أصبح خروج الصحفى المصرى من بيته فى هذه المرحلة من عمر الوطن مغامرة، فالصحفى الآن ليس مستهدفا فقط من جماعات تمارس إرهاب المواطنين وتحول دون وصول الحقيقة للناس، لكنه مستهدف من جميع الأطراف سواء كانت مواطنين ينتقدون أداء الإعلام والصحافة متأثرين بحملات ودعاوى تشويهه، أو جهات أمنية تمارس تضييقا على الصحفيين. وفى هذا الصدد يقول مقرر لجنة التشريعات بنقابة الصحفيين، خالد البلشى، إن اللجنة التى شكلتها نقابة الصحفيين لرصد الانتهاكات التى يتعرض لها الصحفيين بشكل مستمر منذ 30 يونيو وحتى الآن، رصدت 78 حالة تعذيب بدنى، مضيفا "الغريب فى الأمر أن هذه الاعتداءات لم تقع على الصحفيين من طرف واحد فقط، ولكنها جاءت من أطراف عديدة سواء كانت من أنصار الرئيس المعزول أو مواطنين عاديين أو جهات أمنية". وتابع "البلشى" قائلا: "نعلم جيدا أن الصحافة فى كثير من الأحيان انتهكت قواعد الموضوعية والحياد، ولكن الأمر يحتاج إلى نوع آخر من التعامل إلى آلية أخرى تعيد الصحافة إلى دورها المجتمعى كناقل للحقيقة، من خلال تفعيل ميثاق العمل الصحفى". واستطرد " البلشى" قائلا: "بحثنا تمييز الصحفى عن طريق لبس "أى دى" مكتوب عليه صحافة، ولكن فى ظل هذا المناخ والذى أصبح فيه الصحفى مستهدف لا لشىء إلا لكونه صحفى، وجدنا الأمر مستحيلا". وكشف "البلشى" عن إجراء مخاطبات بين السلطات الأمنية والقضائية لإصدار قرار بمنع التحقيق مع أى صحفى فى أى تهمة إلا بحضور المحامى الخاص بالنقابة أو عضو من جبهة الدفاع عن صحفيى مصر حتى إصدار قانون يمنع محاكمة الصحفيين عسكرياً وتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق فى قضايا الانتهاكات التى يتعرض لها الصحفيون والإعلاميون، مع ملاحقة المتورطين فيها قضائيا، كذلك التحقيق فى سقوط أكثر من 6 شهداء من الصحفيين أثناء تأدية عملهم، والاعتداءات التى تعرضوا لها. وأوضح "البلشى" أن النقابة تسعى جاهدة لإقامة برامج تدريبية للصحفيين حول الطرق الآمنة لتغطية، الأحداث الخطرة، وكيفية التعامل مع حالات الاعتقال أو الاعتداء. وأضاف "البلشى" أن النقابة تسعى من خلال الدستور على منع محاكمة المدنيين عامة والصحفيين خاصة أمام محاكم عسكرية، ومثولهم أمام قاضيهم الطبيعى. وطالب نقيب الصحفيين الإلكترونيين، صلاح عبد الصبور، بإنشاء صندوق مستقل لتعويض الصحفيين والإعلاميين المتضررين من الانتهاكات (مادياً ومعنوياً)، على أن تشرف عليه جهة مستقلة ممثلة لكافة النقابات الإعلامية. وأضاف "عبد الصبور": "من الضرورى تعزيز القوانين التى تحمى الحريات العامة وحرية الإعلام والتعبير، وتفعيل قانون لحماية الصحفيين الذين يعملون فى بيئات العمل الخطرة ولا ينتمون لنقابات تدافع عنهم، وإطلاق قوانين ضمان الحريات النقابية لتوسيع دائرة الحماية النقابية للصحفيين والإعلاميين، خاصة العاملين بالوسائل الإلكترونية". وفى نفس السياق قال الخبير الإعلامى وعضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، ياسر عبد العزيز، إن الصحفيين المصريين يواجهون أصعب الأوضاع التى يمكن أن يواجهها صحفى فى أى بيئة نزاع، ويرجع "عبد العزيز" ذلك إلى أن مصادر التهديد للصحفى المصرى متنوعة، جزء منها يأتى من الجماعات الإرهابية الفاشية وجزء من السلطة والجزء من بعض قطاعات الجمهور. وأضاف "عبد العزيز" أن مصر سجلت انتهاكين إعلاميين جديدين بجانب الاعتداءات الجسدية، موضحا أن الانتهاك الأول كان البث بالإكراه مثل خطف طاقم عمل وإجباره على بث محتوى محدد، والانتهاك الثانى فرض الرسائل الإعلامية من خلال الجمهور والجماعات الدينية الفاشية، بمعنى أن مندوبى الجماعات وبعض الجمهور يوجه الصحفى لكتابة أشياء معينة أو قول أشياء محددة ويحدث ذلك من خلال تهديد صريح أو مبطن لهذا الصحفى. وتابع "عبدالعزيز" الممارسة الإعلامية تأثرت تأثر بالغ بسبب بيئة الانتهاكات والاعتداءات ويجب أن تكون هناك وقفة ضد الاعتداء على حرية الإعلام والصحفيين، مشيرا إلى بعض الزملاء ممن يسهمون فى الإضرار بمستوى الحرية الإعلامية بسبب بعض أنماط الأداء الإعلامى الحادة والمنفلتة. وكشف "عبدالعزيز" أن المجلس القومى يسعى لإصدار تقارير مدققة ومخاطبة الرأى العام فيها، وإصدار تقرير وإخطار للرأى العام بشأن الانتهاكات، مع إعادة بناء النظام الإعلامى المصرى على أسس الحرية والمسئولية، وتدريب الإعلاميين وتأهيلهم بما يقلل بأقصى درجة من الممارسات الحادة والمنفلتة.
