يحكى عن الموسيقار العربي الكبير الراحل محمد عبد الوهاب قبل وفاته بساعات قليلة كان حانقاً و غاضباً أيما غضب ..! و متذمراً أيما تذمر..! و كان عازماً على الاتصال بإذاعة صوت القاهرة ليقول للمعنيين بالأمر فيها : أوقفوا هذا الهراء ..! و ذلك بعد سماعه لأحدى الأغنيات المتدنية في مستواها الفني و الغنائي عبر أمواج أثير الإذاعة المذكورة ... و ربما كانت هذه الأغنية بكلماتها خارج حدود أو اعتبارات الشعر الغنائي ، أو أن مغنيها لم يرق إلى مستوى النضج الفني المطلوب ، و لذا أقلقت سمع الموسيقار العربي الراحل الكبير . و نحن نذكر هذا الكلام بعد أن طالعتنا قناة ( MBC) الفضائية العربية ببرنامج " عرب آيدل ) منذ عدة أشهر الذي يشارك فيه مجموعة من الشباب و الشابات العرب من ذوي المواهب الفنية الغنائية الواعدة ... و كان من بين المشتركات فيه الشابة السورية " ناديا المنفوخ " و تألقت فيه كنجمة واعدة على طريق المستقبل ، و هذا البرنامج " عرب آيدل " ذكرنا ببرنامج شبيه فيه عرضته قناة المستقبل منذ عدة سنوات و يومها تألقت فيه النجمة السورية " رويدا عطية " ... و لكن البون شاسع بين البرنامجين ...! لأن هذا الأخير " سوبر ستار " كان الحكم فيه ثلاثة من ذوي الخبرة و الاختصاص ، و هم ضليعون بمعرفة الغث من الثمين ، و باستطاعتهم التمييز بين الأداء الغنائي الهابط و الأصيل ، و يتمتعون بقريحة و ذائقة فنية قادرة على اكتشاف النجوم الحقيقيين من المواهب الواعدة .. و فوق هذا و ذاك وجدناهم مرهفي الذوق و الإحساس الفني و الخلقي معا ، و لم يميزوا في النصائح و الانتقادات بين مشترك و آخر ، و لم ينحازوا إلى مشترك أو متنافس دون الآخر..! أما برنامج " عرب آيدل " ، فرغم ضخامته ، و سعة انتشاره بين جمهور المتابعين داخل الوطن العربي و خارجه فإن الحكم فيه ثلاثة من الفنانين العرب الذين يتمتعون بإمكانيات فنية متواضعة جداً و تفتقر إلى معرفة قواعد النغمات و المقامات الغنائية ... بل إن بعضهم ليس في شخصيته الإنسانية و الفنية المؤهلات و الكفاءات للظهور أمام الجماهير في هكذا برنامج لها خصوصياتها و اعتباراتها المتميزة عن بقية البرامج الفنية الأخرى ، لأن الحكم فيها لا يحكم بين المشاركين و حسب ، و إنما يحكم في مستقبل الأغنية العربية و يشارك في تطورها و نمائها و ازدهارها ..! أو بكلمة أدق : هم من الفنانين الذين ينتمون إلى جيل الهراء كما آثر أن يطلق عليهم موسيقار العرب الراحل ...! و ربما تبادر إلى أذهاننا من الوهلة الأولى التي تابعنا فيه برنامج " عرب آيدل " فكرة مفادها : أن أداء و غناء بعض المشاركين و المشاركات من المواهب الواعدة في هذا البرنامج ، أعظم و أرقى في مستواه الفني و الثقافي من أداء أعضاء لجنة التحكيم ، و أخص بالذكر في هذا الصدد المطربة الكويتية " أحلام " التي فاجأتنا بمستواها الفني و الثقافي المتواضع ، و أزعجتنا بكلماتها الفجة ، و بانتقاداتها الخالية من قواعد الذوق الإنساني فضلا عن الذوق الفني الذي يكون أرهف حساً ، و أليق قولاً ، و أبلغ بياناً ..! ثم إننا لمسنا منها خرقاً لقواعد التحكيم بتحيزها الواضح لطرف إحدى المشتركات دون الآخرين و كأنها مشجعة أكثر منها حكماً ، وذلك بدعوتها أكثر من مرة لجمهور المشاهدين قي الوطن العربي و خارجه للتصويت للمشاركة المغربية " دنيا بطمة " و إسهامها في تحطيم معنويات المشتركين الآخرين ، كما سمعنا منها الكلمات و الانتقادات اللاذعة و كأنها في سهرة غنائية تلفزيونية ، و ليس في برنامج له أصوله و ضوابطه في اكتشاف النجوم و المواهب ... هذا ناهيك عن حالة الغرور و التكبر و الاستعلاء التي تنتابها من حلقة إلى أخرى و هذا يمثل خدشا لمشاعر جمهور المتابعين في كافة أنحاء الوطن العربي ... و رغم مراهناتها الواضحة و المعلنة منذ الحلقات الأولى للبرنامج بعد اختيار المشتركين و المشتركات العشرة على أن " دنيا بطمة " أفضلهم صوتا و أداء ، إلا أننا قد لاحظنا أن في صوتها رغم ضخامته و سعته و عذوبته لكنة و ضجيج غير مستساغ إلى الأسماع ، و أنها لا تملك المقدرة على تدوير صوتها و تقليبه في أكثر من نغمة في المقام الموسيقي أو الغنائي الواحد ، و هناك نشاز في أدائها و عدم انسجام بين القرار و الجواب ، و ضعف في القفلة أثناء الانتقال من مقطع إلى آخر في الأغنية ، و مقارنة بينها و بين المشتركات الأخريات نجد أن السورية " ناديا المنفوخ " الذي كان خروجها من المنافسة صدمة بالنسبة لكثير من المتابعين العرب أقدر المشتركات على تدوير الصوت ، و أمهرهن على أداء الأغنية العربية بكافة أنواعها و ألوانها ( موال ، موشح ، أغنية ) ، ثم إن الحيوية و التنوع في صوتها و أدائها جعل منها نجمة البرنامج من دون منافس ، فضلاً عن الانسجام الرهيب بين شخصيتها و آدائها الغنائي ، و امتلاكها لقدرة التأثير على الحاضرين داخل المسرح و هي كما علمنا من المصادر في الأوساط العربية و الفنية الأجدر في أن تنال لقب نجمة عرب آيدل الأولى ، و إذا كان التصويت لم يسعفها و لم يمكنها من الاستمرار في المنافسة إلى المرحلة الأخيرة ، فإن أدائها الجيد و الحسن ، و عذوبة صوتها ، و رخامته كل ذلك جعلنا نحكم عليها أنها مطربة واعدة من الطراز النادر ، و قادرة على أن تستأثر إعجاب المستمعين و المشاهدين العرب أكثر من أي عضو من أعضاء لجنة التحكيم ما لو غنوا إلى جانبها ... وهي بحق إذا لاقت العناية و الاهتمام من قبل الملحنين السوريين سوف تكون سفيرة الأغنية السورية في العالم العربي و خارجه عن مستقبل قريب . عبد الرزاق كيلو