القنوات المتخصصة هى أهم الظواهر الإعلامية خلال السنوات الماضية، فلم يعد الأمر مقصورا على قنوات الأخبار والسينما والدراما والفيديو كليب والرياضة وحتى الكوميديا، بل أصبحت هناك قنوات متخصصة فى الدجل والشعوذة وممارسة السحر على الهواء مباشرة، ووصلت القنوات المتخصصة فى العشر سنوات الأخيرة إلى الحد الذى يجعلها خارج الحصر، وذلك بعد التوسع فى إطلاق الأقمار الصناعية فى المنطقة العربية التى فتحت الباب أمام نوع جديد من الصناعة والاستثمار فى مجالات الإعلام. وفى محاولة لرصد أهم ملامح التخصص على الشاشة العربية كان لابد أن نراجع التجربة مع الإعلامى حسن حامد مهندس مشروع إطلاق أول قنوات متخصصة فى سماء العرب، ورئيس أول قطاع للقنوات المتخصصة فى التليفزيون المصرى،الذى قال: «وصلنا إلى حالة من الفوضى فى الفضاء، وأصبح كل شىء متاح فى ظل السباق على جذب المشاهد بكل ما هو غريب ومثير، وهذا جعل الكثير من القنوات تبعد بشاشتها عن الرسالة الإعلامية، التى تقدم للمشاهد خبرا أو معلومة أو رأيا أو حتى تسلية ومتعة». وأكد أنه عندما كان يشارك فى إنشاء أول قناة متخصصة وهى قناة النيل للدراما كان يعلم أن العالم يتجه نحو التخصص خاصة أن هناك تجارب أخرى قد سبقت فى الإعلام الغربى مثل ال«سى ان ان» التى بدأ صيتها ينتشر فى العالم كقناة إخبارية متخصصة فى عام 90 ومع حرب الخليج الثانية وغزو الكويت. ويضيف حامد: «من هنا كان توجهات صفوت الشريف وزير الإعلام آنذاك نحو الانطلاق فى الفضاء، وإنشاء قمر مصرى يكون نافذة للإعلام المصرى على العالم فكان النايل سات 1 الذى يعد بداية حقيقية للقنوات المتخصصة التى أطلقت فى عام 1998 والتى مثلت نقطة انطلاق للتخصص على الشاشة العربية». وعلق بقولة: «الاتجاة للقنوات المتخصصة كان خيارا استراتيجيا فى ذلك الوقت، ولكنه تحول الآن الى مشروعات تجارية واستثمار أموال». وأشار حسن حامد إلى أنه كان دائما يستشعر أن العالم سيتجه للتخصص الدقيق، ومن هنا لم يندهش من اتجاه الفضائيات إلى أمور قد يراها البعض خارجة عن الأعراف الإعلامية، ويرى فى ذلك حالة من الزخم يمكن للمشاهد التى تتيح للمشاهد فرصة الاختيار. ويؤكد حسن حامد أن القنوات المتخصصة أدت الدور الملقى على عاتقها، وأنها ستأخذ اتجاهات لمزيد من التخصص، وربما تظهر مثلا قنوات متخصصة فى نوع معين من الغناء، أو موسيقى فنان معين أو جزئية معينة من العلوم. وأشار حسن حامد إلى تجربة قنوات ART التى كانت مواكبة تقريبا لإنشاء قطاع المتخصصة، والتنسيق الضمنى بين الجهتين حيث اختار الشيخ صالح كامل أن يطلق قناة للأفلام، بعد إطلاق التليفزيون المصرى لقناة الدراما، ولكن بعد ذلك عاد لإنشاء قنوات الحكايات التى تخصصت فى عرض الدراما. وقال إن قنوات الدراما المتخصصة ساهمت بشكل كبير فى ازدهار حركة الإنتاج الدرامى، ولكنها سرعان ما دخلت فى حسابات التجارة بعد أن قوى نفوذ وكالات الإعلان وأصبحت تضع شروطها ونجومها، وأجورها أيضا، وهو ما انعكس سلبا على نوعية ومستوى الإنتاج، ولكن استمرار إنشاء قنوات لعرض المسلسلات وتعدد أشكال الإنتاج الدرامى يؤكد أنه أصبح صناعة رائجة. وعلق حامد بأنه قد يقبل هذا من القنوات الخاصة التى تسعى لتحقيق الربح ولكن على الجهات الرسمية الحفاظ على معايير القيمة والفن الجاد، لأنها غير منوط بها تحقيق الأرباح، ودورها الأساسى تقديم خدمة إعلامية وفق رؤية ومنهج مدروس بعيدا عن حسابات المكسب والخسارة. كذلك يرى أن السينما حققت أرباحا وحالة من الاستقرار فى ظل وجود قنوات الأفلام المتخصصة، والتى تشهد انتشارا واسعا فى العشر سنوات الأخيرة وأصبحت هناك محاولة للتميز بمزيد من تخصص لكل قناة، فهناك قنوات تعرض الأفلام القديمة وأخرى للقنوات الحديثة، وقنوات لأفلام الحركة أو الرومانسية أو حتى أفلام الرعب، وهناك أيضا قنوات تعرض الأفلام وفق رغبة المشاهد، وهذا لا ينفى وجود جانب سلبى لقنوات الأفلام التى جعلت بعض الجمهور يهجر دور العرض وينتظر العرض التليفزيونى فى منزله. وقال حسن حامد عن القنوات الدينية إنها التخصصية التى لم تكن ضمن توجهات الإعلام المصرى أثناء التخطيط للتخصص، وذلك لانه كانت هناك رؤية تضع القيم الدينية كجزء أساسى من كل القنوات التى يتم إطلاقها، فضلا عن أننا لم نرد أن نضع الدين فى حيز ضيق لقناة تليفزيونية خاصة أن الخطب الدينية من وجهة نظرنا مكانها الطبيعى هو المسجد والكنيسة والمعبد وليس الإعلام. وأشار إلى خوض الإعلام فى قضايا يجب ألا تكون متاحة للعامة بحثا عن الإثارة والجاذبية والاختلاف، وذلك كنتيجة للتوسع فى إطلاق القنوات الدينية، وساهمت تلك القنوات أيضا فى سيول الفتاوى التى نسمع عنها فى كل لحظة، بعد تصدى الكثيرين للفتوى على الشاشة بشكل مبالغ فيه، وأصبح لكل مواطن مفتٍ على الشاشة. وأضاف حامد أن القنوات الرياضية أيضا ساهمت فى إحداث حالة من اللغط فى الشارع العربى بسبب اعتمادها على نجوم الملاعب كمقدمى برامج، لأنهم غير مؤهلين للعمل فى الإعلام، مما جعلهم يخلطون بين الإعلام والسياسة والأشياء الشخصية، ويكفى أنهم تسببوا فى إفساد العلاقة بين دولتين شقيقتين بينهما علاقات أعمق وأضخم بكثير من مباراة كرة قدم أى كانت نتائجها وحساسيتها. فيما أكد حسن حامد أن التحدى الحقيقى هو ما تواجهه قنوات الكوميديا التى بدأت فى نهاية العقد المنقضى، ففى بلد يشتهر بخفة الدم وعشق النكتة والسخرية من كل الاشياء يصعب على مثل هذه القنوات الاستمرار على وتيرة واحدة لان النكتة تقال مرة واحدة، فضلا عن أن الاشياء المثيرة للضحك تتغير من جيل لآخر، وسيكون على تلك القنوات تجديد نفسها بشكل مستمر لتواكب النكتة فى الشارع، وحذر من انجراف وراء إضحاك الناس بالابتذال أو التطاول على ثوابت ومعتقدات الناس.