عقدت بالمجلس الأعلى للثقافة ندوة " آفاق الفنون وبناء الإنسان المصري القادم " والتى قام بتنظيمها اتحاد النقابات الفنية ، وذلك بحضور كل من الدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة و الدكتورة درية شرف الدين وزيرة الاعلام ، و الدكتور علاء عبد الغفار نائبا عن وزير التربية والتعليم ، وقد أدار الندوة الفنان هاني مهنا رئيس الاتحاد العام للنقابات الفنية صاحبة الدعوة . بداية وقبل أن نخوض فى تفاصيل اللقاء لابد من إلقاء الضوء على إصرار الفنان هانى مهنى للمرة الثانية على التوالى خلال شهر واحد على تجاهل وجود نقابة فنية تعد من أكبر النقابات الفنية فى مصر وأعرقها وهى نقابة الفنانين التشكيليين ، وقد تمثلت المرة الأولى فى تجاهل تكريم أى من الفنانين التشكيليين فى عيد الفن الذى تم الإحتفاء به يوم 13 من شهر مارس الماضى ، علماً بأن ذلك التجاهل نتج عنه إعتذار نقيب التشكيليين الدكتور حمدى أبو المعاطى عن حضور الإحتفال الذى حضره رئيس الجمهورية المستشار عدلى منصور إعتراضاً على هذا التجاهل والذى تم تفسيره والإعتذار عنه فى حينها بأنه خطأ غير متعمد مع وعد بأنه سيتم تدارك الأمر فى الفاعليات القادمة. ولكن من الواضح أن هذا التدارك لن يحدث على الإطلاق والدليل تجاهل دعوة الفنانين التشكيليين لحضور ندوة "آفاق الفنون وبناء الإنسان المصري القادم" وكأن التشكيليين غير معنيين بهذا الشأن ، وبالقطع هذا التجاهل ليس لوزير الثقافة الدكتور صابر عرب أو للمجلس الأعلى للثقافة علاقة به حيث أن الجهة القائمة على الفاعلية هى من تقوم بدعوة الحضور وليست الجهة المضيفة. بل وأزيد على ذلك أنه لو كان وزير الثقافة يعلم بعدم توجيه الدعوة لنقابة الفنانين التشكيليين وممثليها للحضور وإبداء رؤية التشكيليين فى بناء الإنسان المصرى القادم لربما تغير قراره بشأن الحضور أو المشاركة خصوصاً وأنه قام من قبل بتقديم معاتبة رقيقة للفنان هانى مهنا على تجاهل تكريم التشكيليين فى عيد الفن وطلب منه ضرورة أن يمثل التشكيليين فى جميع الفاعليات المقبلة التى ينظمها الإتحاد وتكون وزارة الثقافة شريكاً بها ، وذلك نظرأ لأن ثقافة عرب متعمقة ويعلم جيداً مدى أهمية الفنون التشكيلية فى نقل الثقافات وبناء الحضارات باعتبارها الناقل الأول للحضارات فهى لغة بصرية تتخطى حدود وحواجز اللغة المسموعة أو المقروءة وبالتالى فهى لغة عالمية يفهمها الجميع على إختلاف ثقافاتهم. والدليل على ذلك تأكيد وزير الثقافة خلال الندوة علي ضرورة التكاتف بين وزارت التعليم والاعلام والثقافة بهدف توصيل الخدمة الثقافية من خلال المدرسة وصولا الي رجل الشارع العادي وأشار ضمنياً أن ذلك يتضمن الفنون التشكيلية ، كما أشار إلى إنطلاق مبادرة القوافل الثقافية منذ الأربعاء الماضي متضمنة مجموعات الورش الفنية وتجاهل التغطية الاعلامية لهذه المبادرة من قبل وزارة الإعلام ، كما اضاف الي ضرورة قيام وزارة التربية والتعليم بإعادة حصص النشاط المدرسي من موسيقي ومسرح وفن تشكيلي وغناء ، لأن ذلك يؤثر في الوعي والوجدان لدي الجيل الجديد بعد أكثر من ثلاثين عاما من التغريب في الهوية المصرية وهو هنا أيضاً قام كمثقف بوضع الفنون التشكيلية بالتساوى مع باقى الفنون التى يصر المسئول عن الإتحاد على تجاهلهم. كما أضاف عرب بان الفن والثقافة هما الضمير الوطني والأساسي للقوة الناعمة في مصر ، وان مصر ليست دولة كبيرة في اقتصادها ولكنها دولة عظمي ثقافيا في ثروتها الحقيقية التي لا تنضب ومن الممكن استغلال الصناعات الثقافية من موسيقي وفن تشكيلي واوبرا وسينما وكل مفردات الثقافة لغزو العالم وتحقيق دخل كبير لمصر ولم يغفل دور الفن التشكيلى كسفير لمصر حول العالم ولم يتناسى التماثيل والمسلات والمنحوتات المصرية التى تعج بها ميادين العالم. ولا لوحات الفنانين التشكيليين المعاصرين التى تتخاطفها المتاحف العالمية لعرضها وآخرها متحف قطر التى تحارب مصر قيادة ولا تستطيع أن تتجاهل الفنانين التشكيليين المصريين فى حين يصر رئيس أتحاد النقابات الفنية على تجاهلهم . ان البنية الأساسية للعمل الثقافي تحتاج الي دعم هائل من الدولة ومن مؤسسات المجتمع المختلفة فما بالنا باتحاد النقابات ، وقد دعمت وزيرة الإعلام أيضاً الدكتورة درية شرف الدين تجاهل التشكيليين حيث أشارت فى كلمتها إلى عودة برنامج الموسيقي العربية وبرنامج فن البالية وبرنامج النقد المسرحي وصوت الموسيقي وبرنامج نادي السينما الذى كانت تقدمه من قبل وتجاهلت عودة برامج الفنون التشكيلية التى توقف معظمها أو على الأقل تعديل مواعيد إذاعة القلة القليلة الباقية منها لتحظى بكثافة مشاهدة بدلاَ من عرضها فجراُ والناس نيام. والسؤال الآن موجه للفنان هانى مهنا الذى يتعمد تجاهل التشكيليين فى حين يطالب وزارة الثقافة ان تقوم بتحويل البيوت والقصور الثقافية الي مراكز ابداع ثقافي ، واقامة المسابقات واكتشاف المواهب باقاليم مصر. فهل يعلم سيادته قبل أن يتقدم بهذا الطلب أن أهم ماتقوم عليه تلك المراكز هى الفنون التشكيلية نظراً لأنها النوع الوحيد من الفنون الذى يؤتى ثماره سريعاً ، و يعتمد جزء كبير منه على التلقائية والموهبة الفطرية ، ولا يحتاج إلى الجهد الذى يحتاجه التدريب على الموسيقى التى يهتم بها سيادته أو المسرح الذى يحتاج إلى تجهيزات وإعدادات خاصة تحتاج الوقت والمال والجهد ، بينما يرسم الكبير والصغير على الجدران والنوافذ والأسفلت ويشعرون بمتعه تضاهى بل وتفوق أى متعه يحصل عليها الإنسان فى ممارسة أى نشاط فنى آخر ، بدليل أن الفنون التشكيلية هى النشاط الوحيد الذى عكف علماء النفس والإبداع على دراسة مراحل النمو الفنى له لدى الإنسان فى مختلف مراحل عمره الطفل والراشد والبالغ ، وقد وضعت من خلال نتائج تلك الدراسات والممارسات مقاييس لتحديد الإعاقات العقلية والجسدية والنفسية. فإذا كنتم أيها المبدعون تتحدثون عن آفاق الفنون وبناء الإنسان المصري القادم فأحب أن أنوه لسيادتكم أنه إذا كان المسرح هو الأب الشرعى للفنون ، فإن الفنون التشكيلية هى الأم التى تحتضن كل الفنون ، فما من فن يمارس لا يدخل فيه الفن التشكيلى بصورة أو بأخرى من ملابس أو ديكور أو إضاءة أو أكسسوار أو رؤية حركية على خشبة المسرح أو أمام الكاميرات.