لا زالت التفجيرات المجرمة تتوالى وتقض مضاجع أهل مصر لتوقع مزيداً من الضحايا والأبرياء وكان آخرها ما شهدته الإسكندرية من تفجير تم وسط جموع غفيرة أمام كنيسة القديسين مارجرجس والأنبا بطرس بشارع خليل حمادة في سيدي بشر تزامن هذا التفجير مع إقامة "الصلوات" داخل الكنيسة احتفالا بالعام الجديد والتي كانت تضم أكثر من ألفي شخص من الأطفال والسيدات والشيوخ، وأوقع الانفجار واحدا وعشرين قتيلا وأكثر من ثمانين مصابا . لتتخذ من دمائهم حبراً لتكريس الطائفية والكراهية والحقد بين الناس . إن النظام السياسي والقوة السياسية وظيفتها رعاية شؤون الناس وإشاعة الأمن بينهم؛فتقوم بتنفيذ القوانين والأنظمة التي ارتضتها الجماعة السياسية التي أقامت تلك الدولة، أي المجتمع. ولولا النظام السياسي لتحوَّل المجتمع إلى فوضى وإلى شريعة الغاب، ولكانت شؤون الناس فوضى دون انتظام. وتعتبر الدولة ناجحة إذا قامت برعاية شؤون الناس وتنظيم المجتمع وفق أعرافه وقناعاته ومقاييسه. فإن تحولت الدولة وسياستها إلى مصدر للتوتر والفوضى والانقسام وإلى ميدان للصراع بين الناس،فما قيمة وجودها إذن؟ إن كانت الدولة جُنَّة يُتقى بها ويقاتَل من ورائها كما وصفها الرسول- صلى الله عليه وسلم- فنعمت الدولة ونعم النظام، وأما إن كانت مسرحا للتآمر الأجنبي، ومسبحا للدماء والتفجيرات فلتذهب إلى مخلفات التاريخ. يا أهل مصر الكنانة كم ستحتاجون كباقي الشعوب من معاناة ومآسي وآلام حتى تدركوا فساد أوضاعكم وعقم الأنظمة التي تحكمكم؟! ألم يأن لكم بعد أن تدركوا أنه لا منقذ لكم إلا حكم الإسلام وإقامة دولته التي تخلصكم من حضارة الغرب وعملائه وسيطرته والجحيم الذي أنتم فيه غارقون ؟! هل تعلمون أن تكاليف العمل لإقامة الخلافة لا تعدل معاناة يوم واحد في ظل الحكم الجبري الفاسد. فعليكم بالإسلام؛ فهو الدين الذي أنزله رب العالمين سبحانه وتعالى على نبيه الأمين محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لينظم حياة الناس على الأرض مسلمهم وكافرهم وبالشكل الصحيح. كما أن الأفكار والأحكام التي جاء بها الإسلام جاءت لتنظم الشئون الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والروحية لدى الإنسان عن طريق الشريعة الإسلامية. ومن المعلوم أن النظام السياسي والمتمثل بالدولة يلعب أهم دور في تطبيق الأحكام وطريقة العيش المنبثقة عن العقيدة ،ولا يمكن تنظيم شئون الناس عن طريق تطبيق الأحكام بدون الدولة. من أجل ذلك فقد ورد في السيرة أن محمداً -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وصحابته الكرام كافحوا مدة ثلاث عشرة سنة في مكةالمكرمة وهاجروا إلى المدينة بعد ذلك ليقيموا الدولة الإسلامية الأولى، وبعد إقامة الدولة طبق الإسلام عمليا في حياة الناس، وكان نتيجة الحكم بالإسلام أن توحدت القبائل التي كانت متناحرة في المدينة، وتوحدت معها باقي القبائل في الجزيرة العربية، وانصهرت جميعها في بوتقة الأمة الواحدة وهي الأمة الإسلامية، وكان النبي محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أول رئيس للدولة الإسلامية، وخلفه أبو بكر في رئاسة الدولة بعد أن بايعه المسلمون خليفة عليهم بعد وفاة المصطفى -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فعرفت الدولة بعد ذلك باسم دولة الخلافة. ودولة الخلافة هي رئاسة عامة على المسلمين، وهي تطبق الشريعة نظام حياة للناس وتحمل الدعوة الإسلامية للبشرية كافة. وفي دولة الخلافة ينصب المسلمون عليهم خليفة يبايعونه على السمع والطاعة على الحكم بكتاب الله وسنة نبيه محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ، ومسئولية الخليفة الحكم بالشريعة الإسلامية وحمل الدعوة للعالم. ودولة الخلافة ليست دولة كهنوتية، بل هي دولة مبنية على عقيدة توفر الأمن والأمان للناس وتضمن لهم سد حاجاتهم الأساسية بصرف النظر عن عرقهم ودينهم. والخلافة القادمة هي خلافة راشدة على منهاج النبوة وهذا يعني التقيُّد التام والشامل بأحكام الإسلام وعقيدته، وإظهار المكانة العالمية للدولة؛ فقد بدأت عالمية الإسلام منذ اللحظة الأولى لبعثة النبي– صلى الله عليه وسلم – ؛ فالإسلام عقيدة لا يختص بها شعب أو مجتمع أو بلد ؛ بل هو دين للناس جميعا بغض النظر عن العنصر أو الوطن أو اللسان ، ولا يعترف الإسلام بأية فواصل وتحديدات جنسية أو إقليمية أو زمنية فهو عام في المكان والزمان ، قال تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً }الفرقان1. والإسلام أتى بتشريعاته وأحكامه لمعالجة الإنسان في معاشه ومعاده وفي كل شؤون حياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية وهذه الأحكام جاءت لمعالجة شؤون الناس جميعا ؛ مسلمين وغير مسلمين . رسالة الإسلام البارزة في دولته التي تقضي على التفرقة بين الناس ، وحل النزاعات الإقليمية أو الطائفية أو العنصرية أو القبلية أو الوطنية ؛فدولة الخلافة لا تفرق بين أبيض وأسود ولا بين جنس وآخر،بل تنبذ العصبية والعنصرية والطائفية ، وترفض جعلها مقياسا للتفاضل بين البشر، وهذا واضح في قوله تعالى{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13. والدولة الراشدة تحارب العصبية وتدعو الناس إلى رابطة واحدة هي رابطة العقيدة الإسلامية {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }الحجرات10. ودولة الخلافة الراشدة لا تعرف إلا واجبها ، ولا تلتفت إلى عظم الدول التي تقابلها أو مكانة ملوكها ، بل تنطلق مبلِّغة رسالة الإسلام الخالدة ،أسوة بالرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم - الذي دعا جميع الناس وأرسل السفراء والرسل إلى الملوك ؛فهذه رسالته إلى كسرى ملك فارس يقول فيها :"بسم الله الرحمن الرحيم .. من محمد رسول الله ، إلى كسرى عظيم فارس : سلام على من اتبع الهدى ... وأدعوك بدعاية الله ، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة ، لأنذر من كان حياً ، ويحق القول على الكافرين ، اسلم تسلم فإن أبيت فعليك إثم المجوس " ،وهذا ما كتبه إلى قيصر ملك الروم يقول فيه : " بسم الله الرحمن الرحيم .. إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى . أما بعد فإني أدعوك بالإسلام اسلم تسلم ، يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين ". الإسلام الذي يحافظ على حقوق الأقليات التي طالما استغلها الغرب الكافر، ولا يزال يعمل للتدخل في شؤون المسلمين في مصر ولبنان و السودان وأندونيسيا و غيرها من بلاد الإسلام والمسلمين, يثير موضوعهم لتمييزهم دون أهل البلاد, و غالبا ما يستخدمون كورقة انتخابية أو لتمرير قانون يستعصي على الحكومات تمريره في الحالات العادية. الإسلام الذي خاطب أهل الكتاب فقال تعالى {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} آل عمران-64, وقال { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} النحل-125. لم يكرههم الإسلام على اعتناقه { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} البقرة-256 . وأما عن معاملتهم فهي أرقى معاملة ، لم يمس عقائدهم ولم يتدخل في خصوصياتهم ؛ فالمطعومات والملبوسات حسب أديانهم و ترك لهم دور عبادتهم، وفصل أمور الزواج والطلاق بين غير المسلمين حسب أديانهم,وتجعل لهم دولة الخلافة في محاكم الدولة قضاة من بني جلدتهم يفصلون بينهم في مثل هذه الأمور. إن حقوق غير المسلمين محفوظة في شرع الله , و يعتبر إيذاؤهم إيذاءا لله ولرسوله؛ فقد روي عنه صلى الله عليه و سلم قوله(من آذى ذميا فقد آذاني ومن آذاني فأنا خصمه يوم القيامة). وإن لغير المسلمين في الدولة الإسلامية ما للمسلمين وعليهم ما عليهم, وهذا ما سار عليه وعمل به الخلفاء والحكام, وقد نص الفقهاء على حرمة التعدي على أهل الذمة وهم الذين يعيشون تحت سلطان الإسلام من غير المسلمين: يقول ابن حزم (على أن من حق حماية أهل ذمتنا, إذا تعرض الحربيون لبلادنا, و قصدوهم في جوارنا, أن نموت في الدفاع عنهم, و كل تفريط في ذلك يكون إهمالا لحقوق الذمة), ويقول القرافي (إن من واجب المسلم للذميين الرفق بضعفائهم, وسد خلة فقرائهم, وإطعام جائعهم, وإلباس عاريهم, ومخاطبتهم بلين القول, واحتمال أذى الجار منهم مع القدرة على الدفع, رفقا بهم لا خوفا و لا تعظيما, وإخلاص النصح لهم في جميع أمورهم, ودفع من تعرض لإيذائهم, وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم وأن يفعل معهم كل ما يحسن بكريم الأخلاق أن يفعله). و هذا كله جعل الذميين ينعمون بحكم الإسلام, و هو ما دفعهم للدخول في دين الله أفواجا, وإن هذا الأمر لعائد بإذن الله بعودة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة . {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }آل عمران110 .