تعليم البحيرة يحصد المركز الأول في مسابقة "التوعية ضد المخاطر الرقمية"    محافظ الإسماعيلية يستقبل رئيس هيئة قضايا الدولة    الصيرفي: السوق العقارية تحتاج إلى نقل تجارب الصناديق الاستثمارية من الخارج    رئيس الرقابة المالية يستعرض تطوير القطاع المالي مع غرفة التجارة الأمريكية    رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية: قانون التأمين الموحد سيتم إصداره قريبا جدا    أوسيك يهزم فيوري ويصبح بطل العالم بلا منازع في «معركة القرن»    صور| وكيل «تعليم الغربية» يتفقد سير امتحانات الشهادة الإعدادية بقطور    سلمى أبو ضيف تظهر برفقة خطيبها على السجادة الحمراء بمهرجان كان    تنظيم زيارة لطلبة مدرسة التربية الفكرية بالشرقية لمتحف تل بسطا    مجلس النواب يقر مواد الإصدار لمشروع قانون المنشآت الصحية    مصادر أوكرانية: مقتل 4 وإصابة 8 في هجوم جوي روسي على خاركيف    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    البورصة المصرية تربح 86.9 مليار جنيه في ختام تعاملات الأحد    «شعبة المصدرين»: ربط دعم الصادرات بزيادة المكون المحلي يشجع على فتح مصانع جديدة    خالد عباس: إنشاء وإدارة مرافق العاصمة الإدارية عبر شراكات واستثمارات عالمية    إعلام إسرائيلي: اغتيال عزمى أبو دقة أحد عناصر حماس خلال عملية عسكرية في غزة    موقف صادم من نادي الصيد تجاه صالون حسين نوح الثقافي، ماذا حدث؟    وزير الخارجية الأردني: الاتهامات ضد الأونروا ثبتت أنها باطلة ومحاولة اغتيالها سياسيا فشلت    «متحدث الصحة»: 5 نصائح هامة للحماية من مضاعفات موجة الطقس الحار (تفاصيل)    رئيس هيئة الدواء يشارك في احتفالية إنجازات المرحلة الأولى من التأمين الصحي الشامل    الجوازات والهجرة تواصل تسهيل خدماتها للمواطنين    رئيس الأغلبية البرلمانية يعلن موافقته على قانون المنشآت الصحية    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    مساعدون لبايدن يقللون من تأثير احتجاجات الجامعات على الانتخابات    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    وزيرة الهجرة: مصر أول دولة في العالم تطلق استراتيجية لتمكين المرأة    إيرادات فيلم السرب تتخطى 30 مليون جنيه و«شقو» يقترب من ال71 مليون جنيه    دراما الشحاذين.. كوميديا سوداء تبحث عن النور في المهرجان الختامي لنوادي المسرح 31    10 نصائح للطلاب تساعدهم على تحصيل العلم واستثمار الوقت    المجلس الأعلى للحوار الاجتماعي يستكمل جلسات مناقشة مشروع قانون العمل    وزارة الإسكان تخطط لإنشاء شركة بالشراكة مع القطاع الخاص لتنشيط الإيجارات    موعد انتهاء الموجة الحارة في مايو .. وبداية فصل الصيف    توقيع الكشف الطبي على 1531 حالة خلال قافلة طبية بقرية في مركز ملوى بالمنيا    مصدر من نادي إينتراخت فرانكفورت يكشف ل في الجول مصير عملية مرموش الجراحية    أكبر مدن أمريكا تفتقد إلى الأمان .. 264 ألف قضية و4 آلاف اعتداء جسدى ضد النساء    متى تبدأ العشر الأوائل من ذي الحجة 1445 وما الأعمال المستحبة بها؟    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل صديقهما لسرقته شقة أحدهما بحدائق القبة ل11 يونيو    ياسين مرياح: خبرة الترجى تمنحه فرصة خطف لقب أبطال أفريقيا أمام الأهلى    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    توقعات الأبراج 2024.. «الثور والجوزاء والسرطان» فرص لتكوين العلاقات العاطفية الناجحة    سعر السكر اليوم.. الكيلو ب12.60 جنيه في «التموين»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    جبالى يحيل 10 مشروعات قانون للجان النوعية بالبرلمان    منها «تناول الفلفل الحار والبطيخ».. نصائح لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة    إقبال الأطفال على النشاط الصيفي بمساجد الإسكندرية لحفظ القرآن (صور)    تعليم الفيوم يحصد 5 مراكز متقدمة على مستوى الجمهورية فى المسابقة الثقافية    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    بعثة الأهلي تغادر تونس في رحلة العودة للقاهرة بعد التعادل مع الترجي    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    تشكيل الزمالك المتوقع ضد نهضة بركان في إياب نهائي الكونفيدرالية.. جوميز بالقوة الضاربة    نجم الأهلي السابق: الزمالك يستطيع حصد لقب كأس الكونفدرالية    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن الفقر والتنمية.. من هنا نبدأ..!

لنفتتحِ الحديثَ من حيث يتم الافتتاح حول مقاييس الفقر السائدة؛ إذ الفقر وفق ما هو شائع نوعان: «فقر الدخل» فى ضوء خط الفقر المرسوم لمن يقعون تحت حد أدنى معين للدخل السنوى للفرد، ثم «فقر القدرات» فى ضوء الندرة النسبية الشديدة للخدمات الاجتماعية الأساسية، ولا سيما التعليم والصحة. ويُشتق من هذا التعريف المزدوج للفقر، المعياران السائدان للقياس (فقر الدخل وفقر القدرات) اللذان يتم الاعتماد عليهما فى دراسات وتقارير «التنمية البشرية». وقد يضاف إلى هذين النوعين للفقر لدى بعض البحاثة: «الفقر طبقا للإحساس والشعور»، أى حسب التقدير الذاتى للفقراء أنفسهم. ويضاف أيضا لدى بعض آخر «فقر الشروط»، شروط البيئة، البيئة الطبيعية الاجتماعية، وتشمل: حالة المرافق العامة والخدمات الاجتماعية وهياكل البنية الأساسية.
ولكن لماذا اهتموا هذا الاهتمام الشديد بالفقر، حتى صار «ملكا متوَّجا» أو هكذا يبدو..؟
الحق عندنا أن الحديث الراهن عن الفقر، قد يمثل فى التحليل النهائى أثرا من آثار هجمة ألوان بعينها من التفكير الاقتصادى الرأسمالى بالمعنى العريض، بتياراته المتجددة على كل حال، وذك فى محاولة، أو محاولات، لتعقب ومحاصرة التفكير الاشتراكى بوجه عام، وخاصة منذ السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم.
منظور الفقر ذاك يركز على مستوى الدخل، دخل الأفراد، أو قدراتهم الظاهرة. وإذْ يتحدثون عن إنتاج فقر الأفراد، فإن فى هذا تطبيقا لما يمكن أن يسمى (التحليل المالى لمشكلة الفقر)، وإذ يركزون على حالة فقراء الدخل أو فقراء الخدمات (القدرات) فإن هذا يتم دونما اهتمام واجب بالشروط الاجتماعية لإنتاج الفقر، أو إنتاج فقر المجتمع نفسه. وإنما ينبغى الانتقال من التحليل المالى و«ظاهر القدرات»، إلى مستويين آخرين فى البنية المجتمعية العميقة: مستوى التحليل الاقتصادى ويدخل هنا فقر الشروط بما فيها الشغل وشروط العمل، ومستوى التحليل الاجتماعى، حيث جذور الفقر، إنتاج فقر المجتمع.
***
ومن المنظور «المعقد» المتقدم، متعدد ومتداخل الأبعاد، تتحول نقطة التركيز فى أبحاث الفقر ناحية فقر المجتمع وليس مجرد فقر الأفراد فى حدود ذواتهم. ولا يعنى هذا إهمال فقر الأفراد؛ فإن فهم فقر المجتمع هو الذى يوفر المنظور الأفضل لفهم فقر الأفراد؛ وذلك ما يغفله «دعاة الفقر والتنمية البشرية».
من هنا يمكن أن يقاس فقر المجتمع اعتمادا على:
• الهيكل الاقتصادى الاجتماعى، متمثلا فى التوزيع المختل للأنشطة والقطاعات المولدة للناتج المحلى الإجمالى فى البلدان الفقيرة (من حيث غلبة الأنشطة الزراعية والمنجمية والاستخراجية) وكذا هيكل توزيع الثروة والدخل الوطنى (من حيث احتكار أقلية من السكان للشكر الأعظم من الأصول المنتجة ومن الدخول).
• علاقة المجتمع بالمجتمعات الأخرى، من حيث التبعية والخضوع للخارج، بدلا من الاستقلالية وحفظ الهوية. وفى ضوء ذلك، يمكن القول إن النقيض المباشر لمجتمع الفقر هو مجتمع التنمية الحقة، القائمة على مواجهة الاختلال فى توزيع الأنشطة الاقتصادية بالتحول الهيكلى لصالح التصنيع والتكنولوجيا، ومواجهة التبعية بالنزعة الاستقلالية.
لكن لا يكفى أن تركز التنمية على التحول الهيكلى والاستقلالية.. فقد كانت التجربة السوفيتية تفعل ذلك ولم يتحقق أثر ملموس على مستوى معيشة المجتمع يتكافأ مع الجهد المبذول والتضحية الجسورة، ويعود ذلك إلى أسباب متعددة معقدة، من بينها اختيار نموذج تنموى قائم خلال المراحل الأولى من التنمية على إعطاء الأولوية للتحول الهيكلى «للاقتصاد فى الأجل الطويل» قبل رفع مستوى المعيشة فى الأجليْن القصير والمتوسط. وقد تَمثل ذلك فى أولوية التصنيع الثقيل عموما، وصناعة الآلات الإنتاجية خصوصا، بما فيها «آلات المصنع» و«أدوات وآليات الورش الحرفية» والجرارات الزراعية، مقابل التأخر النسبى لصناعات السلع الاستهلاكية الموجهة للجمهور العريض.
وقد مضت معظم تجارب «إحلال الواردات» كاستراتيجية صناعية فى البلاد النامية خلال الستينات من القرن المنصرم، فاقتفت، إلى حد معين، أثر النمط السوفيتى القديم فى التنمية (من حيث تكثيف رأس المال أكثر من العمل والعلم). ولكن لأنها لم تكن تملك مقومات التطور الصناعى والتكنولوجى من المستوى السوفييتى، فقد استوردت رأس المال العينى المكثف، مما زاد الطين بلة، كما يقال. هذا بالإضافة إلى التوجه بالجزء المتطور من الإنتاج الصناعى (السلع المعمرة) لشرائح من الطبقة الوسطى. ولم يحدث، من ثم، ارتفاع منهجى فى مستوى المعيشة للغالبية الاجتماعية الشاسعة. يستثنى من هذا الحكم، عدد من البلاد النامية– مثل مصر الستينات التى انتهجت مدخل السعى إلى العدالة الاجتماعية مع إنماء الناتج، جنبا إلى جنب، والعمل على زيادة نصيب الاستهلاك فى توازن نسبى مع الادخار، بحيث لا يتم التضحية بالجيل الحالى لصالح أجيال لم تولد بعد، وفق ما ذكر «الميثاق الوطنى» للجمهورية العربية المتحدة» (مصر)، والصادر فى مايو 1962.
***
وفى المقابل، ركزت بلدان الشرق الآسيوى الموالية للغرب، فى مراحلها الأولى، على تجارب «تطوير الصادرات» الموجهة نحو الخارج، من خلال إقامة وتوسيع قطاع ذى طابع (جيْبى)، منعزل نسبيا، يكرس ازدواجية الاقتصاد، ويتم من خلاله تطوير وتحديث قطاع بعينه، مفتوح على العالم الخارجى، دون أن تستفيد منه، بنفس القدر، غالبية المجتمع خلال تلك المراحل الطوية الممتدة عقودا. ومن ثم كانت ثمار النمو من نصيب أقلية منتفعة فى المقام الأول، أو لم تصل بطريقة فعالة إلى الغالبية من أبناء المجتمع.
وفى المقابل، ظهرت فى غمار «الدعوة إلى نظام اقتصادى عالمى جديد« – فى السبعينيات والثمانينيات دعوة مصاحبة للتركيز المباشر على إشباع الحاجات الأساسية للناس.. وظهرت، من جهة مُقابِلة، وربما منافِسة، دعوة فى أروقة «البنك الدولى» و«برنامج الأمم المتحدة الإنمائى»، للتركيز المباشر على مهاجمة الفقر ولتحقيق «التنمية البشرية».
وقد أغفل دعاة الاستراتيجيات الثلاثة البديلة (الحاجات الأساسية مهاجمة الفقر التنمية البشرية) ما ركز عليه دعاة التنمية بالتصنيع الثقيل وإحلال الواردات أى: التحول الهيكلى للاقتصاد والتوجه نحو الاستقلالية النسبية فى المجال الخارجى. ولكنهم، وإن لم يظهر البعض منهم تحيزا ضد «التوجه التبعى للخارج» بشكل صريح، فهم لم يتحيزوا للتوجه نحو الداخل قطعا، وإن كانوا، ولو ضمنيا، أكثر ميلا لتوجه معين نحو الخارج قد يأخذ شكل (التجارة بدلا من المعونة).
ونحن نرى أن من المهم السعى الجاد إلى تحقيق التحول الهيكلى والنزعة الاستقلالية، ولكن مع مراعاة العدل الاجتماعى بتوزيع كل من الثروة والدخل حسب الجهد الإنتاجى، بالمعنى الرحب الذى يضع فى اعتباره دور رأس المال الخاص فى المراحل الانتقالية، من خلال قيامه بالمشاركة فى الجهد الرامى إلى زيادة الناتج الاجتماعى.
ثم إن التحول الهيكلى والاستقلالية والعدل الاجتماعى، كل ذلك لا يضمن تلقائيا رفع مستوى معيشة الغالبية الاجتماعية، لذلك يجب أن نضع ضلعا رابعا للتنمية هو التحسين المتواصل لمستويات المعيشة للغالبية الاجتماعية، ونقصد بذلك معنى متشعبا يشمل كلا من:
• وسائل العيش (طرق ومستوى المأكل والمشرب والملبس). وربما كان يعبر بعض دعاة «الحاجات الأساسية» عن ذلك بطريقتهم الخاصة.
• وسائل التكسب، من خلال الاشتراك فى تملك الأصول، سواء من خلال الملكية التعاونية أم من خلال الملكية الخاصة، «المنضبطة»، فى إطار برمجة مخططة بطريقة ما للاقتصاد الوطنى ككل.
• التحسن البشرى، أى الترقى فى مضمار التكوين الجسدى والعقلى للبشر، بالتعليم والصحة، ورفع «نوعية الحياة» بمعيار «العمر المتوقع عند الميلاد.
• «الاستمتاع الحيوى» بالمعنى الشامل، أى قضاء «وقت الفراغ من العمل» بما فى ذلك الترفيه والتثقيف الذاتى.
.. فى ضوء ذلك، نجد أن سياسات التنمية لابد أن تزاوج بين مهمتين:
أ – التحول الهيكلى للاقتصاد القومى، مع توجيه الهيكل الإنتاجى ليخدم رفع مستوى المعيشة، بالتركيز على الأنشطة المحققة لوسائل العيش والتحسن البشرى والاستمتاع الحيوى.
ب العدالة فى توزيع الناتج الاجتماعى (السلعى والخدمى) بما يتناسب مع المشاركة فى الجهد الإنتاجى، جنبا إلى جنب مع توجيه هيكل ملكية الأصول ملكية الثروة بما يحقق هذه العدالة فى قاعدتها الأساسية. وإن الشرط الضرورى لذلك، وإن يكن غير كافٍ وحده، هو الدور الإشرافى للدولة (ذات التوجه الديمقراطى الحقيقى) على عملية التنمية.
إن التحسين المتواصل لمستويات المعيشة الاجتماعية، مع التحول الهيكلى والعدالة الاجتماعية والنزعة الاستقلالية فى العلاقات الدولية هى إذن أضلاع مربع التنمية القادر حقا على اقتلاع الفقر من جذوره، أى «استئصال الفقر» باختصار، وليس مجرد «خفض الفقر» أو «الحد من الفقر» فيما يزعمون. وبذلك يمكن أن يتميز المدخل التنموى حقا، وبصورة جذرية، عن المداخل الرائجة للتنمية البشرية وخفض حدة الفقر، وفق ما يذهب إليه الدعاة المتنفذون لكليهما.
وإلى البقية من ذلك فى المقال القادم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.