«مدبولي»: إنشاء وحدة دائمة لريادة الأعمال والشركات الناشئة تابعة لمجلس الوزراء    معلومات عن ملعب رادس قبل مباراة الأهلي والترجي.. «وش السعد على الأحمر»    نصائح مهمة من طارق يحيى للاعبي الزمالك وجوميز قبل مواجهة بركان    تجديد حبس شخص دهس أسرة أثناء عبورها الطريق بحلوان    4 طرق لحجز تذاكر قطارات عيد الأضحى 2024.. السكة الحديد تكشف التفاصيل    تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي.. «فاق من الغيبوية»    عزة مصطفى: عادل إمام شخصية وطنية.. وكل الشرائح العمرية تحب أعماله    تحت رعاية القاهرة.. توثيق شهادات لجرحى غزة    تقرير: أوكرانيا في وضع سيء جراء القيود الأمريكية على استخدام الأسلحة    فتح: مصر تصدت لمحاولة تهجير الشعب الفلسطيني إلى سيناء    المعارضة الإسرائيلية: على جانتس الاستقالة اليوم    وزير التعليم: لدينا 46 ألفًا و994 طفلًا من ذوي الهمم.. و159 ألفًا و825 بمدارس الدمج    بالخطوات.. طريقة الحصول على نتيجة الشهادة الابتدائية 2024    كوكا يقود تشكيل ألانيا أمام سامسون سبور في الدوري التركي    رسميًا.. إشبيلية يعلن رحيل مدربه بنهاية الموسم    محكمة النقض تعيد طلب إدراج 1526 متهما على قائمة الإرهابيين إلى الجنايات لنظره من جديد    «معلومات الوزراء» يعلن أجندة وبرنامج عمل مؤتمره العلمي السنوي بالتعاون مع جامعة القاهرة    مذكرة قواعد اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي 2024.. لا يخرج عنها الامتحان    إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم توكتوك مع ميكروباص في المنيا    قائمة بأرخص السيارات المجمعة محليًا في مصر.. تبدأ من 590 ألف جنيه    غضب عارم ضد حكومة نتنياهو.. ووزير يرفع السلاح في وجه المتظاهرين    حظك اليوم وتوقعات الأبراج السبت 18 مايو على الصعيد المهنى والعاطفى والصحى    تاني تاني.. تغيير جلد ل غادة عبد الرازق وأحمد آدم    4 نصائح للسيطرة على مرض السكري بشكل طبيعي    العلاج على نفقة الدولة.. صحة دمياط تقدم الدعم الطبي ل 1797 مواطن    معلومات عن متحور كورونا الجديد FLiRT .. انتشر أواخر الربيع فما أعراضه؟    عدد من طلاب الكلية الحربية يزورون مستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    نجم الترجي السابق ل «المصري اليوم»: إمام عاشور قادر على قلب الطاولة في أي وقت    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. علي جمعة يوضح    هل مواقيت الحج والعمرة ثابتة بالنص أم بالاجتهاد؟ فتوى البحوث الإسلامية تجيب    حبس المتهم بسرقة مبالغ مالية من داخل مسكن في الشيخ زايد    «التمريض» تطلب من وزير المالية إعادة النظر في الدعم المقدم للفرق التمريضية    حزب الله يعلن استهداف تجمعا لجنود الاحتلال بثكنة راميم    اليوم ختام رايز أب 2024 بحضور رئيس الوزراء    مصرع طفلة دهستها سيارة "لودر" في المرج    مسؤولو التطوير المؤسسي بهيئة المجتمعات العمرانية يزورون مدينة العلمين الجديدة    مصر تنافس على لقب بطولة CIB العالم للإسكواش ب3 لاعبين في المباراة النهائية    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    السفيرة سها جندي تترأس أول اجتماعات اللجنة العليا للهجرة    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    «الصحة»: وضع خطط عادلة لتوزيع المُكلفين الجدد من الهيئات التمريضية    الأحجار نقلت من أسوان للجيزة.. اكتشاف مفاجأة عن طريقة بناء الأهرامات    انطلاق امتحانات نهاية العام 2024 ب«أعمال الإسكندرية».. وعميد الكلية يتفقد اللجان (صور)    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    «الري»: بحث تعزيز التعاون بين مصر وبيرو في مجال المياه    جوري بكر تتصدر «جوجل» بعد طلاقها: «استحملت اللي مفيش جبل يستحمله».. ما السبب؟    محافظ المنيا: استقبال القمح مستمر.. وتوريد 238 ألف طن ل"التموين"    موناكو ينافس عملاق تركيا لضم عبدالمنعم من الأهلي    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    وُصف بالأسطورة.. كيف تفاعل لاعبو أرسنال مع إعلان رحيل النني؟    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    مسئولو التطوير المؤسسي ب"المجتمعات العمرانية" يزورون مدينة العلمين الجديدة (صور)    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    المستشار الأمني للرئيس بايدن يزور السعودية وإسرائيل لإجراء محادثات    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمال الغيطانى: على بعد 100 متر من الأزهر 4 منشئات قبطية .. ومصر ستظل نموذجا للتعايش
نشر في شموس يوم 04 - 02 - 2013


جمال الغيطانى رسمها:
القاهرة لوحة مفتوحة تؤجج الخيال!
التاريخ يقول عندما نعرف الظروف الأصعب نثق من قدرتنا على تجاوز أي صعوبات!
شارع محمد على يلخص مصر.. قمته مسجد ومنتصفه دار الكتب ونهايته مسرح الأزبكية.
إذا أردت ان تفهم الإسلام لابد ان تستوعب تاريخ القاهرة القبطي والقديم !
تحتمس عبر إلى سيناء 17 مرة بعد درس الهكسوس لتأمين البلاد!!
مصر تهضم ما لا يتفق معها وبونابرت تحدث العربية وذهب الى الأززهر وجلس الى العلماء!
جبهة جمال الغيطاني تشبه مصباح علاء الدين، يمسح عليها بأصابعه النحيلة وكأنه يستدعي عفريتا باستطاعته تحقيق الامنيات، بينما نظارته الطبية تسمح له بمشاهدة ما وراء الحوائط والجدران، إذا صمت فهو يرفض البوح بالسر، وإذا تحدث فهو ينطق بالنبوءة!
لا يمكنك أن تكون في حضرة الغيطاني دون أن تنصت إلى ما يقول، وتراقب حركات يديه المفتونة بالتشخيص وهو يرسم بأصابعه علامات في الفراغ، ويشير إلى أشياء وبشر غير موجودين إلا في ذاكرته، يستدعيهم في لحظة، ويصرفهم في أقل منها، ولو سألته عن توقعاته لما قد يحدث فسوف تراه يفتش في جراب التاريخ ليستخرج لك صورة من المستقبل!
جمال الغيطاني الطفل قرر أن ينوب عن جمال الغيطاني الكبير ليتحدث مساء أمس في معرض القاهرة الدولي للكتاب عن القاهرة القديمة التي فتنته وجعلته يصعد إلى سطح البيت ليرى السحر مفرودا على مدد الشوف حيث مآذن وقباب وأهرامات ونيل وشوارع، وجوامع، وكنائس، ومعابد، وحضارات: فرعونية وإسلامية وقبطية.
ويحكي عن والده الذي لم يفرّط في جوار الحسين، والكتب التي حملت إليه الإجابة عن سؤاله حول الزمن، ويقتص من الحنين بقصص مطرزة بالتفاصيل وملونة بالأساطير.
يعترف الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة للكتاب بأنه لا يستطيع أن يقدم جمال الغيطاني ويقول: هو من قدمنا.. ويصفه بعاشق القاهرة الذي تشرب رحيقها و يعرف شوارعها وحواريها واذقتها أكثر ما يعرف كف يده.. استشف ما بداخلنا وجسده في رواياته وأعماله المهمومة بتراث موصول بالحاضر ثم يستعرض أعماله الإبداعية المحفورة في الوجدان.
وينتقل مجاهد من الأديب جمال الغيطاني إلى الصحفي جمال الغيطاني فيتحدث عن دوره كمراسل عسكري في فترة أثرت في حياته أثقلت حسه الوطني، فكان لا يقف إلا في جانب ما يراه حق من أجل هذا الوطن حتى ولو كان ضد السلطة.
ويتوقف عند إنجازه في تأسيس جريدة "أخبار الأدب" هذا الهرم الشامخ في مصر والعالم العربي وماذا فعلت الجريدة التي كانت تجذب اليها كل الكتاب، بداية من النص وانتهاء باللوحة التشكيلة.
وأضاف رئيس الهيئة العامة للكتاب بأن الغيطاني والقاهرة وجهان لعملة واحدة وهو ما يجعلنا بعد قليل نصغي إلى حديثه حول المدينة التاريخية.
"إنني مدين للقاهرة بتكويني".. إنه جمال الغيطاني يبدأ الكلام عن معشوقته ويقول: رغم أنني ولدت في جهينة، مديرية جرجا (كما كانت تسمى اداريا في الاربعينات) فإن أول صورة في الذاكرة تنتمي الى سنة 1948 اثناء الحرب، حيث درب الطبلاوي شارع قصر الشوق، وبيتنا الذي كان يتكون من خمس طوابق اذكر صورة للوالد يصعد بنا إلى إلى السطح ونحن خلفه!
وحين عملت كمراسل حربي واثناء قراءتي حول الحرب اكتشفت ان سلاح الجو كان ناشئا ولم يشن سوى غارة قدر لها أن تكون في هذا المكان.
لا يستنكف الغيطاني أن ينعت أسرته بالبسيطة، ويسرد رحلة والده الشاقة من الجنوب ليقيم في هذا الطابق الأخير من بيت يتكون من خمسة أدوار وهو ما أتاح لطفولته أن تشاهد من فوق السطح معالم القاهرة من بناية عالية وشاهقة بمقاييس ذلك العصر.
القاهرة فراغ أعلى يتعايش فيها التاريخ ويضيف: الأزمنة لا تتوالى ولكن تتجاور، ومن فوق المنزل في درب الطبلاوي كان يمكن ان أرى اهرام دهشور والجيزة وسقارة وهي القاهرة الفرعونية اذا ولينا الوجه غربا، فالقاهرة التي أسست في الرابع الهجري على يد جوهر الصقلي احتوت عواصم كثيرة من خلال تاريخها الممتد ل 10 الاف عام.
وترى في الجنوب أبراج كنائس مصر القديمة وكانت تتركز في حصن بابليون حيث توجد الكنيسة المعلقة على شكل سفينة نوح.
ويلاحظ الغيطاني أن شرط البناء على النيل أساسي في أي مدينة مصرية وخاصة للاماكن المقدسة؛ معبد الاقصر، والكرنك، وابيدوس، ودندرة.. النيل مقدس باعتبار أن الماء أصل الحياة قال تعالى" وجعلنا من الماء كل شئ حي".. فضلا عن أن النيل في الفسطاط كانت تطل عليه الكنيسة المعلقة وجامع عمرو بن العاض قبل أن يتحرك النيل غربا لمسافة 500 متر ..
ويحكي الغيطاني عن زمن كان فيه النيل يخترق ميدان التحرير وكان فيه الخليج المصري الذي يمر بقرب القاهرة القديمة.
ويعود إلى جنوب القاهرة القديمة الذي تخترق سمائه أروع مآذن العالم الاسلامي فكل مأزنة حالة بذاتها، ويسرف في عشقه لمسجد السلطان حسن بمآذنه المصرية الصميمة، بينما كان يثير خياله في سن الرابعة مسجد محمد على ولكنه عندما تردد على اسنطبول اكتشفت الاصل المعماري له.
ويطلع الحضور على سر تردده على شيخ جليل كان يسكن في القلعة، ويصف ما بين مسجد السلطان حسن ومسجد الرفاعي وفي هذا الشارع الفاصل بينهما مر اول خط للترام سنة 96 18يصل بين الامام الشافعي والسبتية التي يوجد بها محطة الكهراباء التي كانت إذا نقطعت عن "أخبار اليوم" يقول مصطفى أمين – رحمه الله – إن فار السبتية يقرض الأسلاك ويقطع التيار!
وإذا وقفنا بين المسجدين وولينا الظهر لوجدنا شارع محمد على وهو أول شارع حديث يقوم على فكرة "البوليفار" أي الشارع المستقيم ويلخض مصر على قمته مسجد، وفي منتصفه دار الكتب المصرية، وفي نهايته ميدان العتبة ومسرح الازبكية.
وشهد أمورا خاصة بمصر والمصريين ففيه مقهى في "دار الكتب" وكان من رواده حافظ إبراهيم وحسن الالاتي وهو من كبار الساخرين وله كتاب - أتمنى طباعته - " مضحك العبوس والترويح عن النفوس" ويشبه في ندرته المخطوطات، وهو كتاب نادر في أدب اللامعقول يسرد حكايات كانت تحدث على مقهى من اشهر مقاهي الشرق؛ حيث كان يستضيف عشاق صراع الديواك التي لها هواة ومحبين مثل كرة القدم الان.
وإذا اتجهنا ناحية القلعة نجد مقهى عكاشة وأسسه أولاد عكاشة وكانت لديهم فرقة مسرحية مشهورة وكان المقهى حسب ما سمعه من نجيب محفوظ يحتوي على كل منضدة سماعات الموسيقى حيث يقدم المشروب مع قطعة الموسيقة التي يفضل من يجلس سماعها.
مازلنا في الجنوب، ونلاحظ أن القاهرة تخلو من الطبيعة الطائفية أو العرقية فلم يكن فيها مكان خاص بالاقباط وحدهم أواليهود مجتمعين، حتى حارة اليهود كان بداخلها معبد وكنيستين وجامع.. وهذا ما جعلني أكتب عن أن مجمع الأديان موجود في الفسطاط ومن بناه التاريخ وليس الانسان.
ويشرح الغيطاني طبيعة اليهود في كل مكان في العالم وتجمعهم في مكان واحد باستثناء القاهرة التي استطاعوا فيها أن يقيموا 16 معبدا من مصر الجديدة وحتى المعادي.
الجنوب هو صحراء المماليك حيث قراءة التاريخ بالأفق، أما مسجد قايتباي فيمتاز بالإيقاع ويشبه قطعة من الموسيقى ناهيك عن العلاقة بين المأذنة والقبة ..
وإلى الشرق كان يمتد الخلاء ويثير خيالي الطائرات الحربية وجنود المظلات وهم يقفزون من الطائرات في صحراء المماليك (قايتباي) وهي منطقة كانت نائية واقتربت من وسط المدينة بعد أن شيد فيها مدينة البعوث الإسلامية وطريق صلاح سالم في الستينيات والاوتستراد في نهاية التمانينات، وهو ما يدل على أن القاهرة لوحة مفتوحة تؤجج الخيال ..
يقول الغيطاني: كان تكويني ذاتي اكتشفت نفسي بنفسي وبدأت القرأة مبكرا عن طريق الولد الذي يقرأ الصحف متمهلا مما جعلني أحفظ شكل الحرف قبل أن أراه في المدرسة.
"تعلقت بالحسين منذ الصغر ورأيت الكتب ملقاة على الأرصفة، ذلك لأن بجواره أعرق جامعة موجودة على بعد امتار وهي الأزهر الذي كان مركزا ثقافيا، فالتصقت بباعة الكتب مما مكنني قراءة الأعمال الكبرى دون العاشرة، وعرفت الطريق الى دار الكتب وكان لدي اهتمام خاص بقضية الزمن وسؤالي " إمبارح راح فين" أين تذهب الحظة الماضية وهذا ما جعلني مهتمتا بالتاريخ واتساءل عمن عاش ومر من هنا من قبل ولماذا سمي الشارع بالطبلاوي ..
اهتممت بوسائط سرد لم يكن أحد يهتم بها وتعرفت على محفوظ وانا في الخامسة عشر، جنوب دار الاوبرا في شارع الخالق ثروت لتبدأ علاقتنا، ومحفوظ فيه جانب لا يعلمه الكثيرون كان ذاكرة للقاهرة لم يغادرها الامضطرا، والإسكندرية هي الوحيدة التي كان يسافر اليها برغبته في الصيف لقضاء شهر فقد كان صاحب نوبل من الطبقة المستورة وكان والده يكافأه بعشرة جنيهات فيذهب إلى الثغر ويقيم في بنسيون مريح، أما المرات الاخرى التي خرج فيها فكانت إلى يوغسلافيا مع فد ثقافي وإلى اليمن مع فد أدبي وأخيرا إلى لندن لاجراء عملية جراحية.
ومن يذهب الى الحسين يرى شخصيات محفوظ تخرج من الكتب وأكثر الأماكن حيوية في مصر المرتبطة بالاضرحة..
فهناك يجد القادم إلى القاهرة من يساعده على قضاء حوائجه ويقدم المساعدة السيدة زينب نفيسة الشافعي اكثر الأماكن حيوية المجاورة للأبدية ..
في القاهرة سمة مهمة تحتوي عدة مدن متداخلة العاصمة بدأت عندما توحدت الدولة المصرية ما قبل الاسرة الأولى وتم اختيار مكان لادارة الدولة وكان ذلك في منف وما تزال بقاياها حتى الان، والعاصمة في معظم تاريخ مصر تحركت عند نقطة ينتهي عندها الصعيد وتبدأ الدلتا ولم تنسحب العاصمة المصرية الا لاسباب
وأدرك المصريين القدما الحدود الشرقية فتحتمس عبر سيناء 17 مرة بعد درس الهكسوس لتأمين مصر من ناحية الجبال.. وهو ما يجعل سيناء اليوم موضع قلق.
ونلاحظ في تأسيس المدن المصرية أنها مرتبطة بالأسطورة فعمرو بن العاص نصب فسطاطه وحين أراد ان يزيله وجد حمامة فرفض ان يزيلها وسميت المدينة الفسطاط، وكان عمرو داهية جاء الى هذا المكان لتثبيت الوضع السياسي الجديد قرب حصن بابليون مركز الحكم الروماني ووضع بيرقه من نفس المكان الذي تحكم منه مصر ..
ويحكي المقريزي عن صنم في مواجهة أبوالهول اذا مد خط بينهما يصل بين فم ابو الهول وفم التمثال ويقول انه رأى ذلك .. ولذلك فإن كتب التاريخ تمدنا عن معالم اختفت..
وعندما تأسست الدولة العباسية مصر كانت ولاية تابعة لبغداد، أسس احمد بن طولون القطائع كمركز سياسي للدولة العباسية على بعد مسافة قريبة من الفسطاط، وعبر مراحل الحكم المختلفة نلاحظ العلاقة بين المباني والكون الفسيح.
وانتهت الدولة الفاطمية وفتحت القاهرة لسكن الناس فبدأت تتكون كمدينة تكوينها بينه وبين فن الأرابيسك شبها، فهي عبارة عن منظومة دقيقة تتدرج في البناء وظل هذا الوضع حتى القرن ال 19 حتى انتقل مركز الحكم في عصر محمد على، وفي زيارة الخديوي إسماعيل لمعرض باريس فتن بشوارعها فاسند الى مبارك تخطيط وسط البلد، فتم تحديث القاهرة نتيجة تأثره بالنهضة الغربية وتم نقل نقل الحكم من القلعة الى قصر عابدين..
ويقارن الغيطاني بين قصر عابدين وما شاهده من قصور: الكريملين والصين حيث المدينة المحرمة وفي المغرب المغرب ويصل إلى نتيجة أنه لم يرى أجمل أو أرق من قصر عابدين لأنه مزيج من الحضارتين الايطالية والفرنسية..نعم لم أر مثله في الجمال وهو تراث ملك المصريين.
"بدأت طفولتي في الجمالية ورأيت في القاهرة على عمارة في شارع رمسيس اعلان بيبسي كولا في اوائل الأربعينات وهو المشروب الذى قضى على الخروب والتمر هندي ولم ينافس عمارة غمرة إلا عمارة المنيل وبنيت على شكل الامم المتحدة كناطحة سحاب.
واتسعت القاهرة في الستينيات والسبعينيات وأصبح المدينة مفلطحة وهي عبارة عن كون ورغم الزحام لا اعشق مدينة مثل القاهرة فقد اقمت في نيويورك شهرين كانت نييورك قريبة الى نفسي حين اكتشفت في أحيائها شارع يشبه شارع القاهرةمثل القاهرة وهو ما حدث في باريس في شارع "السانجرمان" فكأني ذاهب إلى باب اللوق أو الحي اللاتيني أو حي الحسين.
ويختتم كلامه قائلا: القاهرة كون ووبقدر الإمكان أحاول تسجيل ما يمكن أن يفنى من الذكرة القاهرية.
وفي مداخله حول إمكانية استعادة سحر القاهرة في ظل الفتن الموجودة الان يقول الغيطاني: الحديث عن القاهرة فيه تفاصيل كثيرة ويحتاج الى وقت طويل، تذكرت مثال يفاجئ المصريين وليس الاجانب مركز القاهرة الروحي هو الأزهر والأزهر هو العلم والحسين هو الروح، استشهد من أجل فكرة لانه ويعتبره البعض احتل مكان السيد المسيح .. فتاريخ مصر طبقات وإذا أردت ان تفهم الإسلام لابد ان تفهم تاريخها القبطي والقديم ..
ففي مجموع كنائس حارة الروم في الباطنية نجد انفسنا اما اربع منشئات قبطية كنيسة ودير للنساء وكنيسة العذرا التي كانت مركز البابا حتى مجئ الحملة الفرنسية لمصر فانتقل المركز الى الازبكية الى ان قام المثقف القبطي رشدي سعيد وكان صديقا لعبد الناصر فاقترح عليه أن يقدم هدية للاقباط فقال له مشروع كتدرائية في العباسية فأهدى عبد الناصر الارض ..انظر على بعد 100 متر من الازهر 4 منشئات قبطية لا تزال في مكانها مصر ستظل نموذجا للتعايش .
وعن التخوف من تغيير هوية القاهرة يقول: نحن في حاجة الى قراءة التاريخ عندما نعرف الظروف الاصعب نثق من قدرتنا على تجاوز اي صعوبات ..
مصر حصل فيها تغيرات رهيبة لا تكتمل معرفة القاهرة الا اذا ضربت مثالا بمدن اخرى ففي عام 74 ذهبت الى العراق وطلبت زيارة الحسين وفوجئت بالسائق ينهال تقبيلا ويقول لى: بارك الله فيك أنت من احباب الحسين واستغربت من كلامه فبالنسبة لنا كمصريين نحب الحسين وبعض الاقباط يتبركون به كما أن بعض المسلمين يعتقدون في العدرا.. ولكن في العراق تعرف الشيعة من السنة عن طريق اسمائهم ..وكل مذهب يقيم أهله في منطقة سكنية بعينها.
ولكنني تربيت في الجمالية وكان الوالد له أصدقاء في خان الخليلي وكان ايرانيا وينطق العربي "مكسر" ولما كان هناك ايرانيين يسكنون الحارة حضرت عاشورا على طريقة الشيعية "زفة العجم" وبعد ذلك ولد للرجل ابناء ليس لهم علاقة بالاصل الفارسي، وفي منتصف الستينات ظهر في شارع رمسيس "أحمد الصيني" وهو رجل جاء من الصين والناس اطلقوا عليه احمد الصيني وله محل خردوات ما زال قائما وبعد مرور عامين على الاكثر بدأ يتحدث العربية حتى ملامحه تغيرت وصارت مصرية!
مصر تهضم ما لا يتفق معها وبونابرت تحدث العربية وذهب الى الأززهر وجلس الى العلماء.
والانجليز الذين غيروا لغة الهند التي تمتلك 600 لغة لم يؤثروا في مصر وكذلك الحال في الجركس الذين حكمونا 200 سنة ولم يغادروا اثرا.
ومن استمر منهم اصبح مصريا خالصا ومن مشي خسرناه .. خسرنا التنوع الثقافي الانساني وأقول: ما يتناقض مع جوهرها لا نقبله وفهم هذا على المستوى الثقافي مهم جدا لادراك اي لحظة صعبة نمر بها في هذا البلد العريق ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.