تُرى ما هو الاستقرار الذي يزعم شفيق أنه سيحققه فور توليه الرئاسة، مقارنة بالاستقرار الذي تحلم به القوى الثورة؟ المتابع لتصريحات شفيق لا يجد أية ملامح للاستقرار الذي يزعمه، ولكن يجد تصريحات تتعلق بعودة الأمن وإفشاء الإعدامات في الثوريين والإسلاميين، واستغلال الجيش والشرطة في قمع المتظاهرين والمعتصمين، وعودة قانون الطوارئ والحزب الوطني المنحل، ومباحث أمن الدولة، وقطع لسان كل من تلفَّظ عليه بقول مشين ، وهي نفس سياسة الفرعون السابق ، التي كانت تستهلك ميزانية الدولة على تأمين النظام وقمع الحريات ووأد المعارضة وإرهاب الناس وسجنهم وفق محاكمات عسكرية أو بأوامر اعتقال مباشرة .. وحيث أن الذين يساندون شفيقاً هم أنفسهم أعضاء الحزب الوطني المنحل وعوائل الشرطة والجيش ونساء وأبناء إمبراطورية طرة وبلطجيتهم المأجورين, إذن استقرار شفيق هو ما كان عليه الحال في فترة الحكم السابق، والذي يعني استقرار أحذية البوليسيين على رقاب الشعب وتجاوز القانون وتسييد الأقلية بمالها وسطوتها وسلطانها. ولا أعتقد أن مثل هذه التصرفات القمعية الاستبدادية ستحقق الاستقرار، وعليه أن يسأل نفسه هل كان الوضع مستقرًا أيام مبارك رغم إفشاء هذه الممارسات التي يعمل على عودتها؟ إذا كانت الإجابة بنعم فلنا أن نسأله: لماذا قامت الثورة إذن ما دامت الدولة كانت مستقرة ؟ إن قيام الثورة يعني أن الدولة لم تكن مستقرة ، وأن هناك مظالم كثيرة وفساد ومعاملة أمنية لا تعرف الرحمة ولا القانون ، وبالتالي فإن استنساخ النظام السابق بحجة الاستقرار يعني العودة إلى الثورة من جديد، أو بالمعنى: عدم الاستقرار. في المقابل من ذلك، تسعى الثورة إلى استقرار سياسي قائم على وضع دستور يحقق الكرامة والحرية والعدالة للجميع وفق معايير إنسانية وقانونية تحفظ للمواطن حقوقه وواجباته، وتسعى إلى انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية حقيقية كما تسعى إلى الاستقرار الاقتصادي بفتح مجالات عمل للعاطلين والتحكم في ثروات البلاد لصالح المواطنين جميعا ومنع الاحتكار والاستغلال ورفع مستوى الأجور بما يحقق حياة كريمة . وشتان بين استقرار شفيق والاستقرار الذي ينشده المواطن بعد الثورة رغم أن المصطلح واحد لكن التفسير مختلف ، ويقيناً أن شفيق لم يتطرق إلى توضيح ما يعنيه بالاستقرار ويقيناً أن أحدا لم يسأله. وأغلب الظن أن الاستقرار الذي يعنيه شفيق هو استقرار (الشفكري) . والشفكري هو مصلح سياسي حديث جداً يتكون من مزيج من مصطلحين هما "الشفيق" و "العسكري" ، وكلاهما من دعاة الاستقرار.. المجلس العسكري منذ أن تسلم البلد وهو يتشدَّق أنه يسعى إلى الاستقرار ولم يفعل غير كل ما يثير القلاقل، فلم يستجب للمطالب الثورية ولا الشعبية ، وإنما ترك الحبل على الغارب للبلطجية وللجبناء الذين يستأجرون البلطجية في الخفاء بفلوس الشعب المنهوبة.. ولم يصغِ لقرار واحد أصدره مجلس الشعب. ليس هذا فحسب بل حصَّن الشفيق حتى جولة الإعادة، ليتساوى ما فعله العسكري مع ما فعله كل أصحاب التكتلات الانتخابية التي أعطت صوتها لشفيق من أعداء الثورة وأصحاب امتيازات ما قبل الثورة وأعضاء ونواب الحزب الوطني في المناطق الأكثر تخلفا والأكثر نأياً والأقل تفاعلا مع الفكر الثوري والأكثر انجذابا وخضوعا للفكر القبلي الحالم بعودة النظام القديم الذي سيرد إليه امتيازا ته البرلمانية التي أطاحت بها الثورة. نعم لقد دعَّم العسكري شفيقاً بكل ما لديه من دهاء السلطة ، ليس رغبة في شيء يخص الشعب سوى أن شفيقاً في منصب الرئاسة سوف يوفر الخروج الآمن للمجلس العسكري، وسوف يحفظ للمؤسسة العسكرية امتيازاتها فوق القانونية وفوق الرقابة الشعبية. أما شفيق وقد صعد إلى ما قبل النهائي ، فإنه استخدم دهاء السياسيين في العزف على الهبل الوطني، والهمّ الشعبي مدَّعياَ أنه رجل الاستقرار، والحقيقة ونحن نعلم أنه يحمل نفس صوت الميكنة السياسية القديمة التي تربَّي عليها هو وشريحة واسعة من حلفاء النظام السابق وربائبه وأبواقه وحلفائه وبطانته ، الذين يتنفسون هواء مصر الذي لوثته أياديهم وأنفاسهم ، وقد فرَّ الكثيرون منهم بأموال الشعب ويعملون من الخارج على تصدير الإرهاب المتمثل في الأصوات السياسية الإعلامية المرتزقة أو تهريب السلاح والعصابات الإجرامية أو تجهيز المأوى للراغبين في الفرار، أما الذين لا يزالون في الداخل فكثير منهم ممنوع من السفر أو لا يزال يصفِّي في أمواله وممتلكاته، أو متخفٍ يمارس تأجير البلطجية وتصنيع عصابة اللهو الخفي والتخطيط لها أو الإنفاق على الصوت العبيط الذي يقف أمام أكاديمية الشرطة ليضرب أسر الشهداء أو رجال الأمن الذين يؤمِّنُون المحكمة حفاظاً على سير العدالة وحياة المجرمين الماثلين أمامها .