رغم الانخفاض الذى سجله مؤشر أسعار المستهلكين منذ بداية العام، فإن المواطنين لا يشعرون بتراجع أسعار السلع الأساسية، وإنما على العكس، «الأسعار ترتفع كل شهر»، كما قالت أمانى على ربة منزل، وأم لثلاثة أطفال، والتى يعمل زوجها موظفا ويتقاضى 500 جنيه شهريا، وتتساءل عن كيفية المعيشة بهذا المبلغ فى ظل الارتفاعات المتتالية للأسعار. وأشارت ربة المنزل إلى أن الأسعار ترتفع شهريا بقيمة تتراوح ما بين «جنيه وجنيه ونصف فى جميع السلع»، وضربت مثالا بأسعار الزيت، التى ارتفعت خلال شهر أكتوبر لتصل إلى 11.25 جنيه، مقابل 9.75 خلال شهر سبتمبر، كما ارتفعت أسعار السكر لتصل إلى 5 جنيهات للكيلو، مقابل 3.5 جنيه. وكان مؤشر أسعار المستهلكين قد أظهر ارتفاع أسعار الزيوت والدهون خلال سبتمبر بنسبة 1.1%، بينما ارتفع السكر والأغذية السكرية بنسبة 6.9%. «الأكل والمواصلات ومصاريف المدارس، كله بيرتفع، فى الوقت الذى ظل فيه مؤشر أسعار المستهلكين يزعم أنها تنخفض، وحتى لما أعلن ارتفاعها مؤخرا لم يكن الارتفاع بالنسبة الفعلية، ولكن أقل من الحقيقية بكثير» كما تقول أمانى، مشيرة إلى أن المؤشر أرجع الزيادة لارتفاع الأسعار العالمية. وكان مؤشر التضخم السنوى ارتفع لأول مرة منذ بداية العام فى سبتمبر الماضى ليصل إلى 10.8%، مقابل 9% فى شهر أغسطس، بعد اتجاهه المستمر للهبوط منذ بداية العام، بعد أن كان قد وصل إلى مستوى قياسى متجاوزا ال25% فى بداية الربع الأخير من 2008، وقبل حلول الأزمة العالمية مباشرة. وقد ساهم مؤشر الطعام والشراب إجمالا فى ارتفاع معدل التضخم الشهرى خلال الشهور الأخيرة، حيث ارتفع خلال سبتمبر بنسبة 3.7%، مقابل 3.1% فى أغسطس. وترى حنان عادل، موظفة بالضرائب العقارية، تعمل هى وزوجها ليوفرا احتياجاتهما الشهرية من المأكل ومستلزمات أطفالهما الأربعة، أن الأسعار ترتفع ثلاث مرات فى الشهر الواحد، «فى كل مرة ما بين نصف جنيه وجنيه»، وتقول عادل إن الزيت والسكر ارتفعا خلال الفترة الماضية بقيمة نصف جنيه، بينما ارتفعت أسعار اللبن خلال شهر أكتوبر لتتراوح ما بين 6.75 و7.75 جنيه للكيلو، فضلا عن الخضراوات والفاكهة، «التى لا تتوقف عن الارتفاع» على حد تعبيرها. وقد ارتفعت أسعار الألبان والجبن والبيض خلال سبتمبر الماضى بنسبة 1.5% مقارنة بشهر أغسطس الماضى، بحسب مؤشر التضخم، بينما ارتفعت أسعار الفاكهة والخضراوات بنسبة 1.7% و11.5% على التوالى. وتقول عادل، إن أسعار اللحوم قد ارتفعت خلال الفترة الماضية من 45 جنيها للكيلو لتصل إلى 50 جنيها، وهو ما يعادل 11% زيادة، وكان مؤشر أسعار المستهلكين قد أظهر ارتفاع أسعارها بنسبة لا تتجاوز 2.5% خلال سبتمبر. «مؤشر أسعار المستهلكين عبارة عن كذبة، أو أنه يعيش فى مجتمع غير مصرى»، على حد تعبير حنان عادل، التى تشير إلى أنه دائما يخالف الواقع. وفى المقابل فإن «المرتب مش بيزيد، ولكن الأسعار بترتفع، وعندى مصاريف مدارس». بينما يمثل مؤشر أسعار المستهلكين لمحسن يوسف، أحد أصحاب السوبر ماركت، «وقف حال»، مشيرا إلى أن المؤشر يظهر انخفاض أسعار السلع خلال الشهر بنسبة ما، بينما تكون قد ارتفعت بنفس النسبة فى الحقيقة، وهو ما يجعل المستهلك يراجع نفسه ويظن «أن أصحاب المحال هم الذين يرفعون الأسعار بأنفسهم». أما الصورة الحقيقية فهى أنه لم يسبق أن ارتفعت أسعار سلعة ثم انخفضت بعدها، «اللى بيطلع مش بينزل»، بحسب يوسف. بينما يرى محمد شعبان، أحد أصحاب السوبر ماركت، أن لا أحد يهتم بمؤشر أسعار المستهلكين لأنه لا يمثل واقع أسعار السلع الأساسية للمصريين، «المستمرة فى الارتفاع طوال الفترة الماضية». ويقول شعبان إن جميع السلع الأساسية قد ارتفعت خلال الفترة من سبتمبر الماضى وحتى بداية نوفمبر الحالى بنسبة تتراوح ما بين 5 و8%، مشيرا إلى أن أسعار الأرز ارتفعت من جنيهين للكيلو لتصل إلى ثلاثة جنيهات (أى زاد بنحو 50%)، بينما يظهر مؤشر أسعار المستهلكين انخفاض أسعار الأرز بنسبة2.1%، فى سبتمبر مقارنة بأغسطس. وتوقع شعبان أن يظهر مؤشر الجهاز المركزى، والذى يمثل له «استفزازا» على حد تعبيره، انخفاضا فى أسعار السلع خلال أكتوبر الماضى، بينما كانت الشروق استطلعت أمس الأول رأى 10 خبراء بشان اتجاه معدل التضخم فى أكتوبر، وتوقعوا ارتفاع المؤشر ليصل إلى 11%، معللين توقعاتهم بارتفاع الأسعار بصفة عامة نتيجة للاتجاه الصعودى للأسعار العالمية، فضلا عن استمرار ارتفاع الطلب مقابل العرض فى السوق المحلية. وتؤثر أسعار الطعام بشكل رئيسى على ميزانية الأسرة، فحنان عادل تنفق ما يقرب من 55% من راتبها هى وزوجها، والذى يبلغ 2000 جنيه، على الطعام، بينما ذكر البنك المركزى أن 44% من دخل الأسرة المصرية يوجه لهذا البند. وكان سمير رضوان، مستشار فى هيئة الاستثمار، قد ذكر للشروق فى تحليل سابق، أن ال40% الأقل دخلا من الشعب المصرى يخصصون 66% من دخلهم للطعام والشراب، فى حين يستحوذ الغذاء على 20% فقط من إنفاق ال10% الأكثر ثراء، «فسلة إنفاق الأغنياء مختلفة»، حيث يخصصون أجزاء من دخلهم على استبدال السيارة أو شراء شقة فى مارينا، وبالتالى «الفقراء وقريبو الفقر يكونون دائما فى وش المدفع وأكثر المتضررين»، على حد تعبير رضوان. وكان مؤشر أولويات الشراء، الذى تصدره مؤسسة ماستر كارد، قد أظهر أن المطاعم والترفيه والموضة والإلكترونيات تمثل أهم أولويات الشراء لدى المستهلكين المصريين. وتبعا للمؤشر الذى يعكس كيفية إنفاق المصريين من حملة بطاقات ماستر كارد الائتمانية لدخلهم، ينفق 53% من المستهلكين فى مصر ما يزيد على 90% من إجمالى دخلهم السنوى على النفقات المنزلية، وتأتى المطاعم فى المقدمة. وبحسب دراسة حديثه أعدها مركز نيلسن، زادت مبيعات السلع الاستهلاكية الخاصة ببند الطعام والشراب (مستلزمات البقالة، والمياه الغذائية، والحلويات) بنحو 16.5% فى فترة المقارنة، بينما بلغت نسبة نمو السلع الاستهلاكية الأخرى 2.7%، خلال الربع الثانى من العام الحالى، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضى. وبحسب الدراسة زاد نمو الهايبر ماركت، الذى تنتشر فيه العروض الترويجية، إلى 18% فى السبعة أشهر الأولى من 2009، مقابل 13% فى 2008. بينما تراجع نمو محلات البقالة إلى 64% فى 2009، مقارنة بنحو 68% فى 2008. ويعتبر ارتفاع الأسعار المستمر تهديدا مضاعفا للمواطنين فى ظل الأزمة التى يتعافى الاقتصاد من آثارها بعد، حيث تعرض العديد من المواطنين خلال الفترة الماضية إما لخفض أجورهم، أو لفقد وظائفهم بعد استغناء أرباب العمل عنهم.