تذكرت مدرستي الأبتدائية القديمة فشدني الحنين لها، فكم من مره فكرت بزيارتها وتلمس جدرانها وتلك البوابة التي حاولت مرارا أن أهرب من خلالها أثناء الفسحه للخروج للشارع، لشراء الحلوى والبليله من البائعة المتجولين. كم اشتقت لها ولساحاتها الواسعة وتلك الممرات التي تثير بداخلي الخوف والرعب حينما اصل للمدرسة مبكرة قبل وصول البنات والمعلمات، فأبقى بالقرب من زوجة الحارس حتى يأتي الجميع. حتى ذلك الطابور الصباحي الذي كنت امقته وانتظر انتهائه بفارغ الصبر، أشعر الآن بالحنين له ولذلك الجرس المزعج الذي تقرعه الوكيلة فيستمر في الرنين حتى تصاب أذني بالصمم وأفقد أعصابي من صوته المزعج. لم أكن أشعر بالراحة في تلك المدرسة إلا حينما تنتهي الحصة السابعة، فاندفع مسرعة أزاحم الفتيات طلبا للخروج من الفصل، ثم اقفز الدرج مسرعة لأكون أول الخارجات من المدرسة. كانت أياما جميلة كلما تذكرتها ابتسمت وتمنيت لو أنني لم أكبر,وحينما تعود الذاكرة بي لها أتخيل كل التفاصيل الدقيقة، وجوه الطالبات والمعلمات والإداريات، والأصوات التي رحلت من حياتي وكنت أظنها فقدت من ذاكرتي، ولن اتذكرها في يوم من الأيام. أذكر ثرثرات معلماتي ومجلس النميمة الذي كانت بطلته المديرة, وصوت زوجة الفراش وهي تنهرني لتركي حقيبتي بجانب البوابة، والهدوء الذي يسود المكان حينما تحضر المديرة الطابور الصباحي, ووجوه زميلاتي في الفصل, ووجه الحارس البشوش دائما وهو يلاعب أبنته الصغيرة. آه كيف عادت الذكريات بكل تفاصيلها، يبدو أن ذاكراتنا لا تفقد ما يخزن بها أثناء الطفولة. كم من مرة اغمضت عيني فتذكرت الطريق الذي كنت أسلكه من بيتنا القديم إلى مدرستي، وكيف كنت أركض بين السيارات العابرة وحقيبتي المدرسية التي كنت أحملها وكانت اضعاف وزني مما يضطرني لاسحبها طوال الطريق. كانت أيام تنبض بالحياة والبراءه والحب. كلما شدني الحنين لتلك الأيام، صرت أفكر بتلك الوجوه التي مرت في حياتي وتركت أثر في ذاكرتي وروحي، أين هم الآن يا ترى؟..من الذي مات منهم؟ ومن الذي لا يزال منهم على قيد الحياة؟ هل هم سعداء في حياتهم وهل حققوا أحلامهم ؟ هل يتذكروني كما أتذكرهم الآن؟...أو أنني مجرد شخص عابر في حياتهم في ظل زحمة الحياة ومسيرة الأيام وفي حال ألتقيت بهم بعد الغياب الطويل، خاصة زميلاتي هل سنكون نفس الأشخاص ولنا نفس تلك الأحلام الطفولية؟ أسئله ربما يقينا لن أجد لها إجابة أبدا!! هكذا هي الحياة رحلة في طريق نعبر فيه من مرحلة إلى اخرى. د.نوف علي المطيري كاتبة و ناشطة اجتماعية السعوديه [email protected]