فتحت الفضائيات متنفسا كبيرا أمام الجمهور للادلاء برأيه فى شتى القضايا التى تطرح للنقاش فى برامجها، ورغم تلك الطفرة التى حدثت وحالة التفاعل الملحوظة بين الجمهور وأصحاب الرأى والفكر، فإن هناك من يسىء استخدام ذلك الهامش من الحرية ليخرج كثيرا عن النص والآداب العامة أحيانا، وبما أن «الهوا» مسئولية كبرى للبرنامج والقناة التى تفرد تلك المساحة لجمهورها، كان يجب أن نحاور بعض الإعلاميين والخبراء لمعرفة من المسئول عن تلك المداخلات وكيف يمكن لهؤلاء الإعلاميين التعامل مع «مطبات الهوا». الإعلامية الكبيرة سلمى الشماع علقت على ما يحدث قائلة: إن مداخلات برامج البث المباشر تختلف من قناة إلى أخرى حسب العديد من التوجهات، ولكن مثلا إذا نظرت إلى البرامج العالمية كلارى كينج أو أوبرا وينفرى لن تجد أى نوع من المداخلات التليفونية، ولكن على العكس لدينا فى الوطن العربى وفى وسط حالة العشوائية والفضائيات المتعددة تجد برامج كبرى قائمة على المكالمات حتى وإن كان موضوع النقاش «أحسن فيلم أو أغنية» لذلك يجب التعامل مع تلك المداخلات بنوع من الحرص حيث يجب على المعد أن يتأكد من هوية المتصل ويحصل على رقم تليفون أرضى له ويتصل عليه ليتأكد من شخصيته، لأن من يشاهد البرامج لابد أن يكون فى بيته ولذلك يجب التاكد من تليفونه الأرضى، كما يجب على صناع البرامج توخى الحرص الكامل لأن برامج الهوا ليست حقلا للتجارب ولابد أن تتحمل القناة مسئولية المداخلات. وترى الشماع أيضا أن «ثقافة الهوا» لم تكتمل ملامحها بعد لدى العديد من المشاهدين لأن فكرة الفضائيات نفسها حديثة ويوميا هناك قنوات وليدة ولذلك المعظم فى حالة من التجربة وتحسس الخطوات... ولكنها أكدت أيضا أن هناك تجاربا مختلفة ومتزنة وتختلف من قناة لأخرى. وأكد محمد هانى رئيس تحرير برنامج البيت بيتك على ما قالته سلمى الشماع وقال نحن كمشاهدين عرب نحتاج لوقت طويل جدا كى نمتلك أبجديات وأدبيات المداخلات المباشرة، فبعيدا عما يحدث من مواقف استثنائية كسبٍ أو خروج عن الأدب تجد كثيرا من المشاهدين يسهب فى المقدمات والأسئلة المكررة وكثيرا منه يستغل البرنامج والذى من المفترض أن يكون منبر إعلام ومعلومات إلى منبر اتهامات وتوجية سباب وهجوم على الآخرين.. لذلك نحتاج الكثير من الوقت لامتلاك تلك الأبجديات. وتطرق هانى إلى تحويل المكالمات إلى البث وقال: فى برنامجنا مثلا لا نقوم بتحويل أى اتصال إلا بعد التاكد من هوية المتصل والتاكد أيضا من جديته ورقم هاتفه.. وحتى الآن لم نتعرض إلى أى من تلك المطبات لكن هذا لا يمنع من أى برنامج مباشر معرض لمثل تلك النوعية من الاستثناءات لأنه لا يوجد ضامن لما فى نوايا المتصل، وتتوقف المسالة على ذكاء ونباهة المذيع وسرعة تعامله مع الموقف.. وهذا يؤكد على فكرة أنه ليس من حق المخرج أن يقوم بقطع الاتصال على المتحدث حتى وإن خرج عن الأدب لأن هذه مسئولية المذيع وهو من يجب أن يرد ويعتذر أيضا إن كان هناك من أهين فى غيابه، وأوكد على أن فكرة قطع الاتصال هى فكرة ضد حقوق المشاهدين تماما.. وأكدت أيضا مذيعة برنامج 90 دقيقة ريهام السهلى على ذلك المعنى وقالت: أنا لا أحترم القناة أو البرنامج الذى يقوم بقطع الاتصال على المشاهدين، لأن الناس أصبحت واعية لما يحدث وفكرة «ألو. ألو.. الاتصال قطع» أصبحت تأخذ من رصيد البرنامج والقناة ككل بشكل كبير، ولكن هذا لا يمنع أنه يتوجب على المذيع أن يرد ويتعامل مع الموقف.. وشددت السهلى على أن القناة والبرنامج لا يتحملان أى مسئولية من خروج المشاهدين على الآداب.. لأنه ما دام البرنامج والاتصالات تتم بشكل حقيقى وغير مزيف، فمتوقع أى شىء وأنا شخصيا مررت بالعديد من تلك التجارب ولكنى كنت أتولى الرد على أى متعد.. أما الدكتور على عجوة عميد كلية الإعلام الأسبق فأكد أنه يجب أن يكون هناك سيطرة على تلك الاتصالات، فاما أن تكون هوية المتصل معروفة تماما وإما أن تلجأ القنوات لتسجيل الاتصالات ثم مراجعتها ونقلها بعد ذلك على الهواء.. وهذا لا يعد نوعا من الرقابة ولكنه نوع من السيطرة حتى لا يحدث ما هو أكبر من التطاول فمثلا يمكن لمن يريد التعدى على الأديان وعلى «أعراض» المشاهير ورجال الفكر، فلذلك يتوجب الحرص خصوصا فى ذلك العصر الذى سادته أخلاق الزحام والسوقية.. وأكد د.عجوة على أن فكرة الاتصالات والمداخلات هى فكرة ديمقراطية جدا وتؤكد على روح التفاعل والمشاركة ولذلك لا يجب أن يقف أحد أمامها أو يكبلها، ولكن بما أننا معرضون لهذا المستوى من المشاركات فيجب أن نعالج تلك الأخطاء الاستثنائية. أزمة قناة الفراعين تسببت مداخلة تليفونية من الأردن هاجم فيها المتصل الرئيس مبارك فى القطع على برنامج «حتى تكتمل الصورة» بقناة الفراعين لمدة ربع ساعة، وبعدها تحول موضوع الحلقة من مناقشة سوء مستوى السكك الحديدية واستقالة محمد منصور إلى سيمفونية حب فى الرئيس مبارك من ضيوف الحلقة والمشاهدين. بدأت الأزمة فى الفقرة الثانية من البرنامج، الذى كان يبث على الهواء مساء الثلاثاء الماضى، وكان ضيوف الفقرة رجب هلال حميدة عضو مجلس الشعب والكاتب الصحفى هانى عمارة عضو مجلس نقابة الصحفيين والمشرف على ملحق النقل بالأهرام، واشتدت حدة النقاش حول تحمل الحكومة كاملة مسئولية حادث قطارى العياط، والاختيار الخاطئ للوزراء رجال الأعمال، وكيف تحولت الهيئة من نقل الركاب إلى نعش توربينى ومقبرة للوزراء، وزاد من سخونة النقاش اتصالات المشاهدين الذين صبوا سخطهم على الإهمال والفساد، وكان من بين المكالمات اتصال من الأردن طلب صاحبه من الكنترول تقديم فكرة للإصلاح، وبمجرد دخوله على الهواء قام بالهجوم على مصر وقال إنه لا توجد ديمقراطية حقيقية وإن هناك حالة من التسيب فى مصر، ووصف الرئيس مبارك ب«الفرعون والديكتاتور»، وعلى الفور تم قطع الاتصال معه، وفى أثناء رد مقدم البرنامج عليه مع الضيوف الذين أصيبوا بالدهشة، والحديث عن الرئيس مبارك كقائد كبير له إنجازاته، ويتمتع بحب شعب مصر، فوجئوا بالقطع عليهم بفاصل من برامج ومواد أرشيفية، وبعد مرور عشر دقائق شعر الضيوف بوجود مشكلة ضخمة سببها الاتصال، فترك مقدم البرنامج أيمن الشندويلى الاستوديو، واتجه الى غرفة التحكم، حيث أخبروه بأن الدكتور توفيق عكاشة رئيس القناة، هو من طلب إنهاء الحلقة، فاتصل به الشندويلى وأقنعه باستكمال الحلقة لأهمية الرد على المتصل، وعدم ترك الأمور معلقة، وحتى لا تحدث بلبلة عند المشاهدين، واقتنع عكاشة بوجهة النظر وتم استكمال الحلقة والرد بموضوعية على المكالمة، وتحول رجب حميدة من مقعد المعارضة إلى موقع الوطنى، وقال إن الرئيس مبارك رمز مصر وإننا لا نقبل أى تطاول على رموزنا، وانهمرت مكالمات المشاهدين من جميع محافظات مصر للرد على المداخلة الأردنية، وتحول موضوع الفقرة إلى مظاهرة حب للرئيس مبارك، ولأنه كبير العائلة فهم يلجأون إليه عندما تضيق بهم الأمور، ولولا الحرية والديمقراطية ما وجد مثل هذا البرنامج. ورغم ذلك تمت إعادة الحلقة ظهر اليوم التالى، ولكن بدون المداخلة ولا مظاهرة الحب. وقال الشندويلى، فى تصريح خاص، إن برامج البث المباشر تحتمل مثل هذه التجاوزات، وإن خروج المشاركين عبر الهاتف عن أدب الحديث لا يمكن السيطرة عليه، وأن مثل هذه الأمور العارضة تحدث نتيجة سوء استخدام البعض مساحات الحرية المتاحة من خلال مثل هذه البرامج. وأوضح مقدم برنامج «حتى تكتمل الصورة» أنه رفض فكرة إنهاء الحلقة على هذا النحو، خاصة أنه كان قد بدأ الرد على هذا الهجوم، ولم يتح له المخرج استكمال كلامه، وأضاف أنه يرى أن الرد كان ضرورة لإحداث التوازن، لأن انتهاء الحلقة بهذا الشكل كان سيتسبب فى بلبلة بين المشاهدين ويفتح الباب أمام شائعات حول تدخلات خارجية، وغيرها من الأقاويل التى من شأنها الإساءة للقناة والإعلام المصرى. من جانبه أكد الدكتور توفيق عكاشة، رئيس القناة، رفضه فكرة قطع البرنامج على الهواء، وقال إنه اضطر للاستعانة بمخرج الهواء بعد أن وجد مخرج البرنامج ومهندس الصوت غير مدركين لما يحدث على الشاشة ولم يتدخلا بأى شكل لوقف هذا التطاول من الشخص الأردنى، الذى بدا حديثه مشيدا بالشعب المصرى ثم انخرط فى تطاوله على رمز الدولة. وأضاف عكاشة أنه لم يكن يتدخل لو كان هذا الهجوم ملتزما بآداب الحوار الإعلامى، الذى يدخل البيوت، وإنما تدخل لأنه وجده يتجاوز حدود الأدب، مشيرا إلى أنه عاد ووافق على استكمال الحلقة بعد سبع دقائق لاقتناعه برأى مقدم البرنامج الذى أصر على الرد. وأكد رئيس القناة أن برامج القناة تعرض برامج تهاجم الرئيس بشكل مباشر، ومنها الحلقات التى استضافت الدكتور عبدالحليم قنديل، ولم يتلق أى نوع من اللوم أو حتى العتاب من أى جهة.