كثيرا ما يحدث خلط بين مفهومى الجوع والفقر، ربما لشديد ارتباطهما، ولأن الجوعى دائما من الفقراء والمعدمين وربما أيضا لأن الجوعى لا بد أن يمروا بمرحلة الفقر أولا ثم تتدهور حالتهم وتصل إلى مرحلة الجوع. فالفقر مخالفا لتصور الكثير ليس مرتبطا بالحد الأدنى من الدخل أو معدل الإنفاق، والذى يعتقد الكثيرون بأنه يتراوح بين ما يعادل دولارا واحدا أو دولارين يوميا، وإنما ارتباطه الأساسى بالحصول على الحد الأدنى من الطاقة اللازمة للحفاظ على حياة الإنسان وصحته صحيحا غير معتل، وقادرا على أداء عمله بالشكل الأمثل دون معاناة أو شكوى، وهو ما أوضحته وحددته مواصفات برنامج الغذاء العالمى والمعهد الدولى لأبحاث الغذاء فى كمية من الطاقة لا تقل عن 1800 كيلو كالورى يوميا. ومن هذه الحد الأدنى من الطاقة يكون مفهوما أن الحدود المالية من مستويات الدخل أو الإنفاق اليومى للحصول على هذا المعدل من الطاقة يكون نسبيا، ويرتبط بالدولة ومستويات الأسعار فيها بل وأماكن الإقامة داخل الدولة الواحدة فى المدن أو الريف بمعنى أنه فى الدول النامية وشديدة الفقر قد يكفى دولارا واحدا لشراء الطعام، الذى يوفر حدود الطاقة اللازمة لحياة وصحة الفرد، بينما فى الدول متوسطة الدخل أو المنطلقة الاقتصادية قد لا يقل عن دولارين يوميا وفى الدول الغنية قد يتجاوز هذا الحد خمسة دولارات فى اليوم الواحد. كما أن هذا الحد الأدنى من السعرات الحرارية يكون توفره للفقراء من خلال مصادر غذائية رخيصة أو غير مرتفعة الثمن وعادة ما تكون من مصادر نباتية فقط وتعتمد بشكل أساسى على الحاصلات الرئيسية مثل الأرز، الذى يوفر لفقراء دول جنوب شرق آسيا 70% من احتياجاتهم من السعرات الحرارية اليومية والذرة والقمح والبقول فى الدول الأفريقية، والتى توفر حتى 80% من الطاقة اليومية لفقراء الدول الأفريقية، ولكن فى جميع الأحوال فإن الفقراء يمكنهم الحصول على الحد الأدنى من السعرات الحرارية اللازمة لنشاطهم اليومى والحفاظ على صحتهم وبقائهم حتى وإن كان ذلك بعيدا عن المصادر الحيوانية للبروتين، والتى يحصلون عليها فقط من خلال المساعدات والهبات وفى مناسبات عادة ما تكون عقائدية. وفى الجانب الآخر سوف يكون مفهوما أن الجوعى يختلفون كثيرا عن الفقراء، فالجوعى هم البشر غير القادرين على الحصول على 1800 كيلو كالورى من السعرات الحرارية يوميا حتى من المصادر الرخيصة للإبقاء على حياتهم أصحاء وقادرون على ممارسة العمل لكى يكتسبون أقواتهم بأنفسهم لذلك فهم يعانون من مختلف أمراض الفقر المرتبطة بسوء التغذية والأنيميا ويحتاجون إلى معونات عاجلة لمساعدتهم على العلاج وإعادة قدرتهم على العمل إلى أجسادهم لكى يتقوتوا لأنفسهم وأسرهم. وقد يكون الجوع نتيجة لكوارث طبيعية مثل تكرار حدوث نوبات الجفاف والقحط بما يؤدى إلى تدهور الإنتاجية الزراعية وعدم إنتاج الغذاء محليا، مع نقص القدرة المالية للدولة والأفراد على استيراده، كما يحدث على سبيل المثال ويتكرر فى دول القرن الأفريقى، أو قد يكون بسبب تسونامى اقتحام البحار والمحيطات المالحة لليابسة، كما حدث فى دول جنوب وجنوب شرق آسيا، أو حدوث الزلازل والبراكين أو العواصف والأعاصير المدمرة، وبالتالى تكون الحاجة ماسة إلى مساعدات دولية عاجلة للحفاظ على حياه البشر أو أجناس معينة منهم. وقد يحدث الجوع بسبب عوامل اقتصادية وندرة تكنولوجية للدول منخفضة الدخل وغير القادرة على النهوض باقتصادياتها أو رفع مستوى معيشتهم أو حتى إنتاج الغذاء من داخل أراضيهم، وبالتالى فهناك العديد من الدول التى فى حاجة دائمة إلى مساعدات غذائية عاجلة لشعوبهم. وقد يحدث الجوع فى عدد كبير من الشعوب ذوى النسب المرتفعة من الفقراء والتى ربما تصل إلى 50% من عدد السكان بسبب انخفاض معدلات الدخول للأفراد وارتفاع أسعار الغذاء خاصة خلال أزمات ارتفاع أسعاره، والتى باتت تتكرر كثيرا بما حذا ببرنامج الغذاء العالمى أن يطلق عليه اسم «الوجه الجديد للجوع The New Face of Hunger»، وهو يعنى توافر السلع فى الأسواق وعلى أرفف المجمعات والسوبر ماركت ولكن بأسعار تفوق قدرة الأغلبية فى الحصول عليه وبالتالى فإن توافر الغذاء بمثل هذه الأسعار المرتفعة يتساوى مع عدم وجوده أصلا بالنسبة للفقراء أو الجوعى بسبب عدم القدرة على الحصول عليه، وهو ما يدفع جموع المستهلكين من الفقراء من تقليص احتياجاتهم وتقليل استهلاكهم من الغذاء بسبب ارتفاع أسعاره بمعنى أن من كان يستهلك ثلاثة أرغفة يوميا يضطر إلى استهلاك رغيفين فقط. وبالمثل أيضا يقلص الفقير استهلاكه من الأرز إلى 2 كيلوجرام شهريا بدلا من ستة كمعدل عالمى، كما يضطر إلى تقليص احتياجاته من البقول ومختلف أصناف الغذاء بما قد يوقعه فى أمراض سوء التغذية under malnourishment ثم باستمرار أو استفحال الوضع ينضم إلى قائمة الجوعى. لذلك وضعت هيئات الأممالمتحدة مبدأ «الحق فى الطعام Right to food» ضمن برامج حقوق الإنسان، وهو ينص على حق كل إنسان يعيش على ظهر اليابسة فى الحصول على احتياجاته من الطعام اللازم لتمتعه بالحياة مكتمل الصحة وغير معتل، غير أن التعريف أوضح أن الحق فى الطعام لا يعنى مطلقا الحصول عليه مجانا إلا فى حالات الكوارث الطبيعية والحالات الإنسانية الصعبة لمراحل الشيخوخة والأمراض العضالة وإنما يعنى أن «الطعام مقابل العمل Food for work» أى أن العمل فى جميع دول العالم خاصة الدول الفقيرة ومنخفضة ومتوسطة الدخل يجب أن يكون بأجر كافٍ لشراء احتياجاته وأسرته من الطعام الصحى، وألا يكون العمل مجحفا أو يتسبب فى إصابة عمالة بالأمراض كما لا يجب أن يكون بدون أجر أو بأجر قليل يكون أقرب إلى السخرة منه إلى مبدأ العمل مقابل الطعام. من كل ما تقدم يتبين أن خطط التنمية فى الدول النامية وعلى الأخص فى مصر يجب أن ترفع شعار إنهاء الجوع أولا ثم شعار الحد من الفقر، لا أن نبدأ من الفقر كما هو حادث الآن لأن التعامل مع الجوعى له الأولوية يليه التعامل مع الفقر وبالتالى يكون شعار تطوير الألف قرية فى مصر يجب أن يكون تطوير وتنمية أفقر ألف قرية لأن تمهيد الطرق أو بناء المدارس والوحدات الصحية وإدخال مياه الشرب والصرف الصحى لا يزيد من دخل الفقراء المقيمين بالريف على الرغم من إيماننا الكبير بارتباط التطوير بالتنمية، لكن الهدف الأسمى من إنهاء الجوع والحد من الفقر وتقليصه فى الريف وعشوائيات المدن يجب أن يرتبط بزيادة دخول هذه الفئة من المجتمع بتوفير المزيد من فرص العمل لهم وتطوير أعمالهم لتدر عليهم دخلا أكبر مثل توفير الآلات الزراعية الحديثة لتطوير الزراعات بإيجار رمزى للمزارعين بدلا من الزراعات البدائية الحالية مثل الزراعة بآلة التسطير وتسوية الأرض بالليزر قبل الزراعة لتوفير المياه والحصاد الآلى وتقليل الفاقد فى الزراعة والحصاد، ثم بالتوسع فى إدخال التصنيع الزراعى فى الريف، فنحن على سبيل المثال لا نقوم بتصنيع أكثر من 3% من إنتاجنا من الطماطم لتحويله إلى مركزات وصلصلة طماطم على الرغم من كوننا ومعنا جميع الدول العربية والأفريقية من الدول المستوردة لصلصة الطماطم، كما أننا نعانى من نسبة فقد فى هذا المحصول محدود القدرة على التخزين تتجاوز 30% من المحصول، وبالتالى فإن التوسع فى إنشاء مصانع الصلصة فى الريف وبالقرب من أسواق الجملة والتجزئة سوف يساهم فى تقليص هذا الفاقد وإدرار دخل اقتصادى للمزارع والتاجر لم يكن فى حسبانه ويزيد أيضا من العائد من الزراعة ومن وحدة المياه بما يزيد من اقتصاداتها. وإذا كانت الإحصائيات العالمية تشير إلى أن 80% من مبيعات السوبر والهايبر ماركت فى العالم تتمثل فى الأغذية والخضراوات المحفوظة والمجمدة وسابقة الإعداد ونصف المطهية، والمطهية وذلك نتيجة لخروج المرأة إلى العمل واعتمادها على هذه النوعيات من الأغذية سريعة الإعداد والتحضير، وبالتالى فإن العديد من الدول العربية أصبحت تستورد كميات كبيرة منها بدلا من سابق استيرادها للخضراوات والأغذية الطازجة بما يوضح مدى حاجتنا إلى التوسع فى إنشاء العديد من مصانع تعليب وتجميد وحفظ وإعداد هذه النوعيات من الخضروات والأغذية (بما فيها اللحوم والدواجن والأسماك) سواء للتوسع فى توفيرها للأسواق المحلية، التى تتزايد احتياجاتها منها عاما بعد عام أو لتوفير احتياجات الدول العربية والأفريقية القريبة أو حتى لقوات الشرطة والجيش بالإضافة إلى ما تمثله أيضا من توفير كبير فى نسبة الفاقد من هذه المنتجات الغضة سريعة التلف، وبما يعود على المزارع من دخل إضافى كان يفقد فى السابق ويزيد أيضا من الطلب على المنتجات الزراعية ويخلق رواجا واستثمارا زراعيا يربط الفلاح بأرضه وقريته ويحافظ على الترب الزراعية منتجة وعدم تحولها إلى مبان أو مصانع بسبب قلة عائدها على المزارعين. وما يطبق على الخضروات والطماطم يطبق على البقول والزيوت والدواجن ومنتجاتها والإنتاج الحيوانى وغيرها من الأمور، التى سيكون التصنيع الزراعى مصدرا كبيرا لزيادة دخول المزارعين وعائدا إضافيا لاقتصاد الدولة.