تعليم النواب: السنة التمهيدية تحقق حلم الطلاب.. وآليات قانونية تحكمها    خبير اقتصادي: صفقة رأس الحكمة غيرت مسار الاقتصاد المصري    سعر الدينار الكويتي اليوم الأحد في تعاملات البنوك وشركات الصرافة    8 مصادر لتمويل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات وفقًا للقانون (تعرف عليهم)    انخفاض أسعار الفائدة في البنوك من %27 إلى 23%.. ما حقيقة الأمر؟    زعيمة حزب العمال الجزائري لويزة حنون تعلن ترشحها للانتخابات الرئاسية    ولي العهد يستقبل مستشار الأمن القومي الأمريكي    الأونروا: نصف سكان رفح باتوا في الشوارع الآن    موعد مباراة ليفربول ضد وولفرهامبتون اليوم الأحد 19-5-2024 في الدوري الإنجليزي والقنوات الناقلة    يوم صعب على الصعيد، الأرصاد تحذر من تداعيات موجة حر قياسية اليوم الأحد    إصابة 10 أشخاص في انقلاب ميكروباص بطريق "قنا- سفاجا"    حملات لإلغاء متابعة مشاهير صمتوا عن حرب غزة، أبرزهم تايلور سويفت وبيونسيه وعائلة كارداشيان    رامي جمال يتصدر تريند "يوتيوب" لهذا السبب    غضب عارم داخل حكومة تل أبيب وتهديدات بالانسحاب.. ماذا يحدث في إسرائيل؟    الخارجية الروسية: مستقبل العالم بأسرة تحدده زيارة بوتين للصين    واشنطن تدين إطلاق كوريا الشمالية لصواريخ باليستية    الاحتلال الإسرائيلي يخوض اشتباكات في حي البرازيل برفح الفلسطينية    حظك اليوم برج العقرب الأحد 18-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    سامح يسري يحتفل بزفاف ابنته.. ومصطفى قمر يغني في الفرح (صور)    عاجل.. موجة كورونا صيفية تثير الذعر في العالم.. هل تصمد اللقاحات أمامها؟    القومي للبحوث يوجه 9 نصائح للحماية من الموجة الحارة.. تجنب التدخين    نصائح لمواجهة الرهبة والخوف من الامتحانات في نهاية العام الدراسي    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    بن حمودة: أشجع الأهلي دائما إلا ضد الترجي.. والشحات الأفضل في النادي    خاص- تفاصيل إصابة علي معلول في مباراة الأهلي والترجي    "التنظيم والإدارة" يكشف عدد المتقدمين لمسابقة وظائف معلم مساعد مادة    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    ظهر بعكازين، الخطيب يطمئن على سلامة معلول بعد إصابته ( فيديو)    الداخلية تكشف حقيقة فيديو الاستعراض في زفاف "صحراوي الإسماعيلية"    مع استمرار موجة الحر.. الصحة تنبه من مخاطر الإجهاد الحراري وتحذر هذه الفئات    عيار 21 الآن بالسودان وسعر الذهب اليوم الاحد 19 مايو 2024    نشرة منتصف الليل| الحكومة تسعى لخفض التضخم.. وموعد إعلان نتيجة الصف الخامس الابتدائي    محافظ بني سويف: الرئيس السيسي حول المحافظة لمدينة صناعية كبيرة وطاقة نور    أصل الحكاية.. «مدينة تانيس» مركز الحكم والديانة في مصر القديمة    باسم سمرة يكشف عن صور من كواليس شخصيته في فيلم «اللعب مع العيال»    صاحب متحف مقتنيات الزعيم: بعت سيارتي لجمع أرشيف عادل إمام    باقي كام يوم على الإجازة؟.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    شافها في مقطع إباحي.. تفاصيل اتهام سائق لزوجته بالزنا مع عاطل بكرداسة    تعزيزات عسكرية مصرية تزامنا مع اجتياح الاحتلال لمدينة رفح    رضا حجازي: التعليم قضية أمن قومي وخط الدفاع الأول عن الوطن    "التصنيع الدوائي" تكشف سبب أزمة اختفاء الأدوية في مصر    وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    عماد النحاس: كولر أدار المباراة بشكل متميز.. وغربال كان متوترًا    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    أوكرانيا تُسقط طائرة هجومية روسية من طراز "سوخوى - 25"    أخذتُ ابني الصبي معي في الحج فهل يصح حجُّه؟.. الإفتاء تُجيب    رامي ربيعة: البطولة لم تحسم بعد.. ولدينا طموح مختلف للتتويج بدوري الأبطال    دييجو إلياس يتوج ببطولة العالم للاسكواش بعد الفوز على مصطفى عسل    صرف 90 % من المقررات التموينية لأصحاب البطاقات خلال مايو    جريمة في شارع ربيع الجيزي.. شاب بين الحياة والموت ومتهمين هاربين.. ما القصة؟    بذور للأكل للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    حريق بالمحور المركزي في 6 أكتوبر    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    تعرف علي حكم وشروط الأضحية 2024.. تفاصيل    هل يعني قرار محكمة النقض براءة «أبوتريكة» من دعم الإرهاب؟ (فيديو)    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«مدينة الحوائط اللا نهائية».. ذاكرة بألوان الخيال!
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 03 - 2019

يعودُ طارق إمام فى «مدينة الحوائط اللانهائية» إلى الحكايات البسيطة ليتأمل، بعمق، حياةَ الإنسان ومصيره، علاقته بالموت والخلود، وتأرجحه بين الذاكرة والحاضر والمستقبل، ما يبنيه الحب يدمره الشر، وما تجمعه الهمة تأخذه الزوابع، ثم إنَ شيئا لم يتغير: هذا الكائن الذى يعيش وسط الآخرين، ولا يستغنى عنهم، ما زال بائسَ الوحدة، ورفيقَ الخطر، وتائهَ الخطوات، وما زال عالمه يقدم له من الألغاز، أضعاف ما يمنحه من الحقائق والإجابات.
هذه المغامرة السردية المدهشة، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، والمرصعة برسوم وكولاج صلاح المر، التى لا تقل خيالا عن نصوصها، تتجاوز، فى رأيى، تصنيفها كمتتالية سردية، يقوم فيها إمام بتعريفنا بما بلغه من حكايات عن نساء مدينة الحوائط اللا نهائية، وعن رجالها، وغربائها، وهؤلاء الغرباء ليسوا إلا أشباح ضحايا الماضى، المدفونين بدمائهم، فالطموح هنا يتجاوز الشكل إلى صناعة تاريخ موازٍ للإنسان، مادتُه الخيال، والحواديت فى صورتها الأولى، مما يمكن الكاتب من أن يوسع دائرة الرؤية كثيرا، ومن أن يتحرر من منطق لم يُفلح فى أن يجعل حياتنا معقولة، ولم ينجح فى حل مشكلاتنا الوجودية.
المدينة والحكايات التى تذكرنا بعالم «ألف ليلة وليلة»، لا تجعل من الخيال هدفا، رغم أنه باذخ وطازج وملهم، ولكنها تحلق به لكى نعيد تأمل المفاهيم التى تحكم حياتنا، وأولها مفهوم التاريخ. حضور المدينة الخيالية، وما جرى لأهلها، ونجاح السارد فى ترويض المعجزات، وجعلها حقائق مكتوبة، كل ذلك يضرب فكرة التاريخ الوحيد للإنسان فى مقتل، وعندما ينهى طارق إمام رحلته بالحكاية التى لم يكتبها بعد، عن ذلك العجوز الذى صنع تاريخا كاذبا صدقه الناس، ندرك أنه يسخر من فكرة «الحقيقة التاريخية المطلقة»، ونسترجع معه قانون هذه السردية الماكرة وهو: «الفارق الوحيد بين ما حدث وما لم يحدث قط، هو الطريقة التى يمكن بها أن يتحول إلى حقيقة عندما يُحكى».
اللعبة هنا هى أن تتحدى ذاكرة الفن ذاكرة التاريخ، وأن تعيد تركيب المهزلة الإنسانية من جديد، إنها زاوية رؤية مختلفة وصادمة، يتخلى البشر فيها عن أسمائهم، ويُعرفون فقط بصفاتهم، حضور السنوات والأعوام منعدم، نبدو أحيانا كما لو كنا فى عصر بدائى، لا ينقصه إلا تجوال الديناصورات، وفى حكايات أخرى نستنتج زمنا أكثر تحضرا، يسمح بوجود ماكينة لصنع الأحذية، وبينما يبدو التاريخ بدون خيال، أو هكذا يزعمون، فإن السماء والبحار والأرض حافلة فى الحكايات بالمخلوقات الأخرى، بل إن المدينة نفسها هى أرض المعجزات، ولكن المشكلة فى أهلها، الذين لا يريدون إلا الهواء المجانى، والحوائط الآمنة.
تتيح العودة إلى الحكايات فى صورتها البسيطة تكثيف المعانى، والتخلص من أى حشوات سردية زائدة، وحرية غير عادية فى انتقالات الزمان والمكان، وترجمة الأفكار إلى عبارات تدعو للتأمل من طراز: «وهكذا عرفنا أن الجمال لا يكتمل دون قدر من الرعب»، و«عذاب الإنسان يبدأ حين يسأل عما لا يجب أن يعرفه»، و«الحياة الحقيقية لا تنتهى فى التراب بل تبدأ»، و«كل فكرة إذا صدقها أكثر من شخص تصبح قادرة على التجسد»، «وجودك بلا معنى إن لم يره الآخرون»، «المعجزات هى الحقيقة الوحيدة القابلة للتصديق».
فليعوض الخيال والفن ما أفسده التاريخ، ولنلعب لعبة المعجزة الجديرة بالتصديق، لنتجه مباشرة إلى أصل المأساة: فشلنا فى أن نجعل مدينتنا بيتا واحدا، فعدنا من جديد إلى مدينة كالمتاهة، حوائطها تعزل كل فرد عن أخيه، ولكن لا توجد أسقف ولا أبواب، وحدة على الأرض، وعرى كامل فى نفس الوقت، لعنة الدم تطارد الأحفاد، والأشباح عادوا كغرباء لا يحملون إلا المتاعب، والإنسان المثير للرثاء يتعلق بالذاكرة، فإن لم يجدها يخترعها، لديه خلود أرضى آخر هو الحب، لا ينجح دائما، فتبدو فكرة الخلود كوهمٍ قاسٍ، سراب فى المدينة وخارجها.
هذا نصٌ بديعٌ يجعل الخيال ملكا، لكى نفهم لماذا لم يعد الإنسان ملكا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.