاها لنا بنفسه، والتى صدرت بشكل يليق بأدبه، وتنفيذا لرغباته وتجسيدا لعظمة أدبه فى حياته. وقد وصلنا بهذه الكتب إلى جميع المعارض العربية، وقامت دار الشروق بجهد كبير لدخول كتب الأستاذ نجيب إلى الدول العربية التى كانت تمنع توزيع كتبه داخلها. كما عملت دار الشروق على إعطاء الحقوق للأستاذ نجيب محفوظ وأسرته بما تستحقه تلك الكنوز من تقدير واحترام، بعدما عانى الأستاذ نجيب محفوظ من ضياع حقوقه لمدة 23 عاما قبل تعاونه مع الشروق، فضلا عن إتاحة الكتب بطرق مسموعة وإلكترونية وخدمة توصيل الكتب لكل محافظات مصر».
المعلم رئيس مجموعة الشروق والذى تولى أرفع المناصب فى عالم النشر إذ كان رئيسا لاتحاد الناشرين المصريين والعرب ثم نائبا لرئيس اتحاد الناشرين الدولى بدا، خلال حوارنا معه، مندهشا كثيرا دهشة محب خلال الحوار، ومتحمسا للحديث عن شخص نجيب محفوظ وأدبه وفلسفته وحكمته.
يقاطعنا كثيرا ويقول «تعالوا انظروا» ماذا قال نجيب محفوظ للعالم فى كلمته خلال حفل جائزة نوبل أو فى كلمته خلال معرض فرانكفورت الدولى للكتاب:
محفوظ قال: «لعلكم تتساءلون: هذا الرجل القادم من العالم الثالث كيف وجد من فراغ البال ما أتاح له أن يكتب القصص؟ وهو تساؤل فى محله.. فأنا قادم من عالم ينوء تحت أثقال الديون، حتى ليهدده سدادها بالمجاعة أو ما يقاربها.. يهلك منه أقوام فى آسيا من الفيضانات، ويهلك آخرون فى أفريقيا من المجاعة، وهناك فى جنوب أفريقيا ملايين المواطنين قضى عليهم بالنبذ والحرمان من أى من حقوق الإنسان فى عصر حقوق الإنسان وكأنهم غير معدودين من البشر».
وخلال حديث المعلم عن علاقة دار الشروق بالأستاذ نجيب محفوظ تلمع عيناه متذكرا كلمة هنا وجملة هناك قالها محفوظ للكاتب الكبير رجاء النقاش فى كتاب «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ» ليقول إن هذا الكتاب يكمل مشوار محفوظ الإبداعى والإنسانى.. و«هو أجمل ما قرأت من كتب!».
♦ «التعرف على عالم نجيب محفوظ الروائى»
«علاقتنا بالأستاذ نجيب محفوظ لم تكن من خلال دار الشروق فقط، بل كانت علاقة أسرية كونه صديقا لوالدى، وزميل خالى بالكلية والعمل فى وزارة الأوقاف، ثم جاءت علاقتى به أنا كقارئ وأنا ابن أحد عشر عامًا، وأول كتاب أدخلنى إلى عالمه الأدبى كانت روايته «القاهرة الجديدة». كنت أقرأها خفية بسبب ما اعتقدته حينها من جرأة فى التناول، وأتذكر أننى عندما قرأت «ثرثرة فوق النيل» اندهشت من المكتوب، وذهبت لوالدى أقول: «الحق نجيب محفوظ كاتب كذا وكذا». فى اليوم التالى استدعانى أبى وأخبرنى أنه التقى بنجيب محفوظ وقص عليه الملاحظات التى استوقفتنى أثناء القراءة، وأن الأستاذ رد على ذلك قائلًا: «كتبت هذه الرواية معتمدًا على ذكاء القراء وغباء»..
♦ «نجم وبطل الرواية العربية»
جاءت أولى الجوائز التى حصل عليها نجيب محفوظ بعد عام من بدايته مع النشر، وكانت جائزة «قوت القلوب الدمرداشية» للرواية فى عام 19401941 عن رواية «رادوبيس»، وحصل عليها مناصفة مع الكاتب الكبيرعلى أحمد باكثير، عن روايته «سلامة»، ثم نال جائزة مجمع اللغة العربية، وكانت بقيمة مائة جنيه، ثم توالت الجوائز حتى حصل على أعلى جائزة مصرية وهى جائزة الدولة التقديرية عام 1968، وهى الجائزة التى سبقه إليها عمالقة أمثال طه حسين، وعباس العقاد، وتوفيق الحكيم، وحصوله على هذه الجائزة يدل على أن نجيب محفوظ كان نجم الرواية وبطلها منذ ذلك التاريخ، ومؤلفاته كانت دائمًا الأكثر مبيعًا وتأثيرًا.
♦ «أديب ملء السمع والبصر»
«كان نجيب محفوظ طوال عمره كاتبًا ملء السمع والبصر. تقلد أعلى المناصب ونال أكبر الجوائز الأدبية. فى عام 1972 حصل على وسام الجمهورية، بالإضافة إلى تقلده منصب رئيس مؤسسة السينما، ورئيس الرقابة على المصنفات، وكل هذا يمثل ردًا على ما استقر فى ذهن البعض من أنه كان كاتبا متواضع الحال، والحقيقة أنه كان أديبًا ذا مكانة كبرى وسط كبار الأدباء وجماهير القراء، وحظى بالتقدير والاعتزاز من الدولة ونال مناصب كبيرة، وعندما خرج على المعاش كان من كبار كتاب صحيفة الأهرام، وكان له فى مبناها التاريخى مكتبه الخاص.. ومعنى ذلك كله أن شهرته ومكانته قديمة وراسخة قبل حصوله على جائزة نوبل».
♦ «هجوم من ثلاث جبهات»
«على قدر هذه الشهرة والمكانة التى تمتع بهما نجيب محفوظ، كان الهجوم الذى تعرض له فى فترة الخمسينيات بقيادة بعض رموز اليسار، بدعوى أن مؤلفاته تتناول الطبقة الوسطى دون الكادحين والفقراء والمطحونين، بالإضافة إلى تناولها للعديد من الإيجابيات بدون التعرض للسلبيات، وأنها تعرض المشكلات دون الإشارة إلى حلول. أما الهجوم الآخر فكان يتزعمه لويس عوض وسببه أن الحوار فى مؤلفات نجيب محفوظ كان مكتوبًا باللغة العربية وليس باللهجة العامية.
إلى جانب هذين السببين كان هناك هجوم آخر يتمحور حول منع مؤلفاته من النشر داخل بلدان الوطن العربى، بسبب ما تتضمنه من حديث عن نبات الحشيش والمشروبات الروحية والراقصات وممارسة الدعارة، وكل هذا الهجوم قبل توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978».
♦ «دار الشروق وعقد النشر الأول»
فى منزل نجيب محفوظ بالعجوزة عام 1987 جاء التعاون الأول بين دار الشروق والأستاذ نجيب محفوظ، حيث اجتمع مؤسس الدار الناشر محمد المعلم وأنا مع الأستاذ نجيب محفوظ، للاتفاق معه على تبسيط مختارات من مؤلفاته للأطفال، وخاصة الكتب التى تتناول مصر القديمة، وهو ما تم بالفعل وخرجت برسومات لأمهر الفنانين التشكيليين أمثال حلمى التونى، ومصطفى حسين، وإيهاب شاكر.
وافق محفوظ على الفكرة، لكنه تخوف من عملية التبسيط، وقال إنه كتب تلك المؤلفات للكبار، وإن الكتابة للأطفال لها أصول وإنه يخشى عند تحويل المؤلفات للأجيال الصغيرة ألا تُراعى الأسس المطلوبة لأدب الطفل أو تتعارض مع مبادئ التربية، ثم قال لوالدى إنه يوافق شريطة أن يبسطها الناشر بنفسه أو الإشراف على من يقوم بتبسيطها، وتم توقيع العقد بنص يقول: «يتعهد الطرف الثانى دار الشروق بالاستعانة على مسئوليتها بمن يصلح للقيام بالعمليات التحريرية واللغوية والفنية اللازمة حتى تجىء هذه الأعمال ملائمة للأطفال لغةً ومضمونًا ومحققه لما يقتضيه الإصدار لهم من إيجاز وتبسيط وإخراج يناسبهم وملتزمة بالمبادئ والقواعد العامة لأدب الأطفال، ويتكفل الطرف الثانى بكل الأعباء...»..
وبالفعل ظهرت الكتب للنور وتم اختيار «كفاح طيبة» من بينها لتدريسها فى المناهج الدراسية الخاصة بوزارة التربية والتعليم ضمن مشروع القراءة الحرة، وبالطبع حدث كل ذلك فى حياة نجيب محفوظ وبموافقته ومباركته الكاملة ولم يكن منطقيا أن تصدر هذه الأعمال من دون موافقته.
♦ «نجيب محفوظ يفوز بنوبل»
أول من علم بخبر فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل هو مكتب الرئاسة، وكان الدكتور مصطفى الفقى يشغل حينها منصب سكرتير الرئيس لشئون المعلومات، وحين تم إبلاغه بالخبر هاتفنى، وقال: «أنا بكلمك دلوقتى لأنى فرحان جدًا عشان نجيب محفوظ فاز بجائزة نوبل، وبلغونى عشان أبلغ الرئيس، وأنا مش عارف أوصل ليه دلوقت، ومن فرحتى عايز أقول لأى حد فكلمتك أقولك».
وعلى إثر هذا الخبر السعيد أقامت دار الشروق ما يشبه العرس. ورغم أننا لم نكن ناشره الحصرى حينها، بدأت مكتبة الشروق فى ميدان طلعت حرب فى تجهيز عروض لمؤلفاته وصوره، وكانت كتبه المنشورة باللغة العربية حينها تقارب الخمسين عنوانًا، وستة كتب أخرى مترجمة إلى اللغة الإنجليزية. كنت أجرى اتصالًا هاتفيًا بمدير المكتبة يوميًا أسأله عن الإقبال على كتب الأستاذ نجيب محفوظ، والغريب فى الأمر أن عدد النسخ باللغة الإنجليزية كان يباع بأكثر من الكتب باللغة العربية، وهذا يدل على أن الأجانب أو من يجيدون الإنجليزية كانوا أكثر إقبالًا على مؤلفاته.
♦ «قراء نجيب محفوظ فى مكتبة الشروق»
بعد فوز نجيب محفوظ بالجائزة بثلاثة أيام، تلقيت اتصالًا هاتفيًا من مدير فرع مكتبة الشروق بشارع طلعت حرب وسط القاهرة، يخبرنى بأن هناك أكثر من 60 سائحا أجنبيا موجودون منذ أكثر من ساعة فى انتظار الأستاذ نجيب. الحكاية بدأت عندما سأل أحد الزوار عن طريقة تمكنه من رؤية الفائز بنوبل، فأبلغه المدير أن الأستاذ نجيب يمر كل صباح فى حوالى التاسعة صباحًا من أمام المكتبة، وأن هذا الزائر أبلغ أصدقاءه الآخرين فجاءوا فى اليوم التالى إلى المكتبة لمقابلة نجيب محفوظ والحصول على توقيعه، وهو اليوم الذى تخلف فيه الأستاذ عن الحضور بسبب تعرضه لوعكة صحية. وقتها، تجمع السائحون فى انتظاره، فاتصلت أنا بالأستاذ نجيب ورويت له ما يجرى، فرد نجيب محفوظ: «أنا منزلتش النهاردة لأنى تعبان، لكن طالما الناس تعبوا نفسهم وجاءوا لازم أروح، تقدر تيجى تاخدني؟»، وذهبت إلى منزله واصطحبته إلى المكتبة لتلبية رغبته فى لقاء القراء، مما يدل على الدرجة الرفيعة من رقى الأخلاق التى كان يتمتع بها الأستاذ نجيب.
♦ «يستبيحونى وأنا حى»
ذات يوم فى عام 1994، اتصل نجيب محفوظ بإبراهيم المعلم، يشكو له من أن بعض الصحف المصرية قررت أن تنشر «أولاد حارتنا» بدون إذن مسبق منه، بذريعة أن ما يؤلفه هو إبداع ثقافى من حق الشعب، وقال فى غضب وانفعال: «أنا بكلمك وبلجأ إليك لأنى مستاء جدًا.. يعنى إيه؟ بيستبيحونى وأنا حى؟! بيتحدونى ويكسروا إرادتى وأنا موجود؟! دا أنا لسه عايش بينهم! إزاى أقول أنى مش عايز أنشر كتاب، فهم يقرروا نشره رغمًا عنى ؟!».
عن تلك الواقعة يوضح المعلم قائلا: «بالطبع أسعدنى اتصاله وأنه اختارنى، رغم أنه كان يمكن أن يلجأ إلى صحف قومية مؤثرة. شعرت بالمسئولية وتدخلت معه فى معركته، وبدأت أوضح للناس معنى حقوق الملكية الفكرية وأول بنودها حق الإنسان فى نشر ما يكتبه من عدمه، وتوقيت وكيفية نشره، وأنه لا يحق لأحد أن يقول على ما أكتبه أنه ليس من حقى».
اقرأ أيضا:
إبراهيم المعلم يروي:كل الأعمال صدرت في حياة نجيب محفوظ وبموافقته ومباركته (2-2)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.