الكاتب اشرف الخمايسي ان لم يكن يتعمد لفت الاهتمام عن طريق الولوج في تلك المنطقة الاكثر اثارة للجدل في الوقت الحالي على وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام الخاص والرسمي وهي مسألة التحرش بالمرأة، وقضية طالب الجامعة الامريكية احمد بسام زكي بتدوينته البعيدة جدا عن الكياسة، فقد أثار قضية غاية في الأهمية تتعلق بعقلية المثقف الملتزم والمبدع، وتفسر الى حد ما الكثير من سلوكيات وأفكار ما نطلق عليهم مجتمع "النخبة المثقفة" التي يقع على عاتقها مهمة تحرير وتطوير العقول، والدفع بقاطرة الفكر والابداع لمسافات تتجاوز واقعنا الثقافي المتردي والذي لا يزال يعتمد على مفاهيم وقيم ثقافية بدائية تم تجاوزها بفضل النقلة الحضارية الكوكبية، وبفضل الاجيال الجديدة من الشباب التي تكافح من أجل الخروج من مأزق ما تبقى من قيود لا تزال تحكم العقول والقلوب لمجرد المحافظة على مكاسب "ذكورية" دعمتها سياقات ثقافية قديمة اضحت اضحوكة في زمن الجيل الحالي. ان تدوينة الكاتب الخمايسي في مضمونها العام تعكس نمطا من التفكير الازدواجي للاسف لايزال قطاع عريض من النخبة يرزخ في اغلاله، وازعم ان هذه الازدواجية الفكرية لنخبة المثقفين وخاصة من يدورون في دوائر الحكم أو قريبين منها السبب المباشر في تراجعنا عن ركب الحضارة، والسبب المباشر أيضا في هيمنة الأفكار الاصولية والتعصب، وتفشي حالات الانانية والذاتوية والتربص بالاخرين، والعدائية الغير مبررة. ان المثقف على وجه العموم والمبدع على وجه الخصوص ينتصر دائما لقيم الحرية والعدل بنفس القدر الذي ينتصر فيه لقيم المسئولية والابداع والتسامح وقبول الآخر والمساواة بين الجميع على اساس الجنس والدين واللون. لكن المبدع اشرف الخمايسي له وجهة نظر تتعلق بالمرأة كأنه اكتشفها، وهي انها مجرد مصدر أو موضوع جنسي شديد الجاذبية والفتنة للرجال وانها بسفورها، ومظهرها وملبسها مصدر اثارة للرجال جنسيا، ولن يستطيع اي رجل مواجهة هذه الأمور من دون الانجذاب وربما التحرش بها طبعا!. نحن هناا بصدد عقليتين متضادتين. عقلية المبدع الذي انتجت قريحته اعمالا ابداعية مهمة، وعقلية الرجل الذكر الذي لايستطيع السيطرة على غرائزة ويندفع مثلما تذهب به غريزته الجنسية.. للاسف بالتفتيش في عقول قطاع واسع من النخبة المثقفة عامة والنخبة المبدعة خاصة سوف تصادفك هذه الازدواجية بين ما هو فكر وبين ما هو سلوك واقعي يمارس في الحياة اليومية.. الجنس غريزة مهمة جدا في حياة الانسان، يتشارك فيها الرجل مع المرأة وليست غريزة تخص الرجل فقط، وبنفس القدر الذي تكون فيه المرأة فتنة أو مصدر جذب للرجل، فان الرجل نفسه يكون مصدر فتنة وجذب للمرأة أيضا، الجنسان في هذا الأمر متساويان من الناحية الغريزية، لكن الفرق في الاستجابة للغريزة يحدث بسبب الثقافة المجتمعية، والتنبيهات الاجتماعية والاشارات التي يتلقاها الصغار اثناء النشأة الاجتماعية، حيث يصبح الرجل أكثر جرأة والمرأة أكثر حياء وخجلا. ان الجنس غريزة الحياة بحسب ماقال فرويد، وهي غريزة مهمة جدا لاستمرار التكاثر وعمارة الأرض، ومعرف ان المرأة فتنة الرجل، والرجل ايضا فتنة المرأة. لكن الذي غفله عقل الكاتب المحكوم بثقافته التراثية الذكورية ان هناك قيمة تسمى السيطرة Control وان جميع الاديان السماوية حرضتنا على ضرورة السيطرة على غرائزنا البدائية مثل القتل والسرقة واغتصاب النساء والعدوان حتى لايصبح الانسان مثل الحيوان تحركه غرائزة كيفما اتفق. ان احترام الآخر المختلف ضرورة من ضروريات رقي الانسان وتحضره وتحرره. ان الغرائز البدائية موجودة داخل كل منا، لكن الاديان والقوانين الوضعية في كل مكان تمكنت من مساعدتنا في التغلب والسيطرة عليها. ان ما سطره الكاتب الخمايسي في تدوينته ورفض الاعتذار عنها أمر يستحق التحليل والدراسة، ويستحق ايضا ان نتأمل ماذا فعلت النخبة المثقفة بنا خاصة من اقترب منهم في صناعة القرارات المصرية لهذا البلد الجميل المتحضر بمواطنيه الذين لم يتلوثوا بتعليم داعم لقيم التعصب والتفكير احادي الرؤية . د. احمد الباسوسي