تمتاز اللغة العربية بعدة خصائص؛ من أهمها السعة والمرونة وكثرة المفردات؛ ممَّا جعلها قادرةً على حمل أمانة القرآن الكريم، دستور الله القويم، الذي بيَّن فيه طريق السعادة في الدارين للناس أجمعين؛ الأمر الذي جعلها قادرة على أن تُعبِّر عن أحوال الأمم السابقة، وأحوالنا الحالية وأحوال المستقبل حتى يوم القيامة وما بعدها؛ من البعث والنشور والحساب، وأحوال أهل الجنة وأهل النار، هذه السعة والمرونة لعلها كانت أحد أسباب تكريم الله تعالى لها بأنْ أنزل القرآن بلسانها – والله أعلم -، يقولُ السيوطي:"قال بعض الفقهاء: كلامُ العرب لا يحيطُ به إلاّ نبيٌّ … وهذا الذي نَقَله عن بعض الفقهاء نصَّ عليه الإمامُ الشافعي t، فقال في أوائل الرسالة: لسانُ العرب أوسعُ الألسنة مذهباً وأكثرُها ألفاظاً، ولا نعلمُ أن يحيط بجميع علْمه إنسانٌ غيرُ نبيٍّ"(1)، ويذكر الدكتور محمد الندوي أنَّ:"عدد الألفاظ المستعملة من اللغة العربية خمسة ملايين وتسعة وتسعون ألفاً وأربعمائة لفظ [5099400]، من جملة ستة ملايين وستمائة وتسعة وتسعين ألفاً وأربعمائة لفظ [6699400]، بينما نجد الفرنسية لا تحتوي إلا على خمسة وعشرين ألف كلمة [25000]، والإنجليزية على مائة ألف كلمة [100000] فقط"(2). ولك أن تتخيل عزيزي القارئ العربي وتفخر بأنَّ اللغة العربية تحتوى على مئات أضعاف مفردات اللغة الإنجليزية ذائعة الصيت؛ اللغة العالمية اليوم!! وهذا الثراء وتلك السعة حققتها اللغة العربية عن طريق عدة وسائل عبقرية؛ من أهمها: * اَلْوسِيْلَةُ اَلأَوْلَى: اَلاشْتِقَاقُ (التَّوليدُ): والاشتقاق: أخذُ صيغة من أخرى، مع اتفاقهما معنًى، ومادة أصلية، وهيئة تركيب لها؛ ليدل بالثانية على معنى الأصل، بزيادة مفيدة، لأجلها اختلفا حروفًا أو هيئة؛ كضاربٍ مِن ضرب، وحَذِر مِن حذر"(3). ومنه قولنا: كتب – يكتب – كاتب – كتاب – مكتب – مكتبة – كتيب – كتبة – اكتتاب ..الخ. * اَلْوَسِيْلَةُ اَلثَّانِيَةُ: اَلنَّحْتُ. وهو أن تؤخذ كلمتان وتنحت منهما كلمة تكون آخذة منهما جميعا بحظ"(4). وقال:"العرب تنحت من كلمتين كلمة واحدة، وهو جنس من الاختصار"(5).(بَسْمَلَ): إذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم. (حَمْدَلَ) إذا قال: الحمد لله. (حَسْبَلَ) إذا قال: حسبي الله ونعم الوكيل. (دَمْعَزَ) إذا قال: أدام الله عزك. (سَبْحَلَ) إذا قال: سبحان الله. (طَلْبَقَ) إذا قال: أطال الله بقاءك.(سَمْعَل) إذا قال: السلام عليكم. (جَعْفَدَ) إذا قال: جُعِلت فِداك. * اَلْوَسِيْلَةُ اَلثَّالِثَةُ: التَّعْريبُ. التعريب هو نقل الكلمة الأجنبية ومعناها إلى اللغة العربية: سواء تم هذا النقل دون تغيير في الكلمة أم بعد إجراء تغيير وتعديل عليها، وإذا تم نقل اللفظ الأجنبي إلى اللغة العربية من دون تغيير سُمِّي (دخيلًا)، وإذا وقع عليه التغيير سُمِّي (مُعرَّبًا)، ومن أمثلة الدخيل ألفاظ :الأوكسجين، والنتروجين، والنيترون، ومن أمثلة المعرب ألفاظ: التليفون والتلغراف، والتلفاز(6). ويطلق على العملية كلها مصطلح:"الاقتراض اللغوي أو الاستعارة اللغوية"، وهي عملية تمارسها اللغات الحية باستمرار إذ تقترض اللغة ألفاظًا معينة من لغات أخرى للتعبير عن مفاهيم جديدة لم يعهدها الناطقون بتلك اللغة من قبل. الحواشي: (1) المزهر في علوم اللغة وأنواعها، السيوطي، (1/5253). وينظر: الرسالة ؛ للإمام الشافعي (1/50). (2) لغة القرآن الخالدة بين مقومات الخلود ومظاهر الجمود، مجلة الأدب الإسلامي، عدد 7 ، 1995م ، (ص73). (3) ينظر: المزهر في علوم اللغة وأنواعها، جلال الدين السيوطي، تحقيق مولى بك وفضل إبراهيم والبجاوي، المكتبة العصرية، 1968م، 1/346. (4) مقاييس اللغة، ابن فارس (1/328-329). (5) الصاحبي في فقه اللغة،لابن فارس، ص461. (6) اللغة العربية والصحوة العلمية الحديثة، كارم السيد غنيم، مكتبة ابن سينا للنشر والتوزيع ، القاهرة، 1989م، ص65.