الانتهاء من تنفيذ وعاء الإحتواء الداخلي لمبنى المفاعل بالوحدة النووية الأولي- (صور)    حملات مكثفة لإزالة الإشغالات ورفع كفاءة شوارع سيدي سالم ودسوق في كفر الشيخ    وزارة التخطيط تشارك في اجتماع منظمة العمل الدولية    بالصور.. رئيس مدينة المنيا يفتتح مسجدين جديدين    جنوب إفريقيا: نرفض الاتهامات الإسرائيلية للمؤسسات الأممية    بريطانيا تتهم روسيا بتزويد كوريا الشمالية بالنفط مقابل السلاح    سوليفان يزور السعودية وإسرائيل بعد تعثر مفاوضات الهدنة في غزة    الرئيس الأوكراني يوقع قانونا يسمح للسجناء بالخدمة في الجيش    شلبي ضمن قائمة الزمالك لإياب نهائي الكونفدرالية    الإصابة تبعد لاعب أستون فيلا عن قائمة منتخب ايطاليا المشاركة في يورو 2024    توخيل يؤكد تمسكه بالرحيل عن بايرن ميونخ    "بموافقة السعودية والإمارات".. فيفا قد يتخذ قرارا بتعليق عضوية إسرائيل    السكة الحديد: إيقاف بعض القطارات أيام الجمعة والعطلات الرسمية لضعف تشغيلها    السيطرة على حريق اندلع في حظيرتي مواشي وسيارة ومنزل بأسوان    أمه خدرته لاستخراج أعضائه.. نجاة طفل فى بورسعيد من نفس مصير فتى شبرا الخيمة    شيريهان تهنئ عادل إمام بعيد ميلاده : "كل سنة وأنت أسطورة لا تتكرر"    تعرف على شروط مسابقة مهرجان المسرح المصري في دورته ال17    غدًا.. متحف البريد يستقبل الزائرين بالمجان بمناسبة اليوم العالمي للمتاحف    أمير الانتقام    شوقي علام: من يفتي بعدم جواز التبرع بالزكاة لحياة كريمة فقد أخطأ المنهج    الكشف على 917 مواطنا في قافلة طبية مجانية بقفط ضمن "حياة كريمة"    باحث ب«المصري للفكر»: إسرائيل تعتبر نفسها فوق القانون والمحاسبة «فيديو»    كرة طائرة.. الأهلي يجدد عقد تاتيانا لمدة موسم    عيار 21 بالمصنعية الآن.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بعد آخر ارتفاع    مصر تبحث تعزيز التعاون مع التشيك فى مجالات التحول الرقمى والذكاء الاصطناعى    أحمد السقا: أنا هموت قدام الكاميرا.. وابني هيدخل القوات الجوية بسبب «السرب»    ناقد فني ينتقد كتابة أحمد مراد مسلسل عن أم كلثوم    جامعة سوهاج ضمن أفضل 2000 جامعة على مستوى العالم لعام 2024    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    عاجل: موجة حارة تضرب مصر.. الأرصاد تكشف تفاصيل الطقس ليوم الجمعة والأيام القادمة    الوضع الكارثى بكليات الحقوق    بعجينة هشة.. طريقة تحضير كرواسون الشوكولاتة    مساندة الخطيب تمنح الثقة    إعلام فلسطيني: شهيدان ومصاب في قصف إسرائيلي استهدف مواطنين بحي الزهور    موعد عيد الأضحى المبارك 2024.. بدأ العد التنازلي ل وقفة عرفات    جوري بكر تعلن انفصالها بعد عام من الزواج: استحملت اللي مفيش جبل يستحمله    هشام ماجد ينشر فيديو من كواليس "فاصل من اللحظات اللذيذة".. والجمهور: انت بتتحول؟    «جمارك القاهرة» تحبط محاولة تهريب 4 آلاف قرص مخدر    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال على مخيم البريج ورفح بقطاع غزة    رئيس جهاز دمياط الجديدة يستقبل لجنة تقييم مسابقة أفضل مدينة بالهيئة للعام الحالي    وزارة العمل تعلن عن 2772 فُرصة عمل جديدة فى 45 شركة خاصة فى 9 مُحافظات    تناولها أثناء الامتحانات.. 4 مشروبات تساعدك على الحفظ والتركيز    مؤتمر جوارديولا: نود أن نتقدم على وست هام بثلاثية.. وأتذكر كلمات الناس بعدم تتويجي بالدوري    آخر موعد لتلقي طلبات المنح دراسية لطلاب الثانوية العامة    بالصور- التحفظ على 337 أسطوانة بوتاجاز لاستخدامها في غير أغراضها    المقاومة الإسلامية في العراق تقصف هدفا إسرائيليا في إيلات بالطيران المسيّر    «المرض» يكتب النهاية في حياة المراسل أحمد نوير.. حزن رياضي وإعلامي    البنك المركزي الصيني يعتزم تخصيص 42 مليار دولار لشراء المساكن غير المباعة في الصين    قافلة دعوية مشتركة بين الأوقاف والإفتاء والأزهر الشريف بمساجد شمال سيناء    كيف يمكنك حفظ اللحوم بشكل صحي مع اقتراب عيد الأضحى 2024؟    في اليوم العالمي ل«القاتل الصامت».. من هم الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة به ونصائح للتعامل معه؟    أوقاف دمياط تنظم 41 ندوة علمية فقهية لشرح مناسك الحج    الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    سعر جرام الذهب في مصر صباح الجمعة 17 مايو 2024    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    أحمد سليمان: "أشعر أن مصر كلها زملكاوية.. وهذا موقف التذاكر"    «الأرصاد»: ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. والعظمى في القاهرة 35 مئوية    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكتوبر ليست مجرد حرب
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 10 - 2009

حملت صحف مصرية عديدة صباح يوم الخامس عشر من شهر أكتوبر الجارى، تصريحات منسوبة للورد ديفيد أوين وزير الخارجية البريطانى الأسبق، وردت فى سياق محاضرة ألقاها فى اليوم السابق فى مقر الجامعة الأمريكية بالقاهرة. نسبت هذه الصحف للورد أوين قوله: إن مصر «قد هزمت هزيمة نكراء فى حرب أكتوبر»، وإننا أى المصريين لو أردنا القول بأننا كدنا أن نهزم إسرائيل فهذا صحيح، لكنه لم يحدث لغياب متطلباته، وأضاف «كل ما أستطيع أن أقوله إنه لو كان انتصارا فهو انتصار غريب الشأن، لأن الدبابات الإسرائيلية كادت أن تصل إلى القاهرة»، وانتهى بإعلان تمسكه برأيه المتمثل فى أن «مصر قد هزمت فى حرب أكتوبر، وأنها نجحت فى استرداد أرضها بالوسائل الدبلوماسية». حاولت أن أجد صحيفة تشذ عن هذا المعنى، أو نفيا لهذه التصريحات من أى جهة قد تعنى بهذا الأمر فلم أجد، ولم يكن ثمة مفر من التسليم بأن ما نسب للرجل قد حدث فعلا، حتى وإن شابته مبالغات هنا أو هناك.
من الصعوبة بمكان على أى مواطن مصرى عاصر هزيمة 1967 وحرب الاستنزاف التى تلتها والتى توجت بحرب أكتوبر 1973 أن يقبل التشكيك فى هاتين الحربين باعتبارهما درة التاج فى المواجهة المصرية السليمة والجسورة لإسرائيل. أعلم أن ثمة لغطا دار ومازال يدور حول دوافع الحرب وإدارتها عسكريا وسياسيا، واستثمار نتائجها لاحقا، لكن هذا كله فى تقديرى لا يمكن أن يرقى إلى التشكيك فى قيمة الإنجاز فى حد ذاته، لأن حرب أكتوبر كمعنى قد تجردت من هذا اللغط لتجسد فى لحظة معينة إرادة شعب لا يعرف الانكسار، وقوات مسلحة رفضت الهزيمة. غير أننا مع ذلك لابد أن نضع تصريحات الرجل تحت المجهر، ونحاول تحليلها بموضوعية لعله قصد بكثير من القسوة أن يهدى إلينا عيوبنا.
لست محللا عسكريا بطبيعة الحال، لكن المرء مع ذلك يستطيع أن يعمل العقل فى بعض الملاحظات الأولية، فقد بدأت الحرب وقوات مصر قابعة على الضفة الغربية لقناة السويس، وانتهت برأس جسر أقامته هذه القوات بعد معارك شاملة برزت من بينها معركة العبور العظيم للقناة، وتمترس الجيشان الثانى والثالث فى رأس الجسر هذا فى إشارة واضحة إلى أن الحرب قد حققت هدفها الاستراتيجى وهو أن أمن إسرائيل لن يحققه احتلال أراضى الغير حتى وإن وصلت قواتها إلى ما تسميه بالحدود الآمنة، أى الضفة الشرقية لقناة السويس، وتكبدت إسرائيل فى هذا السياق خسائر بشرية فادحة.
سيتحدثون عن الثغرة وتداعياتها على هذا الإنجاز، والحق أن أول مصدر للتشكيك فى دقة أحكام اللورد أوين أن الدبابات الإسرائيلية لو كانت تستطيع أن تتقدم إلى القاهرة لفعلت، لكنه لم يكن بمقدورها ببساطة أن تفعل وإلا دخلت فى كثافة سكانية تُضيع جنبا إلى جنب مع المقاومة العسكرية ما تبقى من هذه الدبابات. ولقد نسى اللورد أوين فيما يبدو أن الدبابات الإسرائيلية قد حاولت بالفعل اقتحام مدينة السويس وأخفقت فى مواجهة المقاومة الشعبية الشرسة من أهل المدينة التى لا تتميز بكثافة سكانية عالية.
لا أثق مع ذلك فى أحكامى فى الشئون العسكرية، ولذلك قلبت فى أوراقى حتى عثرت على وقائع حوار حديث للمؤرخ العسكرى الإسرائيلى أورى ميلشتاين مع إذاعة «أورشليم الجديدة» بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر، وميلشتاين لمن لا يعرفه عسكرى إسرائيلى شارك فى حربى 1967 و1973 وما بينهما من حرب استنزاف، وعمل مؤرخا عسكريا رسميا فى الجيش الإسرائيلى مما أتاح له الاطلاع على وثائق عسكرية بالغة الأهمية.
يقول ميلشتاين فى حواره على العكس من اللورد أوين إن إسرائيل قد هزمت فى الحرب، وإن سلاح الطيران الإسرائيلى لو كان قد بادر بضربة استباقية للجيشين المصرى والسورى قبل الحرب لكانت طائراته قد تساقطت بالعشرات بفعل النظام الدفاعى الجوى فى كل من مصر وسوريا، وهو نظام لم تكن لدى سلاح الطيران الإسرائيلى القدرة على تحييده، الأمر الذى كان ليهدد بعجز هذا السلاح عن الدفاع عن المجال الجوى الإسرائيلى ذاته. أما الثغرة فيقول ميلشتاين إن الهدف منها لم يكن سوى رفع معنويات الإسرائيليين، أما الإنجاز الحقيقى الذى كان يتعين على إسرائيل أن تحققه فهو رد الجيشين الثانى والثالث من مواقعهما شرق القناة إلى حيث كانا قبل الحرب. وهكذا فإن الثغرة قد أعادت وفقا لميلشتاين بعض الشعور بالكرامة للإسرائيليين، وأتاحت لهم الزعم بأنهم انتصروا فى الحرب.
تقدم آراء ميلشتاين إذن ردا صريحا وواضحا على مقولات اللورد أوين، وأعلم بطبيعة الحال أن هذه الآراء لا تعبر عن الفكر السائد فى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، ولكن الفائدة الأساسية لتلك الآراء على الأقل أنها تظهر الإطلاقية غير المحسوبة التى انطوت عليها تصريحات اللورد أوين. ولنترك الآن المجال العسكرى لنقترب من المجال السياسى الذى يمكننا فيه مناقشة المقولات التى تضمنتها تلك التصريحات. ليس بمقدورنا بأى معيار من معايير التحليل السياسى أن نقبل القول بأن مصر «نجحت فى استرداد أرضها بالوسائل الدبلوماسية»، ولا أصدق أن اللورد أوين الذى جلس يوما على رأس مؤسسة عريقة ذات خبرة لا تضاهى كالخارجية البريطانية يمكنه أن يفصل بهذه السهولة بين ما هو «عسكرى» وما هو «سياسى»، فليس هناك أى سبب كان ليدعو إسرائيل إلى سحب قواتها العسكرية ومستوطنيها من سيناء لو لم تكن تعلم أن السادات يفاوضها مستندا إلى نتائج حرب أكتوبر التى أثبتت فى وقت قصير أن مصر لم ولن تكون جثة هامدة، وبالمناسبة فإن انسحاب إسرائيل من ثغرة الدفرسوار دون قتال ينطبق عليه التحليل نفسه، فلو لم تكن إسرائيل واثقة من العقم العسكرى لهذه الثغرة لأبقتها شوكة فى جنب مقاتلى مصر ومفاوضيها. وإذا كان أوين يقصد أن السادات قد قدم من التنازلات الدبلوماسية ما يسر له استرداد أرض سيناء ، فإن هذا لا يكفى، وها نحن نرى الآن العرب والفلسطينيين يقدمون التنازلات تلو الأخرى لإسرائيل دون أن ينجحوا فى الحصول على شبر واحد من الأرض أو على أى تنازل مهما صغر.
هكذا تقوم العلاقة واضحة وصريحة بين القوة العسكرية والقوة الدبلوماسية، فقد قبل الرئيس جمال عبد الناصر القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن فى نوفمبر 1967، لكن إسرائيل لم تعره التفاتا حتى بلغت حرب الاستنزاف ذروتها التى دفعت وزير الخارجية الأمريكى روجرز إلى أن يهرول فى يونيو 1970 طلبا لوقف إطلاق النار تمهيدا لإجراء مفاوضات. وبدأ السادات حكمه بمبادرة فبراير 1971 الشهيرة التى عرض فيها إعادة افتتاح قناة السويس وعودة المهجّرين المصريين إلى مدنهم على شاطئ القناة الغربى أى إنهاء حالة الحرب عمليا لكن أحدا لم يلتفت إليه حتى كانت حرب أكتوبر 1973. بقول آخر، فإن مصر لم تكن لتستطيع أن تسترد أرضها ببساطة من خلال العمل الدبلوماسى دون أن يكون هذا العمل مستندا إلى قوة عسكرية تؤازر انطلاقه وتحمى استمراره وتعظم نتائجه.
كثيرة هى الملاحظات الموضوعية التى يمكن أن ترد على حرب أكتوبر سياسيا وعسكريا، وأخطرها ما يتعلق بالاستثمار السياسى لنتائجها، لكن اللورد أوين اختار أن يتفادى هذه الملاحظات الموضوعية، ويدلف إلى مجموعة من الأحكام المطلقة التى لا نجد لها سندا من العقل أو المنطق. غير أنه نسى فى غمرة هذا كله أن حرب أكتوبر بالنسبة للمصرى العادى ليست مجرد حرب، وإنما هى عملية استرداد للكرامة التى تبعثرت فى 1967 بغير حق على رمال سيناء. يذكر المصرى الذى وعى تلك المرحلة الانكسار الهائل الذى أحدثته الهزيمة، ووقفة الجماهير المصرية الحاسمة فى أعقابها مباشرة تنادى ببقاء القائد والاستمرار فى المواجهة، وعملية إعادة بناء القوات المسلحة التى ضربت بالمستحيل عرض الحائط، ورجال القوات المسلحة الذين أبدعوا فى التخطيط للحرب، وأبناءها البواسل الذين تفانوا فى الانتماء للوطن فكانت كفاءتهم وجسارتهم مضرب الأمثال، وشهداءها الذين ترك كل منهم قصة تستحق أن تُدون فى التاريخ الممتد لوطن عريق.
لم تكن مجرد حرب بالنسبة لنا يا سيد أوين، وإنما كانت وثبة نهوض تمنيناها جميعا بغض النظر عما يمكن أن تؤول إليه، ولعل أحدا يترجم لك يوما الكلمات التى خطها توفيق الحكيم فى الصفحة الأولى لجريدة الأهرام فى اليوم التالى لنشوب الحرب: «عبرنا الهزيمة بعبورنا إلى سيناء، ومهما تكن نتيجة المعارك فإن الأهم الوثبة. فيها المعنى: أن مصر هى دائما مصر. تحسبها الدنيا قد نامت، ولكن روحها لا تنام. وإذا هجعت قليلا فإن لها هبة، ولها زمجرة، ثم قيام». أيكون بمقدور السيد أوين أن يدرك مصدر اعتزازنا «بمعنى» حرب أكتوبر؟ ففيه الصحوة والنهوض، ومنه الحلم بوثبة جديدة نحو مستقبل يليق بهذا الوطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.