موقع إلكتروني ولجنة استشارية، البلشي يعلن عدة إجراءات تنظيمية لمؤتمر نقابة الصحفيين (صور)    عُمان تستضيف اجتماع لجنة الشرق الأوسط بالأمم المتحدة للسياحة    البنك المركزي يسحب سيولة بقيمة 3.7 تريليون جنيه في 5 عطاءات للسوق المفتوحة (تفاصيل)    محافظة أسوان تستعد لإطلاق حملة التوعية "اعرف حقك" للأمان الإلكترونى    «القومي للمرأة» ينظم تدريب لميسرات برنامج نورة بسوهاج وأسيوط    الخارجية الإماراتية: لولا الدعم المصري ما استطاع أحد إيصال المساعدات إلى غزة    قبل لقطة كلوب.. كيف خطفت زوجة صلاح الأنظار في كل ختام للدوري الإنجليزي؟    "عبر الفيديو كونفرس".. اجتماع بين اتحاد الكرة وكاف والأهلي بخصوص تنظيم نهائي أبطال أفريقيا    يورو 2024، أول تعليق من راشفورد على قرار استبعاده من قائمة إنجلترا    لست وحدك يا موتا.. تقرير: يوفنتوس يستهدف التعاقد مع كالافيوري    "بشرى سارة لجماهير الأهلي".. قناة مفتوحة تعلن نقل نهائي دوري أبطال أفريقيا (فيديو)    الحماية المدنية تسيطر على حريق محل أدوات منزلية بالجمالية    بها 17 طعنة.. العثور على جثة شاب مجهول الهوية في نجع حمادي    إصابة 5 أشخاص إثر انقلاب سيارة ملاكى بالطريق الأوسطى    جنايات المنصورة تحيل أوراق أب ونجليه للمفتى لقتلهم شخصا بسبب خلافات الجيرة    «الأعلى للثقافة» يُعلن القوائم القصيرة للمرشحين لجوائز الدولة 2024    بهجة العيد وتلاقي التهاني: عيد الأضحى المبارك 2024 على الأبواب    علم فلسطين وحجاب في أبرز إطلالات سابع أيام مهرجان كان    كيف تحمى نفسك من الإجهاد الحرارى؟ وزارة الصحة تجيب فى إنفوجراف    دعاء اشتداد الحر عن النبي.. اغتنمه في هذه الموجة الحارة    «الجنايات» تقضي بإعدام مدرس الفيزياء قاتل طالب المنصورة    الجيش الإسرائيلى يعلن اغتيال قائد وحدة صواريخ تابعة لحزب الله فى جنوب لبنان    مصدر سعودي للقناة ال12 العبرية: لا تطبيع مع إسرائيل دون حل الدولتين    "السرفيس" أزمة تبحث عن حل ببني سويف.. سيارات دون ترخيص يقودها أطفال وبلطجية    تأجيل محاكمة 12 متهمًا في قضية رشوة وزارة الري ل25 يونيو المقبل    أبو علي يتسلم تصميم قميص المصري الجديد من بوما    تعرف على تطورات إصابات لاعبى الزمالك قبل مواجهة مودرن فيوتشر    محافظ أسيوط: مواصلة حملات نظافة وصيانة لكشافات الإنارة بحي شرق    لمواليد برج الثور.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    جهاد الدينارى تشارك فى المحور الفكرى "مبدعات تحت القصف" بمهرجان إيزيس    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    أمين الفتوى: قائمة المنقولات الزوجية ليست واجبة    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى.. والاحتلال يعتقل 14 فلسطينيا من الضفة    رئيس الوزراء يتابع عددًا من ملفات عمل الهيئة المصرية للشراء الموحد والتموين الطبي    «الرعاية الصحية» تدشن برنامجا تدريبيا بالمستشفيات حول الإصابات الجماعية    الجامعة العربية والحصاد المر!    «غرفة الإسكندرية» تستقبل وفد سعودي لبحث سبل التعاون المشترك    السيسي: مكتبة الإسكندرية تكمل رسالة مصر في بناء الجسور بين الثقافات وإرساء السلام والتنمية    المالية: بدء صرف 8 مليارات جنيه «دعم المصدرين» للمستفيدين بمبادرة «السداد النقدي الفوري»    «بيطري المنيا»: تنفيذ 3 قوافل بيطرية مجانية بالقرى الأكثر احتياجًا    وزير الأوقاف: انضمام 12 قارئا لإذاعة القرآن لدعم الأصوات الشابة    يوسف زيدان يرد على أسامة الأزهري.. هل وافق على إجراء المناظرة؟ (تفاصيل)    أفعال لا تليق.. وقف القارئ الشيخ "السلكاوي" لمدة 3 سنوات وتجميد عضويته بالنقابة    تفاصيل حجز أراضي الإسكان المتميز في 5 مدن جديدة (رابط مباشر)    في اليوم العالمي للشاي.. أهم فوائد المشروب الأشهر    «الشراء الموحد»: الشراكة مع «أكياس الدم اليابانية» تشمل التصدير الحصري للشرق الأوسط    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    هالاند.. رقم قياسي جديد مع السيتي    حفل تأبين الدكتور أحمد فتحي سرور بحضور أسرته.. 21 صورة تكشف التفاصيل    وزير التعليم: مدارس IPS الدولية حازت على ثقة المجتمع المصري    «القومي للمرأة» يوضح حق المرأة في «الكد والسعاية»: تعويض عادل وتقدير شرعي    «ختامها مسك».. طلاب الشهادة الإعدادية في البحيرة يؤدون امتحان اللغة الإنجليزية دون مشاكل أو تسريبات    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 49570 جنديًا منذ بداية الحرب    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



14 تموز، نراه إنقلاباً وجريمة ويرونه إنجازاً وثورة، وبيننا وبينهم حكم الزمان التأريخ
نشر في شباب مصر يوم 16 - 07 - 2011

منذ سنوات قطعت على نفسي عهداً بأن أكتب سنوياً مقالة في ذكرى الحادثة الأليمة والمجزرة البشعة التي أصابت العائلة المالكة العراقية في الصباح المشؤوم ل14 تموز 1958، ومنذ ذلك اليوم وأنا مواظب على الإيفاء بهذا العهد وسأبقى إن شاء الله. قد يتسائل البعض عن أسباب هذا الموقف، وأجيبهم بالقول أنها كثيرة، أولها رد الإعتبار لعائلة مالكة رائعة ولعَهد مُفترى عليه أصابهما الكثير من الظلم والحَيف، وكانا ضحية شمولية أحزاب ثورية فوضوية، وجهل نسبة كبيرة من شرائح شعب غُيّب وعيه وأنساق وراء شعارات كاذبة. والسبب الثاني هو تسجيل لموقف مبدأي تجاه جريمة تأريخية أبادت عائلة مسالمة، وأنهَت عهداً ذهبياً، ودمَّرت بلداً كان في طريق النهوض. أما السبب الثالث فهو الواجب الذي يفرضه عَلي القلم، الذي يجب أن يكون أميناً في قراءة التأريخ وتقييم أحداثه.الغريب أن بعد كل هذه العقود من تزييف التأريخ وتغييب عَقل الناس، هنالك من يُستفز ويَستكثِر على العائلة المالكة أن تكتب بحقها مقالة لتعيد لها الإعتبار وتندِّد بالجريمة التي أصابتها،وتُعَرّي وتفضح زيف إنقلاب سُمِّيَ لعقود بالثورة بأدبيات الأحزاب الشمولية ،رغم أن البعض قد ألّفَ كتباً ومُعلقات طِوال جُلّها مُغالطات تشيد بإنجازات14 تموز وتتغنى بجرائمها النكراء وتصِفها دون أدنى حياء بالعنف الثوري المُبّرّر. لذا أرتأيت أن تكون مقالتي هذا العام مروراً على أبرز المُغالطات التي ذكرها هؤلاء في كتبهم ومقالاتهم، لتفنيدها وردها بالحجة والدليل المنطقي، ولإلقاءً الضوء على جوانب جديدة من الحَدَث رُبّما فاتني أن أتطرق إليها بمقالات سابقة.
بدئاً يؤسفني أن بعض هؤلاء الكتاب يَعمد أحياناً لخلط الأوراق والإلتفاف على الحقائق ولي عنقها عند الحديث عن واقع القوميات والطوائف الدينية والمذهبية أبان العهد الملكي،إرضاءً لهذا الطرف السياسي أو ذاك مِمّن يدّعون اليوم تمثيل الطائفة الفلانية والقومية العلانية، والذين يمتلكون اليوم جيوشاً من الكتاب والمثقفين الذين يروجون لهذا الأمر، إذ لا يمكن الإدعاء بل من المُعيب القول أن النظام الملكي لم يَعترف بحقوق القوميات والطوائف بدئاً من الملك المؤسس فيصل الأول وإنتهائاً بالملك الشهيد فيصل الثاني، كما أن أغلب ساسة العهد الملكي كانوا شيعة وأكراداً وتركمان. لقد كان العَرش الهاشمي ينظر للجميع بشكل متساوي ولم يفرق بين عربي وكردي وشيعي وسُني، فالجميع سواسية أمام العرش والقانون، وهنا أرجو العودة الى مقالي (بدعة الطائفية والعنصرية في تاسيس الدولة العراقية الحديثة).
يتهمني بعض هؤلاء الأخوة في مقالاتهم بوضوح بأني مُتحيّز للنظام الملكي، لا أرى أخطائه وأركز فقط على حسناته، هنا أعيدهم والقاريء العزيز للكثير من مقالاتي حول تأريخ العراق الحديث وعهده الملكي الزاهر وهكذا أراه، وعهوده الجمهورية المظلمة وهكذا أراها، التي أشرت فيها الى أن ما فعله قاسم برفاقه كان جريمة، وأن ما جرى له على يد رفاقه أيضاً جريمة، بعيداً عن رأينا به وبهم، وطالبت أكثر مِن مَرة بإبراز هذه الجرائم وإدانتها ومرتكبيها، ويَعلم الكثيرون هذه الحقيقة، لذا ليس ذنبي أنهم يَغضّون الطرف عن هذا الأمر ويركزون فقط على مطالبتي بإعادة الإعتبار للعائلة المالكة ومحاكمة قاتليها. أنا أكتب عن العهد الملكي لأنه عهد مُفترى عليه مُنذ نصف قرن كما أفتُريَ على ما تلاه من عهود جمهورية كان بها بَعض الصالح وكثير من الطالح الذي طالما تحدثنا عنه وأشرنا له دون تحيّز، ولأن ما ناله من افتراء أكثر بكثير مما نال العهود الجمهورية، ولأن ما كُتِب للدفاع عن العهود الجمهورية لإنصافها، إن كان فيها ما يُنصَف أكثر مِمّاكُتِب عَن العهد الملكي لإنصافه.إن للجمهوريات من يُدافع عنها شخوصاً وأحزاب كانت و لاتزال ترى بحكم رؤاها الثورية أن إنقلابات العسكرالتي جائت بالجمهوريات ثورات مجيدة،فأقلام اليسار كانت ولاتزال تكتب المعلقات في إنقلاب 14تموز، وكذلك القوميون والبعثيون والناصريون الذين لايَجُف لهم حِبر دفاعاً عن إنقلاب8شباط 1963 و17 تموز 1968ويعتبرونهما ثورتان مجيدتان.أما النظام الملكي فليس له من يُدافع عنه أمام ما أصابه مِن حَيف وتشويه وظلم سوى مَن هُم غير مُسَيّسين أو مُؤدلجين لفِكر مُعيّن، دفعهم حُب الحقيقة والحيادية لإنصافه والكتابة عنه، وبدأ الأمر بالعقدين الأخيرين بعد إنقشاع الغمّة التي كانت تغطي سماء الوعي العراقي وسطوع شمس الحقيقة التي غيّبت لعقود، وإنكشاف زيف ماكنة الإعلام القومي واليساري التي كانت توصل الليل بالنهار لبَث الإشاعات وحَبك الروايات وتأليف الملاحم والتراجديات لتشويه صورة العهد الأكثر جمالاً في تأريخ العراق،سواء بنظامه السياسي الذي كان مُتطوراً سابقاً لزمانه ومُجتمعه، أو بساسَته الذين لم يَعرف العراقيون مِثلهم. رغم ذلك أنا لست مع النظام الملكي بالمُطلق بدليل أني ومع حُبي وتقديري لجلالة الملك الراحل غازي، الذي يكفيه كونه سليل العائلة الهاشمية وإبن فيصل الأول وأبو فيصل الثاني، لست معجباً بشخصيته التي أراها غير مؤهلة للحكم رغم ما فيها من أخلاص وحُب للعراق شبيه بما كان لدى الزعيم قاسم،إلا أن الإثنان لم يمتلكا الحِكمة والخبرة التي تؤهلهما للحكم، ففترة حكمه كانت أضعف وأسوء الفترات التي مَر بها العهد الملكي سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً، ولم تشهد فيها البلاد طفرات حقيقية بهذه المجالات كالتي شهدتها في زمان أبيه وولده، فحينها حدث أول إنقلاب عسكري بتأريخ العراق الحديث،كان ضحيته مؤسس الجيش العراقي الشخصية الوطنية جعفر باشا العسكري،وكان محفزاً لإنقلابات عسكرية تلته،كدَكّة رشيد عالي وإنقلاب تموز1958،بالتالي لم يكن عهده وهو جزء من العهد الملكي بمُجمَله عهداً مُتمَيزاً كعهد والده وولده، كما لم يكن هو بذكاء وحكمة والده، أو بهدوء وذكاء ونشاط ولده.إن عقول الناس باتت تدرك وتعرف ماكان يجري أيام الملكية، وتقارن بينه وبين ماجرى في زمن الجمهوريات التي أعقبته، وترى الفرق بينهما كالفرق بين الثرى والثريا،بعد تلاشي تاثير الأحزاب التي كانت تعادي ذلك العهد وتسَفِّه وتشوّه كل ما كان يقوم به، وتطبّل لجمهوريات العسكر التي أعادت البلاد للوراء، وإدّعَت لنفسها ما خُطِّطَ له مِن قِبَل مَجلس الإعمار الذي شكله الملك فيصل الثاني، كجامعة بغداد ومدينة الطِب والجسور والسدود،وبيوت الفقراء بالثورة والشعلة،والمجمعات السكنية بشارع حيفا والصالحية. لقد أصبح المَجال مفتوحاً اليوم للبحث والحُكم بحيادية، وبدأ الخروج عن المألوف بالكتابة عن ذلك العهد،مألوف أوجدتموه بأنفسكم طوال العقود التي أعقبت سقوط الملكية ولايسعدكم مايحدث اليوم من خروج واضح عنه وعن ثوابته الوهمية التي تُسَمّونها ثورات.
إن أبرز ما يثير بعض الأخوة هو إنتقادي الدائم للزعيم قاسم ول14 تموز، وهنا أقول..لايختلف إثنان حول وطنية ونزاهة وإخلاص الزعيم قاسم،بل إني أرى وكما ذكرت بكثير من المقالات بأنه مِن أنزه مَن حَكَموا العراق، لكن هذا لايعني التغاظي عَن أخطائه وعَدَم أهليته للحُكم وتولي السلطة. أما إنقلاب14تموز، فأراه إنقلاباً دموياً همجياً وخروجاً عن الشرعية الدستورية والنظام البرلماني الديمقراطي الذي كان يُمَثله النظام الملكي، والذي كان مُمكِناً تجاوز أخطائه وإصلاحها دون اللجوء للقوة والأساليب الدموية التي إستُخدِمَت في 14تموز وأصبحت تقليداً يتبعه الإنقلابيون واحداً تلو الآخر، وسقط قاسم نفسه ضحية له. ليس صحيحاً أن الإنقلاب تحول لثورة كما يقول البعض بفعل إنضمام الجماهير، فالثورة يقودها الشعب ويتبعه الجيش أما الإنقلاب فيقوده الجيش ويتبعه الشعب،بالتالي لايُغيّر من صفة14تموز الإنقلابية خروج العوام بالإثارة والتضليل والعاطفة لتأييدها وهي لم تكن تعلم حتى قبل دقائق من وقوعها مِن أمرها وأمر القائمين بها شيئاً، فمبادرة الشعب وليس تأييده لاحقاً هي التي تضفي على الحَدَث صفة ثورة. لذا فإنقلاب14تموز لم يَمتلك مُقوّمات الثورة، والقائمين عليه من العَسكر لم يَمتلكوا حتى رؤوس أقلام برنامج سياسي وإقتصادي وإجتماعي للتغييرالذي يَحسَبُه لهم البعض، إلا إن كان يُقصَد بالتغيير جانبه السلبي بعد أن غَيّرَت بَساطيل العَسكر نظام البلاد السياسي من برلماني دستوري الى عسكري شمولي دكتاتوري، ونِظامها الإجتماعي من نِظام يَعتمد طبقة برجوازية متوسطة الى نِظام يتحكم به العوام وأحياناً للرعاع، ونظامها الإقتصادي مِن نِظام مُزدهر نهَض بدَخل البلاد ومواطنيها ووضَع خططاً عملاقة وجبارة لبناها التحتية الى نِظام جَعَل العراق مِن أفقر دول العالم ببُنى تحتية مُهترئة. أما التغيير بجانبه الإيجابي الذي يَحسَبُه البعض ل14تموز، والذي إقتصَر على الجانب الثقافي والإجتماعي، فلم يكن من بناة أفكار العَسكر وأحزابهم الشمولية، بل مِن نتائج العهد الملكي وتحصيل حاصِل لعجلة النهوض التي إنطلقت في أيامه،وكان من بناة أفكار جيل مُثقفين نشؤا وتربوا على مفاهيم ليبرالية وأفكار تحررية وروح تمَدّن سادَت حينها، ولم يَظهَروا من العَدَم بعد 14 تموز مُحَمّلين بهذه الأفكار، ولم يَستلهموها مِن عِصِي تبَختُر العَسكر، أو فكر أحزاب تلك الفترة التي كانت تؤمن بالشرعية الثورية والحزب القائد والزعيم الأوحد،وكرّسَت أفكاراً شموليةً دكتاتورية شوّهَت المجتمع العراقي،بالتالي لم يكن الإنقلاب سوى عَصى وضِعت بعجلة التطور التي سارت بخطى حثيثة بالسنوات الأخيرة مِن العهد الملكي، وكان يقودها فيصل الثاني الملك الشاب النشِيط المفعم بحُب الوطن والأمل والأفكار الجديدة، بعكس ما صوّرته ولاتزال ماكنة الدعاية المناهضة للملكية. وبمقارنة بسيطة بين طبيعة الأفكار والشخصية التي تميّز الأجيال التي نشأت في العهد الملكي وتلك التي نشأت في العهود الجمهورية، نرى بوضوح طبيعة ونوع ذلك التغيير وما أحدثه من تشَوّه بالمجتمع العراقي.
يَحلو لبعض هؤلاء الكتاب وصفنا بالقِلة، فيما يصفون أنفسهم بالملايين،وكأنهم لازالوا يعيشون أيام ستالين وكاسترو وماوتسي تونغ،وأجيبهم بأني أتشرف ومَعي كثير مِن العراقيين لايمكنهم تصوّر عددهم وحَجمهم بالحزن على سقوط الملكية وإستشهاد العائلة المالكة،وكنت أتمنى عليهم خصوصاً أن فيهم أساتذة كبار أن لايقعوا في غمرة إنفعالهم بالدفاع عن إنقلاب14تموز وقادته بإشكالية المبالغة والتعميم، لأنهم أعلم الناس أن التعميم خطأ، وإطلاق التصريحات الغير مستندة لدليل غير مقبول في عالم البحث والدراسة، خصوصاً بما يخص أحداث التأريخ. هم يتحدثون بكل بساطة وبدون دليل باسم الملايين من العراقيين، ولا أدري مَن خَوّلهم الحديث بإسم هذه النسبة وهل لديهم إحصائية حديثة موثقة بهذا الرقم! بالتأكيد لا، لأنهم لا يتحدثون عن وَعي وعِلم، وإنما يتحدثون من وَحي ثوريات القرن الماضي التي لازالوا مَحبوسين بقمقمِها، أنا على ثقة تامة بأنهم يعرفون المئات فقط ممن يؤيدون14تموز ويعتبروها ثورة، وهي النِسبة التي ينطبق عليها كلامهم، وإذا كانوا يظنون أن من يَحضر حفلات14تموز هُم من مؤيديها فهُم واهمون، لأن بعض الناس إختصاص حضور حفلات، تجدهم اليوم في حفل14تموز وبعد أيام في حفل17 تموز، بالتالي حديثهم بإسم الملايين مردود عليه.أما أنا فلم أتحدث بلسان الملايين من العراقيين ولا أريد أن أفرض عليهم نظام حُكم معين، جمهورياً كان أو ملكياً، قومياً كان أو إشتراكياً أو ليبرالياً أو إسلامياً، كما كانت تفعل ولاتزال بعض الأحزاب ونخبها الثقافية،فزمن الحديث بأسم الشعوب ولّى،وكثير من العراقيين يَترَحّمون اليوم على النظام الملكي ورجاله ويتمنون لو بقي حتى الآن، لأنهم يعلمون أن حالهم ما كان ليصل لما هو عليه اليوم لو لم يندفعوا بالتضليل خلف شِعارات فارغة لم تُشبع بطونهم ولم تكسي أجسادهم، أما أبناء الطبقة المتوسطة البرجوازية فجميعنا نعلم بأنهم ليسوا مع 14 تموز بل مع النظام الملكي. رغم ذلك نحن لا ندعوا لعودة النظام الملكي اليوم أو الآن، لأسباب سَبَق أن ذكرتها، أهمها الوضع السياسي المزري للعراق، والذي لا يَسمَح بعودة النظام الملكي لأنه أكثر تطوراً من التركيبة الحالية للمجتمع العراقي ونُخبه السياسية اليوم، إضافة لعدم وجود رَمز لعودة الملكية، خصوصاً وسُمو الشريف علي الذي أقدره وأحترمه جداً أثبت عبر أدائه السياسي في الفترة التي أعقبت2003 أن لا قَِبَل له بالأمر، لذا فبعض الأخوة يَستلِمون أحياناً رسائل خاطئة مفادها أني أدعوا لعودة الملكية حالاً، رغم أن هذه ليست طريقة تفكيري بل طريقة تفكير الثوريين المُندفعين وأصحاب الشعارات الطنانة وأنا والحمد لله لست مِنهم، فالهدف إظهار الحقيقة التي ظلت مغيّبة بفِعل الدعاية الثورية لجمهوريات الخوف التي أفرزتها14تموز، لذا يا أستاذتنا الأعزاء كونكم ترفضون الملكية لا يعني أن كل البشرية لها نفس رأيكم. هنا أذكِّرهم بأن بعض المحسوبين على ما يُسَمّى بالحركة الوطنية وبالأخص القومية منها لازالوا يطلقون على حركة مايس1941 الإنقلابية صفة ثورة، رغم أنها بالنسبة لغالبية الشعب العراقي دَكّة، وهم يَعلمون ماذا تعني كلمة دَكّة بالعراق ولماذا تقال ولِمَن، فهي تقال لمن يَغدُر ويَطعَن بالظهر ويقوم بفِعل مُعيب مُخجل، والعراقيين قالوا كلمتهم منذ ذلك الحين بهذه الحركة ووَصَفوها بالدَكّة ولايزالون. هذه هي نظرة العراقيين لمَن خرَج عن الشرعية الدستورية للنظام الملكي وتحَرّك لإسقاطه،أما ما يُسَمّى بالحركة الوطنية فسارعت حينها للدخول بحكومة الإنقلاب وباركته بإندفاع مُخجل، في حين كانت ترفض دخول حكومة يشكلها نوري السعيد أو صالح جبر أو الجمالي، ففي الوقت الذي سارع الجادرجي للدخول في حكومة شكلها الكيلاني المتآمر مَع مجموعة ضباط ودولة أجنبية هي المانيا، كان يُهاجم الحكومة التي شكلها فاضل الجمالي ويَصِفه بعديم الخبرة! فأي حركة وطنية هذه التي تدّعي تمثيل شعبها وهي تشارك بحكومة حركة إنقلابية وصفها شعبها بالدَكّة ؟؟
يتغنى بعض الكتاب بنضالهم ضد النظام الملكي، ويتكلمون كعادتهم بصيغة الجَمع وبإسم كل العراقيين، مدّعين بأن(عشرات الآلاف)من العراقيين قد تعرضوا للتعذيب في العهد الملكي،وهو كلام غير سليم وغير واقعي، تدحضه الوثائق والشهادات التأريخية حتى لأعداء النظام الملكي، لكن هذا الرقم قريب ربما لعدد العراقيين الذين تعرضوا للتعذيب بظل(ثورة 14 تموزالمجيدة) ومُحاكماتها الصُورية الفكاهية،وهنا أجيبهم بالقول..لم يناضل البسطاء ولا أبناء الطبقة المتوسطة ضد النظام الملكي، على العكس،فقد بكوا بدل الدموع دماً عند سقوطه،ولعنوا من إنقلب عليه، ولازالوا يترحمون عليه وعلى أيامه التي لم يعرفوا أيام خير وعِز مثلها طوال تأريخهم الحديث. إن مَن (ناضل!) ضد النظام الملكي وبالأحرى (حارب النظام الملكي وتآمر عليه وشوّه صورته)هي أحزاب مؤدلجة بأفكار الشرعية الثورية كانت متأثرة بنظام شيوعي إشتراكي هنا، وآخر قومي وحدوي هناك، سَعَت لإقامة أنظمة حُكم مُستنسخة عنها ببلدانها، ولم تكن لترضى عن النظام الملكي أو لتتوقف عن محاربته مهما فعل، فقد كانت تنظر إليه كنظام رجعي رأسمالي إقطاعي غير ديمقراطي، وكأن الأنظمة التي كانت متاثرة بها في روسيا ومصر كانت أفضل منه وأكثر تحرراً وتقدمية وديمقراطية!ولم تكن نِيّة إسقاط النظام الملكي بسَبق إصرار وترصّد رغم كل الإنجازات التي تحققت في السنوات الأخيرة مِنه وكان يُمكِن أن تتحقق بحال بقائه سوى لدى أحزاب كانت تؤمن بحُكم الحزب الواحد والزعيم الأوحد، وكانت الأصنام الثورية الدكتاتورية كستالين وناصر مَثلُها الأعلى، والتجارب الشيوعية بروسيا والقومية بمصر هي النموذج المُحتذى الذي تناضل لتحقيقه،لذا ما إن سَقط النظام الملكي حتى بات لكل مِنها زعيم أوحد وقائد ضرورة يُرى في القمر،وهي ظاهرة خطيرة مُخزية لم تكن موجودة أيام النظام الملكي(الرجعي) الذي كان يَتندّرون على رؤساء وزرائه بالقول(نوري السعيد قندرة وصالح جبر قيطانة). إن أبناء الطبقة المتوسطة وحتى الفقيرة كانوا يعلمون بأن حياتهم الحرة الكريمة ستتحقق عاجلاً أو آجلاً ببقاء النظام الملكي البرلماني وساسته من ذوي الخبرة والعقل، وليس بالإنقلاب عليه أو بواسطة بَساطيل العَسكر المَسكونين بداء العَظَمة الذين أوجدوا بدلاً عنه أنظمة ديكتاتورية شمولية تَحكُم بالحديد والنار. نعم من حق هؤلاء الكتاب أن يتكلموا بأسم أحزابهم وما كان يُسَمّى بالحركة الوطنية التي كان بعضهم ولايزال جزئاً منها ومن كهنوتها، لكن ليس بإسم كل العراقيين. هنا أسألهم.. الى أين قادنا نضالكم الذي تتغنون به اليوم؟ الى جمهوريات قاسم والعارفين والبَكر وصدام الدكتاتورية التي دمّرت البلاد وأفقرتها وأدخلتها وشعبها بحروب عبثية خاسرة وحَكمَتها وشعبَها بالحديد والنار والقمع والرُعب والإبادة الجماعية؟ أم الى عراق ولاية الفقيه الحالي؟
إن ظاهرة الحنين الى الملكية والترَحّم عليها وعلى أيامها، وبالتالي إعادة تقييمها كمرحلة سياسية وثقافية وإجتماعية ليست جديدة كما يظن البعض،فقد بدأت منذ ما يزيد على عقدين وزادت بالسنوات الأخيرة حتى باتت ظاهرة عامة بأوساط شرائح واسعة من أبناء الشعب العراقي، لا يمكن وصفها بالمئات أو الأولوف، وهي اليوم أكثر تجذراً بنفوس وعقول الشباب،الذين بات الكثيرون منهم ناقمين على النُظُم الجمهورية التي حَكمَت العراق، ومؤيدين لعودة الملكية الدستورية الهاشمية إليه، وأعتقد أن أغلب كتاب الأحزاب الثورية الشمولية غير مُنتبهين لهذه الظاهرة، التي باتت اليوم حقيقة يراها ويُشخِّصَها كل مُتابع مُنصِف ومُحايد للتأريخ يعيش الواقع لا أحلام الماضي،وهي أن شباب العراق الواعي المُثقف يميل بغالبية واضحة للملكية الدستورية ويتمنى عودتها لحكم العراق، ويَحن للعائلة المالكة العراقية ويَلعن سنوياً وبكل ذكرى ل14تموز قاتليها ومن إنقلبوا عليها من العسكر، ومن صَفّق وهَوّس لهم من الرعاع. أما الأجيال الكبيرة فهي تنقسم لقسمين، قِسم يذهب لما يذهب إليه الشباب مِن مَيل للملكية، وقِسم آخر لايزال يعيش أحلام الماضي وتتردّد بأسماعه صدى شعاراته التي تجعله (يعيش الدور) حتى اللحظة رغم إنقضاء نصف قرن. إذا أراد البعض أن يعرف رأي عامة العراقيين شباباً وشيباً، رجالاً ونساءً في 14 تموز، فأدعوهم للخروج قليلاً بعيداً عن حدود وأطر عالمهم التقليدي الذي اعتادوا أخذ أمثلتهم منه، وهو عالم صغير إذا ما قورن بعُموم المجتمع العراقي الأوسع بكثير من غيتوات هنا وأخرى هناك، مُرتهنة العقل منذ نصف قرن لعقائد وآيديلوجيات لم تتغير وتتطور تظن أنها تملك الحقيقة المطلقة وأنها مركز الكون. إن5-10%من الجالية العراقية في عموم العالم التي يتواصل معها الأساتذة الأعزاء أو الجزء الأكبر منها وليس كلها هم فقط أنصار14تموز وهي لا تمثل كل العراق، ماذا عن90% من هذه الجالية الجالسين في بيوتهم ولايعرفونهم لأنهم لايلتقون في أي محفل إجتماعي أو ثقافي يساري؟وماذا عن أبناء الشعب العراقي في الداخل؟ إن كانوا من أنصار14 تموز فلِمَ لَم يصوتوا لِمَن يُهللون ل14تموز؟ولماذا لم تحصل القوى التي رفعت شعارها على مقعد في البرلمان؟. أظن أن كل هذا يثبت أن العالم قد تغير، وأن المجتمع العراق الحالي هو ليس ذلك المجتمع الذي تركوه قبل 40 سنة، ولا يشبه المجتمع الذي يتواصلون معه في المهجر، فعلى سبيل المثال لم يُعد شباب العراق ثورياً مُندفعاً يؤمن بالشرعية الثورية كما يُصِرون على تصوّره، بل بات الواعي منه عَمَلياً يُفكر بغَدِه ومستقبله ويَميل للنظم الملكية ويُقدِّرها ويَحلم أن يُحكم بلده على غرارها، أما مغيبوا الوعي فلاهون بلطم الصدور وتقديم النذور وزيارة القبور بعد أن باتوا ألعوبة بيَد أحزاب الإسلام السياسي،التي ما كانت لتحلم بالعمل السياسي في العراق لو بقي النظام الملكي، فكيف بتولي السلطة كما يحدث اليوم!
رغم إختلاف وجهات النظر بيني وبين هؤلاء الأساتذة الأعزاء حول الكثير من المسائل الجوهرية،الفكرية منها والسياسية، إلا أنني أتمنى أن لا يُفسد ذلك للود قضية بيني وبينهم، لأنني أعتز بمعرفتهم وبتواصلي معهم وبردِّهم في أكثر من مَرّة على ما أكتب ومناقشة ما أطرح مِن أفكار، يبقى الحُكم والقول الفصل فيها للقراء الذين يتابعون مقالاتنا، والذين أدلى بَعضهم بدَلوه فيها مِن خلال التعليقات التي ورَدَت على مقالاتي ومقالاتهم في صفحات الإنترنت التي نشرتها،يَستطيع من يراجعها أن يَعرف لأي كفة تميل أفكار ومشاعر العراقيين اليوم بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم، الى العهد الملكي الزاهر؟ أم الى الإنقلابات وجمهورياتها الدكتاتورية الشمولية.
همسة :
يقول الأمام الشافعي: " رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ".
يقول فولتير: " قد أختلف معك في الرأي، لكني مستعد للموت في سبيل حقك بالتعبير عن رأيك ".
مصطفى القرة داغي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.