توريد 153 ألفا و712 طن قمح لشون وصوامع البحيرة.. صور    الرئيس السيسي يشيد بالمشروعات التنموية والخيرية التي تقوم بها طائفة البهرة بمصر    البابا تواضروس يدشن كنيسة «العذراء» في الرحاب    وزير الأوقاف: 1031 إمامًا وواعظة حصلوا على درجة الدكتوراه    وزير التنمية المحلية: دورات تدريبية على النمذجة والذكاء الاصطناعى للعاملين بالمحليات    تعرف على الإجازات فى شهر يونيو 2024    نقيب الأطباء: الطبيب المصري أول من قدم الدعم والعلاج لمصابي غزة    التعليم العالي: انعقاد المجلس التنفيذي الأول لمراكز التوظيف    بعد مكاسب 59 دولارا للأوقية.. استقرار أسعار الذهب في بداية تعاملات السبت    وزير الإسكان يتابع موقف التعاون المشترك مع الاتحاد الأوروبي    محافظ كفر الشيخ يتابع تقديم طلبات التصالح بسيدي غازي    الزراعة تنتهي من إطلاق منظومة كارت الفلاح بكافة المحافظات    خبير بيئي: مصر من أهم الدول في مسار الطيور المهاجرة    مصر والأردن والإمارات تنفذ إسقاط أطنان المساعدات الإنسانية على غزة    السفير المصري يلتقي وزير الخارجية بجنوب السودان    فيديو.. متحدث الأونروا يروي تفاصيل اعتداء مستوطنين متطرفين على مقر الوكالة بالقدس    أشرف صبحي يكرم حملة "بشبابها" في سوهاج ويلتقي أعضاء مجلسي النواب والشيوخ    تين هاج: لا تهمني ثقة الملاك.. ولست قلقا من إقالتي    معسكر مغلق لمنتخب الشاطئية استعدادًا لكأس الأمم الأفريقية    ضرب الشحات «قلمين».. اعلامية تكشف شروط الشيبي للتنازل عن قضيته (فيديو)    «الداخلية» تداهم وكرًا وتضبط عاطل ب19 كيلو مخدرات    نصائح للإجابة على الأسئلة المقالية في امتحانات الثانوية بطريقة صحيحة    محامي المتهم بقتل 3 مصريين في قطر يطلب استدعاء ضابط المطار    غدًا.. انطلاق ماراثون امتحانات الفصل الدراسي الثاني بجامعة عين شمس    اللجنة العليا لمهرجان المسرح المصري تجتمع لمناقشة تفاصيل الدورة ال 17 (صور)    بعد وصفه ل«الموظفين» ب«لعنة مصر».. كيف رد مستخدمي «السوشيال ميديا» على عمرو أديب؟    الرئيس السيسي يستقبل سلطان طائفة البهرة بالهند    بسبب «البدايات».. بسمة بوسيل ترند «جوجل» بعد مفاجأة تامر حسني .. ما القصة؟    ساندي تطرح أحدث أغنياتها "هوب هوب"    رئيس هيئة الرعاية الصحية يتفقد المستشفيات والوحدات الصحية بالأقصر    إطلاق مبادرة الاستشارة الطبية عن بعد في مستشفيات كفر الشيخ    جهاز المنصورة الجديدة: بيع 7 محال تجارية بجلسة مزاد علني    غدا.. جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر تطلق فعاليات الملتقى التوظيفي الأول    شروط وأحكام حج الغير وفقًا لدار الإفتاء المصرية    سفيان رحيمي يقود تشكيل العين لمواجهة يوكوهاما بنهائي أبطال آسيا    توقعات موعد عيد الأضحى 2024 في الجزائر: شغف وترقب    صحة أسيوط: إحالة 7 أطباء ورئيسة تمريض للتحقيقات العاجلة    "لا يتمتع بأي صفة شرعية".. الإمارات تهاجم نتنياهو بسبب تصريحاته الأخيرة    «الصحة»: نتعاون مع معهد جوستاف روسي الفرنسي لإحداث ثورة في علاج السرطان    بعد قطع العلاقات الدبلوماسية.. رئيس كولومبيا يدعو «الجنائية الدولية» لإصدار مذكرة توقيف بحق نتنياهو    لعدم الانضباط .. إحالة طاقم النوبتجية بمركز طب الأسرة ب«الروافع» في سوهاج للتحقيق    مواصلة الارتفاع.. تعرف على أسعار الذهب اليوم السبت 11 مايو    حادثة عصام صاصا على الدائري: تفاصيل الحادث والتطورات القانونية وظهوره الأخير في حفل بدبي    مصرع سيدة سقطت من شرفة منزلها أثناء نشر الغسيل لجرجا سوهاج    الشيبي يهدد لجنة الانضباط: هضرب الشحات قلمين الماتش الجاي    مجلس الأمن يدعو إلى إجراء تحقيق مستقل وفوري في المقابر الجماعية المكتشفة بغزة    كرم جبر: أمريكا دولة متخبطة ولم تذرف دمعة واحدة للمذابح التي يقوم بها نتنياهو    إبراهيم سعيد ل محمد الشناوي:" مش عيب أنك تكون على دكة الاحتياطي"    إصابة 13 عاملًا في حادث انقلاب سيارة بالغربية    ننشر درجات الحرارة المتوقعة اليوم السبت فى مصر    باليه الجمال النائم ينهى عروضه فى دار الأوبرا المصرية الاثنين    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا في شارع القصاصيب بجباليا شمال قطاع غزة    أبناء السيدة خديجة.. من هم أولاد أم المؤمنين وكم عددهم؟    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    الإفتاء تكشف فضل عظيم لقراءة سورة الملك قبل النوم: أوصى بها النبي    نتائج اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالمية للإسكواش المقامة بنادي بالم هيلز    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن تجديد الثورة العربية: الجزائر والسودان والغد الأفضل
نشر في الشروق الجديد يوم 30 - 04 - 2019

من زمان اختفت كلمة «الثورة» من القاموس اليومى للمواطن العربى..
ولقد تجدد الأمل بالتغيير الذى يُخرج الأمة من كابوس القهر والتخلف والديكتاتورية مع انتفاضة «محمد البوعزيزى» فى تونس، التى بشرت بفجر عربى جديد لا يقف عند حدود «البلاد الخضراء»... وبالفعل فإن القاهرة لم تتأخر عن الانضمام إلى ركب الثورة من أجل التغيير، ونزلت الملايين إلى ميدان التحرير فى مشهد رائع قد يكون واحدا من أبهى الانتفاضات الشعبية السلمية فى العصر الحديث.
وكان منطقيا أن تتحرك الجماهير فى مختلف الساحات العربية طلبا للعدالة والحرية، فكانت انتفاضة مرتجلة فى سوريا سرعان ما ركبتها القوى الخارجية المناهضة للنظام. (تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، أساسا، ومن خلفها العدو الإسرائيلى) فتحول مشروع الثورة الشعبية إلى «مؤامرة دولية عربية» على سوريا بعنوان نظامها، دمرت البلاد وشردت العباد وسمحت بتقنين الوجود العسكرى لحليفى النظام (روسيا وإيران).. خصوصا أن القوات العسكرية التركية تقدمت فى الشمال السورى كراعية لتنظيمات إسلامية وعنصرية متعددة (إدلب وما جاورها حتى الحدود مع تركيا).
كذلك فقد اهتز فى العراق الوضع الذى استولده الاحتلال الأمريكى (عام 2003)، خصوصا أن حقبة حكم صدام حسين كانت قد دمرت الحياة العامة، وأعادت النفخ فى نار الطائفية والمذهبية، فضلا عن استخدام القوة المفرطة ضد الأكراد فى الشمال ومطالبتهم بنوع من الحكم الذاتى والإدارة المحلية بديلا من الانفصال.
صفحات من تاريخ جديد
ها نحن، الآن، مع الحراك الشعبى العظيم فى كل من الجزائر والسودان أمام صفحات جديدة فى التاريخ العربى الحديث تكتبها الجماهير بملايينها المحتشدة فى كل من الجزائر العاصمة وسائر المدن والقصبات الجزائرية، وكذلك فى الخرطوم عاصمة السودان، تطالب بإنهاء حكم الفرد المستند إلى «الجيش»، واستعادة الشعب أبسط حقوقه فى أن يكون هو مصدر السلطة، وهو من يختار نظامه وبالتالى رئيسه وحكومته ومجلسه النيابى فى مناخ من حرية الرأى والتفكير والتعبير يسمى «الديمقراطية».
نتيجة لهذه الانتكاسات التى بلغت ذروتها فى تشويه معنى «الثورة» وشرفها، ما جرى بعد ذلك فى ليبيا من هيجان شعبى دخلته مؤثرات خارجية عديدة، وكانت النهاية الوحشية للقائد الليبى معمر القذافى (ورفيقه المخلص أبوبكر يونس) فى مشهد غاية فى البشاعة، غرقت بعده ليبيا فى حرب مفتوحة، أعطت «الدول» فرصة ممتازة لمحاولة السيطرة على هذه البلاد قليلة السكان، هائلة المساحة، الغنية بثروتها النفطية.
وما تزال ليبيا، حتى الساعة، غارقة فى دماء أهلها، و«الدول» بغربها أساسا، مع مشاركة روسية خجولة، تتصارع بجماهير الشعب الليبى و«الجيوش» التى فبركت على عجل مستفيدة من مخلفات ما كان يمتلكه الجيش الليبى من أسلحة ثقيلة فيها الطيران الحربى (فرنسى وروس») والدبابات والمدافع.. إلخ
وبالطبع فإن هذه الحرب الأهلية، بنسبة ما، قد صارت نتيجة تدخل «الدول» حربا مفتوحة تشارك فيها أو ترعاها أو تحاول الاستفادة منها دول عديدة بينها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، وتتأثر بها دول عربية مجاورة مصر وتونس ثم تشاد ودول إفريقية عديدة.
على أن ما نشاهده الآن ونشهد على حدوثه فى كل من الجزائر والسودان هو النموذج الفذ للثورة الشعبية بمعناها الأصلى، أى المحصنة ضد الزور والتزوير كما ضد الخديعة التى طالما لجأت إليها الأنظمة التى تثور ضدها شعوبها.
ذلك أن الحراك الشعبى فى الجزائر كما فى السودان يقدم مشهدا تاريخيا غير مسبوق، أقله فى البلاد العربية، لعظمة الجماهير ووعيها وإصرارها على استعادة حقها فى حكم بلادها من أسطورة «القائد البطل» الذى «يجسد إرادة الشعب»، كما من العسكر الذى يحكم هذين القطرين العربيين الغنى شعباهما بالتجربة البطولية ضد الاستعمار الاستيطانى الفرنسى (كما فى الجزائر) أو ضد الديكتاتورية العسكرية التى يحاول ضابط رفيع الرتبة مع عدد من الضباط التابعين له، أن يخضع لها شعب رفيع الوعى، غنى بالتجربة النضالية ويصر على استعادة حقوقه فى وطنه وبناء تجربته الديمقراطية بعد عهد من الطغيان طال واستطال حتى كاد الليل يقضى على الأمل بصبح جديد.
على هذا فإن الأمل بنتاج هذه الثورة الشعبية الرائعة يتجاوز إسقاط النظامين الفاسدين المفسدين، إلى إعادة الاعتبار للشعب وقدراته غير المحدودة متى أراد، وحقه فى بناء النظام الذى يليق بنضاله وتضحياته الممتدة عبر عشرات السنين.
والحقيقة أن معظم الأنظمة العربية، ملكية وجمهورية وإماراتية، قد فقدت شرعيتها، ربما لأن حكم الأسرة الواحدة أو الرجل الواحد، قد أبعد القيادة عن الشعب وأقام بينهما سدا من المصالح المذهبة التى تقسم البلاد إلى حكم مستبد يتحكم منفردا بالثورة الهائلة التى منحتها الطبيعة لتلك الأرض (ومياهها) وشعب مستبعد عن دائرة السلطة والقرار، يمضغ فقره مستكينا وإلا هوت السيوف على رءوس المعترضين فقطعتهم فى الميادين العامة لتكون عبرة لمن يعتبر.
لقد انتهى عصر الملك الرئيس الإمبراطور أمير المؤمنين القائد المفدى ..إلخ وحل عصر الشعوب والديمقراطية والانتخاب وحق الاختيار.
الشعب يُسقط الطغاة..
سقط الأباطرة فى أوروبا منذ عقود، وكذلك القياصرة فى روسيا، والملوك الآلهة فى سائر أرجاء الدنيا، وساد العلم وأسباب المعرفة، وعرفت الشعوب حقوقها وأولها أنها هى لا غيرها صاحبة القرار فى شئون بلادها، كالحرب والسلم، والحق فى التقدم واللحاق بركب الشعوب التى تختار حكامها بالانتخاب الحر، وكذلك مجالسها النيابية التى تحاسب الحاكم إذا ما خرق الدستور أو تجاوز صلاحياته معتبرا أنه الحاكم الفرد الذى لا راد لقراره ولا شريك له فيه.
لقد أسقط الشعب فى الجزائر حاكمين طاغيتين، استعانا بالجيش على الشعب، فأفسدا البلاد والعباد: جاع الشعب مع أن طاقته على العمل فائضة عن حاجة البلاد (أو مهملة فى بلاده) فذهب يرهنها للأجنبى أو العربى (فرنسا وسائر أوروبا بالنسبة للجزائرى).. هذا فضلا عن الثروة الوطنية من النفط والغاز.
أما الشعب السودانى الذى عرف الأحزاب والنقابات منذ دهر والراقى بسلوكه السلمى برغم القمع، فقد «هج» إلى البلاد العربية أساسا (ومعها بريطانيا وبعض أفريقيا).
الملايين فى شوارع الجزائر العاصمة ومختلف المدن فى الشرق والغرب والجنوب.
والملايين فى شوارع الخرطوم والخرطوم بحرى فى بلاد النيلين، السودان، مع ذلك حافظت الجماهير على حقها فى التظاهر السلمى وإعلان رفضها النظام الديكتاتورى الذى يهين بوجوده كرامة الشعب ويغتال حقوقه وأولها حقه فى بناء غده الأفضل، بجهده وعرقه، مع الحفاظ على عزة نفسه.
ومؤكد أن قوى الاستعمار (قديمه الأوروبى وجديده الأمريكى ومعهما إسرائيل وبعض الدول العربية)، قد باشرت تآمرها على هاتين الثورتين الشعبيتين العظيمتين فى الجزائر والسودان، وأن أكياسا من الذهب ومعها أطنان من الوعود بالمساعدة، قد تدفقت على هاتين الدولتين اللتين بنيتا بالعرق والدم، أنهار الدم، والشهداء، الآلاف المؤلفة حتى المليون وأكثر من الشهداء.
بل إن بعض «الزعماء» العرب قد تجرأ على الشعب السودانى وثورته فطلب الإفراج عن الديكتاتور البشير، واستضافته بعيدا عن السودان، موجها إهانة لا تغتفر إلى هذا الشعب الطيب، عبر إعلان الاستعداد لمنح مساعدات عاجلة وقروض ميسرة بمليارات الدولارات لهذا الشعب الطيب الذى عانى من الديكتاتورية لأكثر من ثلاثين سنة متصلة، والذى أعاد الاعتبار برغم قهر النظام إلى أحزابه التاريخية (حزب الأمة، الحزب الشيوعى) وإلى نقاباته ذات الدور النهضوى المميز.
«بلادى، بلادى، بلادى، لكِ حبى وفؤادى»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.