في كتابه "شخصية مصر" يقول الدكتور جمال حمدان "تنفرد مصر بين العرب، ولكن موقعها الجغرافي يأتي ليمنحها المزيد من التفرُّد وأبرز ما في هذا الموقع أنه كالقلب من الجسم، وواسطة العقد، وهمزة الوصل بين آسيا العربية وأفريقيا العربية ". ركَّز الدكتور جمال حمدان تفرُّد مصر على مكانتها كدولة بين العرب ومكانها الجغرافي بين الدول العربية. ولكني أتوسع بتطبيق انفراد مصر لمكانتها كدولة عريقة بين الدول الراقية، ولمكانها الجغرافي الاستراتيجي بين قارات العالم. فقد قال القائد الحربي الفرنسي نابليون بونابارت "مصر هي قلب الكرة الأرضية من إحتلها سيطر على العالم كله." وقال أيضاً "في مصر قضيت أجمل السنوات، ففي أوروبا الغيوم لاتجعلك تفكر في المشاريع التي تغير التاريخ، أما في مصر فإن الذي يحكم بإمكانه أن يُغيِّر التاريخ." مصر، كما يعرفها العالم، هي أرض الحضارات. لها آثارها وتأثيرها في تاريخ الإنسانية بمعالمها الحضارية المتميزة التي مَكَّنتها من السيادة داخليا وخارجيا والتفوق في العلوم والفنون والثقافة والطب والعمارة وفي جميع مجالات الإنسانية وفي نظام الحكم في حرب وسلم. لقد كانت لمصر دائماً خصوصيتها التي تنفرد بها علي كل الأمم وعلى كل الحضارات التي أخذت منها وبُنيَت على معالمها. ومن مدعاة فخر مصر والمصريين أنها هي تعتبر أقدم دولة في العالم لها "كيان مجتمعي واحد" بحدوده الجغرافية الحالية منذ 7000 ألاف سنة. لكي نستدل كيف سُمِّيَت مصر باسمها، أمامنا مصدران. الأول هو التوراة، العهد القديم في الكتاب المقدس، أقدم الكتب المطبوعة في العالم، والثاني هو تاريخ الفراعنة سكان مصر الأوَائل، أقدم شعوب العالم المتنور. كان لنوح النبي ثلاثة أبناء هم سام وحام ويافث. سام هو أبو الشعوب الأسيوية القريبة أي جنوب غرب آسيا وتشمل العرب واليهود وفارس. وحام هو أبو الشعوب الجنوبية وتشمل مصر والسودان وشمال أفريقيا وباقي أفريقيا. ويافث هو أبو الشعوب الشمالية من آسيا وآسيا الصغرى وتشمل الصين إلى البلقان وأوروبا. وكان "مصرايم" إسم الابن الثاني لحام وهو أيضاً الاسم العبراني لمصر. ويقال ان معناه هو البلد او المكنونة الحصينة. ويقال ايضا البسيطة الممتدة. وجاء اسم مصرايم ومصر ككلمتين متبادلتين للدلالة على مصر وشعبها في التوراة، في سفر التكوين (10:6) وفي سفر إشعياء (11:11) وفي سفر حزقيال (29:14 و 30:14) وفي نبوة إرميا (44:1 و 15). كما جاء في مزمور 105:23 "فجاء إسرائيل إلى مصر، ويعقوب تغرَّب في أرض حام"، أي في أرض مصر. و في العصور الفرعونية عرفت مصر بأسماء منها "كيمبيت" وتعني الأرض السوداء تمييزاً لها عن الأراضي الصحراوية الصفراء والجبلية الحمراء، و"ثيميرا" أو "ثامير" وتعني أيضاً الأرض السمراء الخصبة المثمرة. ومن أوضح الأسماء التي أطلقت علي مصر وعلي مدينة ممفيس في العصور الفرعونية اسم "ها كا بتاح" بتشكيلات مختلفة: "ها كو بتاح" "هي كو بتاح" "هيكوبتاح" "كوبتاح" ومعناها مسكن روح الإله بتاح. وهو في الحضارة الفرعونية إله الحِرَف والصناعة والفنون وهو ما أشتهرت به مصر في عصر كان العالم كله يحبو في ظلام الجهالة. ولا يزال هذا إسم مصر في اللغة القبطية حتى اليوم. تطورت هذه الكلمة بمقاطها الثلاث ها كا بتاح أو (ha-ka-ptah)، في صور متقاربة "ها كا بتاح" أو "هي كا بتاح" أو "هي كو بتاح" بمزيج من اليونانية والهيروغليفية إلى"هي جى بتو" أو "جيبتو" وبالحروف اللاتينية Aigyptus. أو Egyptos، مضيفين حرف السين (s) كالعادة في اللغة اليونانية في نهاية الأسماء، وهو ما يماثل التشكيل بالضم والفتح والكسر فى اللغة العربية. ومنها اشتق اسم مصر الحالي Egypt بالانجليزية ومرادفاتها باللغات الأوروبية، مثل "Egypte" في الفرنسية، و"Egitto" في الايطالية، و"Aegypte" في الألمانية، وغير ذلك. *** مما قدمته يتضح أن مصر من المناطق القليلة في العالم التي حافظت علي أسمها طوال مراحل تاريخها العميق. أي أن أسم "مصر" باللغة القبطية الفرعونية والعبرية التوراتية والعربية واللاتينية وأي لغة في العالم ظل عَلماً علي هذا الوطن المصري العريق دون تغيير خلال 7000 سنة حتى تحت استعمارات المستعمرين من كل صَوْبٍ وجنسٍ، ما عدا ال 55 سنة الأخيرة تحت حكم "مصريين" للأسف وللعجب!!! ففي البدء كانت «مصر». وكان اسم مصر: «مصر». واسم مصر كما عرفه ويعرفه العالم أجمع بمؤرخيه وبمراجعِه: «مصر». ومصر كما يعرفها العالم أجمع: تاريخياً وعنصرياً وعرقياً «فرعونية»، وجغرافياً «أفريقية». من ذلك، فمصر عَبر تاريخها الطويل، إسماً وهوية: «مصر» «فرعونية افريقية». بالونة الحلم الرمادي التوسعي: في عام 1958، في حلم رماديّ اللون، ولغرض تكوين وحدة سياسية توسعية سلطوية مغلَّفة بنعرة "القومية العربية" قام جمال عبد الناصر، متخلِّياً عن "القومية المصرية العريقة"، بحذف إسم «مصر» تماماً من هويتها الأصيلة. وتغيير مصر إسماً وهوية إلى: «الجمهورية العربية المتحدة». فشلت الأغراض التوسعية الحمقاء. وثبتت ضحالة القومية العربية. فسقطت بالونة «الحلم الرمادي» مُمَزّقة متناثرة على الأرض. لصق هذا الإسم الفضفاض بمصر، كجلباب عربي صحراوي "مهرول" ليس على مقاسها ولا يناسب قدها الجميل ولا يليق بذوقها الراقي حتى عام 1971. حيث قام أنور السادات بتغييره كما يغيرون لعِّيبة الكورة أثناء الماتش والنتيجة واحدة. "شالوا ألدو وحَطُّوا شاهين" "شالوا المتحدة وحَطُّوا مصر". فصارت مصر إسماً وهوية: «جمهورية مصر العربية». ولم يتغير شيء. فما زالت مصر الفتاة الأنيقة مُخبَّأة تحت الثوب العربي الصحراوي "المهرول" الذي ليس على مقاسها ولا يناسب ذوقها، يخفي جمال وعظمة قوميتها المصرية العريقة. *** بالونة الحلم الأسود الفاشي: واليوم، يحاول مرسي العياط، في حلم أسوَد اللون، ولغرض تكوين نظام فاشي سلطوي مغلف بنعرة "الخلافة الدينية"، مع أولياء أمره، الأخوان المسلمين مغتصبي مصر وسالبي دستورها وحريتها وكرامتها وكرامة بنيها، مُهدرين القومية المصرية العريقة، بهدف جعل مصر دويلة أو ولاية في خلافتهم الخرافية وتغيير اسم مصر وهويتها إلى: «ولاية مصر الإسلامية». *** ولكن... التاريخ لا يغفل. بل يعيد نفسه.... فكما فشلت المطامح "التوسعية السلطوية" المبنية على "القومية العربية الضحلة"، كذا ستفشل المطامع "الفاشية السلطوية" المبنية على "الخلافة الإخوانية الخيالية". وكما لم تكد ترتفع بالونة الحلم الرمادي الأحمق إلا لتسقط مفرقعة علي الأرض، سيتسرب الغاز من بالونة الحلم الأسود الخرافي قبل أن تفارق سطح الأرض. *** ولكني أعجب كل العجب لأبناء مصر، أو من يدَّعون أنهم أبناء مصر. من يحاولون حشر مصر الكبيرة الأصيلة العريقة في خيمة العروبة، أو وضع أبنائها العظام سلالة الفراعنة سادة العالم تحت أجنحة العرب. إنه كمَن يحاول حبس الأسد في حظيرة الدواجن، أو زج الفراشة في شباك العنكبوت. كونوا مسلمين ما شئتم، ولا عيب في ذلك. ولكن هذا لا يبرر ذوَبان مصر الأفريقية في العروبة الأسوية. فقد كانت غالبية مصر مسلمة ومستقلة عن العروبة في عصر الزمن الجميل، وكانت عزيزة راقية متقدمة في كافة المجالات. لن ينجح أبداً الحالمون الطامعون المُهْدِرون لمصرية «مصر» والنازعين عنها ثوبها الأنيق الممثل في إسمها الجميل وقوميتها المُشَرِّفة. لن ينجح مستعمر غاشم، أو فصيل غاصب، أو دكتاتور موتور، في وأد كيان مصر الحُرَّة الأصيلة.. فاسمها ملء التاريخ، وسيظل مِلء التاريخ. وستظل مصر «مصر» كما يعشقها ويحميها جيشها الباسل وأبناؤها الأوفياء ويستعيدوا حريتها ومجدها وحضارتها العريقة. وستظل مصر كما يعرفها ويحترمها العالم: «مصر» الحرة منبع الخير والطيبة والبساطة والوداعة والخلق النبيل، مهد الحضارات، حاضنة القانون، بوتقة الأديان. وستظل مصر إسماً وهوية: «مصر».. «فرعونية افريقية» «مصرية مدنية».. لا عربية ولا دينية.