في مجلة "روز اليوسف" عام 1958 كتب الأديب إحسان عبد القدوس مقالا عن دور والدته روز اليوسف في حياته قال فيه: إن والدتى السيدة فاطمة اليوسف لم تحدثنا عن المشكلة الكبرى التي استطاعت وحدها أن تحلها والتي لا يزال المجتمع المصرى كله حائرا أمامها، كيف استطاعت أن تجمع بين جهادها الشاق المضنى الذي بدأته وهى في الخامسة من عمرها وبين واجبها كزوجة وأم.. لا أدرى كيف استطاعت أن تحملنى تسعة أشهر وهى واقفة على خشبة المسرح تعتصر الفن من دمها وأعصابها لتكون أعظم ممثلة في الشرق. ولا أدرى كيف استطاعت أن تنشئنى هذه النشأة وأن تغرس في هذه المبادئ وهذا العناد وأن تقودنى كطفل وكشاب في مدارج النجاح. صنعتنى بيدها كما صنعت مجدها بيدها، كل يوم من أيام المجد وكل خطوة فيه هي وحدها صاحبة الفضل فيه، وهى التي التقطت دروس الفن وجعلت من نفسها سارة برنارد الشرق كما أطلق عليها النقاد. هي التي ميدان الصحافة وفى يدها خمسة جنيهات وأنشأت مجلة تحمل اسما اشتهرت به على المسرح، اسما يضم تحته كل الكتاب وأنضج الآراء. هي السيدة التي لا تحمل شهادة مدرسية ولا مؤهلا علميا، هي التي أرشدت أقلامهم وانتقتهم لتضعهم على طريق المجد الصحفى والأدبى. إنها هادية رقيقة تكاد تذوب رقة، يحمر وجهها خجلا إذا سمعت كلمة ثناء، لها دنيا خاصة تعيش فيها ليس لها من الأصدقاء الخصوصيين، تكره المجتمعات، تكره أن تقيم في بيتها حفلا أو مأدبة، يدها سخية تعطي باستمرار، وتأبى أن تأخذ نظير ما تعطى. في بيتها تقف في المطبخ تعد طبق ورق العنب، زوجة مثالية، صحفية في مكتبها تعد أوراقها.. جريئة قوية إلى حد القسوة، لا تخفى رأيا صريحا، قاسية إلى حد تطردنى من العمل أو تستغنى عن أي محرر عندها.. ولكن ما هذه الشخصية التي تجمع بين المتناقضات ؟ إذا اقتربت منها وحاولت أن أدرس شخصيتها بإحساسى كابن لها.. ازدت حيرة وواجهتنى متناقضاتها.. هي أم حنون فهى مازالت تبكى وهى تقبلنى، تكاد تشعرنى أنها ابنتى أكثر منها أمى فتسند رأسها على صدرى. مرت أيام لم تجد فيها ثمن الطعام لتأكله.. وكنت وقتئذ أقيم عند أبى وأتردد عليها مرة كل أسبوع فتعطينى عشرة قروش لأذهب إلى السينما، وهى في حاجة إلى خمسة قروش تأكل منها.. باعت سيارتها وكانت تذهب إلى مكتبها سيرًا وتقول الطبيب أمرنى بالمشى على قدمى. طردتنى من العمل عندها وكنت متزوجًا وعندى أولاد، وظلت عاما لا تخاطبنى وإذا قابلتها تتجاهلنى.. إنى أعترف أن هذه القسوة كانت من الأحجار القوية في صنعى وبنائى وإعدادى للعمل الذي أقوم به، وهى في كل سطر من ذكرياتها تقول (أنا صنعت هذه السيدة) أما أنا فمهما كانت ذكرياتى لا أستطيع إلا أن أقول (أمى صنعت منى هذا الرجل).