مملكة زفتى كانت تعيش أياما (سمن على عسل) فى عهد الملك (كانى مانى الزلبانى) الذى تميز عهده بالرخاء وفى صباح أحد الأيام إستيقظ الملك من نومه والخوف يملأ جوانحه فقد رأى فى منامه أن ولده الوحيد فى خطر فأمر بإحضار العرافة (أم قويق) التى طمأنته على ولده وأن الذى يتعرض للخطر هو وطنه! ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... اعتدل الملك فى جلسته وظهرت على وجهه علامات الجد كمن يفكر فى أمر جلل ومازالت (أم قويق) تتخذ مجلسها تحت قدميه أما كبير الوزراء فقد كان يجلس على أحد المقاعد التى اصطفت على يمين الملك واختار لنفسه المقعد القريب من كرسى العرش وقد جلس كبير البصاصين قبالته على يسار كرسى العرش فقد أجهدوا أعينهم من إطالة النظر إلى بعضهما البعض فقد اعياهم التفكير فى الحديث الذى دار بين الملك والعرافة.. وفجأة استيقظ كل منهم من أفكاره على صوت الملك: () أريد أن تجمعوا لى علماء الدولة وقضاتها عشية اليوم.. - سمعا وطاعة يامولاي.. () عليكم بالعرافة.. حذارى أن يصيبها سوءا.. انصرفوا.. انصرفوا.. - سمعا وطاعة يامولاي.. سمعا وطاعة... كان ذلك اختلاط صوت كبير الوزراء وكبير البصاصين وهم فى حالة انحناء كعلامتى استفهام ويديهما تعبر المسافة بين مستوى الركبيتن إلى مستوى الجبهة مثل جناحي طائر يحاول أن يمنع نفسه من السقوط ولولا أن أمرهم الملك بالإنصراف لتماسكت العضلات وتجمدت منطقة الوسط فقد وجدوا صعوبة فى أن يفرد كل منهما طوله.. أما العرافة فقد لملمت حاجياتها وقامت لتضع نفسها تحت تصرف الكبيرين. دفع كبير البصاصين العرافة إلى أحد العسكر آمرا إياه بتوصيلها إلى المكان الذى ترغبه مؤكدا له أن يحافظ على سلامتها ثم ترجل مع كبير الوزراء.. - لقد فتحت أم قويق علينا أبواب جهنم يا كبير! -- ألست كبير البصاصين.. إبحث لها عن مصيبة لتريحها فنستريح!! - دعك الآن من هذه المرأة.. ماذا أعددت لى فى قطعة الأرض التى وعدتنى بها؟ -- أتقصد الأرض الواقعة على ساحل البحر الأصفر؟ - لا يا كبير.. هذه استلمتها وقمت فعلا بتمهيدها.. إننى أقصد أرض البحر الأخضر! -- لازال كبير المساحين قائما بتقسيمها وسيحجز لك منها هبرة! - إنى ممتن لك يا كبير.. الفضل لك؟! -- نسيت أن أسألك.. ماذا تم فى موضوع أولاد العم الذين أوصيتك بهم؟ - أنهينا موضوعهما.. لك أن تعتبرهم قد دخلوا سلك العسكرخانة من اليوم! -- إذن.. أتركك تجمع من طلبهم السلطان ونتقابل فى القصر عقب صلاة العصر... افترق الكبيران قرب الحناطير الرسمية وهم يصعدون إليها وسط حشد من العسكر يؤدون التحية وعلت أمام القصر صهيل الجياد وقرقعة حوافرها فتعانقت مع صيحات العسكر بالتحية وبدا الموقف كأنه إعلان عن بدء معركة حامية الوطيس. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... جلس كبير الوزراء فى مكانه المعتاد بجوار كرسى العرش فى الجهة اليمنى منه واصطف بجواره علماء الدولة وفى الجهة المقابلة وعلى يسار كرسى العرش جلس كبير البصاصين ويليه القضاة.. أعلن كبير التشريفة (ماسح الجوخ الأكبر) بصوته الذى يجلجل أرجاء القاعة عن قدوم جلالة الملك عندما صاح "جلالة الملك الزلبانى".. فهب كل من فى قاعة العرش وقوفا حتى اعتدل الملك فى جلسته وأمرهم بالجلوس.. لخص لهم جلالة الملك ما دار بينه وبين العرافة.. وفى لهجة آمرة واعدة يتخللها صوت ضربات صولجانه على راحة يده: () أريد أن أعرف: ماذا يدور فى البلاد.. وماذا يحاك للوطن؟! ووسط السكون الذى يلف قاعة العرش اتجه بصر الملك ناحية اليمين وبالتحديد نحو كبير العلماء قائلا: () ماذا يدور من حولنا ياشيخنا تعرفه ولا أعرفه؟ - الكثير سيدى الزلبانى! () إذن فلتبدأ ولو بالقليل.. - أقلها سيدى ملك زفتى هي الفئوية! () وما قصدك بالفئوية يا شيخنا؟! - إنقسم العباد إلى فئات وكل فئة تبحث عن مكاسبها فتشرذمت البلاد! () حديثك يشوبه الغموض يا شيخنا! - دواوين المملكة أصبحت حكرا لخدمة أغراض الكبار دون الصغار من العباد! لاحظ الحضور الإستياء باديا على وجه الملك ومرت لحظات وجلالته شاردا بذهنه ومعلق بصره بسقف القاعة المرتفع.. أخفض الملك بصره ليتجه إلى يساره: () وماذا وراء كبير القضاة؟! - الأرض لفئة دون أخرى يا مولاي! () أظنه يوم الطلاسم والألغاز!.. ماذا تقصد يا كبير القضاة؟! - كبير المساحين يقوم بتقسيم أرض وادى السلام تمهيدا لبيعها للعباد.. () وماذا فى ذلك يا كبير القضاة؟ - صبر مولاي.. قبل أن يأمر كبير المساحين من ينادى فى الناس ويعلمهم تكون معظم الأرض قد تم توزيعها كعادته فى كل تقسيم! () على من؟! - يقول كبير المساحين "الأقربون أولى بالمعروف"!! () ومن هم (الأقربون)؟! - كبار كل ديوان فى المملكة يا مولاي! () وعلى ماذا يدور المنادى فى المدائن؟! - على الفتات يا مولاي!.. ثم يذهب العباد ليقتتلوا على المساحة المتبقية فيفرقهم العسكر! فانتشر الوسطاء والمغرضين. () يا كبير القضاة.. هل ترى أن الوطن فى خطر؟! - أظنه يا مولاي فى خطر! () أمن عدو دخيل يتربص! - بل من الداخل يتقوض!! أطرق الملك برأسه طويلا حتى ظن الحاضرون أنه أخذ سنة من نوم إلى أن تململ فى جلسته فلاحظوا الضيق باديا على قسمات وجهه...