دكتور / عبد العزيز ابو مندور يحكى الصوفية كثيرا كما يحكى غيرهم عن مالك بن ديناروما له من مقامات عالية فى الطريق إلى الله. ولكل منهم كل الحق فى ذلك ، فقد اطلعت على قصة توبته ، وإن كانت أساليب الكتاب والمؤلفين تتفاوت فى الإثارة والتشويق إلا أنهم لا يفقدون الواقعة مصداقيتها ؛ فقد قراتها من عدة مصادر واخترت كتاب ( التوابين ) لابن قدامه لسهولة اسلوبه ودخوله فى الواقعة بلطف ولين ؛ فكانت من أعجب ما قرأت فى هذا المجال ! وها أنا يا صاحبى أنقلها إليك كما قراتها : يقول ابن قدامى فى كتابه تحت عنوان (توبة مالك بن دينار ) : وروي عن مالك بن دينار أنه سئل عن سبب توبته ؟! فقال: كنت شرطيا وكنت منهمكا على شرب الخمر ثم إنني اشتريت جارية نفيسة ، ووقعت مني أحسن موقع ، فولدت لي بنتا ، فشغفت بها ، فلما دبت على الأرض ازدادت في قلبي حبا وألفتني وألفتها. قال : فكنت إذا وضعت المسكر ( الخمر ) بين يدي جاءت إلي وجاذبتني عليه وهرقته ( من ثوبي. فلما تم لها سنتان ماتت فأكمدني حزنها. فلما كانت ليلة النصف من شعبان وكانت ليلة الجمعة بت ثملا من الخمر ولم أصل فيها عشاء الآخرة فرأيت فيما يرى النائم كأن القيامة قد قامت ونفخ في الصور وبعثرت القبور وحشر الخلائق وأنا معهم فسمعت حسا من ورائي فالتفت فإذا أنا بتنين أعظم ما يكون أسود أزرق قد فتح فاه مسرعا نحوي. فمررت بين يديه هاربا فزعا مرعوبا فمررت في طريقي بشيخ نقي الثوب طيب الرائحة فسلمت عليه فرد السلام . فقلت : أيها الشيخ ! أجرني من هذا التنين أجارك الله. فبكى الشيخ وقال لي : أنا ضعيف وهذا أقوى مني وما أقدر عليه ولكن مر وأسرع فلعل الله أن يتيح لك ما ينجيك منه. فوليت هاربا على وجهي فصعدت على شرف من شرف القيامة فأشرفت على طبقات النيران فنظرت إلى هولها ، وكدت أهوي فيها من فزع التنين ، فصاح بي صائح : ارجع فلست من أهلها ! فاطمأننت إلى قوله ورجعت. ورجع التنين في طلبي فأتيت الشيخ فقلت : يا شيخ سألتك أن تجيرني من هذا التنين فلم تفعل . فبكى الشيخ وقال : أنا ضعيف ولكن سر إلى هذا الجبل فإن فيه ودائع المسلمين فإن كان لك فيه وديعة فستنصرك. قال : فنظرت إلى جبل مستدير من فضة وفيه كوى مخرمة وستور معلقة على كل خوخة وكوة مصراعان من الذهب الأحمر مفصلة باليواقيت مكوكبة بالدر على كل مصراع ستر من الحرير فلما نظرت إلى الجبل وليت إليه هاربا والتنين من ورائي حتى إذا قربت منه صاح بعض الملائكة : ارفعوا الستور وافتحوا المصاريع وأشرفوا ! فلعل لهذا البائس فيكم وديعة تجيره من عدوه . فإذا الستور قد رفعت والمصاريع قد فتحت فأشرف علي من تلك المخرمات أطفال بوجوه كالأقمار وقرب التنين مني فتحيرت في أمري. فصاح بعض الأطفال : ويحكم أشرفوا كلكم فقد قرب منه عدوه. فأشرفوا فوجا بعد فوج وإذا أنا بابنتي التي ماتت قد أشرفت عليَّ معهم . فلما رأتني بكت وقالت : أبي والله ، ثم وثبت في كفة من نور كرمية السهم حتى مثلت بين يدي فمدت يدها اليمنى إلى يدي اليمنى فتعلقت بها ومدت يدها الشمال إلى التنين فولى هاربا. ثم أجلستني وقعدت في حجري وضربت بيدها اليمنى إلى لحيتي وقالت : يا أبت " أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ " ( الحديد : 16 ) فبكيت وقلت : يا بنية ! وأنتم تعرفون القرآن ؟ فقالت : يا أبت ! نحن أعرف به منكم. قلت : فأخبريني عن التنين الذي أراد أن يهلكني؟! قالت : ذلك عملك السوء قويته فأراد أن يغرقك في نار جهنم. قلت : فأخبريني عن الشيخ الذي مررت به في طريقي ؟! قالت: يا أبت ! ذلك عملك الصالح أضعفته حتى لم يكن له طاقة بعملك السوء. قلت : يا بنية ! وما تصنعون في هذا الجبل ؟ قالت: نحن أطفال المسلمين قد أسكنا فيه إلى أن تقوم الساعة ننتظركم تقدمون علينا فنشفع لكم. قال مالك : فانتبهت فزعا وأصبحت فأرقت المسكر وكسرت الآنية ، وتبت إلى الله عز وجل ؛ وهذا كان سبب توبتي. ( وعلى الله قصد السبيل ) دكتور / عبد العزيز ابو مندور