الجزار: مسئولو المدن الجديدة في جولات موسعة لمتابعة مشروعات رفع الكفاءة والتطوير والنظافة    غدا.. مجلس الشيوخ يناقش ملف جودة التعليم العالي    غدا.. مجلس الشيوخ يفتح ملف التصنيع الزراعي    السيسي: مصر تتمتع بموقع متميز ومحور رئيسي لنقل البيانات بين الشرق والغرب    روسيا تعلن تدمير 17 مسيرة أوكرانية    جدول مباريات اليوم.. الزمالك لحجز مقعد بنهائي الكونفدرالية.. ديربي لندن.. وترقب تريزيجيه    الأقباط السودانيون يتصدرون المشهد بقداس أحد الشعانين بدير الأنبا سمعان (صور)    42 عاما على تحريرها تنمية سيناء رد الجميل لشهداء الوطن    سعر الدولار اليوم الأحد 28 أبريل.. وقائمة أبرز العملات العربية والأجنبية    وزير الاتصالات يستعرض أمام السيسي محاور وأهداف استراتيجية مصر الرقمية    جولات لمسئولي المدن الجديدة لمتابعة مشروعات رفع الكفاءة والتطوير والنظافة    العودة في نفس اليوم.. تفاصيل قيام رحلة اليوم الواحد للاحتفال بشم النسيم    انطلاق دورة دراسات الجدوى وخطط الصيانة ضمن البرنامج التدريبي للقيادات المحلية    فرنسا تتهم زوجة قيادي في داعش بارتكاب جرائم ضد الإنسانية    غدا.. «بلينكن» يزور السعودية لمناقشة وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن    أنا وقلمى .. القادم أسوأ    افتتاح معرض أنشطة المدارس الرسمية لغات بالبحيرة    48 ساعة فارقة للأهلى والزمالك.. خطة «كولر وجوميز» لعبور نصف نهائى القارة السمراء    حالة الطقس اليوم.. الأحد حار نهارًا على أغلب الأنحاء والقاهرة تسجل 31 درجة    مصرع شخص وإصابة 23 آخرين في حادث تصادم بصحراوي أسوان/القاهرة    «تعليم مطروح» تنهي استعداداتها لانطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني    بعد اتهامها بالزنا.. عبير الشرقاوى تدافع عن ميار الببلاوى وتهاجم محمد أبو بكر    وداعًا المبهر العظيم صلاح السعدنى    الليلة الكبيرة - عيلة تايهة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : شكرا سيدى على الدعوة00!؟    نصائح هامة لتنظيم ساعات النوم مع التوقيت الصيفي    التصريح بدفن جثة شاب لقى مصرعه أسفل عجلات القطار بالقليوبية    ننشر أسعار الريال السعودي في البنوك المصرية الأحد 28 أبريل 2024    مواعيد مباريات اليوم الأحد 28- 4 -2024 والقنوات الناقلة لها    انتوا بتكسبوا بالحكام .. حسام غالي يوجّه رسالة ل كوبر    خلال شهر مايو .. الأوبرا تحتفل بالربيع وعيد العمال على مختلف المسارح    تحرير 7 محاضر مخالفة ضد أصحاب مخابز بالأقصر    تزامنًا مع قضية طفل شبرا.. الأزهر يحذر من مخاطر Dark Web    عاجل.. مدحت شلبي يفجر مفاجأة عن انتقال صلاح لهذا الفريق    بطلوا تريندات وهمية.. مها الصغير ترد على شائعات انفصالها عن أحمد السقا    لا بديل آخر.. الصحة تبرر إنفاق 35 مليار جنيه على مشروع التأمين الصحي بالمرحلة الأولى    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    لتضامنهم مع غزة.. اعتقال 69 محتجاً داخل جامعة أريزونا بأمريكا    عاجل.. قرار مفاجئ من ليفربول بشأن صلاح بعد حادثة كلوب    السكك الحديد تعلن عن رحلة اليوم الواحد لقضاء شم النسيم بالإسكندرية    مصرع 5 أشخاص وإصابة 33 آخرين في إعصار بالصين    رفض الاعتذار.. حسام غالي يكشف كواليس خلافه مع كوبر    آمال ماهر ل فيتو: مدرسة السهل الممتنع موهبة ربانية ومتمرسة عليها منذ الطفولة    اشتباكات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي غرب رام الله    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    عضو اتحاد الصناعات يطالب بخفض أسعار السيارات بعد تراجع الدولار    هيئة كبار العلماء السعودية تحذر الحجاج من ارتكاب هذا الفعل: فاعله مذنب (تفاصيل)    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    متحدث الكنيسة: الصلاة في أسبوع الآلام لها خصوصية شديدة ونتخلى عن أمور دنيوية    نصف تتويج.. عودة باريس بالتعادل لا تكفي لحسم اللقب ولكن    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    تملي معاك.. أفضل أغنية في القرن ال21 بشمال أفريقيا والوطن العربي    العالم الهولندي يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة ويكشف عن مكانه    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    السيسي لا يرحم الموتى ولا الأحياء..مشروع قانون الجبانات الجديد استنزاف ونهب للمصريين    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    " يكلموني" لرامي جمال تتخطى النصف مليون مشاهدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجهود الإفتائية في مواجهة التطرف
نشر في شموس يوم 19 - 08 - 2015


بقلم الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحداد
كبير مفتين عضو هيئة كبار العلماء مدير إدارة الإفتاء
بدائرة الشئون الإسلامية والعمل الخيري بدبي
مؤتمر الفتوى إشكاليات الواقع وآفاق المستقبل
دار الإفتاء المصرية – جمهورية مصر العربية
الجهود الإفتائية في مواجهة التطرف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرع لعباده الشرائع، وفتح لهم أبواب الخير وأمرهم بسد الذرائع، وأكرمهم بهداة يهدونهم إلى الحق بغير منازع ولا مدافع، وهم العلماء الفقهاء الذين أمر الناس بالرجوع إليهم إذا اختلطت عليهم المهايع، وهم الذين أوجب الله تعالى عليهم البيان عند السؤال أو حصول مقتضى الحال فيستفيد الأول والتابع
والصلاة والسلام على سيد الأنا الذي قال بلغوا عني ولو آية فرب مبلَّغ أوعى من سامع، وعلى آله الأطهار وصحابته من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم إلى يوم المصير والقرار.
وبعد فإن الفتوى خطيرة الشأن عظيمة الأثر فهي مهمة تولاها الله تعالى بنفسه في محكم آياته، وكلف بها خواص عباده من الأنبياء والعلماء الأتقياء، فلذلك يسمى المفتي موقعا عن الله وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفى بذلك فضلا وبمنتسب إليه بحق نبلا
وجدير بها وحاله كذلك أن لا يتقحم حماها إلا ذو كفاءة عالية وأهلية بالغة؛ لأنها قول على الله وخلافة لرسول الله، وقد حذر الحق سبحانه من التجرؤ عليها من غير أهلية فقال سبحانه في شأن من كان قبلنا : { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ } [الأعراف: 169] وهو ميثاق لجميع عباده لأنه سبحانه حق فلا يقبل إلا الحق، وقد نهى عن القول عليه بغير علم فقا جل شأنه : {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [النحل: 116] والفتوى هي التحليل والتحريم، فمن لم يكن متأهلا لها وقع في محظور النهي وواقعا في المخالفة التي توجب العقوبة الإلهية إن لم تتدارك الرحمة الربانية
ومما يؤسف له تجرؤ من ليس له أهلية هذه المكانة على هذا فيتقحم حماها فيضل ويضل عن سواء السبيل
والواجب أن لا يترك مثل هذا لما في تركه من ضرر وكبير خطر، بل لا بد أن يؤطر على الحق أطرا، حماية له من جُرم المخالفة، وحماية للأمة من آثار قوله
وما زال علماء الأمة ينهون من ذلك و يحذرون، إلا أن الجرأة على هذا الحمى لا تزال سيدة المشهد، لما لم يكن هناك وازع من سلطة، فحدث من ذلك فساد كبير وشر مستطير
وهاهم العلماء المعتبرون من أهل الفتوى والراسخين في العلم يجتمعون في هذا المؤتمر العالمي الذي دعت إليه دار الفتوى المصرية برئاسة سماحة مفتي الجمهورية الأستاذ الدكتور شوقي علام وفقه الله ؛ ها هم يناقشون أهمية الفتوى وضرورة حمايتها من الدخلاء.
و قد رقمت في هذه الصفحات جزاء من جهود العلماء قديما وحديثا في حماية الفتوى؛ لما في ذكر هذه الجهود من عون على صون مقام النبيين والعلماء الراسخين
ونسأل الله تعالى أن يكلل مساعي هذه المؤتمر حتى يحقق النجاح المنشود بمنه وكرمه
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه.
تعريف الإفتاء:
الإفتاء لغة: مصدر أفتى يفتي يقال: أفتى الرجل في المسألة، واستفيته فيها فأفتاني إفتاء، ويقال: أفتاه في المسألة إذا أجابه، والاسم منه الفتوى والفتيا, قال الطِّرماح:
أنخ بفناءَ أشدقَ من عديٍّ ومن جَرم وهم أهل التَّفاتي
أي أهل التَّحاكم وأهل الإفتاء[1]، ومنه قوله سبحانه: {ويستفتونك} [النساء 176] وقوله:{فاستفتهم} [الصافات11] وقوله:{أفتوني في أمري} [النمل 32] والفتوى، والفتيا بمعنى واحد، وهو الجواب عمَّا يشكل من الأحكام[2] مأخوذة إما من الفتى وهو الشاب الحدث الذي شب وقوي، أو من البيان قال ابن فارس: الفاء والتاء والحرف المعتل أصلان:
أحدهما يدل على طراوة وجِدّة.
والآخر على ما تبيين حكم، ومن المعنى الأول الفتى، وهو الطري من الشباب الذي شب وقوي، ومنه قوله تعالى: {إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى} [الكهف13] ومنه الفتوَّة، وهي الكرم والسخاء.
ومن الثاني قولهم: أفتى الفقيه في المسألة: إذا بيَّن حكمها.
وسمِّي الشاب فتى؛ لأنه يقوي ما أشكل بيانه فيشب فيصير فتياً قوياً[3].
ولا يبعد هذا المعنى اللغوي عن المعني الاصطلاحي، حيث يعرَّف الإفتاء اصطلاحاً بأنه: بيان حكم الواقعة المسئول عنها[4].
وتُعرَّف الفتوى بأنها: الجواب عمَّا يشكل من المسائل الشرعية.
أو هي: الإخبار بالحكم الشرعي على غير وجه الإلزام[5].
ويقال أيضاً: هي جواب حديث لأمر حديث، أي جواب محدث لأمر محدث كذلك[6]. والأمر المحدث؛ الحادث الذي لم يكن موجوداً، فهو ضد القديم.
وهو ما يعبر عنه بنازلة، أي قضية جديدة تستحق جواباً فقهياً يبين حكم الله تعالى فيها, كما تسمى الفتوى جواباً ومسألة، إلا أن النازلة تختص بما حدث فعلاً، دون المسائل فإنها تصدق على النازلة والافتراضية.
أما الاستفتاء, فهو طلب الفتيا، فالسين والتاء فيه للطلب كالاستغفار والاستعاذة، وهو خاص عرفاً بطلب الفتيا في أصول الشرع وفروعه، فلا يدخل فيه غيره من الأمور الأخرى طيبة كانت أو هندسية أو سياسية.. وإنما تسمي هذه الأمور استشارة، حيث لا يترتب عليها من الأثر الديني ما يترتب على الفتوى .
تعريف المفتي:
المفتي في اللُّغة من يتصدى للإفتاء بين الناس[7]، كما تقدم بيانه آنفاً، وعرفه الكرخي في قواعد الفقه[8] بأنه: الفقيه الذي يُجيب في الحوادث والنوازل، وله ملكة الاستنباط ا ه.
أما في الاصطلاح ؛ فله إطلاقان: خاص وعام.
ا– فالخاص: هو إطلاقه عند الأصوليين بمعنى المجتهد، فهو اسم مرادف له, فقد عرف ابن السمعاني المفتي بأنه: من استكملت فيه ثلاث شرائط: الاجتهاد، والعدالة، والكف عن الترخيص والتساهيل[9].
فجعل الاجتهاد شرط المفتي الأول، وسار على ذلك كافة الأصوليين كما قرره الجصاص، فإنه بعد ذكر شروط الاجتهاد قال: فمن كان بالمنزلة التي وصفنا جاز له الاجتهاد في أحكام الحوادث، ورد الفروع إلى أصلها، وجاز له الفتيا بها إذا كان عدلاً [10]1ه.
وقال الزركشي: المجتهد يجوز له الإفتاء، وأما المقلد فقال أبو الحسن البصري وغيره: ليس له الإفتاء مطلقاً[11].
وهذا ما قرره الشاطبي في موافقاته[12] فقد جعل بحث الاجتهاد في ثلاثة أطراف:
الأول: يتعلق بالمجتهد من جهة الاجتهاد.
والثاني: يتعلق بفتواه.
والثالث: يتعلق بإعمال قوله والاقتداء به، ثم ذكر في الطرف الثالث المتعلق بفتواه : أن المفتي قائم في الأمة مقام النبي صلى الله عليه وسلم
2 – أما إطلاقه العام: فهو كل من تصدى لبيان أحكام الشرع الشريف, وعرف بذلك, واتجهت إليه العامة, سواء كان منصَّبا لذلك أم لا.
شروط الإفتاء
لا يحق لمن أراد أن يفتي الناس أن يتسنم هذه الذروة حتى تتحقق فيه أهلية الإفتاء، كما هو الشأن في كثير من المناصب الدينية والدنيوية على حد سواء، فإنه لا يُمكَّن أحد من تولي أمر الخاصة فضلا عن العامة حتى تعلم منه أهليته لهذه الولاية؛ لئلا يفسد على الناس ما يريدون إصلاحه، ومنصب الإفتاء أهم من كل ولاية؛ لأنه بيان عن الله تعالى لما شرعه من الأحكام الشرعية أو العقدية المستنبطة من الأدلة التفصيلية كتابا وسنة وإجماعا وقياسا، وغيرها من الأدلة المختلف فيها والتي هي محل اعتبار عند الاستدلال، ومثل ذلك لا يتأتى إلا لكفؤ قد بزل في العلم والدربة والمكانة العلمية حتى شهد له ب1لك أقرانه، وأهم ما يشترط فيه :
* أن يكون بالغاً.. فإن الصبي وإن بلغ رتبة الاجتهاد وتيسر عليه درك الأحكام فلا ثقة بنظره وطلبه .
وأن يكون عالماً باللغة.. فإن الشريعة عربية، وإنما يفهم أصولها من الكتاب والسنة من بفهمه يعرف اللغة .
* أن يكون عالماً بالنحو والإعراب، فقد يختلف باختلافه معاني الألفاظ ومقا صدها.
* وأن يكون عالماً بالقرآن فإنه أصل الأحكام ومنبع تفاصيل الإسلام.
* وعلم الأصول فإنه أصل الباب حتى لا يقدم مؤخراً ولا يؤخر مقدماً، ويستبين مراتب الأدلة والحج.
* وعلم التواريخ مما تمس الحاجة إليه في معرفة الناسخ والمنسوخ.
* وعلم الحديث والميْز بين الصحيح والسقيم والمقبول والمطعون.
* وعلم الفقه وهو معرفة الأحكام الثابتة المستقرة الممهدة.
* وفقه النفس فهو رأس مال المجتهد ولا يأتي كسبه، فإن جُبل على ذلك فهو المراد، وإلا فلا يتأتى تحصيله بحفظ الكتاب … و قد عبَّروا عن جملة ذلك: بأن المفتي من يستقل بمعرفة الأحكام الشرعية نصاً واستنباطاً فقولهم نصاً: يشير إلي معرفة اللغة والتفسير والحديث.
وقولهم استنباطاً يشير إلى معرفة الأصول والأقيسة وطرقها وفقه النفس[13] ا ه.
فهذا هو المفتي عند الاطلاق وهو المسمى بالمجتهد المطلق، أو المجتهد المستقل الذي يستقل بإدراك الأحكام الشرعية العملية المكتسبة من الأدلة التفصيلية من غير تقليد ولا تقييد بمذهب معين فتلك هي شروطه المتفق عليها عند الاصوليين.
وهي التي عبر عنها الرازي بقوله: ( لا يكون الرجل من اهل الاجتهاد في طلب أحكام الحوادث حتى يكون عالما بجمل الأصول من الكتاب والسنة الثابتة, وما ورد من طريق أخبار الآحاد وما هو ثابت الحكم منها مما هو منسوخ وعالما بالعام والخاص منها, ويكون عالما بدلالات القول بالحقيقة والمجاز ووضع كل منه موضعه وحمله على بابه , ويكون مع ذلك عالما بوجوه الاستدلالات وطرق المقاييس الشرعية ولا يكتفي في ذلك بعلمه بالمقاييس العقلية لان المقاييس الشرعية مخالفه للمقاييس العقلية, فمن كان بالمنزلة التي وصفنا جاز له الاجتهاد ورد الفروع إلى أصولها، وجاز له الفتيا بها إذا كان عدلاً، بأن يكون مسلماً مكلفاً ثقة مأموناً، منزها عن أسباب الفسق ومسقِطات المروءة[14].
ولا ريب بأن تحصيل هذه العلوم مجتمعة تكاد تكون متعذرة في شخص واحد في عصرنا هذا, الموصوف بعصر التخصصات الدقيقة، التي لا يكاد يحسن فيها المتخصص غير فنه، بل بابه الذي تخصص فيه, بل في العصور الأولى أيضاً كان كذلك, ولذلك استثقلها إمام الحرمين رحمه الله تعالى وقال: المختار عندنا أن المفتي من عليه درك أحكام الشريعة، وهذا لا بد فيه من معرفة اللغة والتفسير وأما الحديث فيكتفي فيه بالتقليد, وتيسير الوصول إلى دركه بمراجعة الكتب المرتبة المهذبة, ومعرفة الأصول لا بدمنه, وفقه النفس هو الدستور، والفقه لا بد منه فهو المستند، ولا يشترط أن تكون جميع الأحكام في ذهنه في حالة واحدة, بل إذا تمكن من دركه فهو كاف ا ه .[15]
وهذا ما جرى عليه العلماء بعده, فقد حملوا الشروط السابقة على المجتهد المطلق، كما قال الخطيب الشربيني في المغني: ثم اجتماع هذه العُلوم إنما يشترط في المجتهد المطلق وهو الذي يفتي في جميع أبواب الشرع، أما المقيد بمذهب إمام خاص فليس عليه غير معرفة قواعد إمامه[16].. ا ه.
وقال ابن الصلاح: إنما يشترط اجتماع العلوم المذكورة في المفتي المطلق في جميع أبواب الشرع، أما المفتي في باب خاص من العلم، نحو علم المناسك أو علم الفرائض أو غيرهما فلا يشترط فيه جميع ذلك، قال: ومن الجائز أن ينال الإنسان منصب الفتوى والاجتهاد في بعض الأبواب دون بعض[17].
وهذا المجتهد المقيد هو الذي يطلق عليه اسم مفتٍ في زماننا، إن تحققت فيه أهلية المجتهد المقيد، بتوفر شروط الاجتهاد المقيد فيه، وقد عرفوه بأنه: المتبِحّر في مذهب إمامه، المتمكن من ترجيح قول له على آخر، فهذا يُسمَّى مجتهد الفتيا[18].
كما قال في مراقي السعود:
مجتهد الفتوى الذي يرجح قولاً على قول وذاك أرجح
وحقيقته أن يكون في مذهب إمامه مجتهداً مقيداً, فيستقل بتقرير مذهبه بالدليل، غير أنه لا يتجاوز في أدلته أصول إمامه وقواعده، ولا يتأتى له ذلك إلا أن يكون عالماً بالفقه، خبيراً بأصول الفقه، عارفاً بأدلة الأحكام تفصيلاً، بعيداً بمسالك الأقيسة والمعاني، تام الارتياض في التخريج والاستنباط، قيماً بإلحاق ما ليس بمنصوص عليه، في مذهب إمامه وقواعده، وإن كان لا يَعرَى عن الإخلال ببعض العلوم والأدوات المعتبرة في المجتهد المستقل، مثل أن يُخل ببعض علم الحديث أو العربية[19].
ويوجد هذا النوع بحمد الله في كل المذاهب ما يحقق الغرض في الفتيا، وتقوم به الحجة، فإن كان قادراً على إدراك مقاصد الشرع، وتنقيح مناط الحكم وتحقيقه فإنه يستطيع أن يعالج نوازل المسائل ويجتهد في استنباط أحكامها في ضوء النصوص الشرعية والقواعد المرعية والمقاصد الكلية.
وقد رجح ابن الصلاح رحمه الله تعالى أنه يتأدى بمثل هذا فرض الكفاية في الفتوى، وإن لم يتأد به فرض الكفاية في إحياء العلوم التي منها استمداد الفتوى، لأنه قد قام في فتواه مقام إمام مطلق فهو يؤدي عنه ما كان يتأدى به الفرض حين كان حياً[20].
وقال الزركشي: والحق أن الفقيه الفطن القيَّاس كالمجتهد في حق العامي، لا الناقل فقط[21].
فإن لم يكن بهذه المثابة من العلم فليس بأهل للفتوى فلا تحل له، بل يكون آثماً عاصياً وهو الذي يشير إليه قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا»[22] وحديث «أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار»[23]
وإذا كان غير كفؤ فإنه لا يجوز إقراره، بل يحب الإنكار عليه ومنعه[24]، كما قال ربيعة رحمه الله تعالى: بعض من يُفتي "أحق بالسجن من السراق" قال ذلك لماَّ رأى من يفتي وهو غير أهل، فبكى، فقيل له: ما يبكيك؟ أمصيبة دخلت عليك؟ فقال: لا، ولكن استفتي من لا علم لهُ وظهر في الإسلام أمر عظيم[25] 1ه.
فكيف لو رأى ربيعة زماننا؟ وحق لربيعة وغيره أن يبكي!! فعن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله»[26] وقد جاء عن حذيفة رضي الله تعالى عنه أنه قال: إنما يفتي الناس أحد ثلاثة: من يعلم ما نسخ من القرآن، أو أمير لا يجد بداً، أو أحمق متكلف,[27] و كان ابن سيرين رحمه الله تعالى يقول: ولست بواحد من هذين, ولا أحب أن أكون الثالث[28] فرحم الله ابن سيرين ما أورعه مع تأهله.
وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: لا ينبغي للرجل أن يعرض نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال:
إحداها: أن تكون له نية، فإن لم تكن له نية لم يكن عليه نور.
الثانية: أن يكون له حلم ووقار وسكينة.
الثالثة: أن يكون قوياً على ما هو فيه وعلى معرفته.
الرابعة: الكفاية وإلا أبغضه الناس.
الخامسة: معرفة الناس[29].
فهذه الخمس الخصال تمثل الأهلية العلمية والملكة النفسية لمن يحق له أن يفتي الناس، ويدخل بين الله وبين خلقه في بيان ما يسمى شرعا يجب التزامه، وإلا كان متكلفا مذموما، وقد قال حذيفة رضي الله تعالى عنه : إنما يفتي الناس أحد ثلاثة؛ من يعلم ما نسخ من القرآن، أو أمير لا يجد بداً، أو أحمق متكلف، و كان ابن سيرين رحمه الله تعالى يقول: ولست بواحد من هذين، ولا أحب أن أكون الثالث[30] فرحم الله ابن سيرين ما أورعه مع تأهله.
أهلية المفتي
من اتصف بهذه الشروط وتحققت فيه صفاتها فهو المؤهل للفتوى الذي يدخل بين الله تعالى وبين خلقه في توضيح ما يسألون عنه في دينهم ودنياهم، وإلا كان متكلفا ما لا يعنيه ومسئولا أمام الله تعالى فيما يلقيه وقد قال سبحانه {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36] وقال جل شأنه {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33]
فرتب المحرمات أربع مراتب، وبدأ بأسهلها وهو الفواحش، ثم ثنى بما هو أشد تحريما منه وهو الإثم والظلم، ثم ثلث بما هو أعظم تحريما منهما وهو الشرك به سبحانه، ثم ربع بما هو أشد تحريما من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم كما قرره ابن القيم [31] وذلك لأن القول على الله تعالى بغير علم هو من وحي الشيطان الذي يأمر اولياءه بمثله فيكون افتياتا على الربوبية في شرعه وحكمه كما حذر الله تعالى منه بقوله {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169] ذلك لأن الشرع إنما هو لله تعالى فيشرع لعباده بما يوحي به على رسله، ما يحقق لهم صفاء التوحيد وكمال العبودية ، فمن تقول عليه ما لم يأذن به سبحانه كان من أعظم الآثمين المفتين ؛ لأنه افترى عليه في شرعه وحكمه كما قال سبحانه {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]
ولذلك كان للعلماء الصادقين والسلف الصالحين؛ تهيبٌ كبير من الفتوى خشية الافتيات على الله تعالى، والقول عليه بغير الحق.
فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إذا نزلت به نازلة سأل عنها الصحابة، ولربما جمع لها مشايخ المهاجرين والأنصار، وكان من نهجهم ما حكاه ابن أبي ليلى بقوله: أدركت مائة وعشرين صحابياً، وكانت المسألة تعرض على أحدهم فيردها إلى الآخر حتى ترجع للأول.
وجاء عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه أنه قال: رأيت ثلاثمائة من أهل بدر ما فيهم رجل الا وهو يحب الكفاية في الفتوى. كل ذلك خشية أن يقول أحدهم على الله ما لا يعلم، وهو يعلم أن الله تعالى سيسأله ليس بينه وبينه ترجمان، حتى كان ابن عمر رضي الله تعالى عنه إذا سئل عن مسألة قال: اذهب إلى هذا الأمير الذي تقلد أمر الناس فضعها في عنقه، وقال: يريدون أن يجعلونا جسراً يمرون علينا على جهنم .اه
وسار على نهجهم التابعون وتابعوهم.
فقد حكي عن مالك رحمه الله تعالى أنه كان إذا سئل عن مسألة فكأنه واقف بين الجنة والنار فلذلك كان يكثر أن يقول: ما أحسن، وما أدري, كما قال موسى بن داوود: ما رأيت أحداً من العلماء أكثر أن يقول: لا أحسن, من مالك، وربما سمعته يقول: ليس نبتلى بهذا الأمر، ليس هذا ببلدنا .
وكان رحمه الله تعالى يقول عن نفسه: ربما وردت علي المسألة فأفكر فيها ليالي. وكان من منهجه رحمه الله تعالى أنه إذا سئل عن المسألة قال للسائل: انصرف حتى أنظر فيها فينصرف ويُرَدد فيها، فقيل له في ذلك؟ فبكى وقال: إني أخاف أن يكون لي من المسائل يوم وأي يوم!!
وكان إذا جلس نكَّس رأسه, وحرَّك شفتيه بذكر الله تعالى، ولم يلتفت يميناً ولا شمالاً، فإذا سئل عن مسألة تغير لونه – وكان أحمر- فيصفر, وينكس رأسه ويحر شفتيه ثم يقول ما شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وكان ربما سئل عن خمسين مسألة, فلا يجيب منها في واحدة, وكان يقول: من أحب أن يجيب عن مسألة فليعرض نفسه قبل أن يجيب على الجنَّة والنار, وكيف يكون خلاصه في الآخرة، ثم يجيب .
هذا مع أنه لم يتصد للإفتاء حتى شهد له جمع كبير من مشايخ المدينة وعلمائها أنه أهل للإفتاء. كما قال الناظم:
فمالك أجازه سبعونا محنَّكاً للصحب يتبعونا
وقال ما أفتيت حتى شهدا سبعون شيخاً أنني على الهدى
والشافعي أجازه الإمام بحان أن تفتي يا غلام
وكان الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول: لولا الخوف من الله أن يضيع العلم ما أفتيت أحداً, يكون له المهنأ وعلي الوزر .
وسئل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى مرة، فلم يجب، فقيل له في ذلك؟ فقال: حتى أدري أن الفضل في السكوت أو في الجواب.
ونقل الأثرم عن أحمد رحمه الله تعالى أنه كان يكثر أن يقول: لا أدري، وذلك فيما عرف الأقاويل فيه.
وكان ابن أبي حِلَّزة يقول لربيعة الرأي: إذا جاء رجل يسألك فلا يكن همك أن تخرجه مما وقع فيه، وليكن همك أن تتخلص مما سألك عنه.
ولا ريب أن يكون ذلك منهج الصحابة والتابعين وتابعيهم، فقد جاء في الحديث: «أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار» وقال أيضاً: «من تقوَّل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار، ومن استشاره أخوه فأشار عليه بغير رشد فقد خانه، ومن أفتي بفتيا بغير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه» .
فمن لم يكن على هذا المنهج الذي كان عليه سلفنا الصالح، وأقحم نفسه ما ليس له به علم فإنه لا يقر على مثل ذلك لخطر ما يصدر عنه من فتاوى قد تكون شاذة فتضر المجتمع وتهتك أستار الدين، ولذلك رأى السادة الأحناف أنه يحجر عليه ويمنع من الإفتاء ، فقد تقرر في مذهبه أنه لا يجوز الحجر إلا على ثلاثة على المفتي الماجن، وعلى المتطبب الجاهل، وعلى المكاري المفلس؛ لما فيه من الضرر الفاحش إذا لم يحجر عليهم، فالمفتي الماجن يفسد على الناس دينهم والمتطبب الجاهل يفسد أبدانهم، والمكاري المفلس يتلف أموالهم فيمتنعون من ذلك دفعا للضرر.[32]
الفتاوى الشاذة
الشاذ في اللغة المنفرد عن غيره يقال : شذ يشذ شذوذا انفرد عن غيره، وشذ نفر فهو شاذ[33] و شَذّ عن الجماعة أي فارق جماعة المسلمين وخالفهم[34] ومنه حديث ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله لا يجمع أمتي – أو قال : أمة محمد صلى الله عليه وسلم – على ضلالة ، ويد الله مع الجماعة ، ومن شذَّ شذَّ إلى النار"[35]
والشاذ عند أهل الحديث هو أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس، فإذا انفرد الراوي بشئ نظر فيه: فإن كان مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردودا، وإن لم يكن له مخالف، فإن كان ممن يوثق بحفظه وإتقانه فمقبول لا يقدح فيه انفراده، وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه ذلك الذي انفرد به، فإن لم يبعد من درجة الحافظ الضابط المقبول نفرده فحديثه حسن، وإلا فشاد مردود.[36]
ولا يكاد يختلف هذا المفهوم لمعنى الشاذ عند الفقهاء؛ لأنهم يطلقون شذوذ الفتوى على الأقوال غير المعتمدة في المذاهب الفقهية، وهي الأقوال التي ينفرد بها بعض أصحاب المذهب المعتبرين، مخالفين فيها معتمد المذهب أو المشهور منه، مع أنهم من ذوي المكانة في العلم، ومع ذلك لا يعتبر بما يخالفون فيه ويسمونه شاذا [37]
فإذا صدرت الفتوى أو القول ممن لم يكن متأهلا للفتوى كان قولا مردودا مرذولا غير معتبر عند أهل الفتوى، وهو ما يراد الحديث عنه في مثل هذا المقام
فإنه يراد بالفتوى الشاذة؛ الفتوى الصادرة عن غير ذي صفة في الفتوى، وتكون فتواه عارية عن النظر والاستدلال الصحيح المتفق مع نصوص الشريعة الكلية ومقاصدها السنية، وقد تكون سببا لفتق في الإسلام وطعن فيه كما يجري من فتوى الفئات الضالة كالدواعش وأضرابهم من الخارجين على أمة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يضربون برها وفاجرها بحد السيف – قتلا ذريعا وتفجيرا رهيبا – ويعزون ذلك للإسلام جهلا منهم بنصوصه ودلائله ومقاصده.
وتسميتها فتوى مع ذلك من باب الخطأ المشهور ، وإلا فحقها أن تسمى دعوة أو دعوات للإفساد في الأرض، فإن إهدار دماء الأبرياء وإخافة السبيل واستعداء غير أهل الإسلام على المسلمين، وإشعال الفتن بين المسلمين، فضلا عن مسائل العبادات والمعاملات المادية والاجتماعية كل ذلك ليس من الإسلام المتحدث عنها عند تطبيق أو الدعوة لذلك، فإن الإسلام لا يعرف إلا من خلال أهل العلم المعتبرين الذي أوجب الله تعالى العامة الرجوع إليهم كما في قوله سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] وقوله جل شأنه { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] وأهل الذكر هم العلماء الربانيون الذين استقوا العلم من أهله وتخصصوا فيه وشهد لهم الأنام به، وهم الذين أخذ الله تعالى عليهم العهد بالبيان للناس كما في قوله سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187] وهو العهد الذي يحملهم مسئولية البلاغ عن الله تعالى ورسله كما كان أبو هريرة رضي الله تعالى عنه يقول: ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا ، ثم يتلو {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} إلى قوله {الرحيم } "[38]
أما من لم يُعن بالعلم طلبا له من وجهه الصحيح، ولم يعرف به بين أهله، ولم يشهد له أهل العلم المعتبرين به، فإنه من أدعياء العلم الذين لا يجوز أخذ العلم عنه لأنه من الصنف الذي حذر منه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا "[39] وهو الأمر الذي كان يحذر منه السلف الصالح كما قال محمد بن سيرين رحمه الله تعالى : " إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذون دينكم[40] والتعويل على هؤلاء أو اعتمادهم في أمر الدين يؤذن بكوارث اجتماعية ودينية لأنه لا ينشأ عن ذلك إلا ضلال وإضلال، وذلك ما حذر منه المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق ، وعند ئذ يحق للناس أن يبكوا على ما حل بهم كما روى أبو أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله "[41]
وقد أصبح مثل هذا الحال ظاهرة تستدعي تظافر الجهود لمواجهتها ما دام في الأمة الإسلامية علماء أجلاء، من أهل الإفتاء المعتبرين؛ وذلك يكون بما يلي:
* الحجر على من ليس أهلا، وذلك بمنعه واتخاذ الوسائل القانونية الزاجرة له عن التصدي للإفتاء، كما ذهب إلى ذلك السادة الأحناف فيما تقدم تقريره، وذلك من باب السياسة الشرعية المخولة لولي الأمر الذي تكون ولاية الإفتاء والعزل منها بيده نظاما، كما قرره الإمام النووي رحمه الله تعالى نقلا عن الخطيب البغدادي فقد نقل عنه قوله: ينبغي للإمام أن يتصفح أحوال المفتين فمن صلح للفتيا أقره ومن لا يصلح منعه ونهاه أن يعود وتواعده بالعقوبة إن عاد .
قال: وطريق الإمام إلى معرفة من يصلح للفتوى أن يسأل علماء وقته ويعتمد اخبار الموثوق بهما لتحذير من اتباع غير المفتين المؤهلين[42]
وقال ابن القيم: من أفتى الناس وليس بأهل للفتوى فهو آثم عاص، ومن أقره من ولاة الأمور على ذلك فهو آثم أيضا. ثم نقل عن أبي الفرج ابن الجوزي – رحمه الله قوله: ويلزم ولي الأمر منعهم كما فعل بنو أمية. قال: وهؤلاء بمنزلة من يدل الركب، وليس له علم بالطريق، وبمنزلة الأعمى الذي يرشد الناس إلى القبلة، وبمنزلة من لا معرفة له بالطب وهو يطب الناس، بل هو أسوأ حالا من هؤلاء كلهم.
وإذا تعين على ولي الأمر منع من لم يحسن التطبب من مداواة المرضى، فكيف بمن لم يعرف الكتاب والسنة، ولم يتفقه في الدين؟ .
ثم قال : كان شيخنا – رضي الله عنه " يعني ابن تيمية رحمه الله تعالى " شديد الإنكار على هؤلاء، فسمعته يقول: قال لي بعض هؤلاء: أجعلت محتسبا على الفتوى؟ فقلت له: يكون على الخبازين والطباخين محتسب ولا يكون على الفتوى محتسب؟ وقد روى الإمام أحمد وابن ماجه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – مرفوعا: «من أفتى بغير علم كان إثم ذلك على الذي أفتاه» [43]وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: «أن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا؛ فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» وفي أثر مرفوع ذكره أبو الفرج وغيره: «من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السماء وملائكة الأرض» .
وكان مالك -رحمه الله -يقول: من سئل عن مسألة فينبغي له قبل أن يجيب فيها أن يعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف يكون خلاصه في الآخرة، ثم يجيب فيها.[44]
متابعة الفتاوى الشاذة والرد عليها
وحيث إن الفتاوى التي تصدر عن هؤلاء لم تعد خافية حيث تشيع بين الناس عن طريق وسائل الاتصال الحديثة، فلا تكاد تخرج من فيه أو يسطره قلمه أو ترقمه أنامله حتى تنتشر بسرعة الضوء، فكان لا بد من التصدي لها ببيان إحقاقا للحق وإزهاقا للباطل، ولا يجوز السكوت عن ذلك الباطل بعد ظهوره وإشاعته، لأن السكوت عليه قد يفسر بإنه إقرار به، وذلك ما لا يجوز السكوت عليه؛ لأن السكوت عند الحاجة إلى البيان بيان [45] كما يقول الأصوليون لا سيما مع وجود المقتضي من دفع الغرر والضرر عن الأمة.
وقد أحسنت دار الإفتاء المصرية بإنشاء مرصد الفتاوى الشاذة والمتطرفة لتفيندها والرد عليها، وهكذا ينبغي أن يكون من الجهات الإفتائية الأخرى حتى تتظافر الجهود لإزهاق الباطل وإطفاء حرائق الفتن
تحصين الشباب بالعلم النافع
ومن أهم ما يمنع خطر فوضى الفتاوى الباطلة هو تسليح الناس ولا سيما طلبة العلم بالعلم النافع المؤصل القائم على التأصيل العلمي المنهجي المذهبي، المأخوذ عن أهل العلم وأرباب التقى، ممن عرفوا بالوسطية والنظرة المقاصدية، العارفين بفقه الواقع وما يتعين أن يكون الناس عليه من تعاون على الخير والبر، وتعايش على السماحة التي هي منهج الإسلام، ممن عرفوا برحابة الصدر والانفتاح على فقه الخلاف ويعلمون ويعملون بأدب الخلاف، الذي من قواعده الذهبية المقولة المشهورة نسبة للإمام الشافعي رحمه الله تعالى: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، أي أن الخطأ والصواب لاسيما في الفقهيات أمر نسبي لا يجزم به، وحيث كان كذلك وكان الدليل يحتمل التأويل فلا يجوز التحجر على رأي واحد، ولا يكون ذلك التحجر والجمود إلا ممن لا يعرف فقه الخلاف، وهذا كاف لئلا يتصدر للإفتاء.
نشر دور ومراكز الإفتاء في المدن والبلدان المختلفة
بما أن الفتوى تمس حاجة المسلم في جميع تصرفاته حيث لا يخلو حال من أحواله لا يكون لله فيه حكم، فإن من المتعين أن ييسر للناس مراجع إفتائية معتمدة، حتى لا يضطروا لأخذ الفتوى من غير المتخصصين المتأهلين، لأن الناس ملزمون بسؤال أهل العلم عندما لا يعلمون كما قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] فهم محتاجون وملزمون شرعا ؛ إذ لا تصح عبادة ولا معاملة إلا في ضوء شرع الله تعالى ، فهم مسلمون وشأنهم ما قال الله تعالى {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162] أي أن كل حياة المسلم وفق شرع الله تعالى ، فلا يخلو حال من أحوال المسلم من أن يكون له حكم طلبا أو كفا أو إباحة ، ومثل ذلك لا يعلم إلا من قبل العلماء الشرعيين المتخصصين ، فإذا لم يجدوا الكفؤ سألوا من ظنوه عالما ، وقد يظلهم عن سواء السبيل، كما هو الواقع المشاهد، كما أن في ذلك إبقاء للشريعة الغراء وتثبيتها وحمايتها، ولربما جاء يوم لا يوجد من يقوم بذلك عياذا بالله تعالى وذلك من أشراط الساعة كما روى حذيفة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب ، حتى لا يدرى ما صيام ولا صدقة ولا نسك ، ويسرى على كتاب الله في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية ، ويبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة ، يقولون : أدركنا آباءنا على هذه الكلمة : لا إله إلا الله فنحن نقولها " قال صلة بن زفر لحذيفة : فما تغني عنهم لا إله إلا الله ، وهم لا يدرون ما صيام ولا صدقة ولا نسك ؟ فأعرض عنه حذيفة ، فرددها عليه ثلاثا كل ذلك يعرض عنه حذيفة ، ثم أقبل عليه في الثالثة ، فقال : " يا صلة تنجيهم من النار"[46]
وهذه هي فترة الشريعة التي قررها ابن الصلاح ومن قبله إمام الحرمين رحمهم الله تعالى جميعا، فقد قالوا: إذا لم يجد صاحب الواقعة مفتيا ولا أحدا ينقل له حكم واقعته لا في بلده ولا في غيره فماذا يصنع قلت هذه مسألة فترة الشريعة الأصولية والسبيل في ذلك كالسبيل في ما قبل ورود الشرائع والصحيح في كل ذلك القول بانتفاء التكليف عن العبد وإنه لا يثبت في حقه حكم لا إيجاب ولا تحريم ولا غير ذلك فلا يؤخذ إذن صاحب الواقعة بأي شيء صنعه فيها[47] واستدلوا بحديث حذيفة رضي الله تعالى عنه – السابق – والأمة مأمورة أن تسعى لطلب العلم وإحياء الشريعة كما قال سبحانه : {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] وهذا أسلوب تحضيض أي لينفر ، وهو ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله "بلغوا عني ولو آية "[48] وقال صلى الله عليه وسلم : " نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع"[49]
وجود مرجعية إسلامية للإفتاء
وجود مرجعية إسلامية عليا للفتوى من أهم المهمات لما يتحقق بها من ضبط الفتوى، فإن الفتوى مع هذه المرجعية لا تصدر إلا بعد تمحيص واستبانة تامة، كما يجب أن يكون ؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وحيث إن هذا غير ممكن حاليا لعدم وحدة الأمة الإسلامية سياسيا، فإنه يكفي أن يكون للأمة مجامع فقهية عالمية يشترك فيها جل أو كثير من العلماء المعتبرين فيتدارسون القضايا المعاصرة وما تحتاجه الأمة من القضايا الفقهية الأخرى التي تحتاج إلى اجتهاد جماعي، ويصدر عن هذه المجامع فتوى تعمل بها الأمة وتكون محل القبول عندها، وهو ما يحصل في المجامع الموجودة التالية:
* مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي
* المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي
* مجمع البحوث بالأزهر الشريف
* المجامع الأخرى القُطرية في كل من الهند والسودان وبعض الدول الإسلامية وغير ها
وهناك مؤسسات الإفتاء مستقلة لها دور كبير نحوا من دور المجامع الفقهية، وذلك مثل:
* دار الإفتاء في جمهورية مصر العربية
* هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية
* إدارة الإفتاء بدائرة الشئون الإسلامية والعمل الخيري بدبيالإمارات العربية المتحدة
* مركز الإفتاء الرسمي بإمارة أبوظبيالإمارات العربية المتحدة
* مكتب الإفتاء بسلطنة عمان التابع لوزارة الشئون الدينية والأوقاف
* لجنة الإفتاء بدولة الكويت
* مركز الإفتاء الرسمي بدولة قطر
* دائرة الإفتاء بالمملكة الأردنية الهاشمية
فهذه المؤسسات وغيرها قد أسهمت إسهاما كبيرا في تحرير الفتاوى المؤصلة النافعة البعيدة عن الشذوذ والتطرف.
وقد أصدرت إدارة الإفتاء لدينا في دبي آلاف الفتاوى الرسمية الموثقة، تقع في عشرين مجلدا مطبوعا، فضلا عن أضعاف مضاعفة عن هذا العدد عبر موقع الدائرة الإلكتروني
ومثل ذلك في كل من المؤسسات والمراكز المذكورة في كل بلد، وقد أسهمت كثيرا في الحد من الغلو والتطرف الذي كان سيحدث لو لم تكن موجودة، فإنه إن لم تكن موجودة كانت الساحة ستخلو للعابثين بحيث لا يستطاع بعد ذلك السيطرة على الوضع وتقديم الشرع الحنيف الوسطي المؤصل – دينا قيما ملة إبراهيم – وسماحة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ورحمته وعالميته.
تكثيف الدورات المجمعية
ومع وجود هذه المجامع العظيمة النافعة إلا أنها – مع ما قدمت من فتاوى كثيرة – تحتاج إلى تكثيف نشاطها سنويا على الأقل، إن لم يكن نصف سنوي أو فصْلي؛ وذلك لكثرة المستجدات المتلاحقة التي تحتاج بيانا متتابعا.
والواقع أنها تعاني عجزا كبيرا في تحقيق هذا المبتغى بسبب عدم الدعم الدولي لها، والمطلوب من الدول دعمها دعما لائقا حتى تؤدي رسالتها على الوجه الأتم
مؤتمرات الفتوى
ومن الجهود المبذولة لصيانة الفتوى عن الاختراق من قبل غير المؤهلين الذين يفسدون ولا يصلحون هذه المؤتمرات المتخصصة التي يجتمع فيها أهل الاختصاص لتدارس وضع الفتوى وما يتعين أن تكون عليه من صون أن يقتحم حماها غير أهلها كهذا المؤتمر العالمي الكبير تحت رعاية دار الإفتاء المصرية لتدارس ما يجب فعله نحو صيانة الفتوى من الدخلاء، والذي سيكون له الأثر الكبير إن شاء الله تعالى في حفظ مقام الفتوى من الدخلاء
وقد سبقت جهود أخرى كان لها أثر فعال في صيانة الفتوى منها :
عناية مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، فقد ناقش هذا الموضوع في بعض مؤتمراته كما في السابعة عشرة المنعقدة بعمان عام 1427ه 2006م وأصدر قرارا شاملا رقم 153 بين فيه بعد تعريف الفتوى شروط الإفتاء وضوابطه وأهمية الفتوى الجماعية وحكم الالتزام والإلزام بالفتوى ومن لا تؤخذ عنه الفتوى وآداب الفتوى وخلص بعد ذلك إلى توصيات مهمة هي:
* يوصي المجمع بدوام التواصل والتنسيق بين هيئات الفتوى في العالم الإسلامي للاطلاع على مستجدات المسائل، وحادثات النوازل .
* أن يكون الإفتاء علماً قائماً بنفسه، يُدرس في الكليات والمعاهد الشرعية، ومعاهد إعداد القضاة والأئمة والخطباء .
* أن تقام ندوات بين الحين والآخر للتعريف بأهمية الفتوى وحاجة الناس إليها، لمعالجة مستجداتها .
* يوصي المجمع بالاستفادة من قرار المجمع رقم 104(7/11) الخاص بسُبل الاستفادة من الفتاوى، وبخاصة ما اشتمل عليه من التوصيات التالية:
* (‌أ) الحذر من الفتاوى التي لا تستند إلى أصل شرعي ولا تعتمد على أدلة معتبرة شرعا، وإنما تستند إلى مصلحة موهومة ملغاة شرعا نابعة من الأهواء والتأثر بالظروف والأحوال والأعراف المخالفة لمبادئ وأحكام الشريعة ومقاصدها.
* (‌ب) دعوة القائمين بالإفتاء من علماء وهيئات ولجان إلى أخذ قرارات وتوصيات المجامع الفقهية بعين الاعتبار، سعيا إلى ضبط الفتاوى وتنسيقها وتوحيدها في العالم الإسلامي.
كما كان قد ناقش هذا الموضوع في دورته الحادية عشرة المنعقدة بالبحرين عام 1419ه، الموافق 1998م. وكان مما أوصى به:
* الحذر من الفتاوى التي لا تستند إلى أصل شرعي ولا تعتمد على أدلة معتبرة شرعا، وإنما تستند على مصلحة موهومة ملغاة شرعا نابعة من الأهواء والتأثر بالظروف والأحوال والأعراف المخالفة لمبادئ وأحكام الشريعة ومقاصدها.
* دعوة القائمين بالإفتاء من علماء وهيئات ولجان إلى أخذ قرارات وتوصيات المجامع الفقهية بعين الاعتبار، سعيا إلى ضبط الفتاوى وتنسيقها وتوحيدها فبي العالم الإسلامي .
* الاقتصار في الاستفتاء على المتصفين بالعلم والورع ومراقبة الله عّز وجّل .
* مراعاة المتصدرين للفتيا لضوابط الإفتاء التي بينها العلماء، وبخاصة ما يلي :
أ – الالتزام بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وغيرها من الأدلة الشرعية، والتزام قواعد الاستدلال والاستنباط.
ب – الاهتمام بترتيب الأولويات في جلب المصالح ودرء المفاسد.
ج – مراعاة فقه الواقع والأعراف ومتغيرات البيئات والظروف الزمانية التي لا تصادم أصلا شرعيا.
د – مواكبة أحوال التطور الحضاري الذي يجمع بين المصلحة المعتبرة والالتزام بالأحكام الشرعية.
كما أن المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي عقد في عام 1429ه 2008م بمقر الرابطة بمكة المكرمة مؤتمرا عالميا بعنوان " الفتوى وضوابطها " وأصدر ميثاقا شاملا للفتوى [50]ينبغي أن يكون مرجعا لهيئات الفتوى ومؤسساته.
ومنها المؤتمر الذي عقده مركز الوسطية بدولة الكويت 9-11جمادىالأولى 1428ه 26-28مايو2007م بعنوان " منهجية الإفتاء في عالم مفتوح الواقع الماثل والأمل المرتجى" وأصدر توصيات نافعة مهمة[51]
كما كان لهيئة المحاسبة والمراجعة المالية معيار خاص بفتاوى المصارف الإسلامية عموما وفي مجال الاقتصاد الإسلامي خصوصا، فقد أصدرت الهيئة المعيار رقم 29 بعنوان ضوابط الفتوى وأخلاقياتها في إطار المؤسسات ، تحدث بعد تعريف الفتوى عن الحكم الشرعي لفتوى والاستفتاء ، ومجال الفتوى وشروط المفتي ، وواجبات المؤسسة المستفتية، وطريقة الفتوى ووسائلها ، وضوابط الفتوى ، ونص الفتوى ، وكتابة الفتوى ، والخطأ في الفتوى والرجوع عنها ، كل ذلك في اثنتي عشرة فقرة من المعايير الشرعية الصادرة عن الهيئة _ AAOIFI _[52]
فهذه الجهود وغيرها لها أثرها إن شاء الله تعالى في تصحيح مسار الفتوى الذي يراد اختطافه من أهله، ولعل هذا المؤتمر العالمي برعاية دار الإفتاء المصرية يكون له الأثر الأكبر والنفع الأعظم ؛ لما لهذه الدار من مكانة عالمية عالية ، وأسبقية مشهودة، وقبول تام من العالم الإسلامي، لاسيما وأنها في ظل الأزهر الشريف وقاهرة المعز وكنانة الإسلام
والله نسأل أن يتمم بالخير ويهدي الجميع إلى الصراط المستقيم
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
22شوال1436ه الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحداد
8أغسطس2016م كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء عضو هيئة كبار العلماء بدائرة الشئون الإسلامية والعمل الخيري بدبي
[1] لسان العرب لابن منظور مادة فتى147/15.
[2] المفردات للراغب مادة فتى ص 373، واللسان المادة نفسها.
[3] معجم مقاييس اللغة لابن فارس مادة فتى 473/4 والقاموس المحيط للفيروز أبادي المادة نفسها 273/4 والصحاح للجوهري كذلك 2452/6، ولسان العرب كذلك 148/15.
[4] التوقيف على مهمَّات التعاريف للمناوي ص: 79.
[5]منار أهل الفتوى وقواعد الإفتاء بالأقوى للقاني ص:203 والقاموس الفقهي لسعدي أبي جيب ص: 281.
[6] منار أهل الفتوى للقاني ص:204.
[7] القاموس الفقهي لسعدي أبو حبيب ص:281.
[8] ص: 498والتعريفات الفقهية للسيد محمد المجددي البركتي ص212.
[9] البحر المحيط للزركشي 6/ 305.
[10] الفصول في الأصول لأحمد بن علي الرازي الجصاص 4/ 273.
[11] البحر المحيط 306/6.
[12] 4/ 89، 244.
[13] البرهان 2/ 1331 1332
[14]– الفصول في الأصول للجصاص 273/4 وجمع الجوامع لتاج الدين السبكي 382/2 384 وفتاوي ابن الصلاح 21/1 28.
[15] البرهان 2/ 1333.
[16] مغني المحتاج 377/4 ونحوه في الروضة للإمام النووي 96/11.
[17] جمع الجوامع 385/2 ، ولب الأصول لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري ص: 148.
[18] أدب المفتي والمستفتي 28/1
[19] انظر أدب المفتي والمستفتي لابن الصلاح 32/1 ، ومقدمة المجموع ص :43.
[20] أدب المفتي والمستفتي 1 / 32.
[21] إرشاد الفحول للشوكاني ص: 223
[22] أخرجه البخاري في العلم، باب كيف يقبض العلم برقم 100 ومسلم في العلم باب رفع العلم برقم 673 .
[23] أخرجه الدارمي في المقدمة من سننه برقم 195، 2 / 136 من حديث عبيد الله بن أبي جعفر مرسلاً.
[24] إعلام الموقعين لابن القيم 4 /217
[25] أدب المفتي والمستفتي 1 / 20، والفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 2 / 153.
[26] أخرجه الحاكم في المستدرك 560/8 وصححه ، أحمد في المسند 422/5 ، وقال فيه الهيثمي في المجمع 245/5 فيه كثير بن زيد، وثقه أحمد وغيره، وضعفه النسائي.
[27] سنن الدرامي 73/1 .
[28] سير أعلام النبلاء للذهبي.
[29] كشاف القناع للبهوتي 6/ 299، وإعلام الموقعين لابن القيم 4/ 199.
[30] سنن الدرامي 73/1
[31] إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/ 31)
[32] المبسوط للسرخسي (24/ 157)
[33] المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 307)
[34] تكملة المعاجم العربية (6/ 278)
[35] سنن الترمذي الجامع الصحيح – الذبائح أبواب الفتن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – باب ما جاء في لزوم الجماعة حديث : 2144
[36] قره عين الأخيار لتكملة رد المحتار علي الدر المختار (7/ 372)
[37] وانظر أمثلة لذلك المجموع للإمام النووي 4/464 مسألة لبس الخاتم لغير الإمام تعقيبا على بعض علماء الشام المتقدمين، و3/409 تعقيبا على إمام الحرمين والغزالي في كيفية وضع اليدين أثناء التشهد، و1/131 تعقيبا على الماوردي في تنجس الماء القليل بموت الضفدع فيه ، والفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني 2/289 ردا على من قال إن تذكية المحرم لصيد البر تفيده طهارة ومنح الجليل شرح مختصر خليل4/533 في مسألة ما نقل عن مالك من حرق بيت الخمار … إلى غير ذلك من المسائل الكثيرة في كل مذهب
[38] صحيح البخاري – كتاب العلم باب حفظ العلم – حديث : 117
[39] صحيح البخاري – كتاب العلم باب : كيف يقبض العلم – حديث : 100 صحيح مسلم – كتاب العلم باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان – حديث : 4934 من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما
[40] مقدمة صحيح مسلم – باب في أن الإسناد من الدين حديث : 24
[41] المستدرك على الصحيحين للحاكم – كتاب الفتن والملاحم – حديث : 8653 وقال صحيح الإسناد و مسند أحمد بن حنبل – مسند الأنصار حديث أبي أيوب الأنصاري – حديث : 22957 و المعجم الأوسط للطبراني – باب الألف من اسمه أحمد – حديث : 284المعجم الكبير للطبراني – باب الخاء باب من اسمه خزيمة – المطلب بن عبد الله بن حنطب حديث : 3898
[42] المجموع شرح المهذب (1/ 41)
[43] أخرجه أبو داود -في كتاب العلم من سننه باب التوقي في الفتيا – حديث : 3190 الحاكم في المستدرك – كتاب العلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه حديث : 318
[44] إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 166)
[45] شرح التلويح على التوضيح (2/ 10)
[46] أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين كتاب الفتن والملاحم- حديث رقم: 8534 و ابن ماجه في كتاب الفتن
باب ذهاب القرآن والعلم – حديث : 4046
[47] فتاوى ابن الصلاح (1/ 40)
[48] صحيح البخاري – كتاب أحاديث الأنبياء باب ما ذكر عن بني إسرائيل من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما برقم : 3292
[49] صحيح ابن حبان – كتاب العلم ذكر دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم لمن أدى من أمته من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم : 66
[50] يقع في هذا الرابط http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Denia9/Fatwa/mol12.doc_cvt.htm
[51] يقع في هذا الرابط التالي : http://www.islamtoday.net/bohooth/artshow-32-9408.htm
[52] انظره في الرابط التالي : http://islamselect.net/mat/93288 صفحة 477-485


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.