رياض عبدالله الزهراني تراكمات الماضي السحيق المختبئة بصفحات تاريخ كتبه الأوائل بأيديهم وأفعالهم وعقود الإستبداد الفكري والسياسي وتبديد مقدرات الأرض والإنقسامات الحادة داخل المجتمع الواحد التي كان الهدف منها تطبيق مبدأ فرق تسد لتبقى الطبقة الحاكمة في سدة الحكم عوامل أفرزت وأنتجت مانراه اليوم من دموية تطغى على مشهد الربيع العربي ! الثورة نظام إجتماعي وفكري هدفه التغيير والتحديث بالطرق السلمية لكن عندما تحمل السلطة السيف لمواجهة الثورة فإن الثوار سيحملون ذات السيف دفاعاً عن النفس وعن المشروع الجديد , الثورة ليست فتنة كما يعتقد البعض بل هي مرحلة تاريخية تنطلق عجلتها بعد إستفاذ الخيارات وبعد وصول المجتمع لعنق الزجاجة جراء الضغط والتهميش والجهل والفقر والبطالة والإستبداد وتبديد مقدرات الوطن وتقسيم المجتمع لفئات وطبقات وزرع بذور الشقاق داخل الجسد الواحد فالثورة ليست خياراً يتصدر الخيارات بل هي خيار يأتي متأخراً وبعد إستكمال كل المحاولات للإصلاح أو التغيير أو على الأقل التحديث ولو بشكل جزئي ! الفتنة الحقيقية تكمن في بقاء التسلط والإستبداد والتهميش وتبديد المقدرات والثروات وليست في الثورة والتغيير والتحديث , لكل عملية ثمن وفاتورة يتحمل تكاليفها من يؤمن بضرورة التخلص من القيود أياً كانت ويتحمل تكاليفها كل حٌر لم يتلوث عقله بتراكمات الماضي والعقود الطويلة , العالم العربي ليس إستثناءً فدورة التاريخ لم تنسى ذلك العالم رغم المحاولات المستمرة سابقاً ولاحقاً لوأد أي حراك شعبي أو على الأقل التخفيف من حدته بالتمييع أو برسم هالة سوداوية حوله كهالة الطائفية أو المؤامرة أوهالة الطوفان القادم . تعثر الثورة طبيعي خاصة إذا علمنا أن هناك من يسعى لتسخير تلك الثورة لمصالحة فتبدأ هنا أولى علامات التعثر تحول الثورة من ثورة هدفها التغيير الشامل وإعادة السيادة للشعب وتحقيق مباديء العدالة والديموقراطية والتعددية الشاملة إلى ثورة تسعى للإنتقام لأي سبب كان صغيراً أم كبيراً ويدعم ذلك تراكمات الماضي وإلتحاق أعداء الثورة بالثورة بعد أن حققت أهدافها العليا والمتمثلة في إسقاط النظام القائم فالمعضلة التي تواجه الثورات ليست في تراكمات الماضي والعقود الطويلة من الإنقسامات بل في ركوب موجتها أيضاً من قبل من يسعى لتسخيرها وإستثمارها لمصالحه الخاصة ؟ من ركب الثورة كان في السابق يعارض الثورة ويتهكم عليها وبعد أن نجحت الثورة في تحقيق أهدافها الأولية ركب موجتها فكانت النتائج تعثر الثورة كعملية إجتماعية وفكرية وتحديثية وتحولها إلى أشبه ماتكون حرب أهلية بين أطراف متعددة شعارها الإنتصار للثورة وباطنها لإطالة امد تلك الصراعات وإستثمارها لوأد الحراك أو تسخيره لفئة دون فئة وتلك هي الحقيقة . ما يواجه الربيع العربي ليست حرباً بين إسلاميين أو علمانيين كما يظن ويعتقد البعض بل بين معسكرين معسكر مستبد لايؤمن بالديموقراطية ومبدأ المشاركة لا المغالبة ومعكسر يؤمن بالمشاركة لا المغالبة ويؤمن بالديموقراطية المعسكر الأول مستبد حتى وإن سار بركاب الثورة أو قاد دفتها في البدايات والمعسكر الأخر يسعى لكسر الهيمنة وتكريس مباديء الديموقراطية مهما كلف الأمر كل معسكر يضم إسلاميين وغير إسلاميين تحالفات وتقاطعات وتعثرات وناتجها على الأرض دموية بشعة وثمن باهض ومستمر طالما بقي ذلك الصراع بين المعسكرين قائماً وسيبقى طالما أن هناك من يٌريد إعادة إنتاج الإستبداد من جديد ؟ الربيع العربي سيزهر في يوم من الايام فليس من المعقول بقاء كل تلك الصراعات الدموية وبقاء صراع المعسكرات فالثابت الحقيقي سيقول كلمته في النهاية وهي مشاركة لا مغالبة ولا عودة للماضي السحيق فالبقاء في الماضي يعني البقاء في الأزمة ببشاعتها ودمويتها وطغيان المغالبة كشعار ومبدأ يعني بقاء الأزمة والصراعات وإستفحالها أكثر وأكثر , ما يحدث اليوم من دموية وبشاعة ومحاولات تشوية للثورات وحراك المجتمعات حدث بالفعل في الماضي وشخصية أبن سبأ الشخصية الوهمية إحدى صور التشوية التي تعرض لها حراك الأمة في السابق وتحديداً عصر الخلفاء الذي ليس عصراً إستثنائياً كما يعتقد البعض فمحاولات إختطاف الثورات وحراك المجتمعات وركوب الموجه حدث بالفعل سابقاً فالقاريء الجيد للتاريخ سيجد حقائق ببطن ذلك التاريخ رغم مرارتها الإ انها حقيقة فلا يوجد مجتمع محصن ولا مجتمع مقدس أو مستثنى من الظلم والإستبداد والتهميش وتبديد مقدرات الأمة والإستئثار بالسلطة منذ القدم وحتى العصور القادمة الشعوب الثائرة والصادقة في حراكها ستنصر في يوم من الأيام وللنصر مسببات لعل من أهمها تطبيق مبدأ مشاركة لا مغالبة ونفض تراكمات الماضي السحيق والعمل على تحصين الحراك من المستبدين أياً كان توجههم فالمعضلة في الإستبداد وشعاراته وأساليبة فهو وقود التغيير في أي عصر من العصور !