تحل اليوم الذكرى المائة، لميلاد واحد من أهم ما أنجبت مصر، أدبيا وفنيا وصحفيا، لا يزال اسمه يردد إلى يومنا هذا، وأعماله محل نقاش، وأفكاره ورؤاه قادرة على أن تنبش في كثير من المشاكل التي تعيشها مجتمعاتنا إلى الآن، فحياته الشخصية كانت لا تنفصل عن أفكاره الإبداعية؛ فكلاهما أحدثا جدلاً، وتطلبا بحثًا، وكان لإحسان علاقة خاصة ومختلفة بوالدته الكاتبة والفنانة «روزاليوسف»، وعبر هو عن تلك العلاقة في كثير من كتابته. وبعد مطالعة كثير مما كتب إحسان عبدالقدوس، تستعرض«الشروق» في السطور التالية أبرز ما قاله عن والدته: - أمي صنعت مني هذا الرجل! - صحيح أنني ثرت على لقب «ابن الست» الذي ظل يطاردنى سنوات وسنوات، ولكنى لم أرفض هذا اللقب. - نعم أنا ابنها وتلميذها أخذت منها البدايات الجيدة، ولكني بعد ذلك قدمت إضافات لا يستطيع أحد إنكارها. - لا أدري كيف استطاعت أن تحملني تسعة شهور، وهي واقفة على خشبة المسرح، تعتصر الفن من دمها وأعصابها لتكون يومها أعظم ممثلة في الشرق. - ولا أدرى كيف استطاعت أن تنشئني هذه النشأة، وأن تغرس في هذه المبادئ، وهذا العناد، وأن تقودني كطفل وكشاب في مدارج النجاح، وفى حين أنى لم ألتق بها أبدا، إلا وفي رأسها مشروع وبين يديها عمل. - كانت تؤمن أن المناخ السياسي الذي يعيش فيه الشعب، لا يسمح بأي نوع من المهادنة أو أنصاف الحلول، وعلى حامل القلم أن يقول صراحة عن طريق قلمه.. هل هو مع الشعب أم ضده ؟ - كانت تدوي بأذني داخل الزنزانة عبارتها التي طالما صفعتنى بها إذا بدا لها في بعض ما أكتبه شيئا لا ترضى عنه وهى: «قلمك ليس ملكا لك يا إحسان، أنه ملك القارئ.. إذا أردت أن تكون كما أريد لك فاذكر دائما أنك لا تكتب لنفسك، ولا تنطق عن هواك بل تكتب للناس أصحاب الحق الأول في كل حرف تنشره.. فلا تفرط فيما لا تملك وتهبه لمن لا يستحق». - كنت أحيانا أضع نفسي بعيدا عنها وأجرد نفسي من عاطفتي نحوها، ثم أحاول أن أدرسها كما يدرسها أي غريب عنها، علني أجد مفتاحا لشخصيتها، وعلني أخرج من دراستي بقاعدة عامة لحياتها أطبقها على بنات جنسها.. ولكني كنت أخرج دائما بمجموعة من المتناقضات لا يمكن أن تجتمع في إنسان واحد. - عندما تبحث كل هذه المتناقضات.. فإذا بها كانت محقة في هدوئها، وكانت محقة في ثورتها، وكانت محقة في طيبتها، وكانت محقة في قسوتها، وكانت محقة في كرمها، وكانت محقة في بخلها. - في كل سطر من ذكرياتها كانت تقول: أنا صنعت من نفسي هذه السيدة. - إنها هادئة رقيقة تكاد تذوب رقة.. يحمر وجهها خجلا إذا ما سمعت كلمة ثناء، ويكاد صوتها الناعم الخفيض الرفيع المنغم يشبه صوت فتاة في الرابعة عشر. - جريئة إلى حد أن تقول لكريم ثابت، عندما جاءها يبلغها تهنئة فاروق بمرور عام من أعوام مجلتها: «قل لمولاك أني أرفض تهنئته». - اضطرت أن تبيع سيارتها في الوقت الذي كان فيه كل أصحاب الصحف يبنون الثروات، وكانت تضطر أن تسير على قدميها كل صباح ساعة كاملة من بيتها في الزيتون، إلى سراي القبة؛ لتركب الأتوبيس الذي يوصلها إلى مكتبها، ثم كانت تقول لي أن الطبيب أوصاها بالسير الطويل محافظة على صحتها! حتى لا أدرى، ولا أشاركها همها. - لكنى إلى جانب هذه الدروس المستفادة من أستاذتى وأمى فاطمة اليوسف عايشت التجربة بنفسى!