يقول رسولنا الكريم في حديثه الشريف"إني لم أؤمر أن أنقب قلوب الناس أو أشق بطونهم"(رواه البخاري ومسلم) بدأت مقالي بهذا الحديث لأقول للذين يحاولون التفتيش في قلوب البشر عن الإيمان والكفر، أن رسولنا الكريم الذي كان يوحي إليه والذي لا ينطق عن الهوى، لم يملك حق التنقيب في القلوب وشق القلوب، فكيف أعطي المتأسلمون لأنفسهم هذا الحق وهم بعيدون كل البعد عن مكانة رسولنا الكريم؟ فلقد خلطوا علينا أمور ديننا، وجعلوا رأيهم [الشخصي] هو رأي الله [المقدس] وكلامهم هو كلام الله ، فكان الخروج عليهم هو خروج على الله و الابتعاد عنهم هو ابتعاد عن صحيح الإسلام، فمن يخالفهم _إذن_ كافر. بهذا الفكر المتخلف، وبهذا الخلط المتعمد بين ما هو بشري وما هو إلهي ، هو ما دفع شكري أحمد مصطفي زعيم جماعة التكفير والهجرة إلي أن يقول عن نفسه أنه"أمير آخر الزمان ووارث الأرض ومن عليها"وقال:"إن مفارقة مجموعته هو مفارقة للجماعة" وكما نعلم أن"من فارق الجماعة فاضربوا عنقه بحد السيف". نحن نعرف أن الإسلام دين الوسطية والإعتدال قال تعالي:"كنتم أمة وسطا" ومن المعروف أيضاً أن الله جعل الدين يسراً لقضاء حوائج العباد، قال تعالي:"يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"(البقرة 185)، بل إن عظمة الإسلام هي في وسطيته ويسره كل ذلك أهله ليكون خاتم الرسالات التوحيدية، وجعله ملائماً لكل زمان ومكان. يقول الرسول(ص):" إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين". والغلو في الدين هو أن نهتم بفروعه علي حساب أصوله، أي أن نهتم بمظهرة ونغفل جوهره، كأن نهتم بإطالة اللحى ونحف الشارب ونقصر الجلباب دليلاً على التدين، وأنه كلما ازداد المؤمن إيماناً كلما إزداد قصر جلبابه، وكذلك هذا الإهتمام المرضي بالحجاب وكأنه أحد أصول الدين، كل هذا الإهتمام بالشكليات يكون دائماً على حساب جوهر الدين من صدق وإخلاص، وإتقان العمل، والمحبة، والتسامح...إلخ. ولقد حذرنا الله تعالي من مخاطر الغلو في الدين إذ قال:"قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا عن سواء السبيل"(المائدة77)، فأكبر هدم للإسلام هو الغلو فيه كما هو واضح من نصوص القرآن والأحاديث التي بين أيدينا . فكما ذكرت في أول المقال أن الرسول الذي كان ينزل عليه الوحي ويخبره الله بالمنافقين، أي الذين دخلوا في الإسلام للكيد له وللمسلمين، وبرغم علم الرسول بنفاقهم لم يقتلهم حتى لا تكون سنة من بعده، أي أن يقتل الناس بالإدعاء بعلم سرائرهم، أو الحكم بالظن عليهم بعد نزع صفة الإيمان عنهم. فكل مسلم نطق بالشهادتين - حتى ولو كان منافقاً- فقد عصم ماله ودمه، ولا يجوز أن يستباح دمه بأي حجة كانت، فعن أسامة بن زيد قال :"بعثنا رسول الله في سرية فأدركت رجلاً فقال:لا إله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي فقال رسول الله: أقال لا إله إلا الله وقتلته؟ قلت:يا رسول الله، إنما قالها خوفاً من السلاح، فقال الرسول: أفلا شققت قلبه حتى تعلم أقالها معتقداً فيها أم لا، فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟"، فقد أوصي وإلتزم الرسول (ص) طوال حياته بألا يشق القلوب ولا يفتش في ضمير أحد، حتى بلغت سماحته –وهو المبعوث رحمة للعالمين- أن يعفوا عن من أفلت لسانه أو تصرفه ما يدل علي كفر أو كراهية، قال جابر بن عبد العال:"لما قسم رسول الله(ص) الغنائم بين الناس، قام رجل من بني تميم فقال:اعدل يا محمد، فقال الرسول(ص):ويلك، من يعدل إذا لم أعدل، لقد خبت وخسرت إذا لم أعدل. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:يا رسول الله، ألا أقوم فأقتل هذا المنافق؟ فقال الرسول: معاذ الله تتسامع الأمم أن محمداً يقتل أصحابه" (رواه أحمد). ثم ماذا فعل الرسول (ص)بعبد الله بن أبي سلول وهو يعرف أنه رأس النفاق بل يسمعه وهو يتوعد المؤمنين قائلاً:"لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"[فالرسول وأصحابه هم الأذل ويتوعدهم بإقصائهم من المدينة] فإن عمر ابن الخطاب إذ سمع قوله هذا أتي الرسول مستأذناً: يا رسول الله دعنى أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي (ص): يا عمر دعه، لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه".(رواه البخاري ومسلم والترمذي). وليت سماحة الإسلام تقف عند هذا الحد، بل إن رسولنا الكريم يقول في حديثه الشريف:"يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن بره، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة".(رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي). وبناء على هذا الحديث وسماحته فإننا داخلون جميعاً الجنة رغم أنف المتأسلمين، لأنه في قلب كل منا من الإيمان –على الأقل- ما هو أكبر من الشعيرة والبره والذرة، وأختتم مقالي هذا بقول ابن جرير الطبري في هذا الصدد:"لقد أجري الله الأحكام بين عباده على الظاهر، وتولي الحكم في سرائرهم دون أحد من خلقه، فليس لأحد أن يحكم بخلاف ما ظهر، لأنه حكم بالظنون، ولو كان ذلك لأحد، كان أولي الناس به رسول الله (ص)، وقد حكم للمنافقين بحكم الإسلام بما أظهروا، ووكل سرائرهم إلى الله". (الجامع لأحكام القرآن ج1 ص200). فأجيبوني- يرحمكم الله – أيها المتأسلمون من أين أتيتم بسيف الكفر المسلط على رقابنا جميعاً؟و كيف حكمتم بكفر د.فرج فوده؟ولماذا حكمتم بالردة على د. نصر حامد أبو زيد وأردتم التفريق بينه وبين زوجته ابتهال يونس؟ ولماذا كفرتم أديبنا العالمي نجيب محفوظ من أجل رواية أدبية هي"أولاد حارتنا"؟ ولماذا كفرتم الكتاب السوري حيدي حيدر من أجل روايته "وليمة لأعشاب البحر" بل إنكم كفرتم كل من يعجب بها ، فهلا شققتم قلوبهم وعلمتم كفرهم؟ أم أن هناك وحياً نزل عليكم وأخبركم بكفرهم؟ و هل أنتم أعلم من رسولنا بدينه؟ أم أنكم تمارسون سلطان الله في أرضه؟! ليسانس آداب وتربية كلية التربية بشبين الكوم _ جامعة المنوفية مواليد 5 / 10 / 1965 كاتب في عديد من الجرائد والمجلات العربية والاجنبية مقيم بباريس منذ العام 1990