بعد إعلان القسام عن أسر جنود.. الجيش الإسرائيلي يشن قصفا مدفعيا عنيفا على مخيم جباليا وشمال غزة    تقرير إسرائيلي: نتنياهو يرفض بحث توافق عملية رفح مع قرار العدل الدولية    أصعب 48 ساعة.. الأرصاد تحذر من طقس الساعات المقبلة    عمرو أديب يعلق على تصريحات الرئيس السيسي حول أزمة الكهرباء    شاهد، كيف احتفل كولر ورضا سليم مع أولاد السولية    رامز جلال يحتفل بتتويج الأهلي بطلًا لإفريقيا (صورة)    "هرب من الكاميرات".. ماذا فعل محمود الخطيب عقب تتويج الأهلي بدروي أبطال إفريقيا (بالصور)    موعد مباراة الأهلي والزمالك في السوبر الإفريقى والقنوات الناقلة    واجب وطني.. ميدو يطالب الأهلي بترك محمد الشناوي للزمالك    أسعار الذهب اليوم الأحد 26 مايو 2024 محليًا وعالميًا    اليوم.. الحكم فى طعن زوج مذيعة شهيرة على حبسه بمصرع جاره    وزير البترول: ندعم وزارة الكهرباء ب 120 مليار جنيه سنويا لتشغيل المحطات    المقاولون العرب يهنئ الأهلي على فوزه بدوري أبطال أفريقيا    زاهي حواس: إقامة الأفراح في الأهرامات "إهانة"    القائمة الكاملة لجوائز الدورة 77 من مهرجان كان    حظك اليوم برج السرطان 26/5/2024    رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري بالبنوك في أول يوم عمل بعد تثبيت الفائدة    عماد النحاس: سعيد بتتويج الأهلي بأبطال إفريقيا وكنت أتابع المباراة كمشجع    باريس سان جيرمان بطلا لكأس فرنسا على حساب ليون ويتوج بالثنائية    الرئيس التونسى يقيل وزير الداخلية ضمن تعديل وزارى محدود    مصرع 20 شخصا إثر حريق هائل اندلع فى منطقة ألعاب بالهند    أطول إجازة للموظفين.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات للقطاع العام والخاص    نيابة مركز الفيوم تصرح بدفن جثة الطفلة حبيبة قتلها أبيها انتقاماً من والدتها بالفيوم    «تشريعية النواب»: تعديل على قانون تعاطي المخدرات للموظفين بعدما فقدت أسر مصدر رزقها    طباخ ينهي حياة زوجته على سرير الزوجية لسبب صادم!    مصرع شخص وإصابة 9 آخرين في حادث سيارة ربع نقل بالمنيا    مشابهًا لكوكبنا.. كوكب Gliese 12 b قد يكون صالحا للحياة    قفزة بسعر السكر والأرز والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الأحد 26 مايو 2024    طلاب ب "إعلام أكاديمية الشروق" يطلقون حملة ترويجية لتطبيق يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتسهيل الحياة في العاصمة الإدارية    وزير البترول: نتحمل فرق تكلفة 70 مليار جنيه لإمداد وزارة الكهرباء بالغاز فقط    حزب المصريين: الرئيس السيسي يتبع الشفافية التامة منذ توليه السلطة    حظك اليوم الأحد 26 مايو لمواليد برج الجدي    وزير الرياضة ل"قصواء": اعتذرنا عما حدث فى تنظيم نهائى الكونفدرالية    سلوى عثمان تنهار بالبكاء: «لحظة بشعة إنك تشوف أبوك وهو بيموت»    زيادة خطر الإصابة بهشاشة العظام بعد انقطاع الطمث.. وما يجب فعله للوقاية    العلاقة المشتركة بين سرطان الرئة وتعاطي التبغ    صحة كفر الشيخ تواصل فعاليات القافلة الطبية المجانية بقرية العلامية    أول رد من نتنياهو على فيديو الجندي الإسرائيلي المُتمرد (فيديو)    تجدد الاحتجاجات ضد نتنياهو في تل أبيب وأماكن أخرى.. وأهالي الأسرى يطالبونه بصفقة مع حماس    61 ألف جنيه شهريًا.. فرص عمل ل5 آلاف عامل بإحدى الدول الأوروبية (قدم الآن)    اليوم.. افتتاح دورة تدريبية لأعضاء لجان الفتوى بالأقصر وقنا وأسوان    وزير البترول: محطات توليد الكهرباء تستهلك 60% من غاز مصر    صوّر ضحاياه عرايا.. أسرار "غرفة الموت" في شقة سفاح التجمع    "يا هنانا يا سعدنا إمام عاشور عندنا".. جماهير الأهلي فى كفر الشيخ تحتفل ببطولة أفريقيا (صور)    آلام التهاب بطانة الرحم.. هل تتداخل مع ألام الدورة الشهرية؟    بوركينا فاسو تمدد فترة المجلس العسكري الانتقالي خمس سنوات    رئيس جامعة طنطا يشارك في اجتماع المجلس الأعلى للجامعات    الأزهر للفتوى يوضح العبادات التي يستحب الإكثار منها في الأشهر الحرم    الأزهر للفتوى يوضح حُكم الأضحية وحِكمة تشريعها    «الري»: إفريقيا تعاني من مخاطر المناخ وضعف البنية التحتية في قطاع المياه    نتيجة الصف الرابع الابتدائي 2024 .. (الآن) على بوابة التعليم الأساسي    موعد عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات.. ومواعيد الإجازات الرسمية المتبقية للعام 2024    المدن الجامعية بجامعة أسيوط تقدم الدعم النفسي للطلاب خلال الامتحانات    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولي العلمي للمقالات العلمية    توقيع برتوكول تعاون مشترك بين جامعتي طنطا ومدينة السادات    وزير الأوقاف: تكثيف الأنشطة الدعوية والتعامل بحسم مع مخالفة تعليمات خطبة الجمعة    علاج 1854 مواطنًا بالمجان ضمن قافلة طبية بالشرقية    متصلة: أنا متزوجة وعملت ذنب كبير.. رد مفاجئ من أمين الفتوى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار بين اخواني وهابي و .. قبطي!
نشر في شباب مصر يوم 21 - 06 - 2012

التقيا عن غير قصدٍ، فهما يقفان في نفس الصف الطويل أمام أحد المحلات الكبرى في ثاني أيام الأوكازيون الشهير. إذا نظرت إليهما من بعيدٍ ظننتَ أنهما من عالَمين مختلفيّن، وإذا اقتربت منهما وتخيّلت أنَّ السلفي حلق لحيَتَه وارتدى بدلةً أنيقة فوق قميص أبيض وربطة عنق زاهية الألوان، والقبطي وقد أطلق لحيتَه، وكحَّل عينيه، وقصَّ ذيل جلبابِه لعدة سنتيمترات شرعية، لا تزيد ولا تنقص، حينئذ ستكتشف أنَّ الإنسان مَظهر خارجي قبل أن ترسم كلماتُه شخصيتَه، وصفاته، وأولوياته في الحياة.
جرى بينهما حوارٌ في محاولة لطرد مَلل الوقوف أمام المحل، والتقطنا نحواً منه، فكان كالآتي...
القبطي: هل تظن أننا سنقف هنا طويلا، فأنا لدي موعد لأصطحب ابنتي الصغرى من المدرسة الابتدائية الملاصقة لتلك الساحة المواجهة للبرج المنتصب هناك؟
الاخواني الوهابي: أليست تلك هي المدرسة المختلطة بين بنين وبنات، وناظرها قبطي لا يكترث لحرمة الاختلاط بين الذكور والإناث؟ كيف لمسلم مثلك أن يبعث ابنته إلى مكان موبوء لا تزوره الملائكة، ولا تحيط به بركات الله؟
القبطي: إنها واحدة من أفضل مدارس المدينة، وناظرها ترَبَتّ على يديه أجيال مسلمة وقبطية خدمت الوطن أكثر من غيرها، وابنتي في التاسعة من عمرها، أي طفلة صغيرة، ولا أظن أن أطفال التاسعة مهووسون بالجنس! وأنا مواطن قبطي مصري، أرجو أن لا يكون لديك أي تحفظ على وقوفي معك في نفس الصف!
الاخواني الوهابي: العبرة ليست بسنوات العمر، فقد تكون هناك طفلة في العاشرة من عمرها، وقد ماثل جسدها جسد فتاة ناضجة، وتكور نهداها كتفاحتين ملامستين لصدرها، وانتصب خصرها فبدت كأنها حورية روسية وصلت لتوها إلى مسابقة اختيار أجمل موديل في الحفل السنوي بميلانو الإيطالية!
ليس لدي أي تحفظ على وجودك معي، فأنا متسامح إلى أبعد الحدود، وآكل مما تأكل، ولا أخشى الجلوس بجوارك في المواصلات العامة رغم أن مصر بلدي، وأنت تنتمي إلى الأقلية التي من المفترض أن تدفع الجزية بالدينار الإسلامي، ولا تتساوى مع الأكثرية، لكنني لا أرد على تحيتك بمثلها فنحن نتبع السلف الصالح، ونرد على الكفار بما لا يوقعنا في شبهات الشرك!
لقد حسم صندوق الانتخاب في ديمقراطيتكم الكافرة التي لا نؤمن بها، ونجحنا بفضل الله، فالملائكة كانت تحرس أوراق التصويت قبل أن تختطف الشياطين بعض الأوراق وتقوم بتسليمها إلى هالة سرحان، ونحن أصبحنا سادة الأمة، ولن يمر وقت طويل حتى تأتينا أمم الأرض خاضعة، ذليلة، صاغرة، فنفرض شرع الله، ويتعلم سكان الأرض اللغة العربية، ويعترف أطباء الغرب أن اللحية تطرد الميكروبات عن الوجه، وتزيد الخصوبة، ويتضاعف احتمال انجاب الزوجة للذكور إذا كانت لحية زوجها أطول من شبرين.
القبطي: أنا لست من الأقلية، ومصر بلدي، ولي فيها مثل الذي لكَ، وأنا لست مهووساً بقضايا الاختلاط والجنس لدىَ أطفال كانوا إلى عهد قريب في بطون أمهاتهم.
كان طبيعيا حصولكم على تلك النسبة المرتفعة، فقد رفضتم الانضمام إلى شباب الثورة رغم أنهم هم الذين حرروكم من منتهكِ أعراضكم، وكنتم في عهد المخلوع أرانب تمشي على أطرافها الأربعة بحذر شديد، وتؤيدون قاتل أولادكم، وتعتبرون اللصوص أولي الأمر والخروج عليهم معصية.
فجأة ظهرتم كفافيش الظللام، توزعون الفتاوى معجونة بالكراهية، وتبيعون أماكن وهمية في الجنة مع صكوك غفران نبذناها نحن منذ قرون عندما كانت الكنيسة تلعب دور السماء على الأرض.
لقد فرض عليكم المتسلط الطاغية قهراً متعنتاً، فتقوقعتم، وأنكفأتم على الذات وغرقتم في بؤس الطاعة العمياء، وحبستم أنفسكم في الماضي خشية مواجهة الحاضر وتحدياته، وخوفاً من انكشاف تهافتكم وسطحيتكم إذا اضطررتم لاستخدام العقل.
كلنا، نحن الأقباط، نحمل بدرجات متفاوتة ذكريات جميلة مع اخواننا المسلمين، ومعارك بعض متعصبينا رغم ظلمها الشديد للإسلام، دين الأغلبية، وعقيدة من تربينا معهم، وشربنا سويا من مياه النيل، وتعرضنا دون تفرقة لاعتداء قوى الاحتلال والغزو على مدى مئات الأعوام، هي معارك خرجت من رحم عالم الكراهية الذي بثته فتاويكم العفنة التي تؤكد بأننا نجس، وأن ردَّ السلام علينا ينبغي وضعه في كلمات لا تحمل المودة أو الرحمة، وأننا أقل منكم درجات عند الله.
لا أنكر سوادَ قلوب بعض الأقباط في منتديات ومواقع وفضائيات، لكن صدّقني فهؤلاء كان من الممكن جذب نصفهم على الأقل لو نزعتم من قلوبكم الغِلَّ والمقتَ والبغضاء.
الاخواني الوهابي: قبطي وحكيم أيضا؟ تناقض عجيب، فأنتم أيضا كنتم صامتين أمام مبارك، وأعطيتم له أصواتكم في الانتخابات المزيفة، وصرح البابا شنودة بتأييده لتوريث جمال مبارك، ولم تدافعوا عن معتقلينا رغم أمكانياتكم الهائلة في الوطن والمهجر، ولم نسمع أنكم تظاهرتم أمام البيت الأبيض مطالبين بالافراج عن اخوانكم السلفيين والإخوان المسلمين!
أكثركم يعتبرون أنفسهم شعب الكنيسة وليس شعب مصر، وتطيعون البابا كما نطيع نحن مرشدنا الروحي وأمير الجماعة .. الشاة والراعي
وأنتم تميلون إلى الغرب، ولا تكترثون للعدو اليهودي، وتكرهون الإسلام، وتتبرج نساؤكم في الشوارع والجامعات والأسواق، وتعملون في هدم قيم أمتنا الإسلامية بانتاج أفلام فيها قبلات ساخنة، وتوجيه أولادكم إلى نشاطات فنية وموسيقية وأوبرالية، وتصنعون أصناما في كنائسكم التي جاء الإسلام وقام بتحريمها.
لقد جاء دين الحق وقُضي الأمر وما عليكم إلا الاذعان لحُكم الله، والقبول بأنكم أقل درجة من المسلمين، وأن قتلاكم ليسوا شهداء، وأننا مهما فعلنا من آثام وذنوب فإن نبينا، صلوات الله وسلامه عليه، شفيعُنا يوم القيامة.
القبطي: لن أصل معك إلى نتيجة فأنت تقف في الصف وقد تركت جمجمتك في المنزل يعبث بها أطفالك. نحن نشارك في الحركة الثقافية مشاركة فاعلة، ومثمرة، وتاريخ أقباطنا مكتظ بالحكماء والعلماء والأدباء ولكن ظلم مناهج التعليم هي التي حجبت العصور المشرقة لأقباط مصر.
أنت جاهل بتاريخ شركاء وطنك، ولا تعرف اسم واحد فقط من أسماء قديسينا، وشهدائنا، وفرسان معاركنا ضد الغزو الأجنبي لمصر التي تزعم أنت أنها بلدكم فقط، فنحن قمنا بحماية مصر كاخواننا المسلمين تماما.
نطلق اسم شعب الكنيسة عندما غابت الدولة، وانحاز الأمن إلى المسلمين، واستكثرتم اعتبارنا ضحايا الكشح ونجع حمادي والزاوية وإمبابة وماسبيرو شهداء عند ربهم يرزقون، ولو كان هناك عدل ومواطنة ومساواة كاملة لخجل أي قبطي من اللجوء إلى الكنيسة أو الاحتماء بها.
تقول العدو اليهودي فتعطي بغبائك الفرصة لاسرائيل للادعاء أنها محاصرة من أعداء اليهود، وليس اسرائيل المغتصبة لأرض فلسطين.
لست متعاطفا مع الدولة العبرية، وقداسة البابا منعنا من زيارة بيت المقدس حتى تتحرر كنيسة القيامة مع المسجد الأقصى في الوقت الذي برر الأزهر معاهدة السلام مع اسرائيل كأنها صلح الحديبية.
قل لي بربك: هل تعرف جاسوساً قبطيا واحداً من بين كل الجواسيس الذين يعملون لصالح إسرائيل من مصر الإسلامية، وفقا لمسمياتك المغرضة؟ كلهم كانوا مسلمين، أليس كذلك؟
نحن لا نصنع أصناما في كنائسنا لكي يعبدها المسلمون، وتعاليم عمر بن الخطاب كانت دائما تأمر قادة الفتوحات الاسلامية أن لا يقتربوا من صوامع وكنائس ومعابد غير المسلمين، وأنا لست هنا مطالَبا بالدفاع عن ديني، وأنت تعلم جيدا أن حوار المقارنة بين أي دينين في العالم ينتهي بخسارة أتباع الاثنين، فكثير من تعاليم الأديان يفهمها المؤمنون بها فقط، فإذا شَرَحْتَها فقد شَرَّحْتَها، وإذا بسطتها فقد عقَّدَتها، وإذا عقلنتها فقد أحكمت لنفسك العقدة التي لا حل لها!
الاخواني الوهابي: إن معركتي ليست معك فقط لكنها ضد الليبراليين والعلمانيين واليساريين والشيوعيين والقرآنيين والناصريين والبهائيين والزاعمين أنهم معتدلون، وأيضا ضد الذين يُعطون أولوية العقل على النقل.
نعم، نحن رفضنا الخروج على الحاكم حتى بدا سقوط مبارك حتمياً فأخذنا نصيبَنا من نجاح الثورة التي جل شبابها من المطالبين باصلاحات جذرية قد تخالف عقيدة السلف الصالح، فهم يطلقون على قتلاكم الأقباط شهداء الميدان، وكانوا يدخلون الكنائس المجاورة للوضوء فيأثمون وتزداد سيئاتهم أضعافا مضاعفة.
شباب الثورة حمقى، وساذجون، ومتأثرون بأفكار غربية عن حقوق الإنسان، والافراج عن المعتقلين، واسترداد مليارات ولي الأمر التي وضعها في مصارف الكفار لأنها أكثر أمنا، فيستعيدها في الخطط الخمسية ومشروعات بناء مساكن للشباب الناكر للجميل، والثائر ضد بطل الضربة الجوية الأولى.
نحن رفضا الخروج لأن من يحكمنا بالسوط نُعرّي له ظهورنا، فنحن سلفيون، نرجع إلى الماضي ليردّ موتانا على تساؤلاتنا، وتجيب كتبهم العتيقة المتربة على كل ما يحيرنا، فلديهم أجوبة جاهزة على كل ما يدور بذهن المسلم السلفي، فالأرض ليست كروية، وغزو الفضاء حرام لأن المركبة الفضائية تتحدى الله وتخترق حُجُبَ السماء، وعلاج العقم مكروه لأنه اعتراض على قضاء الله وقدره، وتحديد النسل حرام حتى لو أنجب المتسول خمسين طفلا، فالله يرزقهم بغير حساب، فينامون تحت الكباري ويأتي فاعلو الخير فيعطوهم من رزق الله.
إن قضايانا ليست دنيوية ساذجة مثل البحوث العلمية، واحترام الشرعة العالمية لحقوق الإنسان، ومساواة المسلم الذي تنتظره اثنتان وسبعون من الحور العين بالقبطي المؤمن بحكاية صلب المسيح.
إننا لا نضيع دقيقة واحدة في هموم العلمانيين الهابطة مثل حرية التظاهر ضد الحاكم الظالم، ومساواة الرجل والمرأة في الأجور والخدمات، فالمرأة من ضلع أعوج، ومكانها البيت، والتعليم ليس ضروريا لها ولكن لا مانع من معرفة كيفية طهي ما يحب الزوج.
سيأتي الوقت الذي تعم الفضيلة مصر كلها، ولا يرى مصري واحد وجه امرأة مسلمة حتى لو كانت ابنة عمه التي تربت معه طفولتهما، وسنحَرّم كل الألوان على النساء ما عدا الأسود، وسنلغي قانون الفارق العُمري بين الزوجين فيمكن لرجل في التسعين أن يتزوج فتاة في الثانية عشرة من عمرها شريطة أن يكون جسدها هيفائياً وعجرمياً، وأن يعدل بينها وبين زوجاته الأخريات، حتى في الفراش.
القبطي: هذه دعوة لتهجير المصريين جماعات، أقباطا ومسلمين، على زوارق متهالكة تغرق بهم في مناطق يرتع فيها سمك القرش، فهو أرحم علينا منكم.
إن معرفتك بالإسلام ليست أفضل من معلوماتي عن شركائنا في الوطن الواحد. وأنا أعرف أن القرآن الكريم يَحُث المسلم على التَفَكُرّ، والتدبر، والتعقل، والتأمل، ويطلب منه أن لا يكون سلفياً" بل نتبع ما ألفينا عليها آباءنا"، والقردة فقط هي التي تُقَلد، والإنسان الذي كرّمه الله يستخدم رخصة العقل لتظل كرامة خليفة الله في الأرض ثابتة.
أنتم حصدتم في الانتخابات أصوات الناخبين الطيبين، والساذجين، وأيضا كثير من الأميين والجهلة الذين يظنون أن البسملة هي المعرفة، وأن الأدعية هي مختصر العلوم الفقهية.
لو قضت أيّ حكومة على الأمية، وارتفعت نسبة التعليم، وارتقى المواطن بثقافته، واحتل الكِتابُ مكانته في صدور وعقول المصريين لما حصلتم على صوت واحد في الانتخابات إلا أن يكون صاحبه واقعاً تحت تأثير حبوب مغيِّبة أو .. هلوسة.
أنتم تقودون مصرَنا الحبيبة إلى كارثة وحروب طائفية وأهلية لا تُبقي ولا تذر!
عبقرية الحياة في مصر هي ألوان الطيف في الفنون والآداب والعقيدة والجنسيات، فتختلط لتنير أرضَ الكنانة، فكان القبطي ينصت بشغف إلىَ تلاوة ميسرة بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، ويحتفل المسلم مع أشقائه الأقباط بأعياد الميلاد المجيدة، وتنطلق أصوات غنائية لا تعرف إذا كانت مسلمة أو مسيحية أو يهودية.
وكانت مصر هوى من لا هوى له، فغنَّى لها جورج موستاكي وداليدا ونانا موسكوري وكلود فرانسوا، ولا يزال اليونانيون يقصّون على مسامع زائريهم المصريين في أثينا وقبرص وكريت ورودس حكايات جميلة عن مصر حفظوها عن آبائهم عندما كانوا صغارا!
أنتم دعاة لتنفير الناس من الإسلام، وساديون يحرككم الانتقام، ولو قرأ أحدكم ثلاثة كتب في العلوم الإنسانية وحقوق البشر لغادر بعدها مقر الجماعة إلى غير رجعة.
الاخواني الوهابي : هذه أول مرة يُلقي قبطى على مسامعي قداس الأحد في طابور الأوكازيون. عندما ننتهي من المعركة معكم سننشغل في معركة مع الشيعة، وًسنمنع أي بهائي أن يُطل برأسه في الدولة الإسلامية الكبرى، وسنتمكن من اقناع الإخوان المسلمين بأننا وإياهم على نفس النهج، غير أننا اكتشفنا عظمة السلف قبلهم، وهم يلعبون على ملعبين في نفس الوقت، تماما كما كان جورباتشوف في العام الأول لِحُكْمِه!
معركتنا الأهم هي إعادة المرأة إلى مكانها الطبيعي.. ملكة متوجة في بيتها، لا تختلط بالرجال، ولا تعمل أعمالا خشنة، ولا تقود سيارة وسنستورد لها سائقي سيارات آسيويين و.. محرومين جنسياً.
سنراقب كل جملة وكلمة وحرف في الفنون والآداب، أما كلمات الأغاني الفاسقة فسنلقيها في مقالب الزبالة كما كانت أجهزة الأمن تُلقي بجثث أولادكم .. شهداء الثورة، قبيل أن تقفوا في صفوف طويلة أمام مصيدة الانتخابات.
التحريم والتحليل ليس لكل من هب ودب، فأم كلثوم تقول في أغنيتها الفاجرة( يا ليلة العيد آنستينا ) حرام النوم في ليلة العيد، رغم أن السلف الصالح لم يقولوا بتحريم النوم في ليلة العيد!
في عهدنا ستصبح مصر الإسلامية قوة ضاربة، لا سياحة فيها إلا للرجال والأطفال، وحتى لو توقفت السياحة نهائياً فإننا سنجد عملاً لكل شاب كان يعمل في هذا المجال، فيصبح داعية أو مقيماً للشعائر أو بائعاً للأعشاب الطبية المباركة!
سنقوم بإنشاء جيش من المستجابة أدعيتهم، فإذا حاولت دولة كبرى غزو مصر وليس لدينا أسلحة كافية، فسيقوم هذا الجيش بالدعاء عليهم أن يشل الله أيديهم، ويجمد الدماء في عروقهم!
الأزمة الاقتصادية حلها بسيط ، كما قال المرحوم أحمد الصباحي رئيس حزب الأمة، وهي الاستغناء عن مليارات من أموال الضرائب، والاكتفاء بأموال الزكاة فهي قليلة، لكنها أكثر بركة من الأخرى.
سيقوم نظامنا بتأسيس إمارة إسلامية أفضل من الحُكم في إيران وغزة والسودان وحزب الله وأفغانستان و.. الإمارات الكثيرة المتناثرة في العراق.
القبطي: إن برنامجك يُخفف العبءَ عن إبليس، وسيندم كل مصري أعطاكم صوته لأنه أصبح مشتركا معكم في جريمة اغتيال وطنه.
الآن يمكن لأعداء مصر أن يتهيأوا لتفتيت دولة ظلت كياناً متماسكاً لآلاف السنوات، فأنتم بغبائكم، تمنحون الاستعمار تأشيرة عودة لحماية كل من يصرخ لينقذه المجتمع الدولي.
ولا يزال هناك حمقى وبلهاء وأغبياء ومعاقون ذهنياً ومصاصو دماء يؤيدونكم، فإذا استيقظت مصر لطموا وجوههم كما فعل الملايين الذين أعطوا أقفيتهم لمبارك ليصفعها، فلما تم خلعه، ظاهرياً، قفزوا فوق الكعكة معكم لينالوا نصيبَهم.
من أين جئتم بكل هذه الكراهية ضد الوطن؟
ترى هل ستقدم استجوابا للحكومة باستدعاء المشير للتحقيق في واقعة الغازات السامة والكيماوية التي أحرقت ألفاً ونيفاً من شباب مصر، وأحرقت معهم قلوب أمهات فرحن بربيع الوطن فجاء الخريف مرتدياً بدلة عسكرية، وهبط الشتاء ملتحياً ومُنقباً، وعاد المخلوع أكثر قسوة ودموية مرتدياً عدة أقنعة تجمعها كلها أنياب ذئب!
الاخواني الوهابي : أنا لا أعترف بالوطن فهو قطعة أرض فيها الفُجّار، والراقصات، والسافرات، والعرايا على الشواطيء، ومعازف الشيطان في فرقة أم كلثوم، وفرقة البحيرة، والفرقة القومية للفنون الشعبية وغيرها.
إن جنسية المسلم عقيدته، ونحن نفكر في عمل جواز سفر وهابي يستقبل صاحبَه العاملون في مطارات طشقند وسمرقند وتورا بورا بالهتاف الشرعي، ويختمه بتأشيرة ليس فيها صورة لذوات الأرواح!
أما الاستجواب فهو للأمور الجادة وليس للصدام مع ولي أمرنا وأمير المؤمنين مُشيرنا الواجب طاعته ما دام يقيم فينا صلاة العيدين و .. الجمعة.
لماذا وقف الشباب الأهوج أمام الغازات السامة والكيماوية، أم أنكم فقط تريدون تعطيل عجلة الانتاج واضعاف دولتنا الإسلامية الفتية؟
الاستجوابات كثيرة ولا نسمح أن يشغلنا عنها أحد بعباطات وهبالات مثل آلاف المفقودين والشهداء ومحاكمة قناصي العيون الذين كانوا يؤدون واجبهم لكي لا يتم تأجيل الانتخابات التي اكتسحنا فيها مقاعد الحصانة البرلمانية مع اخواننا المسلمين.
سنقدم استجوابا عن الاختلاط في الجامعة، وعن امكانية السماح للجن بالتصويت في انتخابات الرئاسة، وعن ضرورة عقد جلسة مجلس الوزراء على رائحة البخور المستورد من الأماكن المقدسة لكي يمنع الحسد الذي تمارسه الدول المعادية لنا.
نفكر في الطلب من المجلس العسكري أن يكون جنود مصر ملتحين لضمان الانتصار في كل معاركنا، أما أنتم الأقباط فسنرسم لكم خطوطا رفيعة على الرصيف بجوار الحائط لتسيروا في محاذاتها لئلا تزعجوا المسلمين أصحاب البلد الأصليين!
القبطي: وماذا عن قطع اليد والرجم وعن البلطجية والسرقات والاغتصاب وتبييض الأموال والالتحاق بالفرق الانتحارية في الدول الاسلامية الأخرى؟
وماذا عن المظاهرات والحرية واعتصام النقابيين وكتب الفلسفة وتدريس ديكارت وسبينوزا، وعن النحت والتصوير لذوات الأرواح، وتراث مصر من التماثيل واللوحات وشعر أبي نواس وأفلام يوسف شاهين وداود عبد السيد وخيري بشارة؟
وماذا عن الزواج العرفي والتعدد وعرض الملابس النسائية في فاترينة المحلات؟
وماذا عن ترميم الكنائس والتطرف والاحتقان الطائفي؟
لدي آلاف من التساؤلات التي تحتاج إلى طابور أمام الأوكازيون يمتد من النوبة إلى الاسكندرية!
الاخواني الوهابي : سأجيب عنها في مجلس الشعب، وستكون مفاجأة لكل الذين أعطونا أصواتهم، وستعرفون عبقرية الفكر السلفي الذي تسخرون منه، فنحن مستعدون لاقامة دولة يركع الغرب والأمريكيون أمامها كلما أتى ذكرها، وسيأتينا قادة العالم لاعتناق الإسلام، وسنجبر كل سفير قبل أن يقدم أوراق اعتماده أن يجلس مع بعض السلفيين ليستمع لعظمة الإسلام كما نفهمه نحن، فإذا اعترض فسنقطع علاقاتنا الدبلوماسية ببلده.
ألم تسأل نفسك مرة واحدة لماذا لا يهاجمنا البلطجية والمجرمون والقتلة وقناصو العيون؟
ألم يدر بذهنك اسم من أعطاهم عُطلة مدفوعة الأجر لمدة يومين حتى تنتهي الانتخابات، ونفوز فيها فوزاً عظيما؟
وحتى لو أحرق ولي الأمر ميدان التحرير كله بمن فيه، فليست مهمتنا أن نغضب، ونثور، ونتمرد، فالعصيان حرام في الإسلام!
وهنا لم يتحمل القبطي مزيدا من الجدال حيث لا يلتقيان في نقطة واحدة، ومدّ يده ليصافح السلفي، فنظر الأخير إلى الناحية الأخرى ليتجنب السلام على ابن بلده وشريكه في الوطن.
وخرج القبطي من الطابور، وجرى مسرعاً ناحية أقرب كنيسة، وفي الطريق راجع نفسه فاستدرك خطأه، فقد شعر اليوم بأنه ليس قبطيا مصريا، لكنه مصري قبطي!
الآن هو ليس بحاجة إلى البكاء في الكنيسة والحديث مع أبناء دينه، فأسرع الخُطى في اتجاه ميدان التحرير، وعندما اقترب من ناحية المُجَمّع شهق شهقة كأنه يستعيد معها روحا كادت تهرب منه.
في الميدان انتابته رغبة شديدة أن يقوم بعناق كل الشباب، ويبكي على صدورهم، ويعتذر لهم أنه فكر لبعض الوقت في الهجرة ومغادرة وطنه إلى أن تأويه مقبرة أنيقة وباردة في ضاحية من ضواحي مدينة أوروبية أو أمريكية أو كندية أو أسترالية.
إنه مصري أصيل لا يغادرها وهي في عز ثورتها المجيدة، ومطالبه وحقوقه تتحقق مع أشقائه المسلمين الشباب في ميدان التحرير، فقد كان معهم أيام الثورة، وتلقى شقيقه ضربة على الرأس من ضابط أمن عندما كان يقف أمام المصلين المسلمين لحمايتهم.
لم تعد معركته قبطية فقط، لكن مصر وطنه قبل صعود التطرف، وبعد سقوط دولة التزمت والتشدد والطائفية والاستعلاء.
لن تجبره أي قوة أن يهجر مصر فهو وأبناء دينه من الاٌقباط يمثلون ملايين من المصريين الذين سيثبتون من الآن فصاعدا أنهم الجزء العائد إلى الكل في ميدان التحرير، وأنها ثورتهم المتسامحة الرائعة، وأنه سيُحَرّض كل قبطي على الانخراط في فعاليات الثورة والاعتصام بنفس المطالب التي يرفعها شباب التحرير.
بعد دقائق التقى مسلما كان زميلا له في الجامعة مضت عليه عدة أيام معتصماً في الميدان. تعانقا، وسقطت الدموع على وجهيهما فكأنها للتطهر، لا للحزن. لم تكن هناك حاجة للشرح، فهما يدافعان عن وطن ليس لأي منهما فيه شبر واحد أكثر من الآخر.
وهنا تجددت ثورة 25 يناير، وفي عيد ميلادها الأول يكتشف الأقباط أن حقوقهم المصرية تبدأ من ميدان التحرير، وحقوقهم القبطية تتحقق عندما تلتحم مليونية الشباب بمليونية الأقباط ، وترتفع شعارات لا تعرف منها الفارق بين المسلم الوسطي المصري والمسلم الوهابي المتطرف والقبطي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.