فى الجزء الأول من أول حوار معه بعد توليه منصبه الجديد، كشف المستشار عادل فرغلى، رئيس محاكم القضاء الإدارى، عن تفاصيل برنامج التطوير الذى بدأ تنفيذه فى المحاكم بهدف التيسير على المتقاضين وسرعة الفصل فى القضايا، بما فى ذلك مشروع الميكنة التكنولوجية الذى سيتعامل معه المواطنون لأول مرة فى المحاكم المصرية، وكذلك موقفه من قضايا العائدين للمسيحية. وصرح فرغلى، الذى عرف بمواجهاته العديدة مع المسئولين والوزراء خلال فترة رئاسته قسم التشريع، عن رأيه القانونى فى قضايا إحالة الإخوان للمحاكم العسكرية والدعاوى التى يقيمها المواطنون لإلغاء اتفاقيات دولية وقعت عليها مصر، والأحكام القضائية بسحب تراخيص بعض الصحف، كما يتحدث عن مشكلة الأحكام المتناقضة فى مجلس الدولة، وموقف المجلس من عودة المستشار بطل قضية الرشوة الشهيرة العام الماضى. ونفى فرغلى أن يكون قد تعرض لضغوط حكومية أو سياسية طوال فترة اعتلائه منصة القضاء، أو سمع بممارسة مثل هذه الضغوط على القضاة، لكنه اعتبر أن الضغط الأكبر يأتى من الرأى العام ووسائل الإعلام، وإذا كان للقاضى رأى سياسى فى قضية معينة، فيجب عليه التنحى فورا. وعن رأيه فى قرارات رئيس الجمهورية بإحالة المدنيين للمحاكمة العسكرية، ومنهم خيرت الشاطر النائب الثانى لمرشد الإخوان، خصوصا أن دعاوى إلغاء هذه القرارات تدخل فى اختصاص الدائرة التى سيترأسها من أكتوبر المقبل، قال فرغلى إن «المادة 6 فقرة ب» من قانون المحاكم العسكرية تمنح الرئيس صلاحية إحالة أنواع معينة من الجرائم والقضايا إلى القضاء العسكرى، ولا تمنحه سلطة إحالة متهمين بعينهم. والواقع أنه تتم إحالة قيادات الإخوان المسلمين إلى المحكمة العسكرية فى قضايا عادية مثل غسل الأموال، ويحاكم المتهمون الآخرون فيها أمام المحاكم العادية، مما يمثل مخالفة صارخة للدستور والقانون، علما بأن التأصيل القانونى لها واضح، ولا يستحق الإحالة للمحكمة الدستورية العليا كما يطالب البعض. وأضاف فرغلى: فى منتصف الثمانينيات أصدرت حكما بإلغاء قرار رئيس الجمهورية بإحالة القيادى التكفيرى شكرى مصطفى، والمجند سليمان خاطر، قاتل الإسرائيليين السبعة فى سيناء، إلى المحاكمة العسكرية، ولم تنفذ الحكومة الحكمين، فتم إعدام شكرى مصطفى، وأعلن عن انتحار سليمان خاطر فى ظروف غامضة، عقب أيام قليلة من نطقى بالحكم. وشدد فرغلى على أن بعض الدعاوى المرفوعة أمام القضاء الإدارى بشأن اتفاقيات دولية ومواثيق وقعت عليها مصر ليست قرارات إدارية يمكن الطعن عليها أمام مجلس الدولة، لأنها قرارات سيادية وطنية، والتصدى لها من الناحية القانونية خطأ يقفز بالقاضى ليحل محل الحكومة، وهو لا يمتلك المعطيات الكافية لإصدار رأى قانونى فيها، ونفس الأمر ينطبق على مسألة سحب تراخيص الصحف، فهذا يدخل فى صميم عمل الحكومة، ودور القاضى يظهر عندما يتضرر صاحب الصحيفة من قرار إلغاء الرخصة فقط. واعتبر فرغلى أن سبب لجوء المواطنين للقضاء برفعهم مثل هذه القضايا «الإعلامية والجماهيرية» تزايد فى السنوات الأخيرة بسبب حرمانهم من التعبير عن آرائهم بحرية فى الشارع وفى المؤسسات التشريعية، فاعتبروا المحاكم متنفسا لهم على أمل الحصول على أحكام تغير الواقع أو تعيد لهم حقوقهم. وأشار إلى أنه سيتبع رئيسى المحاكم السابقين المستشارين محمد الحسينى ود. محمد عطية، فى تعليق الحكم فى قضايا العائدين للمسيحية حتى صدور حكم نهائى من المحكمة الدستورية العليا بشأن المادة 47 من قانون الأحوال المدنية. وقال فرغلى بشأن قراره إحالة قضايا أقارب المستشارين المنظورة فى دوائرهم إلى دوائر أخرى، إنه تلقى عددا من الشكاوى الكيدية ضد قضاة نظرت دوائرهم قضايا بعض أقاربهم، على الرغم من أنهم تنحوا عن نظر القضايا ولم يوقعوا على الأحكام، لكنه أصدر هذا القرار، وتعمد أن يشمل الأقارب حتى الدرجة الرابعة، لينفض عن سمعة القضاة أى غبار ويبعدهم عن الأقاويل. وذكر فرغلى، الذى يعتبر من أبرز المنادين بالحد من ظاهرة الانتداب، أن انتداب القضاة فى الجهات الإدارية لم يؤثر على إنجازهم للقضايا، لكنه دفع مجلس الدولة لوضع ضوابط صارمة هذا العام بإبعاد القضاة عن الدوائر المختصة بنظر قضايا الجهات الإدارية المنتدبين إليها، حتى فى الأقاليم التى يشغل العديد من قضاتها مناصب استشارية فى دواوين المحافظات. وقال إن أهم التعليمات التى أصدرها لرؤساء دوائر القضاء الإدارى هى الإسراع فى تحديد مواعيد لبدء نظر عشرات الآلاف من الدعاوى المرفوعة منذ سنوات، وتوزيعها على الدوائر حسب الاختصاص، نظرا لأنه لم تحدد لها جلسات حتى الآن فى دوائر حيوية ومهمة، ففى الدائرة الأولى وجدت 775 قضية لم يتحدد موعد لنظرها، وفى الدائرة الثانية الخاصة بقضايا النقابات والاتحادات الرياضية والجمعيات الأهلية وجدت 1700 قضية، ووجدت 1750 قضية فى الدائرة الثالثة الخاصة بالتراخيص، ووجدت 2800 قضية فى الدائرة الثامنة. بينما كان الرقم الأكبر من نصيب الدائرة التاسعة المختصة بالعقود ووجدت 9 آلاف قضية لم تحدد لها جلسات، ثم فى الدائرة الرابعة المختصة بالإزالات وجدت 6 آلاف قضية. وأوضح فرغلى أنه تم تشكيل لجنة خاصة لمتابعة العمل فى الدائرتين وتحديد مواعيد للقضايا المتأخرة بهما، وأضاف: ليس عيبا أن نحدد جلسات قريبة أو بعيدة لبدء النظر فى القضايا، المهم أن يكون المتقاضى مطمئنا لموعد نظر قضيته، وشخصيا حددت جلسات فى يونيو المقبل لبدء نظر بعض القضايا غير المستعجلة، وليس هناك أى مبرر للقاضى ليهمل تحديد جلسات لهذا الكم الهائل من الدعاوى، خصوصا أن الوصول للحقيقة والعدالة متأخرا لا قيمة له. وأشاد فرغلى برؤساء الدوائر الذين استطاعوا إنجاز جميع القضايا المنظورة أمامهم وتحديد جلسات للدعاوى الجديدة، مشيرا إلى أن الإحصائيات أثبتت تطور سير العمل فى محاكم مجلس الدولة، حيث أنجز القضاة فى العام الماضى عددا ضخما من القضايا، خصوصا فى موضوع رصيد الإجازات، حيث تم الفصل فى 18 ألف قضية رصيد إجازات خلال عام واحد، ويتبقى 100 ألف قضية جديدة وقديمة فى نفس الموضوع، وضع لها نظام مداولة معين، بحيث لا تتم إحالتها لهيئة مفوضى الدولة لإعداد رأى قانونى بها، بل يتم الاستماع إلى رأى المفوض شفاهة فى الجلسة، بهدف الإسراع فى نظرها وتيسير الإجراءات على الموظفين. وبالنسبة لقضايا المعاشات المكدسة حاليا فى أروقة هيئة المفوضين، أكد فرغلى أنه سيتم تجميعها على مراحل، وستوضع لها مبادئ قانونية عامة، وستحال بصورتها الحالية إلى المحكمة حتى إذا لم يودع فيها الرأى القانونى، على أن يتم الفصل فى القضايا المتشابهة منها بإتباع نماذج لن تستدعى مداولة طويلة بين القضاة. وكشف فرغلى عن البدء فى تنفيذ مشروع ميكنة العمل الإدارى بمجلس الدولة انطلاقا من محاكم القضاء الإدارى، حيث يجرى إنشاء 10 نوافذ إلكترونية توزع اختصاصاتها بين تلقى الدعاوى وتسجيلها، وتحديد موعد لبدء نظرها، ومتابعة مواعيد تأجيلها وحجزها للحكم، وفى النهاية تسليم نسخة الحكم لأطراف الخصومة بسعره المقرر 80 قرشا، دون اللجوء للموظفين الإداريين، حيث يدمن معظم الموظفين على طلب الإكراميات من المتقاضين ويجبرونهم على دفع أضعاف المبالغ المقررة لتسليمهم الأحكام. وسيقتصر دور الموظف الإدارى حسب المشروع على تنفيذ قرار رئيس المحكمة خلال 48 ساعة بإبلاغ موعد تأجيل القضية أو حجزها للنافذة الإلكترونية المختصة، وبالتالى سيقطع هذا النظام أى شبهة لعلاقة مباشرة بين المواطنين والموظفين الإداريين، ويمنع الممارسات السلبية لبعض الموظفين بالتلاعب فى تواريخ الجلسات وتقديمها أو تأخيرها لمصلحة طرف معين فى القضية. وعن الظاهرة المنتشرة فى محاكم مجلس الدولة برفع بعض الجلسات دون تحديد مواعيد تأجيل القضايا مما يكون مقدمة لإهمالها تماما، أكد فرغلى أنه ألزم رؤساء المحاكم بنطق القرار علانية أمام المتقاضين حتى إذا أجلوه إلى نهاية الجلسة، وأن يوقع رئيس المحكمة بنفسه موعد الجلسة المقبلة فى الجدول. وأوضح أنه سيولى اهتماما بالطعون الاستئنافية المنظورة فى القضاء الإدارى لإلغاء أحكام أول درجة الصادرة من المحاكم الإدارية الخاصة بالموظفين، والتى لم يكن يهتم بها رؤساء المحاكم ويفضلون الفصل فى الدعاوى الجديدة مباشرة، حيث تم الاتفاق على الفصل فى نسبة معينة من هذه الطعون كل عام، وتشكيل دائرة من قاضيين أو ثلاثة داخل كل دائرة عادية لمتابعتها.. وقال إنه ألزم رؤساء الدوائر بتحديد جلسة لنظر موضوع القضية بعد الحكم فى شقها المستعجل، وعدم الاكتفاء بإحالتها إلى هيئة المفوضين لإعداد رأى قانونى بشأنها، وأضاف: كان الخصم المتضرر من الحكم يطعن عليه بمجرد الفصل فى الشق المستعجل فى القضية، وكان ملف القضية ينتقل إلى المحكمة الإدارية العليا وهو مفتوح لعدم وجود تأصيل قانونى كامل للحكم. وأضاف: اتفقنا على صيغة جديدة لأحكام القضاء الإدارى المستعجلة، يحدد فيها القاضى موعدا مستعجلا آخر للنظر فى الموضوع والتأصيل القانونى للحكم، ويلزم ممثل هيئة المفوضين بتسليم رأيه القانونى فى موعد معين، حتى تنتهى المنازعة تماما، نافيا أن يكون ذلك دافعا للحكومة لعدم تنفيذ الأحكام المستعجلة لصالح المواطنين «الحكومة كانت تنتظر الحكم النهائى من الإدارية العليا، فسنصدر لها نحن الحكم النهائى لنسد كل الذرائع أمام التعطيل». واعترف فرغلى بوجود مشكلات قانونية بسبب صدور أحكام متناقضة بشأن موضوع واحد من عدة دوائر بالقضاء الإدارى، كما حدث العام الماضى بصدور حكمين متناقضين من دائرتين فى قضية تراخيص المتاجر فى سوق العبور، وللتغلب على هذه المشكلة ستعود الحياة من جديد للفكرة التى كان يطبقها د. عبدالرزاق السنهورى، رئيس مجلس الدولة مطلع الخمسينيات، بعقد دائرة للدوائر المجتمعة لإقرار مبادئ قانونية. وأضاف: هناك بالطبع دائرة لتوحيد المبادئ فى المحكمة الإدارية العليا تسير كل المحاكم على هديها، وبالنسبة للقضاء الإدارى سيجتمع رؤساء الدوائر المتشابهة أو المتكاملة فى الاختصاص شهريا للاتفاق على آراء ومبادئ موحدة أو متقاربة لتلافى الخلافات، وعدم إقامة طعون متناقضة تماما فى قضية معينة أمام الإدارية العليا. وانتقل فرغلى للحديث عن توابع أزمتين برزتا العام الماضى بشأن اثنين من القضاة، أولهما المستشار أحمد عبداللطيف، نائب رئيس مجلس الدولة السابق، والمتهم بتلقى رشاوى من رجال الأعمال محمد فريد خميس، حيث أكد فرغلى رفض مجلس الدولة النهائى عودة المستشار لعمله، مؤكدا أنه استقال بمحض إرادته على عكس ما يدعى. وأضاف فرغلى: ادعى المستشار أحمد عبداللطيف أنه استقال تحت إجبار وضغوط من رجال الرقابة الإدارية الذين ضبطوه متلبسا بتقاضى الرشوة، وتبين أنهم اعتقلوه يوما واحدا فقط قدم بعده استقالته مكتوبة، ثم تم إطلاق سراحه لثلاثة أسابيع كاملة قبل أن يعاد طلبه مرة أخرى، وهو لم يقدم خلال الأسابيع الثلاثة أى تظلم بشأن إجباره على الاستقالة، كما أن استقالة القاضى مقبولة بقوة القانون، وتم تفعيلها بمجرد تأكدنا أن إرادته كانت حاضرة ساعة اتخاذه القرار. وبالنسبة لأزمة القاضى إسلام الملط الذى تمت إحالته إلى وظيفة غير قضائية بسبب اتهامه فى قضايا غير أخلاقية، أوضح فرغلى أن مجلس الدولة أرسل لرئيس الجمهورية القرار، والمعتاد أن يصدر قرار جديد بتعيينه فى موقع آخر، نافيا أن يكون قد تقدم بدعاوى للعودة إلى وظيفته أو دعوى بطلان لحكم مجلس الصلاحية.