غدا.. "الشيوخ" يناقش خطط التوسع بمراكز التنمية الشبابية ودور السياسات المالية لتحقيق التنمية الاقتصادية    ارتفاع أسعار الذهب في مصر اليوم ونصائح للشراء    ألوان تخطف الأنفاس في أوروبا وأمريكا بعد ضرب عاصفة شمسية للأرض (صور)    بينهم شقيقان، انتشال 4 جثث بحادث تصادم ميكروباص بسيارة نقل بالطريق الدائري    حادثة عصام صاصا على الدائري: تفاصيل الحادث والتطورات القانونية وظهوره الأخير في حفل بدبي    توقعات تحسن الأحوال الجوية وانتهاء العاصفة الترابية في 14 مايو 2024    مصرع سيدة سقطت من شرفة منزلها أثناء نشر الغسيل لجرجا سوهاج    عمرو أديب: "لعنة مصر" هي الموظفون    تفاصيل إحالة 10 أطباء ورئيسة تمريض للتحقيق العاجل في أسيوط (صور)    بعد تعاونهما في «البدايات».. هل عاد تامر حسني إلى بسمة بوسيل؟    الشيبي يهدد لجنة الانضباط: هضرب الشحات قلمين الماتش الجاي    تعليق صادم من جاياردو بعد خماسية الاتفاق    بكام سعر الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية السبت 11 مايو 2024    780 جنيها انخفاضًا ب «حديد عز».. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 11 مايو 2024    شاروخان يصور فيلمه الجديد في مصر (تفاصيل)    بوكانان يوقع على هدفه الأول مع إنتر ميلان في شباك فروسينوني    حركة القطارات | 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. السبت 11 مايو    المفتي يحسم الجدل حول حكم الشرع بإيداع الأموال في البنوك    تشكيل تشيلسي المتوقع أمام نوتينجهام فورست    كرم جبر: أمريكا دولة متخبطة ولم تذرف دمعة واحدة للمذابح التي يقوم بها نتنياهو    تفاصيل إعلان أمير الكويت حل مجلس الأمة وتوقيف العمل ببعض بنود الدستور.. فيديو    تعليم الجيزة تحصد المراكز الأولى في مسابقة الملتقى الفكري للطلاب المتفوقين والموهوبين    مصرع شخص صدمته سيارة طائشة في بني سويف    عمال الجيزة: أنشأنا فندقًا بالاتحاد لتعظيم استثمارات الأصول | خاص    التعليم العالي تعلن فتح برامج المبادرة المصرية اليابانية للتعليم EJEP    في أقل من 24 ساعة.. «حزب الله» ينفذ 7 عمليات ضد إسرائيل    إبراهيم سعيد ل محمد الشناوي:" مش عيب أنك تكون على دكة الاحتياطي"    مجلس الأمن يدعو إلى إجراء تحقيق مستقل وفوري في المقابر الجماعية المكتشفة بغزة    حريق ب «جراج» في أبو النمرس والحماية المدنية تمنع كارثة (صور)    الغرفة التجارية: توقعات بانخفاض أسعار الدواجن والبيض الفترة المقبلة    " من دون تأخير".. فرنسا تدعو إسرائيل إلى وقف عمليتها العسكرية في رفح    الهلال ضد الحزم.. أكثر 5 أندية تتويجا بلقب الدوري السعودي    زى النهارده.. الأهلى يحقق رقم تاريخى خارج ملعبه أمام هازيلاند بطل سوازيلاند    اليوم.. الاجتماع الفنى لمباراة الزمالك ونهضة بركان فى ذهاب نهائى الكونفدرالية    خبير دستوري: اتحاد القبائل من حقه إنشاء فروع في كل ربوع الدولة    موازنة النواب عن جدل الحساب الختامي: المستحقات الحكومية عند الأفراد والجهات 570 مليار جنيه    حظك اليوم وتوقعات الأبراج السبت 11 مايو على الصعيد المهنى والعاطفى والصحى    باليه الجمال النائم ينهى عروضه فى دار الأوبرا المصرية الاثنين    عمرو دياب يحيى حفلا غنائيا فى بيروت 15 يونيو    الزراعة: زيادة الطاقة الاستيعابية للصوامع لأكثر من 5 ملايين طن    أبناء السيدة خديجة.. من هم أولاد أم المؤمنين وكم عددهم؟    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا في شارع القصاصيب بجباليا شمال قطاع غزة    تناول أدوية دون إشراف طبي النسبة الأعلى، إحصائية صادمة عن حالات استقبلها قسم سموم بنها خلال أبريل    القانون يحمى الحجاج.. بوابة مصرية لشئون الحج تختص بتنظيم شئونه.. كود تعريفى لكل حاج لحمايته.. وبعثه رسمية لتقييم أداء الجهات المنظمة ورفع توصياتها للرئيس.. وغرفه عمليات بالداخل والخارج للأحداث الطارئة    المواطنون في مصر يبحثون عن عطلة عيد الأضحى 2024.. هي فعلًا 9 أيام؟    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    ل أصحاب برج الثور والعذراء والجدي.. من هم أفضل الأصدقاء لمواليد الأبراج الترابية في 2024    «أنصفه على حساب الأجهزة».. الأنبا بولا يكشف علاقة الرئيس الراحل مبارك ب البابا شنودة    النائب شمس الدين: تجربة واعظات مصر تاريخية وتدرس عالميًّا وإقليميًّا    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    الإفتاء تكشف فضل عظيم لقراءة سورة الملك قبل النوم: أوصى بها النبي    الحكومة اليابانية تقدم منح دراسية للطلاب الذين يرغبون في استكمال دراستهم    نتائج اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالمية للإسكواش المقامة بنادي بالم هيلز    5 علامات تدل على إصابتك بتكيسات المبيض    لأول مرة.. المغرب يعوض سيدة ماليا بعد تضررها من لقاح فيروس كورونا    غرق شاب في بحيرة وادي الريان ب الفيوم    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    جلطة المخ.. صعوبات النطق أهم الأعراض وهذه طرق العلاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن العرب والعروبة فى اللحظة الراهنة.. عندما تتحول الهوية الجامعة إلى مصدر للخطر!
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 10 - 2017

يتبدى الوطن العربى، فى هذه اللحظة من تاريخه، أشبه بأرخبيل من الجزر تتنافس فيما بينها على المرتبة الأولى فى البلاد التى تطرد أهلها إلى أى مكان خارجها.. ولو فى أقصى الأرض.
وإذا كان أبناء الدول العربية فى شمالى إفريقيا قد وجدوا الملجأ فى بلاد مستعمرهم القديم، فرنسا، فإن أبناء المشرق العربى يهيمون على وجوههم وهم يقصدون أى مكان يقبلهم، حتى لو تعرضوا للتوقيف قبل نيلهم تأشيرة الدخول إلى جنة الغربة.
وشهيرة هى تظاهرة المليون جزائرى التى استقبلت، ذات يوم مضى، الرئيس الفرنسى جاك شيراك، فى قلب ميادين مدينة الجزائر بهتاف موحد: « فيزا، فيزا، فيزا..»، وكأنها رد مفجع على مذابح المستعمر الفرنسى التى ذهب ضحيتها أكثر من مليون شهيد خلال حرب التحرير.
ولقد بات الاتجار ب«الفيزا» مصدر رزق لكثيرين فى مختلف أنحاء الوطن العربى..
الموجع أن «الأكفاء» من خريجى الجامعات والمهنيين المميزين يأتون فى طليعة الراغبين فى الهجرة، أما الأسباب فتتجاوز تناقص فرص العمل فى الداخل، وضيق مصادر الحياة، إلى «الرغبة فى التنفس» و«التفكير بحرية» والتخلص من أشباح المطاردات البوليسية والتضييق على حرية الرأى والمعتقد، فضلا عن «البحث عن غد أفضل».
على الضفة الأخرى، ونتيجة التفاقم فى تردى الأوضاع المعيشية وانعدام فرص العمل، والتضييق على الحريات العامة، تعاظمت أعداد الشباب العرب الذين يهربون من بلادهم قاصدين الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية مثل «داعش» و«النصرة» وسائر مشتقات «القاعدة».
وليس بين الأسرار أن أعداد الشبان التوانسة، أساسا، والمغاربة عموما، تحتل مكانا بارزا بين الملتحقين بهذه التنظيمات الإرهابية، فى حين ينتشر الليبيون الذين فقدوا دولتهم فى كل اوروبا بعنوان مالطا إيطاليا.
2
أما أبناء المشرق فيتوزعون بين مهجر وهم الأكثرية ومهاجر؛ ويحتل السوريون المرتبة الأولى بين المهجرين (أو النازحين تخفيفا من وقع الكلمات).. ويأتى بعدهم العراقيون، وقد قارب عدد النازحين السوريين، فى ذروة ارتفاعه الثمانية ملايين رجل وامرأة وطفل.. الكثير من الأطفال.
وإذا كان هؤلاء النازحون قد وجدوا الملجأ فى دول الجوار (تركيا، لبنان، الأردن) فإن دول أوروبا، (ما عدا ألمانيا التى تحتاج إلى يد عاملة رخيصة)، قد أقفلت أبوابها فى وجوههم، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، مع استثناء كندى محدود.
الظاهرة الجديدة هى الجمعيات الأهلية المرتبطة بمصادر تمويل خارجية (N.G. O) والتى انتشرت على نطاق واسع فى العديد من الأقطار العربية، أولها مصر، ومعها لبنان ودول أخرى.. وهذه الجمعيات تشكل جسر عبور إلى بعض أقطار أوروبا فضلا عن الولايات المتحدة الأمريكية، التى «تتساهل» فى منح جنسياتها للمتعاونين من أجل «المجتمع الأفضل» و«حقوق الإنسان» التى يمكن تفريعها إلى «حقوق الطفل» و«حقوق المرأة» وصولا إلى «حقوق الحيوان» الخ..
فأما النخب الفلسطينية فقد وجدت من يشجعها ويسهل رحيلها وتخلصها من وضعية « اللجوء» المهينة، أو من حال الضيق داخل الأرض المحتلة سواء تلك التى يحكمها العدو الإسرائيلى مباشرة أو بواسطة «السلطة».
أن النخب العربية تغادر أوطانها فلا تعود.. وعلى هذا فإن الأقطار العربية، مشرقا ومغربا، تخسر نسبة كبرى من أبنائها الأكفاء (أساتذة جامعات، أطباء، مهندسون، علماء، كتاب ومفكرون الخ)...
وهكذا يتسبب هؤلاء فى زيادة الفارق فى نسبة التقدم بين دول الغرب الصناعية وبين بلدانهم التى تحاول الانتقال من الزراعة والحرف والبداوة إلى التصنيع ومكننة الزراعة والتقدم العلمى عامة.
لماذا تهرب الكفاءات العربية من أوطانها؟!
ولماذا يخرج الشباب العربى من بلاده إلى أى مكان فى العالم يقبله ويتيح له فرصة عمل توفر له الأمان فى مستقبله ومستقبل أبنائه؟
لماذا تضيق الأرض العربية الفسيحة بأهلها فيرمون أنفسهم فى البحر للخروج منها طلبا للحياة، مجرد الحياة، فى الغربة؟!
3
إن الأسباب عديدة، بعضها يتصل بطبيعة الأنظمة الحاكمة، وبعضها الآخر بالزيادة المطردة فى عدد السكان فى البلاد المكتظة بأهلها (مصر على سبيل المثال)، وبعض ثالث بضيق الحال وتناقص فرص العمل والدخل المقبول فى الدول العربية الفقيرة بثرواتها (تونس، مثلا، لبنان، اليمن، فضلا عن فلسطين التى حرم أهلها من أرضها)..
على أن الأسباب السياسية المتصلة بطبيعة الأنظمة الحاكمة فى مجمل الدول العربية تشكل «القوة الطاردة» للأجيال الجديدة.
كذلك فإن الأنظمة الفاسدة التى تسببت فى نهب الثروات الوطنية للدول المعنية تضيق ذرعا بشبهة المعارضة فتطارد كل من يشكو من سوء الأحوال فتحصر خياره بين المقهر والمهجر.
بالمقابل فإن أنظمة «الدول» التى اصطنعها النفط والغاز، والتى لم تكن دولا فى أى يوم، تشترط على الآتين اليها بوصفها «النعيم» أن يتركوا أفكارهم وعقائدهم وطموحهم إلى مستقبل أفضل لأوطانهم خارجها، وأن يدخلوها عراة من الأفكار والعقائد لا هم لهم إلا الدينار.
كانت البداية مع الأفكار والعقائد السياسية، ثم توسعت دائرة المطاردة والقمع لتشمل الأديان والطوائف (الإسلامية خاصة).. وهكذا بات محظورا على « أنواع» من المسلمين أن يعملوا فى معظم أقطار الجزيرة والخليج العربى.
ويذكر من عاش فى أنحاء الخليج فى الخمسينيات والستينيات حتى الثمانينيات أن بناة أقطار تلك المنطقة العربية كانوا يتكونون من الفلسطينيين والمصريين واللبنانيين والسوريين أساسا، إلى جانب العمال من «المهرة» قبل أن تبدأ سياسة إحلال الهنود والباكستانيين والبلوش، ومعهم نسبة من المغاربة الذين هجروا السياسة، مكان تلك الطلائع المشرقية.
*****
إن الوطن العربى يعيش، حاليا، مجموعة من النكبات معا، تضيف أبعادا خطيرة إلى نكبة فلسطين لأنها تتصل بمستقبل الأمة جميعا.
لقد اختفت أو ضربت فحطمت المؤسسات والأحزاب والشعارات القومية والتقدمية، وحل محلها الغرائز الطائفية والعصبيات الجهوية أو التنكر للهوية العربية وكأنها وصمة عار.
4
سادت الإقليمية معززة بالعصبية الطائفية والمذهبية، وصارت «العروبة» تهمة، أو إعلان انتساب إلى الماضى..
لقد ضربت لغة القرآن بتهمة التخلف، فهجرها أبناؤها العرب إلى «اللغات الحية» التى غدت، فى الغالب الأعم، لغة العائلة، فضلا عن كونها لغة الغد والعالم الجديد.
أما فى السياسة فقد تم تمزيق الهوية الجامعة، فصارت العروبة تهمة، وتمت فبركة هويات جهوية أو عنصرية أو كيانية أو.. أممية!
إن الأقطار التى حملت مشاعل التنوير والوعى الوطنى والقومى، مثل مصر وسوريا والعراق (فضلا عن لبنان) غارقة الآن فى بؤس وفى تردى واقعها الاجتماعى وفى غربتها عن السياسة أو نفورها منها باعتبارها مصدر خطر على الأفراد والجماعات.
لا حزب حقيقيا فى الوطن العربى.. والتنظيمات السياسية العريقة أشلاء أو نتف من تجمعات كان لها مجدها فى الماضى وهى تعيش الآن على ذكرياتها.. والمسرح يتسع ل(N.G.O) الممولة من الخارج، والتى يسمح لها أن تتحدث عن الديمقراطية وحقوق الانسان (ولو تحت الرقابة).
بل إن الهوية باتت موضع نقاش، والعروبة صارت تهمة.
ليس سهلا أن يقبل المصرى أو اللبنانى أو الجزائرى أو المغربى أو الخليجى «اتهامه» بأنه عربى.. ذلك أن هويته الكيانية هى الأهم، لأنها غالبا ما تشكل مصدر ثروته أو حمايته.
والعرب الأغنياء يتنصلون من «إخوتهم» العرب الفقراء بل ينظرون بريبة إلى هؤلاء «الحاسدين» الطامعين فى ثرواتهم.. ومن هنا فهم يفضلون عليهم الأجانب مع أفضلية مطلقة للأمريكيين ثم البريطانيين فالألمان فالفرنسيين وسائر الغرب.
من أين يأتى، إذن، المستقبل العربى إذا كان العرب قد غادروا ماضيهم وحاضرهم ومعهما هويتهم الجامعة؟!
تلك هى المسألة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.