إنه جزء من نسيج هذا المجتمع وأحد أبنائه . صغير هو لم يبلغ بعد مبلغ الرجال .فقد عائله وسنده الوحيد من البشر. يرى قرناءه يهرولون صوب آبائهم صباح يوم العيد ، بينما هو جالس حزين يبحث عن أبيه فلا يجده،وتسقط من مقلتيه دمعات غالية يهتز لسقوطهن عرش الرحمن،وينادى الجليل ملائكته ويشهدهم أن من يرضى هذا اليتيم يرضيه الكبير المتعال يوم تبيض وجوه وتسود وجوه. هو اليتيم إذن .وهو الذى أوصانا به ربنا فى الرعاية والعطف كى يجد من بيننا أبا له وراعيا لشئونه ومتابعا لأحواله.ترى هل سيجد ؟ و فى القرآن آيات كثيرة تحض على إكرام اليتيم والحفاظ على ماله ورعاية شئونه وأحواله.ووصى ربنا سبحانه وتعالى نبيه و مصطفاه صلى الله عليه وسلم باليتيم خيرا فقال تعالى "فأما اليتيم فلا تقهر" فإن كان أفضل الخلق والرسل قد نهاه الله عن قهر اليتيم فما بال أقوام يقهرون اليتامى ويهضمون حقوقهم؟ ألم يحرم ربنا سبحانه وتعالى أكل مال اليتامى وظلمهم؟ ألم يقرأ هؤلاء قول الحق سبحانه وتعالى"إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا وسيصلون سعيرا"؟ وها هو عبد الله بن المبارك وقد كان صاحب رزق واسع وعطاء من الله كبير ومال وفير ،فكان يحج عاما ويتصدق عاما ،فلما كان العام الذي يحج فيه ،وبينما هو يودع أصحابه ،رأى فى أحد شوارع بلدته عجبا ! رأى امرأة تأخذ من الطريق دجاجة ميتة ،فأفزعه ما رأى ورق قلبه لحالها واقترب منها يسألها عن أمرها فقالت له: يا عبد الله اتركنى وشأنى فلله فى خلقه شئون .فزاده ذلك إصرارا على أن يعرف شأن تلك المرأة ولم يتركها حتى أخبرته أنها تعول أيتاما تركهم لها زوجها بعد موته وقالت له " وقد طرقت أبواب البلدة كلها فلم أجد خلف البيوت قلوبا ولكنى وجدت حجارة" فطلب ابن المبارك من المرأة أن تنتظره حتى يأتيها وذهب ليعود بماله الذى كان قد رصده للحج هذا العام وأعطاه للمرأة لترعى أيتامها وتوسل إليها ألا تخبر أحدا.وظل أمره سرا واختفى فلم يره أحد ،حتى انتهى موسم الحج ،ولم يحج هذا العام ،لكن أحدا لم يعرف قصته. ولما عاد الحجاج وقابلوا عبد الله بن المبارك وأخبروه أنه كان موفقا فى دروسه التى كان يعلمها الناس فى الحرم وهو يؤدى الحج هذا العام،فتعجب فى نفسه وقال فى نفسه كيف وأنا لم أحج؟ ولم يبدها لهم وحفظ على نفسه سره حتى نام من ليلته فرأى فى نومه من جاءه ليبشره أن الله قد خلق على هيئته ملكا ليؤدى عنه الحج هذا العام وقد كتبت للناس فريضة وله سبعين فريضة جزاء إكرامه لليتامى وأمهم. وكان المبشر هو خير بشير ونذير صلى الله عليه وسلم . أما آن الآوان أن نكرم اليتيم حتى ولو بأدنى درجات المحبة ولوكان المسح على الرأس ليكون لنا بكل شعرة من رأسه حسنة وذلك ترغيبا فى إكرامه وعدم إهانته . أتعلمون ما هو خير بيت فى بيوت المسلمين ؟ إنه بيت فيه يتيم يحسن إليه.وأما شر بيت فى بيوت المسلمين هو بيت يتيم يساء إليه. ويكفى كافل اليتيم شرفا وعزا أنه جار لأشرف وأفضل يتيم عرفته الدنيا "صلى الله عليه و سلم" فقد قال صلى الله عليه وسلم أو كما قال "أنا وكافل اليتيم كهاتين فى الجنة " وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى. رزقنا الله وإياكم حب اليتيم والإحسان إليه. هشام الجوهرى