رئيس جامعة المنوفية يعلن اعتماد 5 برامج بكلية الهندسة    جامعة بني سويف تكرم الطلاب الفائزين في مهرجان إبداع 12    انعقاد الملتقى الفقهي الخامس بحضور وكيل الأزهر    محافظ شمال سيناء يستقبل مدير بعثة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مصر (صور)    بمناسبة عيد الأضحى| إطلاق المرحلة ال 26 من مبادرة «كلنا واحد».. الجمعة    برواتب تبدأ من 1500 حتى 4000 درهم.. وزارة العمل تعلن عن فرص عمل بالإمارات    خطوات التقديم للحصول على سيارات المعاقين 2024    موسم التكييفات والمراوح بأسعار مغرية.. أسعار الأجهزة الكهربائية 2024 (تفاصيل هامة)    محافظ مطروح ومدير الطب البيطري يبحثان خطة الحفاظ على الثروة الحيوانية    «ورلد سنترال كيتشن» يوقف خدماته الخيرية في رفح    قصف أطفال ومستشفيات غزة و«المطبخ العالمى» تعلّق أنشطتها    «أونروا»: إسرائيل حولت قطاع غزة لمكان غير صالح للحياة    وزير إسرائيلي: تحقيق الاستقرار في رفح قد يستغرق 5 سنوات    «الطلاب فقدوا وعيهم بسبب الحر».. درجات الحرارة تتخطى 52 في هذه المدينة    منتخب مصر: برنامج تأهيلي لأحمد فتوح قبل مباراة بوركينا فاسو    فليك: أود مواصلة مسار الألقاب مع برشلونة    صدمة لريال مدريد قبل مواجهة دورتموند في نهائي دوري أبطال أوروبا    الداخلية تعلن بدء مغادرة أول فوج من حجاج القرعة إلى الأراضى المقدسة    ضبط لحوم ودواجن فاسدة وتحرير 271 محضر تمويني بالمنوفية    إصابة شخص في حادث تصادم على الطريق الإقليمي بالمنوفية    رسميًا موعد عطلة عيد الأضحى بالسعودية 2024 وعدد أيام الإجازة    المجلس القومى للمرأة يهنئ الفائزات بجوائز الدولة التقديرية والتفوق والتشجيعية لعام 2024    فيلم الحَرَش لفراس الطيبة يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان روتردام للفيلم العربي    ب «شعر اشقر».. غادة عبد الرازق تفاجىء جمهورها بإطلالة مختلفة    من هو رضا بدير الحاصل على جائزة الدولة بترشيح من نقابة المهن الموسيقية؟ (تفاصيل)    تعرف سر إطلالة ياسمين صبري بفستان أحمر على «ريد كاربت كان»    مواعيد عيد الأضحى 2024: تفاصيل الإجازات والاحتفالات    واعظ أزهري: ممكن 3 بنات يدخلوك الجنة    وزير الصحة يبحث مع سكرتير الدولة الروسي تعزيز التعاون في مجال تصنيع الدواء والمعدات الطبية    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الثالث للروماتيزم والمناعة والأمراض المصاحبة بالمجمع الطبي بالإسكندرية    هيئة الدواء تقرر سحب علاج من السوق (تفاصيل)    أعمل بمكة المكرمة ونويت أداء العمرة والحج فمن أين أُحرم؟.. البحوث الإسلامية يوضح    حبس المتهم بالشروع في قتل عامل ديلفري بالعياط 4 أيام    الفرق بين التكلفة الفعلية والنمطية لتوصيل التغذية الكهربائية    تشيلسي سيعوض ليستر ب 8 ملايين يورو للحصول على مدربه    محافظ دمياط تفتتح مدارس فهيمة متولى بدوى ودقهلة خلال احتفالات العيد القومي    محافظ أسيوط يترأس اجتماع اتخاذ التدابير الوقائية لمنع انتشار الأمراض المعدية    قرار جديد من اتحاد الكرة بشأن تحصيل بدلات الحكام من الأندية    البابا تواضروس الثاني يستقبل وفدا وزاريا فلسطينيا    تأييد قرار النائب العام بالتحفظ على أموال «سفاح التجمع»    هيئة الدواء: تسعيرة الدواء الجبرية تخضع لآليات محددة ويتم تسعير كل صنف بشكل منفرد بناء على طلب الشركة المنتجة    رئيس قطاع الآثار الإسلامية يعلن اكتشافات أثرية بجامع المادراني    ب«كتب مجانية وخصومات تصل ل50%».. انطلاق فعاليات معرض الشلاتين الأول للكتاب    تأجيل محاكمة 73 متهما ب "خلية التجمع" ل 10 أغسطس    المعارضة الإسرائيلية توافق على خطة لتغيير حكومة نتنياهو.. ما علاقة جانتس؟    مساعد وزيرة الهجرة يستعرض جهود الوزارة في ملف دعم المصريين بالخارج    «مصايف الإسكندرية» ترفع الرايات الثلاث على الشواطئ.. احذر البحر في هذه الحالة    انطلاق أولى رحلات الحج السياحى البرى.. صور    شروط ومواعيد التحويلات بين المدارس للعام الدراسى المقبل.. تعرف على الأوراق المطلوبة    خبيرة فلك تبشر مواليد برج الدلو في 2024    جيش الاحتلال يعلن مقتل 3 من قواته في رفح    صعود مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات جلسة الأربعاء    الفرق بين التحلل من العمرة والحج.. الإفتاء تشرح    كوريا الجنوبية والإمارات توقعان اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة    مواعيد مباريات اليوم.. نهائي دوري المؤتمر الأوروبي.. وكأس مصر    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    رئيس رابطة الأنديةل قصواء: استكمال دوري كورونا تسبب في عدم انتظام مواعيد الدوري المصري حتى الآن    شيكابالا يكشف سبب حصول نادي الأهلي على البطولات الأفريقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصداقة نعمة أم نقمة؟
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 06 - 2017

برزت على مدى التاريخ الإنسانى صداقات عدة تركت بصماتها بعمق على مفهوم العلاقات الإنسانية. والغريب أن أشهر هذه الصداقات هى التى انتهت بالخيانة والغدر. من أهم هذه الصداقات كانت صداقة السيد المسيح مع تلميذه يهوذا والتى انتهت بتسليم الأخير سيده للسلطات الدينية اليهودية والسياسية الرومانية ليحاكموه ويدينوه، وأيضا صداقة يوليوس قيصر وبروتس والتى انتهت بمصرع الأول بيد الأخير، وقد كانت آخر كلمات قيصر «حتى أنت يا بروتس»، وفى تاريخنا المصرى المعاصر كانت صداقة عبدالناصر بعبدالحكيم عامر والتى انتهت بمصرع الأخير. ودائما كانت هذه النوعية من الصداقات مصدرا للتحليلات التاريخية والفلسفية والنفسية وقد بنيت صداقة عبدالناصر بعبدالحكيم عامر وكذلك علاقة يوليوس قيصر وبروتس على توافقات سياسية وعسكرية، أما صداقة المسيح بيهوذا فكانت أساسا دينية وإن كان الفصل بين ما هو دينى وما هو سياسى وعسكرى أمرا صعبا فى مثل هذه الأمور.
***
سوف نركز فى مقالنا هذا على التحليلات التى ظهرت أخيرا عن علاقة يوليوس قيصر ببروتس وعملية اغتياله التى خلدها وليم شكسبير فى مسرحية تراجيدية متميزة. وأخرجتها هوليوود فى فيلم من أعظم أفلامها التى تعد على أصابع اليدين، وقد أبرز هذا الفيلم الدور الذى لعبه مجلس الشيوخ حينئذ ضد يوليوس قيصر والذى يعد من أهم قادة الإمبراطورية الرومانية التى حكمت العالم لأكثر من سبعمائة عام. إلا أن ما يدعونا لفتح ملف اغتيال يوليوس قيصر الآن هو اكتشاف مكان اغتياله فى روما مما فتح باب الأبحاث ثانية للخبراء والمؤرخين للجريمة التى ارتكبت عام 44 ق.م، والتى لم يفتح فيها تحقيق فى وقتها بسبب الحروب الداخلية بين مؤيدى القيصر والرافضين له.
نتيجة لذلك الاكتشاف اختار القضاء الإيطالى أحد المحققين المشهورين بنجاحاته فى التحقيق فى مثل هذه النوعية من الجرائم السياسية ويدعى جاروفانو والذى فتح التحقيق بعدة أسئلة منطقية: لماذا منع يوليوس قيصر حراسه من مرافقته إلى مجلس الشيوخ على الرغم من تأكده أن خصومه كانوا ينوون اغتياله؟ ولماذا أصر على أن يقف وحيدا متحديا إياهم متجاهلا اعتراضات قيادات معسكره وزوجه؟ ولماذا تجاهل ما صرح به العرَاف وبقوة عن أن يوم 15 مارس يوم مشئوم عليه قائلا له «إن ذهبت إلى مجلس الشيوخ يوم 15 مارس لن تعود منه»؟ وبالطبع لم يجد المحقق من يجيب إجابات قاطعة فى هذا الشأن فرجع إلى التقرير الطبى الذى وضعه الطبيب أنتيستيوس؛ والذى كان الطبيب الأشهر فى زمانه وكان شاهدا بنفسه على الجريمة والوحيد الذى عاين القتيل لتحديد سبب الوفاة، ولقد استند المؤرخون إلى تقريره باعتباره الطبيب الخاص بعائلات النبلاء والقادة العسكريين. وقد جاء نص تقريره كالتالى: «إن القيصر قد أصيب ب 23 طعنة غالبيتها غرست فى الظهر ومؤخرة الساقين الأمر الذى يشير إلى خوف المتآمرين من النظر فى عينى من انتظروه لخمس ساعات بهدف اغتياله».
لقد سجل الطبيب إصابة بعض القتلة بجروح غير قاتلة نظرا إلى اندفاع المتهورين منهم وطعنهم فى موقع واحد من جسد الضحية وقال إن عدد هؤلاء لا يزيد على 11 شخصا، وأثبت أن الطعنة القاتلة سددها بروتس من جهة الخاصرة، وهذه الطعنة خلدها شكسبير بجملة «حتى أنت يا بروتس؟ إذن ليسقط القيصر». وفى مسرحية أخرى جاء الحوار بين يوليوس قيصر وبروتس هكذا: أن يوليوس قيصر وهو يرى بروتس يهم على طعنه قال له: حتى أنت يا بروتس؟ وجاءته الإجابة: أنا أحبك... لكننى أحب روما أكثر».
وقد حرص بعض المؤرخين الرومان على استعمال جملة «حتى أنت يا ولدى؟» لإبراز الخيانة بوجهها القبيح وكان السبب فى استخدامهم هذه الجملة أن يوليوس أراد أن يعترف فى لحظة مصرعه بالقصة المتداولة بين الناس بأن يوليوس كان عشيقا لأم بروتس. وفى تحليل لأحد علماء النفس إن مشاركة بروتس فى قتل يوليوس كانت انتقاما منه.
***
أما خليل مطران الأديب والشاعر اللبنانى الذى ترجم المسرحية فقد أوضح لنا وجها آخر ليوليوس بأنه ذلك الذى وجه انتصاراته العسكرية ليربح المزيد من النفوذ السياسى، وهذا دفعه لتغيير النظام الديمقراطى الجمهورى الذى يعتمد على حكم الشعب إلى نظام ملكى يحكمه طاغية حول روما إلى إمبراطورية تحكم معظم العالم فى ذلك الوقت. ولقد كان هناك نوع من البروتوكولات أن أى قائد رومانى ينتصر فى معاركه الخارجية ويكسب أرضا جديدة يضمها للإمبراطورية عليه أن يقف خارج روما لعدة أيام منتظرا حتى تهيئ روما ذاتها لاستقباله كبطل الأبطال بالورود والرياحين والرقص وتحتشد الجماهير لتحيته فى اليوم المعين لاستقباله، وهو يدخل واقفا فى مركبته الحربية فى أجمل زينة يضع على رأسه إكليلا من الغار ويطوق عنقه إكليلا آخر ويجر خلفه أسراه من الملوك والقادة الذين هزمهم مربوطين بسلاسل إلى عربته الحربية، ويقف خلفه حارسه وأحد حكماء العصر يهمس فى إذنه كل خطوتين «تذكر أنك إنسان». ولقد حدث هذا كثيرا مع يوليوس قيصر فى تاريخه الطويل من الانتصارات مما جعله يتصور أنه إله وليس إنسانا أو حتى نصف إله، إلا أن أحد السياسيين ويدعى كاشيوس كان يتطلع إلى حكم روما فأقنع بروتس بأهمية التخلص من الامبراطور الذى ألغى النظام الجمهورى وأراد أن يكون إلها.
***
هنا علينا أن نرجع إلى سؤال فى منتهى الأهمية والذى طرحه المحقق: ترى ما هو الدافع الذى جعل الإمبراطور يرفض حماية حرسه الخاص وكان هذا كفيلا بإفشال خطة اغتياله؟ ولقد بحث المحقق بعمق للإجابة على السؤال ووجدها فى أن الإمبراطور كان يعانى من مرض الصرع فى الفترة الأخيرة من حياته ورجح أن تكون إصابته جاءت نتيجة ضربة قوية فى الرأس أصابته بارتجاج فى المخ. وقد ذكر أحد المؤرخين الثقاة أن يوليوس قيصر توقف عن حضور جلسات مجلس الشيوخ بعد عودته من رحلته الأخيرة لأنه كان يخشى من أن يتعرض لنوبات الصرع أثناء كلامه أو استماعه؛ حيث كانت نوباته من أصعب النوبات وكانت تدوم بين عشر ثوان وثلاثين ثانية حتى يفيق متحررا من الاهتزاز الذى تصاب به كل عضلات جسده.
عندما وصل المحقق لهذه الحقيقة بدأ فى مراجعة الملابسات التى أحاطت بيوم الحادث واكتشف أن هذا اليوم كان قد خطط له القيصر ذاته ليتخلص من حياته بسبب عذابه الجسدى، وقد رغب أن يؤدى هذه المهمة الصعبة خصومه فى المجلس بدلا منه، وهكذا صرف الحراس بعيدا عنه لئلا يكونوا سببا فى إفشال مخططه. وصف أحد المؤرخين الرومان المعروفين المشهد الأخير ليوليوس قيصر هكذا «عندما وصل يوليوس إلى المجلس أسرع بالجلوس على كرسى العرش وتقدم منه المتآمرون وطلب قائدهم منه الوقوف لكنه لم يفعل؛ لا لأنه يرفض أوامرهم بل لأن وقوفه كان سيعرضه للسخرية لأنه كان متألما من معدته» بهذه الكلمات أنهى المحقق تحقيقاته فى مصرع الإمبراطور العظيم ويقول إن مقتل القيصر رفع من أهمية مارك أنطونيوس الذى حمل الجثة تسيل منها الدماء ورفعها أمام الجماهير فى الخارج وألقى خطبة عصماء فى مديح القيصر وإنجازاته مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية هرب على أثرها كاشيوس الذى خطط لمؤامرة قتل القيصر وأخذ مكانه ومعه بروتس خوفا من انتقام الشعب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.