الأديبة التونسية زينب جويلي، سيدة جادة وطموحة، تهتم في البحث في مجال الإعلام الموجه للطفل العربي، وتهتم بالعمل الصحفي والإعلامي، وتهتم بقضايا المستضعفين في الأرض خاصة من العمال، تتصف كتاباتها بالصراحة والجرأة، وكتاباتها تنم عن مفكرة خلاقة ومبدعة، ذات ثقافة وفكر عميقين، واضحة وصريحة جداً مع نفسها ومع الآخرين، تفهم واقعها جيداً، وتفهم ما تريده وما لا تريده، لها فهمها الخاص والموضوعي، لكثير من الأمور المتعلقة بالأدب والأدباء، والكتابة بشكل عام، لها طموحات جيدة، تسعى لتحقيقها. كعادتي مع كل من أحاورهن، كان سؤالي الأول لها هو : 1-من هي الأديبة التونسية زينب جويلي:دراستها، حالتها الاجتماعية، والعمر، والهوايات، وطبيعة عملها ومكان الإقامة؟؟؟ زينب جويلي، تونسية المولد، عربية الأصل..ولدت بمدينة جرجيس بالجنوب الشرقي لتونس، في 25/12/1979م، منسق عام لشعبة المبدعين العرب، (شعبة ثقافية) التابعة لاتحاد المنتجين العرب، لأعمال الإذاعة والتلفزيون العربي، رئيسة المنتدى العربي للإعلام والآداب، مهتمة بالبحث، في مجال الإعلام الموجه للطفل العربي، وانعكاساته عليه، لي اهتمامات بالعمل الصحفي والإعلام، أم لطفلين، أما عن دراستي، فقد درست في شعبة الرياضيات، إلى حدود البكالوريا، ومن ثم، درست كتعليم عالي/شعبة علوم الأرض والحياة (علوم طبيعية)، وها أنا الآن، أواصل دراستي الجامعية، اثر انقطاع دام طويلاً، بإدارة الأعمال، أما عن هواياتي، فالقلم، النصيب الأوفر له، وللرسم أيضاً، فسحة في حياتي: أحب اعتناق هذا الفن الراقي، الذي تجد فيه نفسي متنفساً، بين صفحة البياض الملطخة بمختلف الألوان، التي تعكس في تمازجها وتداخلها، وفق مسار رسمته، دغدغات الريشة على الورق، حالة من حالات النفس المتأملة، في تفاصيل الكون، وفي تجاذبات مختلف المتناقضات، اجتماعية، كانت او غير ذلك، المهم، كل ما يصدر عن الذات الإنسانية، في مختلف تفاعلاتها مع العالم المحيط بها...أما عن طبيعة العمل، فلا زلت اعتبر نفسي رحالة، لا يستقر لها قرار، تم إدماجي بسلك الوظيفة العمومية، مثل الآلاف من المعطلين، اثر ثورة 14 جانفي 2011م ضمن سبعين ألف حالة مماثلة لي، في تونس، عملت بسلك التعليم كعون إداري، ومن ثم، انتقلت إلى مركز المحافظة، كمشرفة على قسم الشؤون الاجتماعية، وملف التنمية بمدينتي، إلى أن وجدت بالنهاية عالمي الذي لطالما بحثت عنه، وهو العمل الثقافي، طلبت نقل إلى دار الثقافة، لأنغمس في كل ما من شانه أن ينهض بالفكر، ويضيف للبعد الإنساني في ذواتنا، رقياً وتحضراً، في انتظار قريب، لإدماج نهائي ورسمي، والتي تبقى حالة استثنائية أفرزتها ثورة تونس. 2- ما هي القيم والمباديء التي تؤمني بها وتدافعي عنها؟؟؟ قبل أن أجيب عن هذا السؤال فلنتفق أولا عن مفهوم هذا المصطلح الراقي في مجتمع بات يصنف القيم والمبادئ كونها أقرب إلى الرجعية والانغلاق، هذا المصطلح أرى انه نسبي، فهو أشبه بالضيف الغريب الذي يتنقل من بلد إلى آخر، ومن عاصمة إلى عاصمة، ومن مدينة إلى مدينة، ومن حي إلى حي...وكل يوم يلاقي ردة فعل معينة، يقاس عليها مشواره لليوم الذي يليه، هذا المصطلح، بات يعيش اغتراباً واضحاً في المفهوم والشرح والتأويل...أما عن ما أومن به، فانا أثمن البعد الإنساني في الإنسان في حد ذاته، وفي علاقته بمحيطه، وبالذات، التي يتفاعل معها، ولا يمكن لغير الخير والسلام، والتراحم والأخلاق الحميدة، ونبذ الذات، أن يجعلوا من طبيعة هذه العلاقة هادئة، تفتقر لكل أشكال التوتر والعنف والفوضى، يكفيني أن أرى هذا يتحقق، وأن أرى الأمن والوفاق الاجتماعي، يسود المجتمعات، حتى أزداد تشبثاً بما أومن وحتى أتأكد من أنني على الطريق الصحيح. أما عن ماذا أدافع، فقضيتي الوحيدة هي الإنسانية، بمختلف أبعادها...قد تبدو كلمة يسيرة، لكنها في الواقع تخفي وراءها نهراً من الأبعاد المترامية، التي لن تنتهي والتي يستمر دفاعنا عنها، حتى الرمق الأخير من الحياة، دون أن نستطيع تغيير الشيء الكثير، فالتحول، يحدث عبر الزمن، وبوتيرة غير مستقرة، إذ أن العدل والإنصاف، في مقابلهم ظلم وبغي، وضغينة، يتقابلون جميعهم، في صراع دائم ومتواصل، يقوده أصحاب القلوب النقية، وأصحاب النوايا السيئة، الذين هم بالمرصاد لكل توازن، والذين هم في سعي دائم لقلب الموازين لصالحهم، على حساب الفئات المستضعفة...إذاً، فأهم قضية تناولتها فعلياً، وعلى ارض الواقع، لأكثر من سنة مضتْ، هي قضية المستضعفين في الأرض، من العمال الذين ظلمتهم الأقدار...كانت أروع تجربة لي، خضتها بحياتي، كنت رئيسة للجنة المنظمة، لهذا لشكل من أشكال النضال النقابي، جعلني أنام طيلة الليل، ولمدة 26 يوماً جالسة على كرسي، او افترش سجاداً على الأرض، رفقة 90 أسرة، خضنا معاً التجربة بكل ثقة، ولا زال الملف مفتوح إلى يومنا هذا...هنا السؤال الذي يتبادر إلى أذهان الكثيرين، لماذا اخترت أن يكون هذا مجال نضالي؟؟ بالفعل، هو سؤال مهم، فمن المهم أن يضمن الإنسان لقمة العيش، ليكون شخصية إنسانية، لا كائنا مهمشاً، لا موقع له ككائن اجتماعي، أومن إيماناً مطلقاً، أن النشال، يبدأ من هنا، فما ربح القضية الأساسية، وهي ضمان استمرارية العيش، في حرية وأمن وسلام، فعن كل أشكال النضال الأخرى، الفكري والعقائدي وغيرها، تبقى نوعاً من أنواع التحسين، لنمط العيش لينتقل ليسمو الإنسان بذاته. 3- ما هي علاقتك بالقراءة والكتابة، ومنذ متى بدأت ؟؟؟ منذ وعيت على الواقع، ومنذ أن أصبحت أفقه ما معنى قلم وورقة، وجدتني اخط دُرراً من الكلام المنمق، الذي ساعدني والدي (رحمه الله) ومنذ طفولتي المبكرة في أن أنشأ رفيقة للقلم، بتشجيعه وبابتساماته التي لا زالت محفورة بذاكرتي، لما كنت أتحصل على أفضل العلامات، في مادة التعبير الكتابي، ومن هنا، نستخلص العلاقة التلازمية التي نشأتْ بيني وبين القلم والكتابة، فمنذ صغري، كنت أفضل أن انزوي بركن مع نفسي، أدون بضع كلمات، واسطر بالقلم، ما يبدو لي خربشات، وبمجرد أن اقفل الدفتر، حتى اشعر بشقاوة الحرف، وأحكم إخفاءه، وكأنه شيء استحي منه، ولا أجد له متربعاً في عرش الكتابة، إلا أنني وبمجرد مرور برهة من الزمن، وبمجرد أن يفتك النسيان من ذاكرتي النقوش، التي خطتها أناملي على صفحة البياض، أجدني في حالة من الإعجاب والانبهار بما كتبت، حينها فقط، اشعر بان ذاتي تزهو بسمو الحرف، وترتقي السلم شيئاً فشيئاً، لتعبر عن حالة مطلقة من الإبداع الذي ارتقى مع ذاتي، عبر الزمن، كما التحولات السيكولوجية والفسيولوجية: هكذا هي الكتابة بالنسبة لي، كأنفاسي التي لا تفارقني. 4-هل لديك مؤلفات او مطبوعات؟؟ الرجاء ذكرها إن وجدت؟؟؟ في الحقيقة، كأي مبدع بالعالم العربي، يعاني المبدع التونسي من شح كبير في الانتاجات الأدبية، ومن هزال في عدد الاعمال الأدبية، التي ترى النور، أصدرت باكورة أعمالي رواية: (رؤى) هي رواية تهتم بالمبحث الوجودي وبماهية الإنسان وعلاقته بهذا الكون المترامي الأبعاد، صدرت روايتي الأولى سنة 2010م، كما أنني لا زلت احتفظ بمكتبي بثلاث كتب، لم تنشر بعد: صراخ اليقين من المشرق إلى المغرب، قال العرب ومذكرات عاشقة الحبيب، وعاشقة الوطن...أتساءل: متى يفك قيد اسر هذه الأعمال وغيرها من أعمال المبدعين بالعالم العربي، في ظل غياب كلي لتشجيع المبدع، وفي ظل سياسات القمع الفكري والتهميش، الذي يكاد يكون تاماً للمثقف العربي عامة، والتونسي خاصة ؟ 5-من هم الكتاب والأدباء والشعراء العرب التي تأثرت بكتاباتهم وقرأت لهم ودفعوك للكتابة ؟؟؟ أفضل أن لا أخوض في غمار هذا السؤال، وإنما أرنو إلى توضيح ظاهرة التميز والاحتكار الكلي للساحات الأدبية، من قبل بعض الكتاب والأدباء بالعالم العربي، وحالة الرداءة او الغياب، الذي يكاد يكون كلياً عنها...فمقياس التميز هنا ليس المضمون، إنما هو الشكل والعلاقات الاجتماعية، ومدى تلاؤم بعض النصوص، التي تم تطويعها من قبل الكاتب فرضاً أو اختياراً، مع الخطاب السياسي. فتلمع أسماء، ويخسف نجم البقية، دون إدراك، لان هذا من شانه أن يغالط الحقائق، ويزيف التاريخ، ويفرغ المحتوى الثقافي العربي، من مضمونه ليصير مع مرور الزمن، وتواتر الحدث، مادة جوفاء، بل أرضاً قاحلة جدباء، تشكو شقوقاً وندوباً وكسوراً شتى، الخص قولي بأن الرائعون كثر، ولهم مني ألف تحية، حتى أن بعضهم أسسوا لمدارس أدبية يذكرها التاريخ...ولكن الرداءة أيضاً، منتشرة في كل مكان، وخاصة في المثقفين، الذين باعوا الرسالة، وانطلقوا وراء عبثهم...لذلكن أتحفظ دوما على ذكر أسماء بحد ذاتها، ولكن أتناول النصوص التي تكتب بالذكر، فالمهم، ليس من كتب؟ المهم هو ماذا كتب؟ والأهم من ذلك، ماذا أضاف للبعد الإنساني، وللحقائق الضائعة في بالوعة الشوائب، والسوائل الكريهة، المراد التخلص منها والتقاط كل ثمين علق بجوفه، حتى لا تدهسه الأقدام، وحتى يظل كالشمس الساطعة، التي تنير درب المثقف...ممكن فقط أن اذكر هنا مسرحية الملك أوديب، التي قام بنقلها إلى العربية، الكاتب الذي أفضله كثيراً توفيق الحكيم، والتي كان لها الأثر العميق على نفسي، ليس لأنها تنفرد بالإبداع، ولكنها كانت أول عمل أدبي احتككت به، خلال فترة انتقالي من سن الطفولة إلى مرحلة النضج، ومرحلة التوسع في عالم الأدب الموجه للرشد، بعد أن وجدت أن لا مكان لي بعد، في مملكة أدب الطفل، كطفلة تنسج أفكاراً طفليه...منذ تلك اللحظة، أبحرت في عالم الأدب، وبنفس الأسبوع الذي قرأت فيه قصة الملك أوديب، كتبت رواية (رؤى) في ظرف أسبوع واحد، حتى وجدت نفسي أسيرة سيل جارف من الأفكار المتموجة، التي تطلب لها إذنا بالسراح، لتعلن عن ثورتها عن الذات، وعن تحرري من فترة الطفولة، إلى مرحلة النضج، والتي لم تر النور إلا بعد عشر سنوات من كتابتها. 6-هل أنت عاشقة للكتابة فقط أم عاشقة للأدب بشكل عام، وما هي طبيعة كتاباتك؟؟؟ الكتابة، حالة أعيشها، تقترن إما بالسعادة او بالفرح النسبي، وفي غالب الأحيان، الحزن والألم العميق، الذي يستبد بي، فبتغير حالتي النفسية، تتغير كتاباتي، ويزداد كل يوم شغفي بالقلم، تخليت عن أشياء كثيرة، واتخذت قرارات مصيرية، غيرت مجرى حياتي كلياً، إلا أنني لم أتخلى يوماً عن الكتابة، إلا لضرورة ما، أو لضيق وقت، وارتباط بمشاغل مضنية، لا تنتهي، بل ظلت الكتابة تسرد قصة عشق كبرى، دارت أحداثها على مسرح الحياة...أما عن عشقي للأدب الذي اعتبره فناً في حد ذاته، يرتقي -وان نسبيا- بحسب تمكن الكاتب من اللغة، ومن الإبحار في عالم البحث، وعالم السرد والنقد، وأدب السيرة والحوار، ومختلف الأجناس الأدبية، التي تترجم الإبداع والقدرة، وملكة التعبير الراقي لديه، ترتقي به تدريجياً، إلى طور الحرفية، والحرفية هنا تختلف عن الاحتراف، بمعنى الرقي في المضمون، والتعمق في البحث والإتقان، في المنهج، لا المفهوم المقترن باحتراف الأدب كمهنة...عن ذاتي عشقي للغوص في الكتابة، التي تأخذ طابع التفكير، وطابع الأدب الراقي لا حدود له، فليس كل ما يقال شعراً، وان حقق في مستوى من مستوياته الغاية المرجوة، وليس كل نثر يتقن فيه صاحبه الإخبار، ليصير الحدث نقطة مسجلة في سجلات التاريخ، الذي يسرد مسيرة أديب، ترك بصمته المميزة في قلوب البشرية...ولن تنتهي الكلمات التي تسرد قصة العشق الغريبة الأطوار، والتي اقترنت في معظمها ببعد درامي، تلازم مع حالة الكتابة، لدي وفق ما تخفيه تفاصيل الحياة برمتها. 7-ما هو المركز الذي يتبوأه الحب في كتاباتك ؟؟؟ قد أعود بكم هنا إلى حقبة تاريخية، إلى زمن الشعر الجاهلي، إلى الزمن الماضي الذي غلب عليه الطابع الوجداني، في الأغلبية الساحقة، مما يكتب، باستثناء الدراسات العلمية والبحوث الموجهة...حتى لكان العشق والهيام بات المغزى الأساسي من الكتابة...فبالرغم من أن هذه الآثار الأدبية الرائعة، ترسم حضارة بأكملها، وتجسد ذاكرة شعبية، وصوراً ساحرة، إلا أن الطابع الوجداني وجب أن نحسن توظيفه، لكي نجعله يرتقي إلى طور ما أسميه بالأدب الوظيفي، والذي يهتم بالمضمون، ويقدمه بشكل منمق، يشد القارئ ويأسره، بل يجعله يقبل بنهم على القراءة، لاكتشاف ماذا بعد ذلك؟ وفي نفس الوقت، يحدث لديه حالة تفكير وانشغال ببعد إنساني، وبقضية ما...نعم، لقد كان للحب في كتاباتي مكان، إلا أنني وظفته بخلاف ما هو متعارف عليه بالجنس الأدبي "المذكرات" من خلال كتاب "مذكرات عاشقة الحبيب، وعاشقة الوطن" كان توظيفاً خلق نوعاً من التجديد في نسيج هذا الجنس الأدبي، والذي جعل القارئ يجد نفسه في حالة لا مألوفة، وهو يقرأ الرسائل، ويتنقل بشوق من واحدة إلى التي تليها، من خلال رابط خفي، زاد النص رونقا، وزاد القارئ شغفاً وحباً لينهل المزيد. إذا فالحب لم يحتل المرتبة الأولى في كتاباتي، ولكن توظيفه كان جد ذكياً، لان غالب كتاباتي تتسم بالطابع الفكري. 8-ما هي الموضوعات التي تتطرقين لها بشكل عام، في كتاباتك ؟؟؟ عديدة هي المواضيع التي أتناولها، وأخوض في تفاصيلها، أشعار ذات طابع وجداني، وطني وهجائي...مقالات رأي، ومقالات أدبية، ونقدية، ودراسة ومذكرات، والرواية، والقصة...إلا أن سعيي للارتقاء بالفكر والإعلام، خاصة إلى مراتب تجعل من كل منهما، يكسر الطوق الجاثم على عنقه، وينطلق حراً، لكي يعالج الواقع بكل مصداقية، ويصحح ما اعوج من تاريخ هذه الأمة، التي باتت تشكو ألف علة وعلة، كان غالباً على كل ما اكتب...إذاً، فكتاباتي هي اقرب إلى الغوص في قضايا الفكر العربي الثقافية، والاجتماعية والاقتصادية، والتي أفرزها الواقع السياسي المظلم عامة، ومعالجة مختلف حيثياته، من اجل الارتقاء به، إلى ما هو أفضل، ومن أجل أن نجد خارطة طريق، تنتشلنا من مرحلة الضياع الشامل التي حلت بنا. 9-هل للسياسة مجال في كتاباتك ؟؟؟ وكذلك هل للمرأة مجال في كتاباتك أيضا؟؟ إن كان المفكر والأديب في منأى عن قضايا عصره، وخاصة السياسية، والتي تعتبر المتحكم الأول والأخير في منحى الفكر والثقافة والإعلام، ومختلف الميادين والنواحي التي تحكم حياتنا، في العالم العربي، فلا يمكن هنا أن ننتظر فكراً يمكن أن يضيف للواقع أكثر من بضع كلمات منمقة، تبعث في النفس السرور، إذاً، فالخطاب السياسي يتفاعل مع الخطاب الفكري، ليفرزا حواراً وسطاً، يرتقي بالإبداع حتى لا يقع تنافر وصدام وصراع، وحتى يعي المثقف بدوره الثغرات التي وجب أن يرتكز عليها، ليعالج الواقع، وليسهم في أداء رسالته الإنسانية النبيلة، والتي اعتبرها بالأساس متمثلة في رفع شدة وطأة الزمن، على الفقراء والمهمشين، والناس المستضعفة في الأرض...رسالة كل مثقف هي أن يقول: لا لكل سلطان جائر، وان يوجه عبر الحوار الراقي، نمط تسيير السائس للدولة، فالأصل، أن كل مفكر هو موسوعة بحث، تستمد منها الأفكار، ويبني على أساسها السياسي مشروعه، الذي سيبني به دولة، لكن معضلة العالم العربي، أن كل الموازين مقلوبة، وأن المثقف مقصى من دائرة التفكير، والسياسي يقامر بحياة شعب، إن أصاب فبها وغن خاب، فإنه باق لا محالة، ومتشبث بكرسيه، وإن اختلت كل الموازين...فهذا لا يهم بنظره، وما قمع المفكر، وعدم الاعتراف به، إلا سعي من الدائرة التي تضيق خناق السائس، وهروب من الدور التوجيهي للمثقف، الذي لا يترك له أي مجال للتلاعب، ولنهب الثروات، فهو يعي جيداً أن المثقف الحق، هو صمام أمان الأمم . لذلك، فمن المهم، أن يهتم المثقف بالخطاب السياسي، كفكر، لا كممارسة، حتى يبقى عنصراً محايداً بالمجتمع، يستدل برايه، وان لا يكون ضمن قفص الاتهام، كلما سعى لتقويم ما اعوج من شان هذه الأمة. بالنسبة للمرأة في كتاباتي، فإنها لم تحظى بالقدر الكافي، تناولتها في مبحث دراسة تأثيرات الإعلام على الأسرة العربية، وعلاقة ذلك بتيار العولمة، وانعكاس كل هذا على الأسرة العربية، بمختلف أفرادها، إلا أنني خصصت الجزء الأوفر للطفل، فكما أن المرأة مربية لجيل بأسره، فإن الطفل مشروع لرجل، ومربية المستقبل، وأن نهتم لنؤسس لبناء متين، ولا نضطر في كل جيل إلى سياسة الرتق، والإصلاح لكل ما انكسر، ولكل ما تغافلنا عنه. 10-هل تعتقدين بوجود أدب نسائي وآخر ذكوري، وهل هناك فرق بينهما؟؟؟ في الحقيقة، أنا لا اعتقد في هذا كثيراً، لأننا في زمن استطاعت فيه المرأة، أن تتخطى كل حدود الممنوع، وكل أشكال التفرقة، واستطاعت كسر القيود المسلطة عليها، حتى أنها باتت في مرحلة، لا نقول المساواة، ولكن التقارب في المنزلة الاجتماعية، أي أنها استطاعت أن تخفف من حدة تلك النظرة الرافضة لها، في المجتمع الشرقي، المجتمع ألذكوري بامتياز...من هنا، لا يمكن أن نفرق بين هذا وذاك، فقط أن كتابات المرأة، ربما تتسم بنوع من اللين، والرقة، واللمسات الأنثوية. 11-هل تعتقد السيدة زينب بان التقدم بالاتصالات، وخاصة الشبكة العنكبوتية، خدمت الأدباء والكتاب بشكل عام؟؟؟؟ في الحقيقة، كأي سلاح، تبقى وسائل الاتصال الحديثة، سلاحاً ذو حدين، فالسؤال هنا دقيق جداً، وله من الأهمية الشيء الكثير، إذ أن الخدمة، تبقى نسبية، من حيث النتائج، بل يمكن أن نقول، بأن لها انعكاسات سلبية كثيرة، ناهيك، عن ما تقدمه من سرعة وصول الباحث إلى المعلومة، والحصول على المراجع التي يستلهم منها أبحاثه، كما أنها قلصت المسافات بين مختلف المبدعين العرب، وأعطت فرصة لكل من لم يسمح له، لا الظرف ولا المكان سابقاً، لتبليغ رسالته، ولنشر مناهجه الفكرية...كل هذا جميل، إلا أن ما أفرزته هذه الشبكات ممن أفضل أن أسميهم قراصنة الفكر، الذين لا عمل لهم سوى التجسس (عبر إتقانهم لأرقى الفنون الإلكترونية) على ما يصبو إليه أصحاب الأفكار النيرة، التي تسعى إلى إعلاء راية هذه الأمة...ونحن نبحر في الشبكة العنكبوتية، وبالتحديد، في صفحات شبكة التواصل الاجتماعي، أصبحنا نعيش في تنامي ظاهرة الكتابة بشكل غريب، الكل يكتب، الكل ينشر شعراً ونثراً وحكماً، لا تحصى، ولا تعد، والكل راغب فقط، في الإفصاح، كمجموعة من المغنين، المتواجدون في حفلة واحدة، كل منهم يغني، ولا أحد يسمع صدى تردد صوت الآخر، حتى مل الجمهور، وما عاد يميز بين المفكر، وبين من يتخبط بين المناهج الفكرية في غيبوبة للفكر، ما عاد الملتقي يميز جودة النص، ولا الرسالة المرجو تبليغها، من وراء ما كتب، هذا دون أن نذكر الجرائم التي ارتكبت، بحق البيان واللغة العربية الأم، كالأخطاء اللغوية الشائعة، وغيرها من الأشياء التي باتت تهدد جودة الثقافة العربية.سؤال هنا وجب أن نطرحه: هل أن الحركة الفكرية العربية في تطور إيجابي؟؟ أم إنها تعيش لحظة احتضار؟