ناقش وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى فى اجتماعهم أمس بالعاصمة البلجيكية بروكسل التقرير الذى أعدته الرئاسة السويدية للاتحاد عن ممارسات الاحتلال الإسرائيلى فى مدينة القدسالشرقية وسبل التصدى لهذه الممارسات باعتبارها انتهاكا لكل القرارات والقوانين الدولية. وذكر التقرير الذى حصلت «الشروق» على نسخة منه أن استمرار النشاط الاستيطانى الإسرائيلى فى القدسالشرقيةالمحتلة هو أهم ملامح العام الحالى مع هدم عدد كبير من منازل الفلسطينيين وصدور أوامر بطرد أعداد كبيرة منهم من المدينة بهدف تقليص حجم السكان الفلسطينيين فى المدينة وفصل القدسالشرقية عن باقى أراضى الضفة الغربية. والحقيقة أن العام الحالى شهد تكثيفا للجهود الإسرائيلية الرامية إلى القضاء على أى إمكانية لجعل القدسالشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المنتظرة. وأشار التقرير إلى أن سياسة الاتحاد الأوروبى تجاه القدسالشرقية تقوم على أساس قرار مجلس الأمن الدولى 242 الصادر عام 1967 وخصوصا عدم الاعتراف بأى ضم للأراضى بالقوة أو بالتهديد باستخدامها. وبالتالى فالاتحاد الأوروبى لم يعترف أبدا بالاحتلال الإسرائيلى للقدس المحتلة عام 1967 ولا بالقانون الذى أصدرته إسرائيل عام 1980الذى يقضى بضم القدسالشرقية إلى إسرائيل باعتبارها «عاصمة أبدية وموحدة» للدولة الإسرائيلية. فى المقابل أصدر مجلس الأمن الدولى عام 1980 قرارا برقم 478 يرفض الاعتراف بالقانون الإسرائيلى ولا بأى تحرك إسرائيلى يهدف إلى تغيير الواقع فى الأراضى المحتلة. منذ الاحتلال الإسرائيلى للضفة الغربيةوالقدسالشرقية عام 1967 تتبنى الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسة نقل السكان اليهود للحياة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة فى انتهاك واضح لمعاهدة جنيف الرابعة والقانون الدولى الإنسانى. ونتيجة للسياسة الإسرائيلية تم بالفعل مصادرة أكثر من 30% من أراضى القدسالشرقية لصالح اليهود وشكلت الوحدات السكنية الاستيطانية التى أقيمت فى القدس حوالى 37% من إجمالى الوحدات الاستيطانية التى أقيمت خلال الفترة من 2001 إلى 2009. واليوم يعيش حوالى 190 ألف مستوطن فى 12 مستوطنة بالقدسالشرقية. وتستخدم إسرائيل سلاح المستوطنات لضمان سيطرتها على القدس من خلال تغيير التركيبة السكانية للمدينة حيث أصبح اليهود يشكلون حاليا أغلبية داخل المدينة بشطريها الشرقى والغربى بنسبة 65% (550 ألف) مقابل 35% للعرب (250 ألفا). ويعتمد أغلب النشاط الاستيطانى فى القدسالشرقية على تمويل المنظمات اليهودية المؤيدة للاستيطان مثل عطريت كوهينم ولكنه يتم فى إطار رؤية استراتيجية للحكومة التى تقدم التسهيلات الكبيرة لهذا النشاط. كما تواصل المنظمات الخاصة المؤيدة للاستيطان مثل عطريت كوهينم شراء المنازل فى مختلف أنحاء القدسالشرقية بهدف زرع المزيد من البؤر الاستيطانية فى البلدة القديمة من القدسالشرقية وهو الجزء الذى يضم المقدسات الإسلامية والمسيحية. وتوفر الحكومة الإسرائيلية الكثير من الموارد لتأمين هذه الأنشطة الاستيطانية. يعزز النشاط الاستيطانى الإسرائيلى فى البلدة القديمة فصل المسجد الأقصى عن باقى مناطق القدسالشرقية. وإلى جانب النشاط الاستيطانى فى القدسالشرقية كثفت السلطات الإسرائيلية خلال السنوات القليلة الماضية عمليات بناء المستوطنات فى مناطق الضفة الغربيةالمحتلة الأخرى وخصوصا حول القدسالشرقية بهدف فصل القدس تماما عن باقى المناطق الفلسطينية. وعلى مسار مواز يسير فى نفس اتجاه السياسة الإسرائيلية توسعت إسرائيل فى إصدار قرارات إبعاد الفلسطينيين عن القدس وهدم منازلهم فيها بدعوى عدم وجود تراخيص للبناء. يأتى ذلك رغم أن القانون الدولى يلزم إسرائيل كقوة احتلال بتوفير جميع الخدمات الأساسية لسكان الأراضى المحتلة. وفى حين يمثل الفلسطينيون حوالى 35% من سكان القدس فإنهم لا يحصلون إلا على أقل من 10% من ميزانية الخدمات البلدية. وتتسم المناطق الفلسطينية من المدينة بتدهور حالة الطرق وشبكات الصرف الصحى والخدمات الصحية والتعليمية. وعلى العكس تماما فإن القدسالغربية والمستوطنات الإسرائيلية فى القدسالشرقية تتمتع بمستوى مرتفع من الخدمات العامة. كما تفرض البلدية الإسرائيلية قيودا صارمة على بناء المساكن الفلسطينية فى القدسالشرقية حيث يقتصر إصدار التراخيص على المناطق الموجودة داخل المخطط العام للمدينة وهى لا تمثل أكثر من 12% من المناطق التى يعيش فيها الفلسطينيون وهو ما يجبر الفلسطينيين على البناء بدون ترخيص لتصبح المنازل بعد ذلك عرضة لقرارات الهدم بدعوى البناء بدون ترخيص. وكما توسعت إسرائيل فى قرارات هدم منازل الفلسطينيين فى القدسالمحتلة وإبعادهم بمبررات واهية. فمنذ عام 2000 أصدرت السلطات الإسرائيلية أكثر من 600 قرار هدم منازل فى القدس. كما شهد عام 2009 تشريد أكثر من 200 فلسطينى أغلبهم أطفال بسبب هدم المنازل ويمكن أن يصل العدد إلى 3600 فلسطينى إذا تم تنفيذ قرارات الهدم الموجودة حاليا. وأشار التقرير السويدى إلى التأثيرات الخطيرة للجدار العازل الذى أقامته إسرائيل فى الضفة الغربية والذى أدى إلى مصادرة مساحات شاسعة من أراضى الفلسطينيين وعزل آلاف الفلسطينيين عن أماكن عملهم ومزارعهم. ويؤدى فصل القدسالمحتلة عن باقى مناطق الضفة الغربية إلى تداعيات خطيرة على الاقتصاد الفلسطينى ويضعف الروابط الاجتماعية. وعلى الرغم من عدم اكتمال بناء الجدار العازل فإنه سبب صعوبات كثيرة بالنسبة لمئات الآلاف من الفلسطينيين. وإذا كان الجدار العازل يسبب معاناة شديدة بالنسبة للفلسطينيين فإن نقاط التفتيش والحواجز الإسرائيلية المنتشرة فى مختلف مناطق الضفة الغربية تضاعف المعاناة. ويعانى سكان القدسالشرقية من نقاط التفتيش التى تمنعهم من الوصول إلى العديد من مناطق المدينة بدعوى أنها مناطق عسكرية مغلقة. وبعد استعراض التقرير لتفاصيل المعاناة الفلسطينية تحت الاحتلال فى القدسالشرقية ينتهى إلى التوصية بوجود دور أكثر فاعلية للاتحاد الأوروبى من أجل التصدى للممارسات الإسرائيلية فى القدسالشرقية وضرورة العمل على تطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وتوصيل رسالة أوروبية واضحة إلى السلطات الإسرائيلية بشأن الموقف من القدسالمحتلة. كما تتضمن توصيات التقرير السويدى بالفعل ضرورة الاعتراف بالقدسالشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المنتظرة وتأكيد عدم مشروعية السيادة الإسرائيلية عليها. وكذلك تشجيع وجود ممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية فى القدسالشرقية وإقامة الاحتفالات بالأعياد الوطنية للدول الأوروبية فى شرق القدس بل وفى مؤسسات فلسطينية بها إذا أتيح ذلك باعتبارها عاصمة للفلسطينيين. كما يوصى التقرير بإصدار تشريع أوروبى يحظر عقد صفقات اقتصادية أو مالية مع أى جهات تدعم الاستيطان فى القدسالشرقية. وكذلك إصدار دليل غير ملزم لشركات السياحة الأوروبية التى ترسل أفواجا إلى القدسالشرقية حتى لا تدعم المستوطنات فى المدينة.