فضل نايف كوستيرو هدم منزله في البلدة القديمة للقدس بنفسه قبل أن تقوم بذلك البلدية الإسرائيلية وتحمله نفقات إضافية, ويقول هذا الفلسطيني وهو يقف أمام أطلال المنزل: "كرهت نفسي وأنا اهدم بيتي بيدي". وحال هذا الفلسطيني كحال الكثيرين من سكان القدسالشرقية الذين تصدر بلدية القدس أوامر بهدم منازلهم لعدم حصولهم على ترخيص لبنائها وتخيرهم بين أن يهدموها بأنفسهم أو أن ترسل عمالها ليقوموا بذلك على أن يتحملوا هم المصاريف التي غالبا ما تكون باهظة. ويقول كوستيرو الذي يبلغ 35 عاما: "أصبت باليأس بعد أن أصدرت بلدية القدس عدة أوامر لهدم بيتي بحجة عدم الترخيص، وفرضت علي السجن مع وقف التنفيذ وغرامات جمة". ويؤكد الرجل أنه عندما تلقى في 2002 أول أمر من البلدية بهدم منزله "الذي يمثل الأمان الشخصي" بالنسبة إليه، انتابته "كوابيس بسبب حال الرعب" التي سيطرت عليه. ويقول: "أنا لا أنام الليل، أصبت بحالة قلق وذعر، ولم أعد اهتم بالعائلة ولا بنفسي أو عملي". ويضيف متسائلا أمام بقايا الأخشاب المتناثرة في أرضية المنزل والتي كانت في ما مضى جزءا من سقف المنزل الذي لم ينته من هدمه كليا "أين سينتهي بي المطاف؟ بيتي هو ملجأي، وعلي أن أكمل هدمه". ويقول: "بدأت بهدمه لكي اعرض صور الهدم على القاضية التي أمرت بسجني إذا لم أنفذ أمر الهدم، ومن حسن حظي أن الجلسة التي كانت مقررة في 10 ديسمبر 2009 تأجلت". ويوضح كوستيرو: "أضفت غرفة إلى بيتي بمساحة 48 متر مربع سنة 2002، ومنذ ذلك الحين وبلدية القدس تطاردني بالمخالفات وأوامر الهدم. طلبوا مني الحصول على ترخيص خلال عام ونصف وقدمت المخططات، وفي كل مرة تعترض لجنة ما على المخطط". ويضيف: "دائرة الآثار اعترضت على القرميد في البلدة القديمة، لأنه ليس حضاريا ولا يلائم البلدة القديمة". ويقول كوستيرو إنه اكتشف أنه أصبح لديه ملف جنائي بسبب البناء بدون ترخيص: "إذ توقفني الشرطة والجنود ويتعاملون معي كما يتعاملون مع المجرمين". والأمر نفسه يتكرر في حي عقبة التوتة في البلدة القديمة، حيث يقول محمد غوشه - 37 عاما - وهو أب لأربعة أولاد: "وسعت بيتي على السطح قبل عدة أشهر، وتلقيت أمر هدم إداري من البلدية ينفذ فورا، وهو أمر تعسفي". ومضى يقول: "اتصل بي محام في المساء وأخبرني أن البلدية ستهدم بيتي في الصباح، وفي السادسة صباحا قدمت قوات كبيرة من الشرطة مع موظفي بلدية وأغلقوا الشارع وكان معهم مقاول وعمال للهدم. قام أصدقائي وأولاد عمي بهدم البيت لأن موظفي البلدية إذا قاموا بالهدم هم ستكون تكلفة الهدم من قبلهم مائة ألف شيكل أي حوالي 27 ألف دولار". ويضيف: "أنا لم أشارك بالهدم. كنت مقهورا واتفجر من الغضب. والدي نقل تم نقله المستشفى وأخي الصغير ونسيبي اعتقلا". ويؤكد غوشة: "كلفني البيت نحو 65 ألف دولار. الناس تريد أن تعيش. لا توجد بيوت للإيجار في القدس، وإن وجدت فهي غالية جدا. وضعت على السطح ألواح صفيح وحصلت على مخالفة جديدة. يريدوني أن اهدمها. أين يريدوننا أن نذهب؟". وبحسب البلدية فقد تم حتى 13 ديسمبر 2009 تنفيذ 112 من أوامر هدم المباني الصادرة عنها، 49 منها في الجزء الغربي (اليهودي) من المدينة، و63 في الشطر الشرقي (العربي). ويقول عضو المجلس البلدي في القدس مئير مرغليت العضو في حزب ميريتس اليساري المعارض للحكومة إن: "البلدية تخدع العالم وتضلله في استخدام مصطلح هدم مبان في القدسالشرقيةوالغربية معا، لتوحي للعالم وكأن الهدم يطاول بيوت اليهود أيضا". ويضيف: "لكن الحقيقة هي أن البلدية لم تقم يوما بهدم أي بيت لليهود في القدسالغربية، وإن فعلت فهي تهدم درجا أو شرفة أو بناء صغيرا في ساحة، بينما تهدم للفلسطينيين ما تصطلح على تسميته مبنى، وهو في الواقع يتكون من طوابق عدة". وكانت إسرائيل قد احتلت القدسالشرقية عام 1967 وضمتها إليها وأعلنت كامل المدينة المقدسة عاصمة لها، من دون أن يعترف المجتمع الدولي بهذه الخطوة. من جهتها, تؤكد منظمة التحرير الفلسطينية في تقرير أن: "خطر الهدم يتهدد 11 ألف منزل فلسطيني في القدسالمحتلة". وبحسب مؤسسة المقدسي التي تدافع عن حقوق الفلسطينيين في القدسالشرقية فإن: "عدد البيوت التي تم هدمها في مدينة القدسالمحتلة بلغ 103 بيت عام 2009 أسفرت عن تشريد 569 مواطنا فلسطينيا بينهم 281 طفلا"، مشيرة إلى صدور أوامر بهدم 312 منزلا في حي سلوان لوحده.| من جهته يقول المحامي مهند جبارة المتخصص في قضايا أنظمة البناء إن: "البلدية تنتهج طريقتين باستصدار أوامر الهدم، فهناك الأمر الإداري الذي يصدره رئيس البلدية ويوقع عليه المستشار القضائي للبلدية بعد زيارة أحد مهندسيها للموقع". ويضيف: "هذا النوع من الأوامر سهل جدا إصداره. مثلا أن يكون البناء بدون رخصة ولم يمر على انتهاء بنائه ستين يوما. أما إذا بني وسكن خلال ثلاثين يوما فلا يستطيعون هدمه بأمر إداري". ويتابع المحامي: "أما أوامر الهدم القضائية فتصدر عن قاضي محكمة. وإذا اقتنع القاضي بأن هناك مخططا للبناء قيد الانتهاء، يعطي فرصة قبل الهدم. وهناك بيوت تستمر إجراءاتها لسنوات طويلة بسبب تقديم صاحب البيت لعدة مخططات". ويستدرك: "لكن البلدية تعرقل أي مخطط هندسي للترخيص"، مشيرا إلى أن: "الشخص الذي لا يحصل على ترخيص ولا يقوم بهدم البيت، تقدم له لائحة اتهام بعدم الانصياع لأوامر المحكمة وتحقيرها، فتتم إدانته بالسجن مع وقف التنفيذ أول مرة، وبعدها يتم تمديد الحكم الصادر بحقه مع وقف التنفيذ، ومن ثم يسجن". ويؤكد المحامي أن: "بلدية القدس تعتبر أكثر بلدية في إسرائيل لديها خبرات في استصدار أوامر الهدم لكثرة عددها. وترفض البلدية الإفصاح عن العدد الإجمالي الحقيقي لأوامر الهدم أو عدد البيوت الحقيقي التي نفذت الهدم فيها". ويضيف: "في الماضي كانت البلدية ترتكب أخطاء في استصدار الأوامر أما الآن فلا. ففي الماضي كنا نعتمد على قانون يسمى قانون (موسى دقة) الذي يقول إذ لم تقم البلدية بعمل مخططات فيجب إعطاء الناس الذين يبنون بدون رخصة فرصة لانجاز مخططات". ويتابع: "لكن منذ عشرة أيام ألغت المحكمة العليا هذا القانون، إذ اعتبرت أنه إذا لم تكن لدى البلدية مخططات والناس يبنون من دون رخص ومخططات، فان هذا الأمر سيخلق فوضى. وهذا القانون سيسرع في عمليات هدم بيوت العرب". ويختم المحامي: "إضافة إلى أوامر البلدية، هناك دائرة الآثار التي باتت تشكل عائقا إضافيا. ففي القدس القديمة لا توافق على مخططات العرب بحجة أن لديها مخططا عاما".