تتزاوج المفاهيم الفنية في اعمال الفنان «محمود داوود» بغرائبية تجريدية لها سريالية الوجود والعدم. ليقدم لنا شخوصه الكونية في لوحات تجمع صفة فنية غامضة بفطرة كونية تجعلنا نسبح وسط نسيج من تناقضات حارة وباردة لونيا، وفكريا مرتبطة بالبيئة والواقع، والمتخيل الذهني فنيا، فالمثيرات في لوحاته هي في الألوان وقدرة مزجها التجريدي المنظوم ايقاعيا بتقنيات وظفها جماليا بمخلوقات لا تتشابه فيما بينها. الا انها تبرز الوجود الذاتي المكبوت في واقع اللوحة الداخلي، والمتفلت من القيود الانسانية التي تسيطر بطغيانها على الحيوان الموجود في النفوس الشريرة، فصورة كل وجه تركه تجريديا يظهر تبعا لانعكاسات اللون مع الضوء ما هي الا لغة رمزية لها سيميائيتها الفنية، واسلوبها الميكس ميديا التي تختلط فيه المفاهيم الوجودية مع العدم والفراغات الضوئية المتناغمة مع كل خلفية يسبح فيها مخلوق كوني له سماته الخاصة بدءا من الاصابع الاربعة وصولا الى الحجم والشكل واللون المهيمن على ملامح اللوحة بشكل عام. تكوينات ذات تشكيلات تجريدية ينتج عنها ايحاءات سريالية، واخرى واقعية داخلية لكونسيات لها آفاقها التخيلية الخاصة، والمعجونة برؤية دلالية صامتة فراغيا بحيث يشعر الرائي بالسكون البدائي. الا ان ما يحمله كل لون من تدرجات منظمة ايقاعيا وتشابك ضوئي مبسط ومختزل من حيث المساحة، وتناقضها مع الحجم والفراغ، ومن حيث الغموض التجريدي الممزوج بسريالية فلسفية. مما يترك الذهن في حيرة تدفعه نحو تساؤلات وجودية عن الذات، وعن الساكن فينا من حيث الكينونة والقدرة الكامنة في التفاصيل الفنية، وجزئيات الفراغ الموظفة جماليا لتمنح البصر رؤية الأبعاد بتحرر بصري موصول بالفكرة وغرابتها والقدرة على ايصالها فنيا. الا ان « محمود داوود» يحمل انطباعات رمزية تركها في شخصية طاغية على اللوحة لم يحررها كليا مع الفكرة التي يريد ايصالها من خلال لوحة تحمل صفة قوة وجودية يمحوها العدم التجريدي، لتختفي حسيا مع المنظور والابعاد، والتأويلات التصويرية المتعددة المعاني مضمونا واسلوبا. تتوافق الالوان التجريدية مع الاشكال الفنية المستوحاة تشكيليا من افكار تخيلية تعتمد على كونيات منفردة في شخوصها، وقياساتها المبالغ فيها بالنسبة للمساحة الفراغية المتبقية. لتتسع البؤرة الضوئية وتتضخم الفراغات مرئيا وسط حركة زمنية لا مكان لها. الا في داخل لوحة مسرحية، وكأنه يسلط الضوء مسرحيا على بطل وجودي واحد له تفسيرات فنية عديدة اهمها محاكاة الواقع والتسلط، والقوة، والطغيان الذي يؤدي بالانسان الى التصرف بحيوانية تقود الانسانية نحو الفراغ او العدم او نحو الفناء الكوني الذي يعيد البشرية الى نقطة الصفر او اللاعودة، فهل يبوح « محمود داوود « بمخاوفه الاجتماعية والسياسية من خلال سريالية الاحجام، وتجريدية الالوان ؟.ام انه احتفظ بواقعية ريشته اللونية في خلفيات تتناحر فيها الالوان الباردة والحارة؟. احتراقات لونية تبدأ من حيادية لون رمادي ملون او متغير تبعا للضوء وبرودة الازرق. ليزداد سطوع الالوان بصبغات متغايرة متدرجة نسبيا من الخفوت الى العلو وبالعكس، فتؤثر الالوان فسيولوجيا على البصر والحس، وكأن اللوحة هي مرئية متحركة وفق انعكاسات المضمون والاسلوب او السلبي والايجابي ما بين الصورة الاساسية والخلفية وبين الخط واللون وبين الابعاد والفراغ، وبين السطوع وقوة اللون وانغامه الذاتية المنبعثة من الانعكاسات المتفاوتة بين الالوان في الخلفية والمقدمة، وكأنه يقسم اسلوبه الى قسمين. بل كأن الميكس ميديا هو كولاج لوني محدد وبخطوط تحدد الرسم، وتجريد يظهر للعين متناغما مع الميكس ميديا في اسلوب ديناميكي يحاكي من خلاله الواقع الداخلي للوحة او لعالم «محمود دواوود» الفني. غموض يثبر التساؤلات. الا ان هذا الغموض نرى من خلاله كل كتلة منفردة في فراغات انشأها عبر اللون وتناقضاته، وبتأثيرات اقترنت بالشخصية البوهيمية التي يصورها، وكأنها خرجت من بويضة مجتمعات تنافس ذاتها او من نفس طاغية متوحدة تعاني من العزلة والتوحد. الا انها تمثل العالم بتجريدها اللوني، فالايحاءات المرئية لحركة اللون تكشف عن طراز فلسفي يميل الى الكون والمفهوم الانساني. لبدائية الانسان وميثولوجيا الخلق الاول وشكلانية تكونية تتضمن تقنيات نغمة لونية ممزوجة باسلوب فن معاصر يجمع بين الماضي والمستقبل من خلال تضادات وجودية تقود الحداثة نحو العدم، فالخصائص الفنية في كل لوحة تتبع الفكرة، وما يتولد عنها من انطباعات حسية يتسبب فيها السكون الفراغي والحركة في الالوان والايقاعات النغمية المنبعثة من كل لون بشكل خاص كالرمادي الملون والاصفر. مستويات لونية تدفع الحواس نحو الاستكشاف لفضاءات اثار فيها فكرة التحرر من الحيوانية الكامنة في الانسان. لنبحث عن العصور المتعاقبة منذ بدء الخليقة وحتى الان. ونتفكر بتطور الانسان وانعكاسات الزمن على مفاهيمه المعرفية الحياتية، فهو استطاع منح الكتلة مبالغات تكوينية تمثل مشهداً يوحي برؤية بدائية انعزالية ذات تموجات تجريدية ترجمتها ريشة تميل الى فلسفة تزودنا بحقيقة الانسان ووجوده وجمالية كينونة تمنح الفن التشكيلي وجودا معاصرا له خاصية مخلوقات ترتبط بالانسانية ومفهوم الشر والخير والحرب والسلام اعمال الفنان «محمود داوود « في غاليري الرميل بيروت (la galerie 392 Rmeil 393) ضحى عبدالرؤوف المل عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.