لسنوات و سنوات ظلت برامج التوك شو من أهم الظواهر الإعلامية التي شهدتها شاشات التليفزيون المصري خاصة كانت أو مملوكة للدولة. «البيت بيتك» الذي تحول إلي «مصر النهاردة»، «العاشرة مساء»، «القاهرة اليوم» «90 دقيقة»، وحديثا «الحياة اليوم» و«بلدنا بالمصري» أسماء لبرامج علينا الاعتراف بأنها نجحت في صياغة الرأي العام المصري لفترات طويلة ولكن يبدو أن عام 2010 لم يكن العام الأفضل لها علي الإطلاق. لقد بدأت جماهيرية هذه البرامج في التراجع بشكل ملحوظ بالنسبة للرأي العام المصري الذي لم يعد يمنحها نفس الاهتمام في الوقت نفسه الذي هدأت أو خفتت فيه نبرة هذه البرامج. 2010 كان عاما مختلفا بلاشك بداية من تجربة «البيت بيتك» التي انتهت ليحل محلها «مصر النهاردة» الذي ينتجه التليفزيون المصري ومرورا بإيقاف «القاهرة اليوم» بل رحيل قناة الأوربت نفسها، ووصولا إلي الأشهر الأخيرة التي شهدت الانتخابات البرلمانية والتي كانت اختبارا لم تثبت فيه هذه البرامج كفاءتها ومن هنا وقبل أن يأتي 2011 كان علينا أن نسأل السؤال: هل انتهت تجربة «التوك شو» في مصر خاصة أن هناك قنوات تحضر لأمثلة مشابهة من البرامج.. بمعني آخر هل تراجعت جماهيريتها وهل من الممكن أن تتحول إلي موضة قديمة في 2011 وتحل محلها أشكال إعلامية مختلفة؟ - 10 قضايا د. فاروق أبوزيد رئيس لجنة تقييم الأداء الإعلامي والتي لعبت دوراً كبيراً في 2010 سواء من خلال الإنذارات التي أرسلتها لعدد من البرامج والقنوات أو من خلال مراقبتها لأداء هذه البرامج أثناء الانتخابات قال: «أهم ما كان يميز هذه البرامج خاصة التي كانت تبث علي الفضائيات الخاصة أنها كانت تعوض عدم وجود خدمة إخبارية وبالتالي كانت تقدم خدمة إعلامية تقوم علي تحليل وتفسير الأخبار سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية مثلما كانت تقدم نقاشاً عن أهم القضايا الخلافية والأحداث الجارية ولكن - والكلام مازال ل د. أبو زيد - ولأنها كانت تركز علي الجوانب المثيرة للناس حتي وإن كانت إثارة إيجابية ظلت فوق القمة سواء علي الفضائيات أو القنوات الأخيرة لسنوات ولكن في 2010 كان الوضع مختلفا فأغلب القضايا كانت مكررة ومعظم البرامج كانت تعيد إنتاج ما سبق وإن قدمته وإذا راجعنا أجندة قضايا هذه البرامج نكتشف أنها لا تزيد علي10 قضايا بينما الجمهور أمامه ما يقرب من 920 محطة ناطقة بالعربية لذا بدأ ينصرف عنها إلي حد ما وهو الأمر الذي قد يترتب عليه قلة الإعلانات وبالتالي تقليل أجور المذيعين أنفسهم وهو الأمر الذي يعني إمكانية تحول هذه البرامج إلي برامج حوارية عادية». - سقف الحرية الإعلامي طارق نور وضع تفسيرا مختلفا لتراجع تجربة التوك شو في مصر في الأشهر الأخيرة من 2010 حيث أكد في البداية علي أن «الرأي العام بدأ يشعر بتراجع برامج التوك شو خلال الشهر الأخير من 2010 وهذا التراجع له أسبابه وخلفياته هذه الخلفيات يوضحها طارق قائلا: كلنا نعرف أن التوك شو كان بمثابة امتداد للعمل الصحفي بدليل أن كثيرا من مقدمي هذه البرامج هم في الأساس صحفيون وكلنا نعرف أيضا أن خلال الفترة الماضية شهدنا حرية علي صعيد الإعلام والصحافة استشعرناها جميعاً.. هناك من كان علي قدر المسئولية وهناك من تعدي علي هذه الحرية والتعدي له صور كثيرة مثل أن تناقش أحكام القضاء و تعقب عليها بل أن تنتقدها أحيانا وكذلك كلنا نعلم جيداً أن مساحة الحرية تلك في تراجع بل يمكنني القول أنه لا يوجد من لا يشعر بأن هذه المساحة تراجعت بشكل كبير وملحوظ ومفاجئ يمكننا القول أن الحكومة التي تنظم طريقة التعامل مع الفضائيات الخاصة قررت في لحظة أن تقول «كفاية» لقد منحناً قدراً كبيراً من الحرية ولكن تم التعدي عليه وتجاوزه وهذا بالفعل ما حدث والدليل علي ذلك أن برامج التوك شو المهمة وبالتحديد في نهاية 2010 تشعر وكأنها تتحسس سقف الحرية أحيانا تتجاوز الخط ثم ترجع عنه، حتي الأسئلة التي تطرحها تشعر وكأنها أسئلة مهزوزة ليست واضحة أو صريحة كما كانت. نفس وجهة النظر تدعمها د. لميس جابر والتي أشارت إلي أن التوك شو للأسف في 2010 تحول الي موضة، يمكنك ببساطة التنقل بين القنوات لكي تري كم البرامج التي تصنف نفسها علي أنها برامج «توك شو» رغم أن مذيعيها سيئون ومضمونها كذلك، أضف إلي هذا أن الجمهور أيضا وصل إلي درجة التشبع إذن يمكننا أن نقول إن سبب تراجع برامج التوك شو المهمة في مصر هو كثرة هذه البرامج من ناحية وعدم وجود جدوي من ناحية أخري. - جرائد يومية 2010 شهد كما أشرنا تدخلا واضحا من قبل لجنة تقييم الأداء الإعلامي في عمل هذه البرامج بشكل أو بآخر فهل من الممكن أن يكون هذا التدخل ساهم في تراجع جماهيرية هذه البرامج ؟ د. لميس أجابت عن هذا السؤال قائلة: «دعنا من اللجنة الآن فأنا لدي موقف أحتفظ به لنفسي ولكنني مقتنعة بشيء مهم أن الإعلام عندما يتحول من إعلام حكومي إلي قطاع خاص لابد وأن يعقب ذلك ظواهر كثيرة مثل أن تركز معظم البرامج علي الإثارة، سواء كان الكلام في الجنس أو الدين أو السياسة وبمرور الوقت يختلط الجيد بالرديء وتحدث الفوضي ولكن في ضوء ما حدث مؤخرا مع برامج التوك شو المهمة يمكنني القول بأن العاملين في هذه البرامج بدأوا يدركون أن لهم سقف حدود وقدرات لا يمكنهم تعديه والحقيقة أن الأمور بدأت تسير في اتجاه مختلف عن ذي قبل ولم تعد المسألة مجدية ماديا، ولكن الظواهر لا تختفي بين يوم وليلة بل تظل لأعوام أحيانا ودعنا لا ننسي أن الجمهور في 2010 لم يعد يتعامل مع هذه البرامج علي أنها موطن الكلمة الجريئة وإنما يتعامل معها كبديل للصحف اليومية لأنه مل من القضايا التي تتم مناقشتها دون أن يتغير شيء». نفس السؤال طرحناه علي أسامة عز الدين رئيس مجلس إدارة قنوات دريم والذي أجاب قائلاً : «فيما يتعلق بلجنة تقييم الأداء الإعلامي، حتي الآن مازلت عاجزا عن فهمها فهل هي لجنة تظهر لتقييم أداء الشاشة في وقت محدد مثلما كانت موجودة أيام الانتخابات أم أنها تمارس نوعا من الرقابة علينا». أسامة اعترف بوجود أزمة تهدد برامج التوك شو في الفترة الأخيرة حيث أوضح أن «المسألة لها بعداً آخر متعلق بمساحة الحرية التي بات مسموحا لنا بها الآن، فهذه المساحة التي تتقلص شيئا فشيئا هذه البرامج ظهرت علي أساس أنها كانت تناقش الخبر بموضوعية وصراحة وشفافية ولكن إذا وجد الجمهور أن كلامي لا يختلف كثيراً عن التليفزيون الحكومي بالتأكيد سينصرف عن مشاهدة برنامجي. نعم المساحة التي نحصل عليها لمناقشة أي موضوع من المواضيع تتقلص لسبب أو لآخر لا أعلمه وحتي الآن لم نفكر في إطار برامجي آخر لأننا في انتظار أن نعرف ما إذا كان هذا الوضع مؤقتاً نتيجة لأسباب لا نعلمها أم إن ما يحدث سيكون هو سمة برامج التوك شو من الآن وصاعدا، وإذا كان الأمر الثاني هو الصحيح إذن في هذه الحالة قد نضطر للبحث عن أشكال تليفزيونية أخري لأن هذه البرامج مكلفة جداً وإذا لم أستطع استرداد تكلفتها أو علي الأقل 70 ل 80% منها إذن لابد من إيجاد بديل. واجهنا أسامة بما يقال عن ان الجمهور قد مل من هذه البرامج بسبب إعادة إنتاجها للقضايا التي عملت عليها لفترات طويلة إلا أنه أجاب قائلا «برامج التوك شو المهمة في مصر تركز علي الأحداث الآنية وبالتالي ليس من المنطقي أن يمل الجمهور ولكنني أعتقد أن الجمهور شعر بالملل لأن معظم أخبارنا سيئة أي أنه ربما يكون عاملاً من ضمن العوامل المؤثرة بالسلب علي نجاح التوك شو في مصر هو أننا نركز علي السلبيات ولكن هذا لأن حجمها أكبر من الإيجابيات نعم الناس زهقت وتريد أن تسمع أخبارا مبهجة ولكن أين هي تلك الأخبار؟. - ظواهر لا تعمم المفارقة أنه علي الجانب الآخر كان د.حسن راتب رئيس قناة المحور مختلفا معنا ومع كل ما قيل حيث أكد في البداية علي أنه ليس متفقا مع النظرية وأن «الظواهر لا تعمم فتوقف برنامج أو غير هذا من المؤشرات لايعني أن هذه النتيجة يمكن تعميمها. بالطبع أنا لست مخولاً لتقييم برامج أخري و لكن أستطيع أن أقول عن «90 دقيقة» باعتباره أحد البرامج المهمة في قناة المحور أنه برنامج مستقر وليس في حالة شد وجذب بل علي العكس نضج وأصبح أكثر قوة لأنه يتعامل طوال الوقت مع المصلحة العامة لأني مقتنع بأن آفة التوك شو في مصر أن يتقمص المذيع شخصية الزعيم لأن هذه ليست وظيفته وإنما المذيع يجب أن يكون موضوعياً وحيادياً، «90 دقيقة» مازال حلقة اتزان بين الرأي والرأي الآخر ومازال يتطور معتمدا علي الثقة المتراكمة بينه وبين الجمهور. عندما سألنا د.فاروق أبوزيد رئيس لجنة تقييم الأداء الإعلامي عن الحل أمام صناع هذه البرامج للخروج من هذه الأزمة وإنقاذ المذيعين الذين أصبحوا نجوما مهددين بتوقف برامجهم إذا ظلت معدلات الإعلانات في انخفاض قال إن الحل هو «ظهور فنون إعلامية جديدة مناسبة لاحتياجات الجمهور الإعلامية وتحقق في الوقت ذاته نفس الجماهيرية التي حققتها هذه البرامج». وبالتالي أصبح علي صناع هذه البرامج أن يعيدوا حساباتهم مرة أخري والنظر بعين الاعتبار إلي الأزمة التي تهددهم قبل أن تتحول برامجهم إلي «موضة قديمة» في العام الجديد.