أثيرت فى الأيام الماضية قضية خطيرة فى أعقاب نشر صورة تمثال نفرتيتي المشوه الذى تم وضعه فى مدخل مدينة "سمالوط" التابعة لمحافظة المنيا ، وسارعت الجهات المعنية بالشأن التشكيلى فى إصدار البيانات الصحفية المعتادة التى تشجب وتندد بسوء الاختيار وسوء التنظيم وتجاهل الجهات المعنية. وقد أكد هذ التجاهل المتعمد أحد الأساتذة المتخصصين فى فن النحت بكلية الفنون الجميلة بالمنيا الذى نفى معرفة الكلية وهى الصرح الكبير المتخصص المعنى بالفنون التشكيلية فى محافظة المنيا بهذا الموضوع من الأساس، بل ويؤكد وجود العديد من الأساتذة والفنانين المتخصصين فى هذا المجال تحديداً ، مؤكداً أن أعمالهم يشاد بها فى المحافل المحلية والدولية. وفى خضم الأحداث الساخنة والبيانات الصحفية التى صدرت من كلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا ونقابة التشكيليين وقطاع الفنون التشكيلية تناسى الجميع دور المحافظة ووزارة الحكم المحلى وهيئة التنسيق الحضارى كجهات أساسية معنية بهذا الشأن تأتى مهمتها فى المرتبة الأولى قبل النقابة وقطاع الفنون التشكيلية .ولكن تظل النهاية فى جميع الأحوال واحدة وهى تشويه الميادين العامة بأعمال لا ترقى إلى مستوى العرض على الجمهور ومن ثم أصبحت تشكل عائق أساسى فى تنمية الحس والتذوق الفنى لدى العامة . وذلك نتيجة لعدم وجود اختصاصات حقيقية واضحة لكل جهة ، وكذلك غياب التنسيق بين الجهات المعنية لتتم كل جهة دورها على النحو الأمثل. ومن هنا أنوه إلى أهمية الإهتمام بتدريس النحت الميدانى بصورة مكثفة فى كليات الفنون بصورة خاصة ، وكذلك تدريس تاريخ الفن الذى لايقل أهمية عن تدريس التقنيات الفنية, فتاريخ الفن هو الذى يصقل الخيال ويحفز الإبداع ، حيث يتعرف الدارس لتاريخ الفن على السمات التاريخية والفنية التى ميزت كل عصر من العصور ، وكيف ارتبط النشاط الفنى بالأحداث السياسية التى أثرت عليه . ويجدر بى هنا أن أتحدث عن التجربة الرائدة التى قامت بها وزارة الشباب فى مراكز الفنون التابعة لها والتى يمارس فيها الشباب من سن 18 وحتى 35 سنة أنشطة فنية متنوعة فى كافة المجالات الفنية من موسيقى وكورال وفنون شعبية وفنون تشكيلية بمختلف مجالاتها ، حيث يتم تدريس العديد من المواد التى تساعد على تحفيز الإبداع وعلى رأسها تاريخ الفن والتعرض لدراسة الأعمال الفنية الخارجية التى زينت الواجهات والميادين ، ثم تجرى فى نهاية العام مسابقة بين هؤلاء الشباب لإختيار أفضل الأعمال ، والجديد الذى قامت به وزارة الشباب هو طرح مجال جديد للتسابق ألا وهو النحت الميدانى لتحتفظ كل محافظة بهويتها وطابعها الفنى الذى يتم من خلاله إبراز أهم الأحداث السياسية والتاريخية فى تلك المحافظة . ولكن يظل الطريف هو أن جميع هؤلاء الشباب ليسوا من طلاب كليات الفنون ، ولكن كانت المفاجأة هى أفكارهم وأطروحاتهم الفنية التى غلب عليها الفكر المتطور والعمق فى التناول والتحليل بصورة بدا فيها العمل إحترافياً فى جوانب التجريد والاختزال المحسوب بدقة. ومن هنا أناشد كل الجهات التى أصدرت بيانات لتعلن أنها الجهة الوحيدة المنوط بها اختيار الأعمال الخاصة بتجميل الميادين دون عن غيرها من الجهات الأخرى أن تتناول الموضوع بصورة عملية واقعية وليست بيانات إعلامية وعبارات شجب وتنديد فقط . وأرى أن أولى مراحل الخطوات العملية للإنجاز الحقيقى لا تتمثل فى الإعتماد على الفنانين الكبار والأسماء الرنانة مع كامل الإحترام والتقدير لهم ولخبراتهم الطويلة بل لابد من خلق أجيال جديدة من الشباب فى هذا المجال عن طريق الكليات الفنية بالنسبة للمتخصصين ، وإقامة ورش فنية متخصصة فى مجالات النحت الميدانى والنصب التذكارى والتصوير الجدارى بالنسبة لغير المتخصصين من اصحاب المواهب، على أن يقوم بالتدريس فى تلك الورش مجموعة منتقاة من الفنانين والأساتذة الأكاديميين ، مع شرح أمثلة متنوعة من النحت الميدانى العالمى ، وكذلك لابد من عرض النماذج المرفوضة فى محافظات مصر والتى تسببت فى الأزمة مع بيان أسباب وحيثيات رفضها ليستفيد الجميع من الأخطاء ، ولنبدأ على الفور فى هذه الإجازة الصيفية ، لتكون لدى كل جهة معنية مجموعة ضخمة من النماذج تمثل مخزون فنى ثرى ، كما أؤكد على ضرورة إنشاء قاعدة بيانات فنية مدعمة بصور الأعمال لكل فنان أو مجموعة عمل ليتم على أساسها اختيار الأعمال التى ستعرض فى كل ميدان وفقاً لتاريخ الميدان والمحافظة أو المدينة وموقعها . لتصبح المدن والمحافظات متاحف مفتوحة تحوى قطعاً متميزة من الأعمال الفنية والجداريات المتميزة.