أستاذ اللغة العربية – جامعة جازان السعودية * النَّحْتِ: هو بناءُ كلمةٍ جديدةٍ من كلمتين أو أكثر أو من جملة، بحيثُ تكون الكلمتان أو الكلمات متباينةً في المعنى والصُّورةِ، وبحيثُ تكون الكلمة الجديدة آخِذة منها جميعًا بحظٍّ في اللَّفظِ، دالَّة عليها جميعًا في المعنى، أو أن تعمد إلى كلمتين أو جملة فتنزع من مجموع حروف كلماتها كلمة، ولما كان هذا النزع يشبه النحت من الخشب والحجارة سمي نحتًا، أو أن تؤخذ كلمتان وتنحت منهما كلمةً. * الغرض من النحت:النَّحتَ وسيلة عبقرية من وسائل تنمية اللغة وتكثير مفرداتها؛ حيثُ اشتقاق كلمات حديثة، لمعان حديثة، ليس لها ألفاظ في اللّغة، ولا تفي كلمة من الكلمات المنحوت منها بمعناها.والنحت تيسير للتعبير بالاختصار والإيجاز. * أقسام النحت في اللغة العربية: قسَّمه المُتأخِّرُون بعد استقراء الأمثلة إلى الأقسام التالية: – الأول: النَّحتُ الفعليُّ: وهو أن ينحت فعلاً من كلمتين أو أكثر: (بَسْمَلَ): إذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم. (حَمْدَلَ) إذا قال: الحمد لله. (حَسْبَلَ) إذا قال: حسبي الله ونعم الوكيل. (دَمْعَزَ) إذا قال: أدام الله عزك. (سَبْحَلَ) إذا قال: سبحان الله. (طَلْبَقَ) إذا قال: أطال الله بقاءك. (سَمْعَل) إذا قال: السلام عليكم. (جَعْفَدَ) إذا قال: جُعِلت فِداك. – الثاني: النَّحتُ الاسميُّ: وهو أن ينحت من كلمتين اسما، مثل: (جلمود): من "جمد" و"جلد".(حبقر): من "حب" "قر".(سامراء): من "سُرَّ من رَأَى". – الثالث: النَّحتُ النِّسبيُّ: وهو أن تنسبَ شخصًا أو شيئًا إلى بلدتين أو اسمين على طريق النحت، مثل: (طبرخَزي): نسبة إلى:"طبرستان" و"خوارزم".(عبشمي): نسبة إلى:"عبد شمس".(عبدري): نسبة إلى:"عبد الدار". (عبقسي): نسبة إلى: "عبد القيس". – الرابع: النَّحتُ الوصفي: وهو أن تنحتَ من كلمتين كلمة واحدة تدل على صفة جامعة لمعنى الكلمتين المنحوت منهما، وقد تكون أشد منهما في المعنى، مثل: – ضِبَطْر: للرجل الشديد، مأخوذ من: "ضبطر" و"ضبر"، وفي ضبر معنى القوة والشدة. – الصِّلدِم: ومعناها: الشديد الحافر، مأخوذ من: "الصلد" و"الصدم". – صَهْصَلَق: الشديد من الأصوات، منحوت من: "صهل" و"صلق"، وكلاهما بمعنى: صَوَّتَ. – الخامسُ: النَّحتُ الحرفيُّ: مثل قول بعض النحويين، إنّ (لكنّ) منحوتة، فقد رأى الفراء أنّ أصلها (لكن أنّ) طرحت الهمزة للتخفيف ونون (لكن) لالتقاء الساكنين، وذهب غيره من الكوفيين إلى أنّ أصلها (لا) و(أن) والكاف زائدة وليست تشبيهيّة، وحذفت الهمزة تخفيفا. – السَّادسُ: النَّحْتُ التَّخفيفي: مثل (بَلْعَنْبَر) في بني العنبر، و(بَلْحَارِث) في بني الحارث، و(بَلْخَزْرَج) في بني الخزرج، وذلك لقرب مخرجي النون واللاّم، فلما لم يمكنهم الإدغام لسكون اللاّم حذفوا. – السَّابعُ: تأويلاتٌ نحتيَّةٌ: وذلك أن تُؤَول الكلمة على أنَّها منحوتة من كلمتين أو أكثر، ويرد معناها إلى معنى تلك الكلمات. والغالبُ أنَّ هذا يُلجأ إليه من بابِ النُّكتةِ أو الطُّرفةِ، وقد يكون للتَّعليمِ وأخذِ العِبْرَةِ. ويَرِدُ أكثرُهُ عن طريقِ التَّكلُّفِ والتَّعسُّفِ. ومن أمثلة ذلك: ما أورده الجاحظ في كتابه البخلاء عن أبي عبد الرحمن الثوري أنَّهُ قال لابنه:"أي بني: إنَّما صار تأويل الدرهم: دار الهم، وتأويل الدينار: يدني إلى النار"، قال الجاحظُ:"إنَّما هذا شيءٌ كان يتكلّمُ به عبد الأعلى، إذا قيل له: لم سمي الكلب قليطًا؟ قال: لأنَّه قلّ ولَطى! وإذا قيل له: لم سمي الكلب سلوقيَّا؟ قال: لأنَّه يستل ويلقي! وإذا قيل له: لم سمي العصفور عصفورًا؟ قال: لأنَّهُ عَصَى وفر". ومنه هذا قولهم في (كربلاء): كَرْب وبَلاَء، وفي (فلسفه): فلس وسفه..